المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب اليمين في الدعاوى] - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ١٢

[المرداوي]

الفصل: ‌[باب اليمين في الدعاوى]

[بَابُ الْيَمِينِ فِي الدَّعَاوَى]

قَوْلُهُ (وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي حَقِّ الْمُنْكِرِ لِلرَّدْعِ وَالزَّجْرِ فِي كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ) . هَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله لِلْخَبَرِ. اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ فِي الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ. قَالَ فِي الْعُمْدَةِ: وَتُشْرَعُ الْيَمِينُ فِي كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ. وَلَا تُشْرَعُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، مِنْ الْحُدُودِ، وَالْعِبَادَاتِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا احْتِمَالٌ فِي الْمَذْهَبِ. وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: لَا تُشْرَعُ فِي كُلِّ حَقٍّ آدَمِيٍّ. انْتَهَى. وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ تَخْرِيجٌ فِي الْهِدَايَةِ. وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدَّمَ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا قَصَدَهُ: أَنَّهَا تُشْرَعُ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ فِي الْجُمْلَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (قَالَ أَبُو بَكْرٍ بِلَا وَاوٍ تُشْرَعُ فِي كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ إلَّا فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ) . جَزَمَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إلَّا فِي تِسْعَةِ أَشْيَاءَ: النِّكَاحِ، وَالرَّجْعَةِ، وَالطَّلَاقِ، وَالرِّقِّ.

ص: 110

يَعْنِي: أَصْلَ الرِّقِّ. (وَالْوَلَاءِ، وَالِاسْتِيلَادِ، وَالنَّسَبِ، وَالْقَذْفِ، وَالْقِصَاصِ) . وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يُسْتَحْلَفُ فِي كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ، إلَّا فِيمَا لَا يَجُوزُ بَذْلُهُ. وَهُوَ أَحَدَ عَشَرَ. فَذَكَرَ التِّسْعَةَ، وَزَادَ: الْعِتْقَ وَبَقَاءَ الرَّجْعَةِ. وَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّرِ قَوْلَ أَبِي الْخَطَّابِ، وَزَادَ عَلَى التِّسْعَةِ: الْإِيلَاءَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ. وَصَحَّحَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَلَا تُشْرَعُ فِي مُتَعَذِّرٍ بَذْلَهُ. كَطَلَاقٍ، وَإِيلَاءٍ، وَبَقَاءِ مُدَّتِهِ، وَنِكَاحٍ، وَرَجْعَةٍ وَبَقَائِهَا، وَنَسَبٍ، وَاسْتِيلَادٍ، وَقَذْفٍ، وَأَصْلِ رِقٍّ، وَوَلَاءٍ، وَقَوَدٍ. إلَّا فِي قَسَامَةٍ. وَلَا فِي تَوْكِيلٍ. وَالْإِيصَاءِ إلَيْهِ، وَعِتْقٍ مَعَ اعْتِبَارِ شَاهِدَيْنِ فِيهَا. بَلْ فِي مَا يَكْفِيهِ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ. سِوَى نِكَاحٍ وَرَجْعَةٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: مَا لَا يَجُوزُ بَذْلُهُ. وَهُوَ مَا ثَبَتَ بِشَاهِدَيْنِ. لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: يُسْتَحْلَفُ فِي الطَّلَاقِ، وَالْإِيلَاءِ، وَالْقَوَدِ، وَالْقَذْفِ، دُونَ السِّتَّةِ الْبَاقِيَةِ. قَالَ الْقَاضِي: فِي الطَّلَاقِ، وَالْقِصَاصِ، وَالْقَذْفِ رِوَايَتَانِ. وَسَائِرِ السِّتَّةِ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا. رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَفَسَّرَ الْقَاضِي الِاسْتِيلَادَ: بِأَنْ يَدَّعِيَ، اسْتِيلَادَ أَمَةٍ، فَتُنْكِرُهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: بَلْ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ.

ص: 111

وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يَحْلِفُ فِي الْقِصَاصِ، وَلَا الْمَرْأَةُ إذَا أَنْكَرَتْ النِّكَاحَ. وَتَحْلِفُ إذَا ادَّعَتْ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا. وَقِيلَ: يُسْتَحْلَفُ فِي غَيْرِ حَدٍّ، وَنِكَاحٍ، وَطَلَاقٍ. وَعَنْهُ يُسْتَحْلَفُ فِيمَا يُقْضَى فِيهِ بِالنُّكُولِ فَقَطْ. فَوَائِدُ

الْأُولَى: الَّذِي يُقْضَى فِيهِ بِالنُّكُولِ: هُوَ الْمَالُ، أَوْ مَا مَقْصُودُهُ الْمَالُ. هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَعَنْهُ: هُوَ الْمَالُ، أَوْ مَا مَقْصُودُهُ الْمَالُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. إلَّا قَوَدَ النَّفْسِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَبَعَّدَهُ. وَعَنْهُ: إلَّا قَوَدَ النَّفْسِ وَطَرَفِهَا. صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: فِي كَفَالَةٍ: وَجْهَانِ.

الثَّانِيَةُ: كُلُّ جِنَايَةٍ لَمْ يَثْبُتْ قَوَدُهَا بِالنُّكُولِ، فَهَلْ يَلْزَمُ النَّاكِلَ دِيَتُهَا؟ . عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ.

إحْدَاهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ دِيَتُهَا. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: يَلْزَمُهُ دِيَتُهَا فِي رِوَايَةٍ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ دِيَتُهَا.

ص: 112

وَكُلُّ نَاكِلٍ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ كَاللِّعَانِ وَنَحْوِهِ: فَهَلْ يُخَلَّى سَبِيلُهُ، أَوْ يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ، أَوْ يَحْلِفَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ.

أَحَدِهِمَا: يُخَلَّى سَبِيلُهُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالنَّاظِمُ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ. قَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قُلْت: هَذَا الْمَذْهَبُ فِي اللِّعَانِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ مُحَرَّرًا. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي " بَابِ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ ". قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: إذَا قُلْنَا: يُحْبَسُ، فَيَنْبَغِي جَوَازُ ضَرْبِهِ، كَمَا يُضْرَبُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ اخْتِيَارِ إحْدَى نِسَائِهِ إذَا أَسْلَمَ، وَالْمُمْتَنِعُ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ. كَمَا يُضْرَبُ الْمُقِرُّ بِالْمَجْهُولِ حَتَّى يُفَسِّرَ.

الثَّالِثَةُ: قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: لَا يَحْلِفُ شَاهِدٌ، وَلَا حَاكِمٌ وَلَا وَصِيٌّ: عَلَى نَفْيِ دَيْنٍ عَلَى الْمُوصِي، وَلَا مُنْكِرٌ وَكَالَةَ وَكِيلٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَا يَحْلِفُ مُدَّعًى عَلَيْهِ بِقَوْلِ مُدَّعٍ لِيَحْلِفَ " أَنَّهُ مَا أَحَلَفَنِي أَنِّي مَا أُحَلِّفُهُ ". وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَلَا مُدَّعٍ طَلَبَ يَمِينِ خَصْمِهِ. فَقَالَ " لِيَحْلِفَ أَنَّهُ مَا أَحَلَفَنِي " فِي الْأَصَحِّ. وَإِنْ ادَّعَى وَصِيٌّ وَصِيَّةً لِلْفُقَرَاءِ، فَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ: حُبِسُوا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

ص: 113

وَقِيلَ: يَحْكُمُ بِذَلِكَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَنْكَرَ. الْمَوْلَى مُضِيَّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ: حَلَفَ) هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ. وَقِيلَ: لَا يَحْلِفُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَخَبِ لِلْأَدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. كَمَا تَقَدَّمَ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا أَقَامَ الْعَبْدُ شَاهِدًا بِعِتْقِهِ: حُلِّفَ مَعَهُ وَعَتَقَ) . وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا هُنَا. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُسْتَحْلَفُ. وَلَا يُعْتَقُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، عَلَى رِوَايَةٍ أُخْرَى. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي " بَابِ أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ ". وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ هُنَا: دُخُولُ الْيَمِينِ فِي الْعِتْقِ، إذَا قُلْنَا: يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ. وَيَأْتِي قَرِيبًا بَعْدَ هَذَا: هَلْ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ؟ .

ص: 114

وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ مِنْ الْخِلَافِ فِي الْيَمِينِ مَا يَدْخُلُ الْعِتْقُ فِيهِ، وَمَنْ قَالَ بِالْعِتْقِ وَعَدَمِهِ.

فَائِدَةٌ

قَوْلُهُ (وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، كَالْحُدُودِ وَالْعِبَادَاتِ) . وَكَذَا الصَّدَقَةُ، وَالْكَفَّارَةُ، وَالنَّذْرُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لِلْوَالِي إحْلَافُ الْمَتْهُومِ، اسْتِبْرَاءً وَتَغْلِيظًا فِي الْكَشْفِ فِي حَقِّ اللَّهِ. وَلَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ. وَيَأْتِي آخِرُ الْبَابِ بِأَعَمَّ مِنْ هَذَا.

قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ الْحُكْمُ فِي الْمَالِ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى بِفُرُوعِهِ وَالْخِلَافُ فِيهِ فِي " بَابِ أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ " عِنْدَ قَوْلِهِ " الرَّابِعُ الْمَالُ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ ".

قَوْلُهُ (وَلَا يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٌ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. (وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْبَلَ) . وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا هُنَاكَ مُسْتَوْفٍ مُحَرَّرًا، فَلْيُعَاوَدْ.

ص: 115

وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ أَيْضًا: هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَيَمِينٍ أَمْ لَا؟

قَوْلُهُ (وَهَلْ يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.

إحْدَاهُمَا: يَثْبُتُ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي فِي بَعْضِ كُتُبِهِ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ. وَلَا يُعْتَقُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ ذَكَرَيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي بَعْضِ كُتُبِهِ أَيْضًا، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي " بَابِ أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ " مُسْتَوْفًى. وَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ، وَالتَّدْبِيرُ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ " بَابِ التَّدْبِيرِ " هَلْ يَثْبُتُ التَّدْبِيرُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ بِرَجُلٍ وَيَمِينٍ؟

قَوْلُهُ (وَلَا يُقْبَلُ فِي النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ وَسَائِرِ مَا لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ: شَاهِدٌ وَيَمِينٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْقَاضِي: لَا يُقْبَلُ فِيهِمَا إلَّا رَجُلَانِ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَعَنْهُ: يُقْبَلُ فِيهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، أَوْ رَجُلٌ وَيَمِينٌ. وَتَقَدَّمَ أَيْضًا هَذَا فِي ذَلِكَ الْبَابِ.

ص: 116

قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، أَوْ دَعْوَى عَلَيْهِ: حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَسَوَاءٌ النَّفْيُ، وَالْإِثْبَاتُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ فِي الْبَائِعِ يَحْلِفُ لِنَفْيِ عَيْبِ السِّلْعَةِ. عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِهِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَحُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رِوَايَةٌ: أَنَّ الْيَمِينَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رحمه الله اسْتَشْهَدَ لَهُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «لَا تَضْطَرُّوا النَّاسَ فِي أَيْمَانِهِمْ أَنْ يَحْلِفُوا عَلَى مَا لَا يَعْلَمُونَ» قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ أَبُو الْبَرَكَاتِ: خَصَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِمَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَى النَّفْيِ. قَالَ: وَهُوَ أَقْرَبُ. وَاخْتَارَهَا أَيْضًا أَبُو بَكْرٍ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ أَوْ دَعْوَى عَلَيْهِ) . أَيْ: دَعْوَى عَلَى الْغَيْرِ. (فِي الْإِثْبَاتِ: حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ: يَمِينُهُ بَتٌّ عَلَى فِعْلِهِ، وَنَفْيٌ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ.

ص: 117

فَائِدَةٌ:

مِثَالُ فِعْلِ الْغَيْرِ فِي الْإِثْبَاتِ: أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ ذَلِكَ الْغَيْرَ أَقْرَضَ، أَوْ اسْتَأْجَرَ وَنَحْوَهُ. وَيُقِيمُ بِذَلِكَ شَاهِدًا. فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ عَلَى الْبَتِّ. لِكَوْنِهِ إثْبَاتًا. قَالَهُ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْفُرُوعِ. وَمِثَالُ الدَّعْوَى عَلَى الْغَيْرِ فِي الْإِثْبَاتِ: إذَا ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ: أَنَّهُ ادَّعَى عَلَى أَبِيهِ أَلْفًا.

وَقَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ عَلَى النَّفْيِ: حَلَفَ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ) . يَعْنِي: إذَا حَلَفَ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ غَيْرِهِ، أَوْ نَفْيِ دَعْوَى عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ. أَمَّا الْأُولَى: فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ.

وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ: أَنَّهُ يَحْلِفُ فِيهَا أَيْضًا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. وَقَالَ فِي مُنْتَخَبِ الشِّيرَازِيِّ: يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِي نَفْيِ الدَّعْوَى عَلَى غَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْعُمْدَةِ: وَالْأَيْمَانُ كُلُّهَا عَلَى الْبَتِّ، إلَّا الْيَمِينَ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ غَيْرِهِ. فَإِنَّهَا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ: انْتَهَى. فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: مِثَالُ نَفْيِ الدَّعْوَى عَلَى الْغَيْرِ: إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ ادَّعَى عَلَى أَبِيهِ أَلْفًا، فَأَقَرَّ لَهُ بِشَيْءٍ، فَأَنْكَرَ الدَّعْوَى، وَنَحْوَ ذَلِكَ. فَإِنَّ يَمِينَهُ عَلَى النَّفْيِ. عَلَى الْمَذْهَبِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَمِثَالُ نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ: أَنْ يَنْفِيَ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ. مِنْ أَنَّهُ غَصَبَ، أَوْ جَنَى، وَنَحْوُهُ. قَالَهُ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِيهِ.

ص: 118

الثَّانِيَةُ: عَبْدُ الْإِنْسَانِ كَالْأَجْنَبِيِّ. فَأَمَّا الْبَهِيمَةُ فِيمَا يُنْسَبُ إلَى تَفْرِيطٍ وَتَقْصِيرٍ: فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ. وَإِلَّا فَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ لِجَمَاعَةٍ، فَقَالَ: أَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً لَهُمْ، فَرَضُوا: جَازَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ أَنْ يَحْلِفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ يَمِينًا وَلَوْ رَضُوا بِوَاحِدَةٍ.

تَنْبِيهٌ تَقَدَّمَ مِنْ الْيَمِينِ تَقْطَعُ الْخُصُومَةَ فِي الْحَالِ. وَلَا تُسْقِطُ الْحَقَّ. فَلِلْمُدَّعِي إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَتَحْلِيفُهُ عِنْدَ حَاكِمٍ آخَرَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَبَوْا: حَلَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ يَمِينًا) . بِلَا نِزَاعٍ. فَائِدَةٌ لَوْ ادَّعَى وَاحِدٌ حُقُوقًا عَلَى وَاحِدٍ: فَعَلَيْهِ فِي كُلِّ حَقٍّ يَمِينٌ.

قَوْلُهُ (وَالْيَمِينُ الْمَشْرُوعَةُ: هِيَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى اسْمُهُ) . فَتُجْزِئُ الْيَمِينُ بِهَا. بِلَا نِزَاعٍ.

ص: 119

قَوْلُهُ (وَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ تَغْلِيظَهَا بِلَفْظٍ أَوْ زَمَنٍ أَوْ مَكَان: جَازَ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالتَّرْغِيبِ وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي النُّكَتِ: قَطَعَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. انْتَهَى.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ تَغْلِيظُهَا. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ وَصَحَّ. وَذَكَرَ فِي التَّبْصِرَةِ رِوَايَةً: لَا يَجُوزُ تَغْلِيظُهَا. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْحَلْوَانِيُّ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَصَرَ الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ: أَنَّهَا لَا تَغَلُّظُ. لِأَنَّهَا حُجَّةُ أَحَدِهِمَا. فَوَجَبَتْ مَوْضِعُ الدَّعْوَى. كَالْبَيِّنَةِ. وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ تَغْلِيظُهَا مُطْلَقًا. قَالَ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ فِي نُكَتِهِ: اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: أَحَدُ الْأَقْسَامِ وَمَعْنَى الْأَقْوَالِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إذَا رَآهُ الْإِمَامُ مَصْلَحَةً. وَمَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، وَصَاحِبُ النُّكَتِ: إلَى وُجُوبِ التَّغْلِيظِ إذَا رَآهُ الْحَاكِمُ وَطَلَبَهُ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِهِمَا. وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ تَغْلِيظُهَا بِاللَّفْظِ فَقَطْ.

ص: 120

وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله أَيْضًا. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: تَغْلِيظُهَا فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ خَاصَّةً. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ. قَالَ الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُ: وَبِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ.

قَوْلُهُ (وَالنَّصْرَانِيُّ يَقُولُ: وَاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى وَجَعَلَهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَيُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ) . هَكَذَا قَالَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي تَغْلِيظِ الْيَمِينِ بِذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ نَظَرٌ. لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ إنَّمَا يَعْتَقِدُ أَنَّ عِيسَى ابْنُ اللَّهِ.

قَوْلُهُ (وَالْمَجُوسِيُّ يَقُولُ: وَاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَنِي وَرَزَقَنِي) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ ذَلِكَ بِمَا يُعَظِّمُهُ مِنْ الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهَا. وَفِي تَعْلِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَنَّهُ قَالَ: وَيَحْلِفُ الْمَجُوسِيُّ. فَيُقَالُ لَهُ: قُلْ وَالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَنْ يَحْلِفُوا، وَإِنْ كَانَتْ مَخْلُوقَةً، كَمَا يَحْلِفُونَ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُعَظِّمُونَهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَوَاضِعَ يُعْصَى اللَّهُ فِيهَا. قَالَهُ فِي النُّكَتِ. وَنَقَلَ الْمَجْدُ مِنْ تَعْلِيقِ الْقَاضِي: تُغَلَّظُ الْيَمِينُ عَلَى الْمَجُوسِيِّ: بِاَللَّهِ الَّذِي بَعَثَ إدْرِيسَ رَسُولًا. لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ الَّذِي جَاءَ بِالنُّجُومِ الَّتِي يَعْتَقِدُونَ تَعْظِيمَهَا. وَيُغَلَّظُ عَلَى الصَّابِئِ: بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ. لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ تَعْظِيمَ النَّارِ.

ص: 121

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: هَذَا بِالْعَكْسِ. لِأَنَّ الْمَجُوسَ تُعَظِّمُ النَّارَ، وَالصَّابِئَةَ تُعَظِّمُ النُّجُومَ.

فَائِدَةٌ لَوْ أَبَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ التَّغْلِيظَ: لَمْ يَصِرْ نَاكِلًا. وَحُكِيَ إجْمَاعًا. وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي النُّكَتِ: لِأَنَّهُ قَدْ بَذَلَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ. فَيَجِبُ الِاكْتِفَاءُ بِهِ. وَيَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ. قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ. لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ: يَجِبُ التَّغْلِيظُ إذَا رَآهُ الْحَاكِمُ وَطَلَبَهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: قِصَّةُ مَرْوَانَ مَعَ زَيْدٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا رَأَى التَّغْلِيظَ، فَامْتَنَعَ مِنْ الْإِجَابَةِ أَدَّى مَا ادَّعَى بِهِ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ مَا كَانَ فِي التَّغْلِيظِ زَجْرٌ قَطُّ. قَالَ فِي النُّكَتِ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ. وَالرَّدْعُ وَالزَّجْرُ عِلَّةُ التَّغْلِيظِ. فَلَوْ لَمْ يَجِبْ بِرَأْيِ الْإِمَامِ لَتَمَكَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الِامْتِنَاعِ مِنْهُ لِعَدَمِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَانْتَفَتْ فَائِدَتُهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله أَيْضًا: مَتَى قُلْنَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْهُ الْخَصْمُ يَصِيرُ نَاكِلًا.

قَوْلُهُ (وَفِي الصَّخْرَةِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعُوا بِهِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: أَنَّهَا لَا تُغَلَّظُ عِنْدَ الصَّخْرَةِ، بَلْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، كَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ.

ص: 122

وَقَالَ عَنْ الْأَوَّلِ: لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَإِلَيْهِ مَيْلُ صَاحِبِ النُّكَتِ فِيهَا.

قَوْلُهُ (وَفِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ: عِنْدَ الْمِنْبَرِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: هَلْ يَرْقَى مُتَلَاعِنَانِ الْمِنْبَرَ؟ الْجَوَازُ وَعَدَمُهُ. وَقِيلَ: إنْ قَلَّ النَّاسُ لَمْ يَجُزْ. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: يَرْقَيَانِهِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَرْقَيَا عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ (وَيَحْلِفُ أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُعَظِّمُونَهَا) . بِلَا نِزَاعٍ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: وَيَحْلِفُونَ أَيْضًا فِي الْأَزْمِنَةِ الَّتِي يُعَظِّمُونَهَا، كَيَوْمِ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ.

قَوْلُهُ (وَلَا تُغَلَّظُ الْيَمِينُ إلَّا فِيمَا لَهُ خَطَرٌ) يَعْنِي حَيْثُ قُلْنَا يَجُوزُ التَّغْلِيظُ. (كَالْجِنَايَاتِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ الْمَالِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

ص: 123

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: تُغَلَّظُ فِي قَدْرِ نِصَابِ السَّرِقَةِ فَأَزْيَدَ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَالْمَجْدِ فِي مُحَرَّرِهِ: التَّغْلِيظُ مُطْلَقًا.

فَائِدَةٌ

لَا يَحْلِفُ بِطَلَاقٍ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله وِفَاقًا لِلْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رحمه الله إجْمَاعًا. قَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لِلْوَالِي إحْلَافُ الْمَتْهُومِ اسْتِبْرَاءً وَتَغْلِيظًا فِي الْكَشْفِ فِي حَقِّ اللَّهِ، وَحَقِّ آدَمِيٍّ، وَتَحْلِيفُهُ بِطَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَنَحْوِهِ، وَسَمَاعُ شَهَادَةِ أَهْلِ الْمِهَنِ إذَا كَثُرُوا. وَلَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ، وَلَا إحْلَافُ أَحَدٍ إلَّا بِاَللَّهِ وَلَا عَلَى غَيْرِ حَقٍّ. انْتَهَى.

ص: 124