المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[كِتَابُ الشَّهَادَاتِ] ِ فَائِدَةٌ: " الشَّهَادَةُ " حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ، تُظْهِرُ الْحَقَّ الْمُدَّعَى - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ١٢

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌[كِتَابُ الشَّهَادَاتِ] ِ فَائِدَةٌ: " الشَّهَادَةُ " حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ، تُظْهِرُ الْحَقَّ الْمُدَّعَى

[كِتَابُ الشَّهَادَاتِ]

ِ فَائِدَةٌ:

" الشَّهَادَةُ " حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ، تُظْهِرُ الْحَقَّ الْمُدَّعَى بِهِ، وَلَا تُوجِبُهُ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، الْحَاوِي. قَوْلُهُ (تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ وَأَدَاؤُهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ)، تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ فِي حَقِّ غَيْرِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانَ فِي حَقِّ غَيْرِ اللَّهِ كَحَقِّ الْآدَمِيِّ، وَالْمَالِ، وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ: أَنَّ تَحَمُّلَهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيِّ: فِي إثْمِهِ بِامْتِنَاعِهِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ: وَجْهَانِ، وَذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْبُلْغَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا، وَإِنْ كَانَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَيْسَ تَحَمُّلُهَا فَرْضَ كِفَايَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَقِيلَ: إنْ قَلَّ الشُّهُودُ وَكَثُرَ أَهْلُ الْبَلَدِ: فَهِيَ فِيهِ فَرْضُ عَيْنٍ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ

ص: 3

فَائِدَةٌ:

حَيْثُ وَجَبَ تَحَمُّلُهَا، فَفِي وُجُوبِ كِتَابَتِهَا لِتُحْفَظَ: وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، قُلْت: الصَّوَابُ الْوُجُوبُ لِلِاحْتِيَاطِ، ثُمَّ وَجَدْت صَاحِبَ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قَدَّمَهُ، ذَكَرَهُ فِي أَوَائِلِ بَقِيَّةِ الشَّهَادَاتِ، وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله أَنَّهُ قَالَ: يَكْتُبُهَا إذَا كَانَ رَدِيءَ الْحِفْظِ، فَظَاهِرُهُ: الْوُجُوبُ، وَأَمَّا أَدَاءُ الشَّهَادَةِ، فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: ذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: هُوَ أَشْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ رِوَايَةً، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: وَمَنْ لَزِمَتْهُ الشَّهَادَةُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِهَا عَلَى الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، لَا يَسَعُهُ التَّخَلُّفُ عَنْ إقَامَتِهَا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ، فَظَاهِرُهُ: أَنَّ أَدَاءَهَا فَرْضُ عَيْنٍ، قُلْت: وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَنَصُّهُ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: أَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ.

ص: 4

فَوَائِدُ

الْأُولَى: يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ: أَنْ يُدْعَى إلَيْهِمَا وَيَقْدِرَ عَلَيْهِمَا بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَلَا تُبَدَّلُ فِي التَّزْكِيَةِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَمَنْ تَضَرَّرَ بِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ أَوْ أَدَائِهَا فِي بَدَنِهِ أَوْ عِرْضِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَهْلِهِ: لَمْ يَلْزَمْهُ، الثَّانِيَةُ: يَخْتَصُّ الْأَدَاءُ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَمَنْ تَحَمَّلَهَا أَوْ رَأَى فِعْلًا، أَوْ سَمِعَ قَوْلًا بِحَقٍّ لَزِمَهُ أَدَاؤُهَا عَلَى الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَالنَّسِيبِ وَغَيْرِهِ، سَوَاءٌ فِيمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَقِيلَ: أَوْ مَا يَرْجِعُ فِيهِ إلَى مَنْزِلِهِ لِيَوْمِهِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: تَجِبُ فِي مَسَافَةِ كِتَابٍ لِلْقَاضِي عِنْدَ سُلْطَانٍ لَا يَخَافُ تَعَدِّيهِ، نَقَلَهُ مُثَنَّى، أَوْ حَاكِمٍ عَدْلٍ، نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: كَيْفَ أَشْهَدُ عِنْدَ رَجُلٍ لَيْسَ عَدْلًا؟ قَالَ: لَا تَشْهَدْ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ: أَخَافُ أَنْ يَسَعَهُ أَنْ لَا يَشْهَدَ عِنْدَ الْجَهْمِيَّةِ، وَقِيلَ: أَوْ لَا يَنْعَزِلُ بِفِسْقِهِ، وَقِيلَ: لَا أَمِيرَ الْبَلَدِ وَوَزِيرَهُ. الثَّالِثَةُ: لَوْ أَدَّى شَاهِدٌ وَأَبَى الشَّاهِدُ الْآخَرُ، وَقَالَ " احْلِفْ أَنْتَ بَدَلِي " أَثِمَ اتِّفَاقًا، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ، إنْ قُلْنَا: هِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ. الرَّابِعَةُ: لَوْ دُعِيَ فَاسِقٌ إلَى شَهَادَةٍ فَلَهُ الْحُضُورُ مَعَ عَدَمِ غَيْرِهِ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ،

ص: 5

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُ لِتَحَمُّلِهَا، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ: لَا تُعْتَبَرُ لَهُ الْعَدَالَةُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا، وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى صَارَ عَدْلًا: قُبِلَتْ، وَلَمْ يَذْكُرُوا تَوْبَةً لِتَحَمُّلِهَا، وَلَمْ يُعَلِّلُوا أَنَّ مَنْ ادَّعَاهَا بَعْدَ أَنْ رُدَّ إلَّا بِالتُّهْمَةِ، وَذَكَرُوا إنْ شَهِدَ عِنْدَهُ فَاسِقٌ يَعْرِفُ، قَالَ لِلْمُدَّعِي: زِدْنِي شُهُودًا، لِئَلَّا يَفْضَحَهُ، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: إنْ شَهِدَ مَعَ ظُهُورِ فِسْقِهِ: لَمْ يُعَزَّرْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِدْقَهُ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ أَدَاءُ الْفَاسِقِ وَإِلَّا لَعُزِّرَ، يُؤَيِّدُهُ: أَنَّ الْأَشْهَرَ لَا يَضْمَنُ مَنْ بَانَ فِسْقُهُ، وَيَتَوَجَّهُ التَّحْرِيمُ عِنْدَ مَنْ ضَمَّنَهُ، وَيَكُونُ عِلَّةً لِتَضْمِينِهِ، وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ الضَّمَانِ وَالتَّحْرِيمِ

قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ: أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا)، وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْرُمُ فِي الْأَصَحِّ أَخْذُ أُجْرَةٍ وَجُعْلٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ إنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ إذَا كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله وَجْهًا بِجَوَازِ الْأَخْذِ لِحَاجَةٍ، تَعَيَّنَتْ أَوْ لَا، وَاخْتَارَهُ، وَقِيلَ: يَجُوزُ الْأَخْذُ مَعَ التَّحَمُّلِ، وَقِيلَ: أُجْرَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) ،

ص: 6

وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله يَجُوزُ لِحَاجَةٍ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ مَعَ التَّحَمُّلِ.

تَنْبِيهٌ: حَيْثُ قُلْنَا: بِعَدَمِ الْأَخْذِ، فَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ أَوْ تَأَذَّى بِهِ، فَأُجْرَةُ الْمَرْكُوبِ عَلَى رَبِّ الشَّهَادَةِ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَأُجْرَةُ الْمَرْكُوبِ وَالنَّفَقَةِ عَلَى رَبِّهَا ثُمَّ قَالَ: قُلْت: هَذَا إنْ تَعَذَّرَ حُضُورُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إلَى مَحَلِّ الشَّاهِدِ، لِمَرَضٍ أَوْ كِبَرٍ، أَوْ حَبْسٍ، أَوْ جَاهٍ، أَوْ خَفَرٍ، وَقَالَ أَيْضًا: وَكَذَا حُكْمُ مُزَكٍّ، وَمُعَرِّفٍ، وَمُتَرْجِمٍ، وَمُفْتٍ، وَمُقِيمِ حَدٍّ وَقَوَدٍ، وَحَافِظِ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ، وَمُحْتَسِبٍ، وَالْخَلِيفَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ.

فَائِدَةٌ: لَا يُقِيمُ الشَّهَادَةَ عَلَى مُسْلِمٍ بِقَتْلِ كَافِرٍ وَكِتَابَةٍ كَشَهَادَةٍ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ فِي حَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى: أُبِيحَ لَهُ إقَامَتُهَا وَلَمْ تُسْتَحَبَّ) هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ،

ص: 7

وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَأَبُو الْفَرَجِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ: يُسْتَحَبُّ تَرْكُ ذَلِكَ؛ لِلتَّرْغِيبِ فِي السَّتْرِ، قَالَ النَّاظِمُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ: تَرْكُهَا أَوْلَى، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا يُخَالِفُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي آخِرِ الرِّعَايَةِ مِنْ وُجُوبِ الْإِغْضَاءِ عَمَّنْ سَتَرَ الْمَعْصِيَةَ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخَلَّالِ، قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ مَنْ عُرِفَ بِالشَّرِّ وَالْفَسَادِ: أَنْ لَا يُسْتَرَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يُشْبِهُ قَوْلَ الْقَاضِي الْمُتَقَدِّمَ فِي الْمُقِرِّ بِالْحَدِّ، وَسَبَقَ قَوْلُ شَيْخِنَا فِي إقَامَةِ الْحَدِّ. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، بَلْ لَوْ قِيلَ: بِالتَّرَقِّي إلَى الْوُجُوبِ لَاتَّجَهَ، خُصُوصًا إنْ كَانَ يَنْزَجِرُ بِهِ.

قَوْلُهُ (وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُعَرِّضَ لَهُمْ بِالْوُقُوفِ عَنْهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلِلْحَاكِمِ فِي الْأَصَحِّ أَنْ يُعَرِّضَ لَهُ بِالتَّوَقُّفِ عَنْهَا، قَالَ الشَّارِحُ: وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُعَرِّضَ لِلشَّاهِدِ بِالْوُقُوفِ عَنْهَا فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي مُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُ. وَالثَّانِي: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: هَلْ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِحَدٍّ قَدِيمٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْقَبُولُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ

ص: 8

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تُقْبَلُ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ فِي مَوْضِعٍ. الثَّانِيَةُ: لِلْحَاكِمِ أَنْ يُعَرِّضَ لِلْمُقِرِّ بِحَدٍّ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ إقْرَارِهِ، وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: تَلْقِينُهُ الرُّجُوعَ مَشْرُوعٌ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِآدَمِيٍّ يَعْلَمُهَا لَمْ يُقِمْهَا حَتَّى يَسْأَلَهُ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهَا: اُسْتُحِبَّ لَهُ إعْلَامُهُ بِهَا) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَأَطْلَقُوا، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: الطَّلَبُ الْعُرْفِيُّ، أَوْ الْحَالِيُّ: كَاللَّفْظِيِّ عَلِمَهَا أَوْ لَا، قُلْت: هَذَا عَيْنُ الصَّوَابِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ إعْلَامُهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهَا وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله فِي رَدِّهِ عَلَى الرَّافِضِيِّ: إذَا أَدَّاهَا قَبْلَ طَلَبِهِ، قَامَ بِالْوَاجِبِ، وَكَانَ أَفْضَلَ. كَمَنْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ أَدَّاهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ تُشْبِهُ الْخِلَافَ فِي الْحُكْمِ قَبْلَ الطَّلَبِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ إلَّا بِمَا يَعْلَمُهُ بِرُؤْيَةٍ أَوْ سَمَاعٍ) بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ، لَكِنْ لَوْ جَهِلَ رَجُلًا حَاضِرًا جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي حَضْرَتِهِ لِمَعْرِفَةِ عَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا، فَعَرَفَهُ مَنْ يَسْكُنُ إلَيْهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَعِنْدَ جَمَاعَةٍ: جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ،

ص: 9

وَعَنْهُ: الْمَنْعُ مِنْ الشَّهَادَةِ بِالتَّعْرِيفِ، وَحَمَلَهَا الْقَاضِي عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي النَّظْمِ، وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: إنْ عَرَفَهَا كَنَفْسِهِ: شَهِدَ، وَإِلَّا فَلَا، وَعَنْهُ: أَوْ نَظَرَ إلَيْهَا شَهِدَ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَشْهَدُ عَلَيْهَا إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهُوَ مُحْتَمَلٌ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهَا بَيْتَهَا إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا، وَعَلَّلَ رِوَايَةَ حَنْبَلٍ: بِأَنَّهُ أَمْلَكُ بِعِصْمَتِهَا، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ لِلْخَبَرِ، وَعَلَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ النَّظَرَ حَقُّهُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَهُوَ سَهْوٌ، وَتَقَدَّمَ هَذَا أَيْضًا فِي " بَابِ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ عِنْدَ التَّعْرِيفِ " وَذَكَرْنَا هُنَاكَ كَلَامَ صَاحِبِ الْمَطْلَعِ فَلْيُرَاجَعْ.

قَوْلُهُ (وَالسَّمَاعُ عَلَى ضَرْبَيْنِ سَمَاعٌ مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، نَحْوُ الْإِقْرَارِ، وَالْعُقُودِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَنَحْوِهِ) ، وَكَذَا حُكْمُ الْحَاكِمِ، فَيَلْزَمُ الشَّاهِدَ الشَّهَادَةُ مِمَّا سَمِعَ، لَا بِأَنَّهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ، فَيُخَيَّرُ، وَيَأْتِي تَتِمَّةُ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى عِنْدَ قَوْلِهِ " وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُسْتَخْفِي ".

فَائِدَةٌ: لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ فِي مَحْفِلٍ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ: أَنَّهُ طَلَّقَ، أَوْ أَعْتَقَ: قُبِلَ، وَلَوْ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ، فَشَهِدَا عَلَى الْخَطِيبِ: أَنَّهُ قَالَ، أَوْ فَعَلَ

ص: 10

عَلَى الْمِنْبَرِ فِي الْخُطْبَةِ شَيْئًا لَمْ يَشْهَدْ بِهِ غَيْرُهُمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ: قُبِلَ مَعَ الْمُشَارَكَةِ فِي سَمْعٍ وَبَصَرٍ، ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي فِي شَهَادَةِ وَاحِدٍ فِي رَمَضَانَ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُهُمْ " إذَا انْفَرَدَ وَاحِدٌ فِيمَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ مَعَ مُشَارَكَةِ خَلْقٍ: رُدَّ ". قَوْلُهُ (وَسَمَاعٌ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِفَاضَةِ فِيمَا يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ فِي الْغَالِبِ إلَّا بِذَلِكَ: كَالنَّسَبِ، وَالْمَوْتِ، وَالْمِلْكِ، وَالنِّكَاحِ، وَالْخُلْعِ، وَالْوَقْفِ وَمَصْرِفِهِ، وَالْعِتْقِ، وَالْوَلَاءِ، وَالْوِلَايَةِ، وَالْعَزْلِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) ، كَالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ، هَذَا الْمَذْهَبُ، أَعْنِي: أَنْ يَشْهَدَ بِالِاسْتِفَاضَةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا يَشْهَدُ بِالِاسْتِفَاضَةِ فِي الْوَقْفِ، وَحَكَى فِي الرِّعَايَةِ خِلَافًا فِي مِلْكٍ مُطْلَقٍ وَمَصْرِفِ وَقْفٍ، وَقَالَ فِي الْعُمْدَةِ: وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِمَا فِي حَدٍّ وَلَا قِصَاصٍ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُهُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِمَا، وَهُوَ أَظْهَرُ. انْتَهَى.

وَسَأَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ عَنْ شَهَادَةِ الْأَعْمَى؟ فَقَالَ: يَجُوزُ فِي كُلِّ مَا ظَنَّهُ، مِثْلَ النَّسَبِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْحَدِّ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَابْنِ حَامِدٍ، وَغَيْرِهِمَا: أَنَّهُ يَثْبُتُ فِيهِمَا أَيْضًا، لِأَنَّهُمْ أَطْلَقُوا الشَّهَادَةَ بِمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: تُسْمَعُ شَهَادَةُ الِاسْتِفَاضَةِ فِيمَا تَسْتَقِرُّ مَعْرِفَتُهُ بِالتَّسَامُعِ، لَا فِي عَقْدٍ، وَاقْتَصَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ: الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَالشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا

ص: 11

وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّاءِ عَلَى النَّسَبِ وَالْمَوْتِ، وَالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، وَالنِّكَاحِ، وَالْوَقْفِ، وَالْعِتْقِ، وَالْوَلَاءِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ أَشْهَرُ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَزَادَ الْأَصْحَابُ عَلَى ذَلِكَ: مَصْرِفَ الْوَقْفِ وَالْوِلَايَةَ وَالْعَزْلَ، وَقَالَ نَحْوَهُ فِي الْكَافِي، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَا تُقْبَلُ إلَّا فِي نَسَبٍ وَمَوْتٍ وَمِلْكٍ مُطْلَقٍ، وَوَقْفٍ وَوَلَاءٍ وَنِكَاحٍ، وَأَسْقَطَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ الْخُلْعَ وَالطَّلَاقَ، وَأَسْقَطَهُمَا آخَرُونَ، وَزَادُوا: الْوَلَاءَ، وَقَالَ الشَّارِحُ: لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْخُلْعَ فِي الْمُغْنِي، وَلَا فِي الْكَافِي، قَالَ: وَلَا رَأَيْته فِي كِتَابِ غَيْرِهِ، وَلَعَلَّهُ قَاسَهُ عَلَى النِّكَاحِ، قَالَ: وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَثْبُتَ. قِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ. انْتَهَى.

قُلْت: نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله عَلَى ثُبُوتِ الشَّهَادَةِ بِالِاسْتِفَاضَةِ فِي الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، لَكِنْ الْعُذْرُ لِلشَّارِحِ: أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ نَقْلِهِ، وَقَالَ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ: تَعْلِيلُ أَصْحَابِنَا بِأَنَّ جِهَاتِ الْمِلْكِ تَخْتَلِفُ: تَعْلِيلٌ يُوجَدُ فِي الدَّيْنِ، فَقِيَاسُ قَوْلِهِمْ: يَقْتَضِي أَنْ يَثْبُتَ الدَّيْنُ بِالِاسْتِفَاضَةِ، قُلْت: وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَالنِّكَاحَ " يَشْمَلُ الْعَقْدَ وَالدَّوَامَ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ، وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ،

ص: 12

وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يَشْهَدُ بِالِاسْتِفَاضَةِ فِي دَوَامِ النِّكَاحِ، لَا فِي عَقْدِهِ، مِنْهُمْ: ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ.

قَوْلُهُ (وَلَا تُقْبَلُ الِاسْتِفَاضَةُ إلَّا مِنْ عَدَدٍ يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ الْقَاضِي: تُسْمَعُ مِنْ عَدْلَيْنِ، وَقِيلَ: تُقْبَلُ أَيْضًا مِمَّنْ تَسْكُنُ النَّفْسُ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ وَاحِدًا وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَحَفِيدُهُ. فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: يَلْزَمُ الْحُكْمُ بِشَهَادَةٍ لَمْ يَعْلَمْ تَلَقِّيهَا مِنْ الِاسْتِفَاضَةِ، وَمَنْ قَالَ:" شَهِدْت بِهَا " فَفَرْعٌ، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: شَهَادَةُ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ شَهَادَةُ اسْتِفَاضَةٍ، لَا شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ فَيَكْتَفِي بِمَنْ شَهِدَ بِهَا. كَبَقِيَّةِ شَهَادَةِ الِاسْتِفَاضَةِ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَيْسَ فِيهَا فُرُوعٌ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ: الشَّهَادَةُ بِالِاسْتِفَاضَةِ خَبَرٌ، لَا شَهَادَةٌ، وَقَالَ: تَحْصُلُ بِالنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: هِيَ نَظِيرُ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ عَنْ الشُّهُودِ عَلَى الْخِلَافِ، وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: إنْ شَهِدَ أَنَّ جَمَاعَةً يَثِقُ بِهِمْ أَخْبَرُوهُ بِمَوْتِ فُلَانٍ، أَوْ

ص: 13

أَنَّهُ ابْنُهُ، أَوْ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ: فَهِيَ شَهَادَةُ الِاسْتِفَاضَةِ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ، كَذَا أَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ، وَيَحْكُمُ فِيهِ بِشَهَادَةِ الِاسْتِفَاضَةِ، وَأَجَابَ أَبُو الْوَفَاءِ: إنْ صَرَّحَا بِالِاسْتِفَاضَةِ، أَوْ اسْتَفَاضَ بَيْنَ النَّاسِ: قُبِلَتْ فِي الْوَفَاةِ وَالنَّسَبِ جَمِيعًا، وَنَقَلَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ: لَا يَشْهَدُ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَنَقَلَ مَعْنَاهُ جَعْفَرٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ غَرِيبٌ. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِذَا شَهِدَ بِالْأَمْلَاكِ بِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ، فَعَمَلُ وُلَاةِ الْمَظَالِمِ بِذَلِكَ أَحَقُّ، ذَكَرَهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِالتَّوَاتُرِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ سَمِعَ إنْسَانًا يُقِرُّ بِنَسَبِ أَبٍ أَوْ ابْنٍ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ: جَازَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِهِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ: لَمْ يَشْهَدْ) بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ (وَإِنْ سَكَتَ: جَازَ أَنْ يَشْهَدَ) ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَشْهَدَ حَتَّى يَتَكَرَّرَ، وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَعَلَّلَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، فَقَالَ: لِأَنَّهُ لَوْ أَكْذَبَهُ: لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ، وَسُكُوتُهُ يَحْتَمِلُ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ، ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا تَعْلِيلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، قَالَ: وَعِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ،

ص: 14

وَذَلِكَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ الْمَذْكُورَ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي دَعْوَى الْأُبُوَّةِ، مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ شَخْصٌ أَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ، وَفُلَانٌ يَسْمَعُ: فَيَسْكُتُ، فَإِنَّ السُّكُوتَ إذًا نُزِّلَ هُنَا مَنْزِلَةَ الْإِقْرَارِ: صَارَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْأَبُ أَنَّ فُلَانًا ابْنُهُ، قَالَ: وَيُقَوِّي مَا ذَكَرْته: أَنَّ الْمُصَنِّفَ حَكَى فِي الْمُغْنِي: إذَا سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لِصَبِيٍّ " هَذَا ابْنِي " جَازَ أَنْ يَشْهَدَ، وَإِذَا سَمِعَ الصَّبِيَّ يَقُولُ " هَذَا أَبِي " وَالرَّجُلُ يَسْمَعُهُ، فَسَكَتَ: جَازَ أَنْ يَشْهَدَ؛ لِأَنَّ سُكُوتَ الْأَبِ إقْرَارٌ، وَالْإِقْرَارُ يُثْبِتُ النَّسَبَ فَجَازَتْ الشَّهَادَةُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَإِنَّمَا أُقِيمَ السُّكُوتُ مَقَامَ النُّطْقِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ عَلَى الِانْتِسَابِ الْفَاسِدِ لَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ سَائِرِ الدَّعَاوَى؛ وَلِأَنَّ النَّسَبَ يَغْلِبُ فِيهِ الْإِثْبَاتُ، إلَّا أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْإِمْكَانِ فِي النِّكَاحِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَشْهَدَ بِهِ مَعَ السُّكُوتِ حَتَّى يَتَكَرَّرَ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: وَالْعَجَبُ مِنْ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَيْثُ نَقَلَ فِي الْمُغْنِي الِاحْتِمَالَ الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ الِاحْتِمَالَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا، قَالَ: وَفِي الْجُمْلَةِ: خُرُوجُ الْخِلَافِ فِيهِ فِيمَا إذَا ادَّعَى شَخْصٌ أَنَّهُ ابْنُ آخَرَ بِحُضُورِ الْآخَرِ، فَيَسْكُتُ: ظَاهِرٌ، وَفِي الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا: الْخِلَافُ فِيهَا بَعِيدٌ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَإِذَا رَأَى شَيْئًا فِي يَدِ إنْسَانٍ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ مِنْ النَّقْضِ وَالْبِنَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَنَحْوِهَا: جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ لَهُ) ،

ص: 15

وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ: ابْنُ حَامِدٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَشْهَدَ إلَّا بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ، وَاخْتَارَهُ السَّامِرِيُّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالنَّظْمِ، قُلْت وَهُوَ الصَّوَابُ خُصُوصًا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ، وَمَعَ الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْإِجَارَةِ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ لِلْقَاضِي، وَفِي نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ: يَشْهَدُ بِالْمِلْكِ بِتَصَرُّفِهِ، وَعَنْهُ: مَعَ يَدِهِ، وَفِي مُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ: إنْ رَأَى مُتَصَرِّفًا فِي شَيْءٍ تَصَرُّفَ مَالِكٍ: شَهِدَ لَهُ بِمِلْكِهِ.

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ قَوْلِهِ " يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ " سَوَاءٌ رَأَى ذَلِكَ مُدَّةً طَوِيلَةً أَوْ قَصِيرَةً، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ: الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَالْفَخْرُ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَالْمَجْدُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ.

ص: 16

قَوْلُهُ (وَمَنْ شَهِدَ بِالنِّكَاحِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ شُرُوطِهِ، وَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِوَلِيٍّ مُرَشَّدٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَرِضَاهَا)، يَعْنِي: إنْ لَمْ تَكُنْ مُجْبَرَةً، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَلَّلَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ: لِئَلَّا يَعْتَقِدَ الشَّاهِدُ صِحَّتَهُ وَهُوَ فَاسِدٌ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ ظَاهِرَهُ: إذَا اتَّحَدَ مَذْهَبُ الشَّاهِدِ وَالْحَاكِمِ لَا يَجِبُ التَّبْيِينُ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ فِيمَنْ ادَّعَى: أَنَّ هَذِهِ الْمَيِّتَةَ امْرَأَتُهُ وَهَذَا ابْنُهُ مِنْهَا: فَإِنْ أَقَامَهَا بِأَصْلِ النِّكَاحِ، وَيَصْلُحُ ابْنُهُ: فَهُوَ عَلَى أَصْلِ النِّكَاحِ، وَالْفِرَاشُ ثَابِتٌ يَلْحَقُهُ، وَإِنْ ادَّعَتْ: أَنَّ هَذَا الْمَيِّتَ زَوْجُهَا: لَمْ يُقْبَلْ إلَّا أَنْ تُقِيمَ بَيِّنَةً بِأَصْلِ النِّكَاحِ، وَيُعْطَى الْمِيرَاثَ، وَالْبَيِّنَةُ: أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِوَلِيٍّ مُرَشَّدٍ، وَشُهُودٍ فِي صِحَّةِ بَدَنِهِ وَجَوَازٍ مِنْ أَمْرِهِ، وَيَأْتِي فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ " وَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ: فِي صِحَّتِهِ وَجَوَازِ أَمْرِهِ "، وَمُرَادُهُ هُنَا: إمَّا لِأَنَّ الْمَهْرَ فَوْقَ مَهْرِ الْمِثْلِ، أَوْ رِوَايَةٌ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ، وَاحْتِيَاطًا لِنَفْيِ الِاحْتِمَالِ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ شَهِدَ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ: فَهَلْ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ شُرُوطِهِ؟ فِيهِ خِلَافٌ. كَالْخِلَافِ الَّذِي فِي اشْتِرَاطِ صِحَّةِ دَعْوَاهُ بِهِ، عَلَى مَا سَبَقَ فِي " بَابِ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ "، وَالْمَذْهَبُ هُنَاكَ: يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الشُّرُوطِ. فَكَذَا هُنَا، فَكُلُّ مَا صَحَّتْ الدَّعْوَى بِهِ صَحَّتْ الشَّهَادَةُ بِهِ، وَمَا لَا فَلَا، نَقَلَ مُثَنَّى فِيمَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ: أَنَّهُ أَقَرَّ لِأَخٍ لَهُ بِسَهْمَيْنِ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ مِنْ كَذَا وَكَذَا سَهْمًا، وَلَمْ يَحُدَّهَا، فَيَشْهَدُ كَمَا سَمِعَ، أَوْ يَتَعَرَّفُ حَدَّهَا: فَرَأَى أَنْ يَشْهَدَ عَلَى حُدُودِهَا، فَيَتَعَرَّفَهَا،

ص: 17

وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: الشَّاهِدُ يَشْهَدُ بِمَا سَمِعَ، وَإِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ: يَتَعَيَّنُ مَا دَخَلَ فِي اللَّفْظِ قَبْلُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ " لِفُلَانٍ عِنْدِي كَذَا، وَأَنَّ دَارِي الْفُلَانِيَّةَ أَوْ الْمَحْدُودَةَ بِكَذَا لِفُلَانٍ " ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ هَذَا الْمُعَيَّنَ هُوَ الْمُسَمَّى، أَوْ الْمَوْصُوفُ، أَوْ الْمَحْدُودُ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: لَمْ يَذْكُرْ لِرَضَاعٍ وَقَتْلٍ وَسَرِقَةٍ وَشُرْبٍ وَقَذْفٍ وَنَجَاسَةِ مَاءٍ قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: وَإِكْرَاهٍ مَا يُشْتَرَطُ لِذَلِكَ، وَيَخْتَلِفُ بِهِ الْحُكْمُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَ بِالزِّنَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ بِمَنْ زَنَى، وَأَيْنَ زَنَى؟ وَكَيْفَ زَنَى؟ وَأَنَّهُ رَأَى ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْمَزْنِيِّ بِهَا، وَلَا الْمَكَانِ، زَادَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ: وَالزَّمَانِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ " هَلْ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِحَدٍّ قَدِيمٍ أَمْ لَا ".

قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَا: أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ ابْنُ أَمَةِ فُلَانٍ: لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهِ حَتَّى يَقُولَا: وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: يَكْفِي بِأَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي " بَابِ اللَّقِيطِ " مُحَرَّرًا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ ادَّعَى إنْسَانٌ أَنَّهُ مَمْلُوكُهُ " فَلْيُعَاوَدْ.

ص: 18

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَا: أَنَّ هَذَا الْغَزْلَ مِنْ قُطْنِهِ، أَوْ الطَّيْرَ مِنْ بَيْضَتِهِ، أَوْ الدَّقِيقَ مِنْ حِنْطَتِهِ: حُكِمَ لَهُ بِهَا) بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ لَوْ شَهِدَ: أَنَّ هَذِهِ الْبَيْضَةَ مِنْ طَيْرِهِ: لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُحْكَمُ لَهُ بِهَا. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَإِذَا مَاتَ رَجُلٌ، فَادَّعَى آخَرُ: أَنَّهُ وَارِثُهُ، فَشَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ: أَنَّهُ وَارِثُهُ، لَا يَعْلَمَانِ لَهُ وَارِثًا سِوَاهُ: سُلِّمَ الْمَالُ إلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ، أَوْ لَمْ يَكُونَا) هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ، إلَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ، لِأَنَّ عَدَمَ عِلْمِهِمْ بِوَارِثٍ آخَرَ لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى عَدَمِهِ، بِخِلَافِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ: لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِمْ. انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقِيلَ: يَجِبُ الِاسْتِكْشَافُ مَعَ فَقْدِ خِبْرَةٍ بَاطِنَةٍ، فَيَأْمُرُ مَنْ يُنَادِي بِمَوْتِهِ، وَلْيَحْضُرْ وَارِثُهُ، فَإِذَا ظَنَّ أَنَّهُ لَا وَارِثَ: سَلَّمَهُ مِنْ غَيْرِ كَفِيلٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ،

ص: 19

وَقِيلَ: لَا يُسَلِّمُهُ إلَّا بِكَفِيلٍ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: حُكِمَ لَهُ بِتَرِكَتِهِ إنْ كَانَ الشَّاهِدَانِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ، وَإِلَّا فَفِي الِاسْتِكْشَافِ مَعًا وَجْهَانِ. انْتَهَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُكْمِلُ لِذِي الْفَرْضِ فَرْضَهُ، وَعَلَى الثَّانِي وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ يَأْخُذُ الْيَقِينَ، وَهُوَ رُبُعُ ثُمُنٍ لِلزَّوْجَةِ عَائِلًا، وَسُدُسٌ لِلْأُمِّ عَائِلًا مِنْ كُلِّ ذِي فَرْضٍ، لَا حَجْبَ فِيهِ وَلَا يَقِينَ فِي غَيْرِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: لَا بُدَّ أَنْ تُقَيَّدَ الْمَسْأَلَةُ بِأَنْ لَا يَكُونَ الْمَيِّتُ ابْنَ سَبِيلٍ وَلَا غَرِيبًا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَا: لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ فِي هَذَا الْبَلَدِ احْتَمَلَ أَنْ يُسَلَّمَ الْمَالُ إلَيْهِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، قَالَ الشَّارِحُ: وَذَكَرَ ذَلِكَ مَذْهَبًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَاحْتَمَلَ: أَنْ لَا يُسَلَّمَ إلَيْهِ حَتَّى يَسْتَكْشِفَ الْقَاضِي عَنْ خَبَرِهِ فِي الْبُلْدَانِ الَّتِي سَافَرَ إلَيْهَا، قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ أَوْلَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالنَّاظِمُ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: حُكِمَ لَهُ بِالتَّرِكَةِ إنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ، وَفِي الِاسْتِكْشَافِ مَعَهَا وَجْهَانِ، وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ، وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ: إنْ شَهِدَا بِإِرْثِهِ فَقَطْ: أَخَذَهَا بِكَفِيلٍ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُغْنِي فِي كَفِيلٍ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَجْهَانِ، وَاسْتِكْشَافُهُ كَمَا تَقَدَّمَ،

ص: 20

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ شَهِدَ الشَّاهِدَانِ الْأَوَّلَانِ: أَنَّ هَذَا وَارِثُهُ: شَارَكَ الْأَوَّلَ، ذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ، وَأَبِي الْوَفَاءِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ.

فَائِدَةٌ:

لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ: أَنَّ هَذَا ابْنُهُ، لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ، وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى: أَنَّ هَذَا ابْنُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ: قُسِمَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ، ذَكَرَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ: إنَّمَا احْتَاجَ إلَى إثْبَاتِ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ؛ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ ظَاهِرًا، فَإِنَّ بِحُكْمِ الْعَادَةِ يَعْلَمُهُ جَارُهُ، وَمَنْ يَعْرِفُ بَاطِنَ أَمْرِهِ، بِخِلَافِ دَيْنِهِ عَلَى الْمَيِّتِ: لَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ أَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ سِوَاهُ؛ لِخَفَاءِ الدَّيْنِ؛ وَلِأَنَّ جِهَاتِ الْإِرْثِ يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَى تَعَيُّنِ انْتِقَالِهَا، وَلَا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ مُطْلَقًا بِدَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْإِعْسَارُ وَالْبَيِّنَةُ فِيهِ، تُثْبِتُ مَا يَظْهَرُ وَيُشَاهَدُ، بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا: أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَدْخُلُ فِي كَلَامِهِمْ: قَبُولُهَا إذَا كَانَ النَّفْيُ مَحْصُورًا، كَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ رضي الله عنه «دُعِيَ صلى الله عليه وسلم إلَى الصَّلَاةِ، فَقَامَ وَطَرَحَ السِّكِّينَ وَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» ، وَلِهَذَا قِيلَ لِلْقَاضِي: أَخْبَارُ الصَّلَاةِ عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدَ مُثْبِتَةٌ، وَفِيهَا زِيَادَةٌ، وَأَخْبَارُكُمْ نَافِيَةٌ، وَفِيهَا نُقْصَانٌ، وَالْمُثْبِتُ أَوْلَى؟ ، فَقَالَ: الزِّيَادَةُ هُنَا مَعَ النَّافِي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَوْتَى: الْغُسْلُ وَالصَّلَاةُ، وَلِأَنَّ الْعِلْمَ بِالتَّرْكِ، وَالْعِلْمَ بِالْفِعْلِ: سَوَاءٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَلِهَذَا يَقُولُ: إنَّ مَنْ قَالَ " صَحِبْت فُلَانًا فِي يَوْمِ كَذَا فَلَمْ يَقْذِفْ فُلَانًا " تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا تُقْبَلُ فِي الْإِثْبَاتِ،

ص: 21

وَذَكَرَ الْقَاضِي أَيْضًا: أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ. كَمَا لَا تُسْمَعُ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ عَلَيْهِ فِي دَيْنٍ يُنْكِرُهُ، فَقِيلَ لَهُ: لَا سَبِيلَ لِلشَّاهِدَيْنِ إلَى مَعْرِفَتِهِ، فَقَالَ: لَهُمَا سَبِيلٌ، وَهُوَ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى ثَمَنَ مَبِيعٍ فَأَنْكَرَهُ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ لِلشَّاهِدَيْنِ سَبِيلًا إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ، بِأَنْ يُشَاهِدَاهُ أَبْرَأَهُ مِنْ الثَّمَنِ، أَوْ أَقْبَضَهُ إيَّاهُ، فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُقْبَلَ. انْتَهَى. وَفِي الرَّوْضَةِ فِي مَسْأَلَةِ النَّافِي لَا سَبِيلَ إلَى إقَامَةِ دَلِيلٍ عَلَى النَّفْيِ، فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُعْرَفُ بِأَنْ يُلَازِمَهُ الشَّاهِدُ مِنْ أَوَّلِ وُجُودِهِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَى، فَيَعْلَمُ سَبَبَ اللُّزُومِ قَوْلًا وَفِعْلًا، وَهُوَ مُحَالٌ. انْتَهَى. وَفِي الْوَاضِحِ: الْعَدَالَةُ تَجَمُّعُ كُلِّ فَرْضٍ، وَتَرْكُ كُلِّ مَحْظُورٍ، وَمَنْ يُحِيطُ بِهِ عِلْمًا؟ التَّرْكُ نَفْيٌ، وَالشَّاهِدُ بِالنَّفْيِ لَا يَصِحُّ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُسْتَخْفِي، وَمَنْ سَمِعَ رَجُلًا يُقِرُّ بِحَقٍّ، أَوْ سَمِعَ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ أَوْ يُشْهِدُ عَلَى حُكْمِهِ وَإِنْفَاذِهِ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) ، وَكَذَا لَوْ سَمِعَ رَجُلًا يُعْتِقُ، أَوْ يُطَلِّقُ، أَوْ يُقِرُّ بِعَقْدٍ وَنَحْوِهِ، يَعْنِي: أَنَّ شَهَادَتَهُ عَلَيْهِ جَائِزَةٌ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا سَمِعَ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ عَنْ شَهَادَةِ الْمُسْتَخْفِي تَجُوزُ عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ وَقَالَا عَنْ الْإِقْرَارِ: الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ:" اشْهَدْ عَلَيَّ ". انْتَهَيَا.

ص: 22

وَلَا يَجُوزُ فِي الْأُخْرَى حَتَّى يُشْهِدَهُ عَلَى ذَلِكَ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَتَبِعَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي عَدَمِ صِحَّةِ شَهَادَةِ الْمُسْتَخْفِي، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ وَالْحُكْمِ حَتَّى يُشْهِدَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَعَنْهُ: إنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ فِي الْحَالِ: شَهِدَ بِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِسَابِقَةِ الْحَقِّ: لَمْ يَشْهَدْ بِهِ، نَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ، وَاخْتَارَهَا الْمَجْدُ، وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، بَلْ يُخَيَّرُ، نَقَلَهَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ، وَتَوَرَّعَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، فَقَالَ فِي الْقَرْضِ وَنَحْوِهِ لَا يَشْهَدُ بِهِ، وَفِي الْإِقْرَارِ يَحِقُّ فِي الْحَالِ يَقُولُ " حَضَرْت إقْرَارَ فُلَانٍ بِكَذَا " وَلَا يَقُولُ " أَشْهَدُ عَلَى إقْرَارِهِ " وَقَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، أَوْ يَقُولَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ " قُرِئَ عَلَيَّ " أَوْ " فَهِمْت جَمِيعَ مَا فِيهِ " فَإِذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ شَهِدَ عَلَيْهِ، وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ، وَحِينَئِذٍ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ " مَا عَلِمْت مَا فِيهِ " فِي الظَّاهِرِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إذَا قَالَ الْمُتَحَاسِبَانِ " لَا تَشْهَدُوا عَلَيْنَا بِمَا يَجْرِي بَيْنَنَا " لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الشَّهَادَةَ، وَلُزُومَ إقَامَتِهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ، وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ، وَعَنْهُ: يَمْنَعُ، وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ.

فَائِدَةٌ:

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ: شَهِدَ، سَوَاءٌ كَانَ وَقْتَ الْحُكْمِ أَوْ لَا، وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْقَاضِي، وَقِيلَ لِابْنِ الزَّاغُونِيِّ: إذَا قَالَ الْقَاضِي لِلشَّاهِدَيْنِ " أُعْلِمُكُمَا أَنِّي حَكَمْت بِكَذَا "

ص: 23

هَلْ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ " أَشْهَدَنَا عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ حَكَمَ بِكَذَا "؟ فَقَالَ: الشَّهَادَةُ عَلَى الْحَاكِمِ تَكُونُ فِي وَقْتِ حُكْمِهِ، فَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ: فَإِنَّهُ مُخْبِرٌ لَهُمَا بِحُكْمِهِ، فَيَقُولُ الشَّاهِدُ " أَخْبَرَنِي أَوْ أَعْلَمَنِي أَنَّهُ حَكَمَ بِكَذَا فِي وَقْتِ كَذَا كَذَا "، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو الْوَفَاءِ: لَا يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَقُولَا " أَشْهَدُ " وَإِنَّمَا يُخْبِرَانِ بِقَوْلِهِ.

قَوْلُهُ (فَصْلٌ: وَإِذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ غَصَبَهُ ثَوْبًا أَحْمَرَ، وَشَهِدَ آخَرُ: أَنَّهُ غَصَبَهُ ثَوْبًا أَبْيَضَ، أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ غَصَبَهُ الْيَوْمَ، وَشَهِدَ آخَرُ: أَنَّهُ غَصَبَهُ أَمْسِ لَمْ تُكَمَّلْ الْبَيِّنَةُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: قَالَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تُكَمَّلُ الْبَيِّنَةُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُمَا. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ كُلُّ شَهَادَةٍ عَلَى الْفِعْلِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْوَقْتِ: لَمْ تُكَمَّلْ الْبَيِّنَةُ، كَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْمَكَانِ، أَوْ فِي الصِّفَةِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى تَغَايُرِ الْفِعْلَيْنِ) ،

ص: 24

وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تُكَمَّلُ الْبَيِّنَةُ، وَلَوْ فِي قَوَدٍ وَقَطْعٍ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي أَيْضًا فِي الْقَطْعِ.

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: لَوْ اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الْفِعْلِ، فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ سَرَقَ مَعَ الزَّوَالِ كِيسًا أَبْيَضَ، وَشَهِدَ آخَرُ: أَنَّهُ سَرَقَ مَعَ الزَّوَالِ كِيسًا أَسْوَدَ، أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ سَرَقَ هَذَا الْكِيسَ غَدْوَةً، وَشَهِدَ آخَرُ: أَنَّهُ سَرَقَهُ عَشِيَّةً: لَمْ تُكَمَّلْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، ذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَصَحَّحَاهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تُكَمَّلُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ شَهِدَ بِكُلِّ فِعْلٍ شَاهِدَانِ، وَاخْتَلَفَا فِي الْمَكَانِ أَوْ الزَّمَانِ أَوْ الصِّفَةِ ثَبَتَا جَمِيعًا، إنْ ادَّعَاهُمَا، وَإِلَّا ثَبَتَ مَا ادَّعَاهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ تَكْرَارُهُ، كَقَتْلِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ: تَعَارَضَتَا، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: تَعَارَضَتَا، إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ مُرَادُهُمَا، وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ: أَنَّهُ سَرَقَ مَعَ الزَّوَالِ كِيسًا أَبْيَضَ، وَشَهِدَ آخَرَانِ: أَنَّهُ سَرَقَهُ عَشِيَّةً: تَعَارَضَتَا، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: تَعَارَضَتَا وَسَقَطَتَا، وَلَمْ يَثْبُتْ قَطْعٌ وَلَا مَالٌ،

ص: 25

قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا لَا تَعَارُضَ فِيهِ لِإِمْكَانِ صِدْقِهِمَا، بِأَنْ يَسْرِقَهُ بُكْرَةً، ثُمَّ يَعُودَ إلَى صَاحِبِهِ أَوْ غَيْرِهِ، فَيَسْرِقَهُ عَشِيَّةً، فَيَثْبُتُ لَهُ الْكِيسُ الْمَشْهُودُ بِهِ حَسْبُ فَإِنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ وَإِنْ كَانَا فِعْلَيْنِ لَكِنَّهُمَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، فَلَا يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْ ضَمَانِهِ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ أَمْسِ، وَشَهِدَ آخَرُ: أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهَا الْيَوْمَ، أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بَاعَهُ دَارِهِ أَمْسِ، وَشَهِدَ آخَرُ: أَنَّهُ بَاعَهُ إيَّاهَا الْيَوْمَ: كُمِّلَتْ الْبَيِّنَةُ، وَثَبَتَ الْبَيْعُ وَالْإِقْرَارُ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمُوا بِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَفِي الْكَافِي احْتِمَالٌ: أَنَّهَا لَا تُكَمَّلُ، وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ: كُلُّ الْعُقُودِ كَالنِّكَاحِ عَلَى مَا يَأْتِي.

قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ كُلُّ شَهَادَةٍ عَلَى الْقَوْلِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَتَقَدَّمَ احْتِمَالُ صَاحِبِ الْكَافِي، وَوَجْهُ صَاحِبِ التَّرْغِيبِ. قَوْلُهُ (إلَّا النِّكَاحَ، إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا أَمْسِ، وَشَهِدَ آخَرُ: أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ: لَمْ تُكَمَّلْ الْبَيِّنَةُ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا قَالَ: لَا يَجْمَعُ لِلتَّنَافِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ،

ص: 26

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجْمَعُ وَتُكَمَّلُ. قَوْلُهُ (كَذَلِكَ الْقَذْفُ) يَعْنِي: أَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُكَمَّلُ إذَا اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي وَقْتِ قَذْفِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: حُكْمُهُ حُكْمُ النِّكَاحِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَثْبُتُ الْقَذْفُ.

فَوَائِدُ

الْأُولَى: لَوْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِفِعْلٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ نِكَاحًا أَوْ قَذْفًا جُمِعَتْ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ، الثَّانِيَةُ: لَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِالْفِعْلِ، وَآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُجْمَعُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْمُصَنِّفُ، فِي الْمُغْنِي فِي الْقَسَامَةِ، وَالشَّارِحُ فِي أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَنَصُّهُ تُجْمَعُ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تُجْمَعُ، وَقَالَهُ غَيْرُهُ، وَذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ. الثَّالِثَةُ: لَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِعَقْدِ نِكَاحٍ، أَوْ قَتْلِ خَطَأٍ، وَآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ: لَمْ تُجْمَعْ، وَلِمُدَّعِي الْقَتْلِ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ أَحَدِهِمَا، وَيَأْخُذَ الدِّيَةَ

ص: 27

الرَّابِعَةُ: مَتَى جَمَعْنَا الْبَيِّنَةَ مَعَ اخْتِلَافِ زَمَنٍ فِي قَتْلٍ أَوْ طَلَاقٍ فَالْعِدَّةُ، وَالْإِرْثُ تَلِي آخِرَ الْمُدَّتَيْنِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ: أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ، وَشَهِدَ آخَرُ: أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفَيْنِ: ثَبَتَ الْأَلْفُ، وَيَحْلِفُ عَلَى الْآخَرِ مَعَ شَاهِدِهِ إنْ أَحَبَّ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَحْلِفُ مَعَ كُلِّ شَاهِدٍ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَثْبُتْ.

فَائِدَةٌ:

لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِأَلْفٍ، وَشَاهِدَانِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَلَمْ تَخْتَلِفْ الْأَسْبَابُ وَالصِّفَاتُ: دَخَلَتْ الْخَمْسُمِائَةِ فِي الْأَلْفِ، وَوَجَبَتْ الْأَلْفُ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَسْبَابُ وَالصِّفَاتُ: وَجَبَتْ لَهُ الْأَلْفُ وَالْخَمْسُمِائَةُ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا، وَشَهِدَ آخَرُ: أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفَيْنِ فَهَلْ تُكَمَّلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَلْفٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. أَحَدُهُمَا: تُكَمَّلُ الْبَيِّنَةُ فِي الْأَلْفِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ.

ص: 28

وَالثَّانِي: لَا تُكَمَّلُ، فَيَحْلِفُ مَعَ كُلِّ شَاهِدٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا مِنْ قَرْضٍ، وَشَهِدَ آخَرُ: أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ: لَمْ تُكَمَّلْ الْبَيِّنَةُ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: تُكَمَّلُ إنْ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِهِ، وَإِلَّا فَلَا.

فَائِدَةٌ: لَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِأَلْفٍ، وَآخَرُ بِأَلْفٍ مِنْ قَرْضٍ: جُمِعَتْ شَهَادَتُهُمَا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ: أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا، وَقَالَ أَحَدُهُمَا: قَضَاهُ بَعْضَهُ) ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ " قُضِيَ مِنْهُ مِائَةٌ "(بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: تَفْسُدُ فِي الْمِائَةِ كَرُجُوعِهِ، قَالَ الشَّارِحُ: وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: أَنَّهَا تُقْبَلُ فِيمَا بَقِيَ،

ص: 29

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: وَلَوْ جَاءَ بَعْدَ هَذَا الْمَجْلِسِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّهُ قَضَاهُ بَعْضَهُ: لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، قَالَ الشَّارِحُ: فَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ إذَا جَاءَ بَعْدَ الْحُكْمِ، فَيَحْتَاجُ قَضَاءُ الْمِائَةِ إلَى شَاهِدٍ آخَرَ، أَوْ يَمِينٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَا: أَنَّهُ أَقْرَضَهُ أَلْفًا، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا: قَضَاهُ نِصْفَهُ: صَحَّتْ شَهَادَتُهُمَا) هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ، وَقَالَ: وَجْهًا وَاحِدًا، وَكَذَلِكَ ابْنُ مُنَجَّا، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَقْرَضَهُ أَلْفًا، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا: قَضَاهُ خَمْسَمِائَةٍ: صَحَّ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَنَصَّ فِيمَا إذَا شَهِدَا أَنَّهُ أَقْرَضَهُ أَلْفًا، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهَا: قَضَاهُ خَمْسَمِائَةٍ: فَشَهَادَتُهُمَا صَحِيحَةٌ بِالْأَلْفِ، وَيَحْتَاجُ قَضَاءُ الْخَمْسِمِائَةِ إلَى شَاهِدٍ آخَرَ، أَوْ يَمِينٍ، وَيَتَخَرَّجُ مِثْلُهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَيَتَخَرَّجُ فِيهِمَا أَنْ لَا تُثْبِتَ شَهَادَتُهُمَا سِوَى خَمْسِمِائَةٍ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَخَرَّجُ بُطْلَانُ شَهَادَتِهِ كَرِوَايَةِ الْأَثْرَمِ.

فَوَائِدُ

الْأُولَى: لَوْ شَهِدَ عِنْدَ الشَّاهِدِ عَدْلَانِ أَوْ عَدْلٌ: أَنَّهُ اقْتَضَاهُ ذَلِكَ الْحَقَّ، أَوْ قَدْ بَاعَ مَا اشْتَرَاهُ: لَمْ يَشْهَدْ لَهُ، نَقَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ، وَسَأَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ: لَوْ قَضَاهُ نِصْفَهُ، ثُمَّ جَحَدَهُ بَقِيَّتَهُ: أَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ، أَوْ بَقِيَّتَهُ؟

ص: 30

قَالَ: يَدَّعِيهِ كُلَّهُ، وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ، فَتَشْهَدُ عَلَى حَقِّهِ كُلِّهِ، ثُمَّ يَقُولُ لِلْحَاكِمِ: قَضَانِي نِصْفَهُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ عَلَّقَ طَلَاقًا، إنْ كَانَ لِزَيْدٍ عَلَيْهِ شَيْءٌ، فَشَهِدَ شَاهِدَانِ: أَنَّهُ أَقْرَضَهُ: لَمْ يَحْنَثْ، بَلْ إنْ شَهِدَا أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ، فَحُكِمَ بِهِمَا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُمْ فِي صَادِقٍ ظَاهِرٌ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا حَقَّ عَلَيْهِ لِزَيْدٍ، فَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ تَامَّةٌ بِحَقٍّ لِزَيْدٍ: حَنِثَ حُكْمًا. الثَّالِثَةُ: لَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ مِنْ نِسَائِهِ، أَوْ أَعْتَقَ مِنْ إمَائِهِ، أَوْ أَبْطَلَ مِنْ وَصَايَاهُ وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا، وَقَالَا " نَسِينَا عَيْنَهَا " لَمْ تُقْبَلْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: تُقْبَلُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ فِي صُورَةِ الْوَصِيَّةِ فِيهَا، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: قَالَ أَصْحَابُنَا: يُقْرَعُ بَيْنَ الْوَصِيَّتَيْنِ، فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا فَهِيَ الصَّحِيحَةُ. الرَّابِعَةُ: هَلْ يَشْهَدُ عَقْدًا فَاسِدًا مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَيَشْهَدُ بِهِ؟ ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ دُخُولُهَا فِيمَنْ أَتَى فَرْعًا مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: يَشْهَدُ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: لَوْ رَهَنَ الرَّهْنَ بِحَقٍّ ثَانٍ: كَانَ رَهْنًا بِالْأَوَّلِ فَقَطْ، فَإِنْ شَهِدَ بِذَلِكَ شَاهِدَانِ، فَإِنْ اعْتَقَدَا فَسَادَهُ: لَمْ يَكُنْ لَهُمَا، وَإِنْ اعْتَقَدَا صِحَّتَهُ: جَازَ أَنْ يَشْهَدَا بِكَيْفِيَّةِ الْحَالِ فَقَطْ، وَمَنَعَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله، فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ إذَا عَلِمَهُ بِتَخْصِيصِ بَعْضِ وَلَدِهِ أَوْ تَفْضِيلِهِ، وَذَكَرَهُ فِيهِ الْحَارِثِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ،

ص: 31

وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ: يُكْرَهُ مَا ظَنَّ فَسَادَهُ، وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ: يَحْرُمُ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِأَلْفٍ، فَقَالَ: أُرِيدُ أَنْ تَشْهَدَا لِي بِخَمْسِمِائَةٍ: لَمْ يَجُزْ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يَجُوزُ فَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَوْ كَانَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفٍ، فَقَالَ صَاحِبُ الدَّيْنِ:" أُرِيدُ أَنْ تَشْهَدَا لِي مِنْ الْأَلْفِ بِخَمْسِمِائَةٍ " فَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ لَمْ يُوَلَّ الْحُكْمَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، لَمْ يَجُزْ لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا بِخَمْسِمِائَةٍ، قَالَ: وَعِنْدِي يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَا بِذَلِكَ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: إذَا قَالَ مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِأَلْفٍ " أُرِيدُ أَنْ تَشْهَدَا لِي بِخَمْسِمِائَةٍ " لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، إذَا كَانَ الْحَاكِمُ لَمْ يُوَلَّ الْحُكْمُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، وَأَجَازَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. انْتَهَى. وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ، فَقَالَ: وَمَنْ قَالَ لِبَيِّنَةٍ بِمِائَةٍ " اشْهَدَا لِي بِخَمْسِينَ " لَمْ يَجُزْ إذَا كَانَ الْحَاكِمُ لَمْ يُوَلَّ الْحُكْمَ بِمَا فَوْقَهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَجَازَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَإِذَا قَالَ مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِأَلْفٍ " أُرِيدُ أَنْ تَشْهَدَا لِي بِخَمْسِمِائَةٍ " لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْحَاكِمُ لَمْ يُوَلَّ الْحُكْمَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، وَإِلَّا جَازَ. انْتَهَى.

فَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَمَنْ تَبِعَهُ: أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا كَانَ مُوَلًّى بِأَكْثَرَ مِنْهَا: أَنَّهُ يَجُوزُ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْوَجِيزِ فَقَالَ: لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْحَاكِمُ لَمْ يُوَلَّ الْحُكْمَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، وَإِلَّا جَازَ،

ص: 32

فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ إنْ وُلِّيَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا: جَازَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، قَالَ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ: وَهَذَا مُشْكِلٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَالنَّقْلِ أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى: فَإِنَّهُ إذَا كَانَ قَدْ وُلِّيَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، فَلَيْسَ مَعَنَا حَاجَةٌ دَاعِيَةٌ إلَى الشَّهَادَةِ بِالْبَعْضِ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُوَلَّ الْحُكْمُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، فَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى الشَّهَادَةِ بِالْبَعْضِ، وَهُوَ الْمِقْدَارُ الَّذِي يَحْكُمُ بِهِ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ فِي الْمُقْنِعِ هَذَا الْقَيْدَ، وَلَا الْكَافِي، لِأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَهِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ يُحْتَرَزُ بِهِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ، وَهُوَ قَدْ نَقَلَ كَلَامَهُ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ: فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا قَالَ " اشْهَدْ عَلَيَّ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَمِائَةِ دِرْهَمٍ " فَشَهِدَ عَلَى مِائَةٍ دُونَ مِائَةٍ: كُرِهَ، إلَّا أَنْ يَقُولَ " أَشْهَدُونِي عَلَى مِائَةٍ وَمِائَةٍ وَمِائَةٍ " يَحْكِيهِ كُلَّهُ لِلْحَاكِمِ كَمَا كَانَ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: إذَا شَهِدَ عَلَى أَلْفٍ وَكَانَ الْحَاكِمُ لَا يَحْكُمُ إلَّا عَلَى مِائَةٍ وَمِائَتَيْنِ، فَقَالَ صَاحِبُ الْحَقِّ " أُرِيدُ أَنْ تَشْهَدَ لِي عَلَى مِائَةٍ " لَمْ يَشْهَدْ إلَّا بِالْأَلْفِ، قَالَ الْقَاضِي: وَذَلِكَ أَنَّ عَلَى الشَّاهِدِ نَقْلَ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا شَهِدَ.

فَقَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله " إذَا شَهِدَ عَلَى أَلْفٍ، وَكَانَ الْحَاكِمُ لَا يَحْكُمُ إلَّا عَلَى مِائَةِ وَمِائَتَيْنِ " يَرُدُّ مَا قَالُوهُ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الرِّوَايَةِ " إذَا كَانَ يَحْكُمُ عَلَى مِائَةٍ وَمِائَتَيْنِ، فَقَالَ صَاحِبُ الْحَقِّ: أُرِيدُ أَنْ تَشْهَدَ لِي عَلَى مِائَةٍ، لَمْ يَشْهَدْ إلَّا بِالْأَلْفِ " فَمَنَعَهُ، مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ: أَنَّهُ يَحْكُمُ بِمِائَتَيْنِ، فَإِذَا مَنَعَهُ مِنْ الشَّهَادَةِ بِمِائَةٍ وَهُوَ يَحْكُمُ بِمِائَتَيْنِ: فَقَدْ مَنَعَهُ فِي صُورَةِ مَا إذَا وُلِّيَ الْحُكْمَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، وَتَعْلِيلُ الْمَسْأَلَةِ لَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى تَطْوِيلٍ، وَأَمَّا تَقْيِيدُ الْحَاكِمِ: فَهُوَ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ، فَإِنَّ الْوَاقِعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَكُونُ فِي الْعُرْفِ، إلَّا إذَا كَانَ الْحَاكِمُ لَا يَحْكُمُ بِأَكْثَرَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ لَا يَطْلُبُ إلَّا

ص: 33

فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، أَوْ نَحْوِهَا مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي تَمْنَعُهُ مِنْ طَلَبِ الْحَقِّ كَامِلًا، أَمَّا كَلَامُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، فِي الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ: فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِأَجْلِ الْخِلَافِ، أَيْ أَنَّ أَبَا الْخَطَّابِ لَا يُجِيزُهُ إلَّا إذَا كَانَ الْحَاكِمُ لَمْ يُوَلَّ بِأَكْثَرَ، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: لَا يَجُوزُ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يَجُوزُ إذَا كَانَ لَمْ يُوَلَّ الْحُكْمَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ قَدْ وُلِّيَ الْحُكْمَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا: لَمْ يَجُزْ بِلَا خِلَافٍ؛ لِعَدَمِ الْعُذْرِ، لَكِنْ تَعْلِيلُ قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ الَّذِي عَلَّلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَهُوَ أَنَّهُ مَنْ شَهِدَ بِأَلْفٍ فَقَدْ شَهِدَ بِالْخَمْسِمِائَةِ، وَلَيْسَ كَاذِبًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا الْخَطَّابِ يُجِيزُهُ مُطْلَقًا، وَأَبُو الْخَطَّابِ لَمْ يُعَلِّلْ قَوْلَهُ فِي الْهِدَايَةِ، فَإِنْ كَانَ رَأَى تَعْلِيلَهُ فِي كَلَامِهِ فِي غَيْرِ الْهِدَايَةِ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ كَانَ عَلَّلَهُ مِنْ عِنْدِهِ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّ أَبَا الْخَطَّابِ قَصَدَ مَا فَهِمَهُ الشَّيْخُ، وَأَرَادَ: الْجَوَازَ مُطْلَقًا.

وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مُرَادَهُ: الْجَوَازُ فِي صُورَةِ مَا إذَا لَمْ يُوَلَّ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، وَيَكُونُ كَوْنُهُ لَيْسَ كَاذِبًا فِي شَهَادَةٍ يَمْنَعُ الِاحْتِيَاجَ إلَى ذَلِكَ لِأَجْلِ الْحُكْمِ، لِكَوْنِهِ لَا يَحْكُمُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، فَتَكُونُ الْعِلَّةُ الْمَجْمُوعَ، مَعَ أَنَّ كَلَامَ أَبِي الْخَطَّابِ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مِنْ تَحْتٍ، أَيْ قَالَ صَاحِبُ الْحَقِّ ذَلِكَ، بِأَنْ كَانَ الْحَاكِمُ لَمْ يُوَلَّ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، لَكِنْ النُّسَخُ بِالْفَاءِ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْ الْكَاتِبِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا، وَأَمَّا صَاحِبُ الْوَجِيزِ: فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ ظَنَّ الْمَفْهُومَ مَقْصُودًا، فَصَرَّحَ بِهِ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا، وَلَكِنْ ارْتَكَبْنَاهُ لَمَّا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله وَلِمَا عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ. انْتَهَى.

كَلَامُ شَيْخِنَا، قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ مُحِبُّ الدِّينِ نَصْرُ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ: أَنَّ الشُّهُودَ إذَا شَهِدُوا بِالْخَمْسِمِائَةِ، وَكَانَ أَصْلُهَا بِأَلْفٍ، وَأَعْلَمُوا الْحَاكِمَ بِذَلِكَ: يَكُونُ حُكْمُهُ

ص: 34

بِالْخَمْسِمِائَةِ حُكْمًا بِالْأَلْفِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِبَعْضِ الْجُمْلَةِ حُكْمٌ بِالْجُمْلَةِ، فَإِذَا كَانَ لَمْ يُوَلَّ الْحُكْمَ بِأَلْفٍ يَكُونُ قَدْ حَكَمَ بِمَا لَمْ يُوَلَّ فِيهِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ وُلِّيَ الْحُكْمَ بِأَلْفٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ قَدْ حَكَمَ بِمَا وُلِّيَ فِيهِ، هَذَا مَعْنَى مَا رَأَيْته مِنْ كَلَامِهِ، قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ ذَكَرُوا الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا عَلَّلُوهُ بِأَنَّ الشَّاهِدَ لَمْ يَشْهَدْ كَمَا سَمِعَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إلَى الشَّاهِدِ، لَا لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: لَا يَسْلَمُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ: أَنَّ الْحُكْمَ بِالْبَعْضِ الْمَشْهُودِ بِهِ يَكُونُ حُكْمًا بِالْجُمْلَةِ، بَلْ إنَّمَا يَكُونُ حُكْمًا بِمَا ادَّعَى بِهِ وَشَهِدَ بِهِ، وَقَدْ يُقَالُ الَّذِينَ عَلَّلُوا الْمَنْعَ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تُؤَدَّ كَمَا سُمِعْت: كَلَامُهُمْ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مُطْلَقًا، وَأَمَّا مَنْ قَيَّدَ الْمَنْعَ بِمَا إذَا كَانَ الْحَاكِمُ لَمْ يُوَلَّ الْحُكْمَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا: يَكُونُ تَوْجِيهُهُ مَا ذُكِرَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ ذِكْرُ هَذَا الْقَيْدِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْنَعُوا إلَّا بِهَذَا الشَّرْطِ، لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْبَعْضِ مِنْ الْجُمْلَةِ حُكْمٌ بِكُلِّهَا.

وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي أَوَائِلِ الْكُرَّاسِ الرَّابِعِ فِيمَا إذَا كَانَتْ وِلَايَةُ الْقَاضِي خَاصَّةً وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله عَلَى صِحَّتِهَا فِي قَدْرٍ مِنْ الْمَالِ، فَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ نَصْرٍ فِي رَجُلٍ أُشْهِدَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَكَانَ الْحَاكِمُ لَا يَحْكُمُ إلَّا فِي مِائَةٍ وَمِائَتَيْنِ فَقَالَ: لَا تَشْهَدْ إلَّا بِمَا أُشْهِدْت عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ أُشْهِدَ عَلَى أَلْفٍ، وَلَا يُحْكَمُ فِي الْبِلَادِ إلَّا عَلَى مِائَةٍ لَا يَشْهَدْ إلَّا بِأَلْفٍ، فَقَدْ نَصَّ عَلَى جَوَازِ الْقَضَاءِ فِي قَدْرٍ مِنْ الْمَالِ، وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرْنَا،

ص: 35

وَمَنَعَ مِنْ تَبْعِيضِ الشَّهَادَةِ إذَا كَانَتْ بِقَدْرٍ يَزِيدُ عَلَى مَا جُعِلَ لَهُ فِيهِ، بَلْ يَشْهَدُ بِذَلِكَ وَيَحْكُمُ الْحَاكِمُ مِنْ ذَلِكَ بِمَا جُعِلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا شَهِدَ بِخَمْسِمِائَةٍ عِنْدَ هَذَا الْقَاضِي، وَشَهِدَ بِالْخَمْسِمِائَةِ الْأُخْرَى عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ، رُبَّمَا ادَّعَى الْمُقِرُّ أَنَّ هَذِهِ الْخَمْسَمِائَةِ الثَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي شَهِدَ بِهَا أَوَّلًا، وَتَسْقُطُ إحْدَاهُمَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَحْمِلُ تَكْرَارَ الْإِقْرَارِ فِي مَجْلِسَيْنِ بِأَلْفٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدْ يَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا} [المائدة: 108] وَإِذَا بَعَّضَهَا فَلَمْ يَأْتِ بِهَا عَلَى وَجْهِهَا. انْتَهَى كَلَامُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ.

ص: 36