الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ شُرُوطِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ]
ُ قَوْلُهُ (وَهِيَ سِتَّةٌ. أَحَدُهَا: الْبُلُوغُ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَاتِ، وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ، مُتَقَدِّمِهِمْ وَمُتَأَخِّرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: تُقْبَلُ مِمَّنْ هُوَ فِي حَالِ الْعَدَالَةِ، فَتَصِحُّ مِنْ مُمَيِّزٍ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: ابْنَ عَشْرٍ، وَاسْتَثْنَى ابْنُ حَامِدٍ عَلَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ، وَعَنْهُ: لَا تُقْبَلُ إلَّا فِي الْجِرَاحِ إذَا شَهِدُوا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ عَنْ الْحَالَةِ الَّتِي تَجَارَحُوا عَلَيْهَا، ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَعَنْهُ: تُقْبَلُ فِي الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ، ذَكَرَهَا فِي الْوَاضِحِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، قَالَ الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يُشْتَرَطُ أَنْ يُؤَدُّوهَا أَوْ يَشْهَدُوا عَلَى شَهَادَتِهِمْ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمْ، ثُمَّ لَا يُؤَثِّرُ رُجُوعُهُمْ، وَقِيلَ: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى مِثْلِهِمْ،
وَسَأَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ؟ فَقَالَ: عَلِيٌّ رضي الله عنه أَجَازَ شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ.
فَائِدَةٌ:
ذَكَرَ الْقَاضِي، أَنَّ الْخِلَافَ عِنْدَ الْأَصْحَابِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْجِرَاحِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ، فَأَمَّا الشَّهَادَةُ بِالْمَالِ: فَلَا تُقْبَلُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَهَذَا عَجَبٌ مِنْ الْقَاضِي، فَإِنَّ الصِّبْيَانَ لَا قَوَدَ بَيْنَهُمْ، وَإِنَّمَا الشَّهَادَةُ بِمَا يُوجِبُ الْمَالَ، ذَكَرَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ.
قَوْلُهُ (الثَّانِي: الْعَقْلُ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَعْتُوهٍ وَلَا مَجْنُونٍ، إلَّا مَنْ يُخْنَقُ فِي الْأَحْيَانِ إذَا شَهِدَ فِي إفَاقَتِهِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ: وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يُصْرَعُ فِي الشَّهْرِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ فِي الْحَاوِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يُصْرَعُ فِي الشَّهْرِ مَرَّتَيْنِ، وَقِيلَ مَنْ يُفِيقُ أَحْيَانًا حَالَ إفَاقَتِهِ.
قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: الْكَلَامُ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَخْرَسِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا أَوْلَى،
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَنْصُوصُ الْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُقْبَلَ فِيمَا طَرِيقُهُ الرِّوَايَةُ، إذَا فُهِمَتْ إشَارَتُهُ، اخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ قُلْت وَهُوَ قَوِيٌّ جِدًّا، وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله.
فَائِدَةٌ:
لَوْ أَدَّاهَا بِخَطِّهِ، فَقَدْ تَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله، وَمَنَعَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي، وَخَالَفَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، فَاخْتَارَ فِيهِ قَبُولَهَا قُلْت وَهُوَ الصَّوَابُ، قَالَ فِي النُّكَتِ: وَكَأَنَّ وَجْهَ الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْكِتَابَةَ هَلْ هِيَ صَرِيحٌ أَمْ لَا؟ وَيَأْتِي فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ شَهَادَةُ الْأَصَمِّ وَالْأَعْمَى وَأَحْكَامُهُمَا.
قَوْلُهُ (الرَّابِعُ: الْإِسْلَامُ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ كَافِرٍ إلَّا أَهْلَ الْكِتَابِ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُمْ، وَحَضَرَ الْمُوصِيَ الْمَوْتُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ) ، يَعْنِي إذَا كَانُوا رِجَالًا، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: قَبُولُ شَهَادَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ بِشَرْطِهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله حَتَّى قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الرَّوْضَةِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمهم الله: إنَّهُ نَصُّ الْقُرْآنِ،
وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: رَوَاهُ نَحْوُ الْعِشْرِينَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ رِوَايَةً بِعَدَمِ الْقَبُولِ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ.
تَنْبِيهَاتٌ
أَحَدُهَا: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ غَيْرَ الْكِتَابِيِّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فِيهَا، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَعَنْهُ: تُقْبَلُ مِنْ الْكَافِرِ مُطْلَقًا، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُوصِي مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، وَهُوَ صَحِيحٌ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرِهِمْ. الثَّالِثُ: صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ شَهَادَةَ الْكَافِرِ لَا تُقْبَلُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِشَرْطِهَا، وَقَالَ هُوَ الْمَذْهَبُ،
وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ نَحْوٍ مِنْ عِشْرِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ، فِي أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَعَنْهُ: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِلْحَمِيلِ، وَعَنْهُ: تُقْبَلُ لِلْحَمِيلِ، وَمَوْضِعُ ضَرُورَةٍ، وَعَنْهُ: تُقْبَلُ سَفَرًا، ذَكَرَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، وَقَالَ: كَمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ إذَا اجْتَمَعْنَ فِي الْعُرْسِ وَالْحَمَّامِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: أَنَّ شَهَادَةَ بَعْضِ أَهْلِ الذِّمَّةِ تُقْبَلُ عَلَى بَعْضٍ، نَقَلَهَا حَنْبَلٌ، وَخَطَّأَهُ الْخَلَّالُ فِي نَقْلِهِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ: هَذَا غَلَطٌ لَا شَكَّ فِيهِ، قَالَ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ السَّبْيِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمْ أَنَّ الْآخَرَ أَخُوهُ، وَالْمَذْهَبُ: الْأَوَّلُ، وَالظَّاهِرُ: غَلَطُ مَنْ رَوَى خِلَافَ ذَلِكَ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَاخْتَارَ رِوَايَةَ قَبُولِ شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ: الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، وَابْنُ رَزِينٍ، وَصَاحِبُ عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَنَصَرُوهُ، وَاحْتَجَّ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ بِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْوِلَايَةِ عَلَى أَوْلَادِهِ، فَشَهَادَتُهُ عَلَيْهِمْ أَوْلَى، وَنَصَرَهُ أَيْضًا فِي الِانْتِصَارِ، وَفِي الِانْتِصَارِ أَيْضًا: لَا مِنْ حَرْبِيٍّ، وَفِيهِ أَيْضًا: بَلْ عَلَى مِثْلِهِ، وَقَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ: لَا مُرْتَدٍّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْوِلَايَةِ، فَلَا يُقَرُّ، وَلَا فَاسِقٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَنِبُ مَحْظُورَ دِينِهِ، وَتَلْحَقُهُ التُّهْمَةُ،
وَفِي اعْتِبَارِ اتِّحَادِ الْمِلَّةِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. أَحَدُهُمَا: لَا يُعْتَبَرُ اتِّحَادُ الْمِلَّةِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُعْتَبَرُ اتِّحَادُهَا، صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ.
تَنْبِيهٌ: يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ (وَيُحَلِّفُهُمْ الْحَاكِمُ بَعْدَ الْعَصْرِ: {لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} [المائدة: 106] وَإِنَّهَا لَوَصِيَّةُ الرَّجُلِ) ، أَنَّ تَحْلِيفَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِهِمْ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْأَشْهَرُ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُحَلِّفُهُمْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: يُحَلِّفُهُمْ مَعَ الرِّيبَةِ، وَإِلَّا فَلَا.
قَوْلُهُ (الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَحْفَظُ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُغَفَّلٍ، وَلَا مَعْرُوفٍ بِكَثْرَةِ الْغَلَطِ وَالنِّسْيَانِ) ، لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَعْرُوفِ بِكَثْرَةِ الْغَلَطِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَكَذَا الْمَعْرُوفُ بِكَثْرَةِ النِّسْيَانِ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ: الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَالنَّاظِمُ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْخِرَقِيُّ، وَغَيْرُهُمْ،
وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: هَذَا الصَّحِيحُ، إلَّا فِي أَمْرٍ جَلِيٍّ يَكْشِفُهُ الْحَاكِمُ وَيُرَاجِعُهُ فِيهِ حَتَّى يَعْلَمَ تَثَبُّتَهُ فِيهِ، وَأَنَّهُ لَا سَهْوَ وَلَا غَلَطَ فِيهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي.
قَوْلُهُ (وَالسَّادِسُ: الْعَدَالَةُ، وَهِيَ اسْتِوَاءُ أَحْوَالِهِ فِي دِينِهِ، وَاعْتِدَالُ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ)، تَقَدَّمَ فِي " بَابِ طُرُقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ " أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: اعْتِبَارُ الْعَدَالَةِ فِي الْبَيِّنَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، فَيُعْتَبَرُ اسْتِوَاءُ أَحْوَالِهِ فِي دِينِهِ، وَاعْتِدَالُ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، بِلَا رَيْبٍ، وَقِيلَ: الْعَدْلُ مَنْ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَاخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ عِنْدَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٍ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ، وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، فِي الْعَدَالَةِ: اجْتِنَابَ الرِّيبَةِ وَانْتِفَاءَ التُّهْمَةِ، زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِعْلُ مَا يُسْتَحَبُّ، وَتَرْكُ مَا يُكْرَهُ.
فَائِدَةٌ:
الْعَاقِلُ مَنْ عَرَفَ الْوَاجِبَ عَقْلًا، الضَّرُورِيَّ وَغَيْرَهُ، وَالْمُمْتَنِعَ وَالْمُمْكِنَ، وَمَا يَضُرُّهُ وَمَا يَنْفَعُهُ غَالِبًا، وَالْعَقْلُ: نَوْعُ عِلْمٍ ضَرُورِيٍّ إنْسَانِيٍّ. وَمَحَلُّ ذَلِكَ الْأُصُولُ، وَالْإِسْلَامُ: الشَّهَادَتَانِ نُطْقًا أَوْ حُكْمًا، تَبَعًا أَوْ بِدَارٍ، مَعَ الْتِزَامِ أَحْكَامِ الدِّينِ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ.
تَنْبِيهٌ:
ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَيُعْتَبَرُ لَهَا شَيْئَانِ الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ، وَهُوَ أَدَاءُ الْفَرَائِضِ) ، أَنَّ أَدَاءَ الْفَرَائِضِ وَحْدَهَا يَكْفِي وَلَوْ لَمْ يُصَلِّ سُنَنَهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ،
وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ التَّبْصِرَةِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ، أَدَاءَ الْفَرَائِضِ بِسُنَنِهَا الرَّاتِبَةِ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ: بِسُنَنِهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ " الرَّاتِبَةَ " وَقَدْ أَوْمَأَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله إلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَالْجَمَاعَةُ، كَقَوْلِهِ فِيمَنْ يُوَاظِبُ عَلَى تَرْكِ سُنَنِ الصَّلَاةِ: رَجُلُ سُوءٍ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَوْ تَرَكَ سُنَّةً سَنَّهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَمَنْ تَرَكَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِهِ: فَهُوَ رَجُلُ سُوءٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَأْثَمُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُ لِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ تَرْكِ فَرْضٍ، وَإِلَّا فَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِ سُنَّةٍ، وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله فِيمَنْ تَرَكَهَا طُولَ عُمُرِهِ، أَوْ أَكْثَرَهُ، فَإِنَّهُ يَفْسُقُ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ إذَا دَاوَمَ عَلَى تَرْكِهَا؛ لِأَنَّهُ بِالْمُدَاوَمَةِ يَكُونُ رَاغِبًا عَنْ السُّنَّةِ، وَتَلْحَقُهُ التُّهْمَةُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَقِدٍ لِكَوْنِهَا سُنَّةً، وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله خَرَجَ عَلَى هَذَا، وَكَذَا قَالَ فِي الْفُصُولِ: الْإِدْمَانُ عَلَى تَرْكِ هَذِهِ السُّنَنِ غَيْرُ جَائِرٍ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله فِي الْوِتْرِ، وَقَالَ بَعْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْوِتْرِ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُحْكَمُ بِفِسْقِهِ، قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ مَنْ تَرَكَ الْوِتْرَ فَلَيْسَ بِعَدْلٍ وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله فِي الْجَمَاعَةِ، عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى نَاقِصَ الْإِيمَانِ
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَتُرَدُّ شَهَادَةُ مَنْ أَكْثَرَ مِنْ تَرْكِ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ. قَوْلُهُ (وَاجْتِنَابُ الْمَحَارِمَ، وَهُوَ أَنْ لَا يَرْتَكِبَ كَبِيرَةً، وَلَا يُدْمِنَ عَلَى صَغِيرَةٍ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَقِيلَ: أَنْ لَا يَظْهَرَ مِنْهُ إلَّا الْخَيْرُ، وَقِيلَ: أَنْ لَا يَتَكَرَّرَ مِنْهُ صَغِيرَةٌ، وَقِيلَ: ثَلَاثًا، وَقَطَعَ بِهِ فِي آدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: بِأَنْ لَا يُكْثِرَ مِنْ الصَّغَائِرِ، وَلَا يُصِرَّ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَعَنْهُ: تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِكِذْبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: اخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ. وَقَاسَ عَلَيْهِ بَقِيَّةَ الصَّغَائِرِ، وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ مَعْصِيَةٌ فِيمَا تَحْصُلُ بِهِ الشَّهَادَةُ، وَهُوَ الْخَبَرُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَأَخَذَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: أَنَّ الْكَذِبَ كَبِيرَةٌ، وَجَعَلَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ: الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْكَذِبِ: وَأَوْرَدَ ذَلِكَ مَذْهَبًا، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقَالَ أَيْضًا: وَلَعَلَّ الْخِلَافَ فِي الْكِذْبَةِ لِلتَّرَدُّدِ فِيهَا: هَلْ هِيَ كَبِيرَةٌ أَوْ صَغِيرَةٌ؟ وَأَطْلَقَ فِي الْمُحَرَّرِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ بِالْكِذْبَةِ الْوَاحِدَةِ،
وَظَاهِرُ الْكَافِي: أَنَّ الْعَدْلَ مَنْ رَجَحَ خَيْرُهُ وَلَمْ يَأْتِ كَبِيرَةً؛ لِأَنَّ الصَّغَائِرَ تَقَعُ مُكَفَّرَةً أَوَّلًا فَأَوَّلًا، فَلَا تَجْتَمِعُ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَوْلَا الْإِجْمَاعُ لَقُلْنَا بِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي الْعُمْدَةِ: أَنَّهُ عَدْلٌ وَلَوْ أَتَى كَبِيرَةً، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: صَرَّحَ بِهِ فِي قِيَاسِ الشُّبْهَةِ، وَعَنْهُ فِيمَنْ أَكَلَ الرِّبَا إنْ أَكْثَرَ لَمْ نُصَلِّ خَلْفَهُ، قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: فَاعْتَبَرَ الْكَثْرَةَ، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: إنْ أَخَذَ صَدَقَةً مُحَرَّمَةً وَتَكَرَّرَ: رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَعَنْهُ فِيمَنْ وَرِثَ مَا أَخَذَهُ مَوْرُوثُهُ مِنْ الطَّرِيقِ هَذَا أَهْوَنُ، لَيْسَ هُوَ أَخْرَجَهُ، وَأَعْجَبُ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ، وَعَنْهُ أَيْضًا: لَا يَكُونُ عَدْلًا حَتَّى يَرُدَّ مَا أَخَذَ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: مَنْ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِ كَذِبٍ مَعَ عِلْمِهِ بِالْحَالِ "، أَوْ تَكَرَّرَ نَظَرُهُ إلَى الْأَجْنَبِيَّاتِ وَالْقُعُودِ لَهُ بِلَا حَاجَةٍ شَرْعِيَّةٍ: قُدِحَ فِي عَدَالَتِهِ، قَالَ: وَلَا يَسْتَرِيبُ أَحَدٌ فِيمَنْ صَلَّى مُحْدِثًا، أَوْ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، أَوْ بَعْدَ الْوَقْتِ، أَوْ بِلَا قِرَاءَةٍ: أَنَّهُ كَبِيرَةٌ.
فَائِدَةٌ:
" الْكَبِيرَةُ " مَا فِيهِ حَدٌّ أَوْ وَعِيدٌ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رحمه الله: هِيَ مَا فِيهِ حَدٌّ أَوْ وَعِيدٌ، أَوْ غَضَبٌ أَوْ لَعْنَةٌ أَوْ نَفْيُ الْإِيمَانِ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ، وَالْغُنْيَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ: الْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ مِنْ الصَّغَائِرِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي مُعْتَمَدِهِ: مَعْنَى " الْكَبِيرَةِ " أَنَّ عِقَابَهَا أَعْظَمُ " وَالصَّغِيرَةُ " أَقَلُّ، وَلَا يُعْلَمَانِ إلَّا بِتَوْقِيفٍ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ تَكَرَّرَتْ الصَّغَائِرُ مِنْ نَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ، فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: تَجْتَمِعُ وَتَكُونُ كَبِيرَةً،
وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لَا تَجْتَمِعُ، وَهُوَ شَبِيهُ مَقَالَةِ الْمُعْتَزِلَةِ
قَوْلُهُ (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ فَاسِقٍ، سَوَاءٌ كَانَ فِسْقُهُ مِنْ جِهَةِ الْأَفْعَالِ أَوْ الِاعْتِقَادِ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، (وَيَتَخَرَّجُ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ قَبُولُ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ مِنْ جِهَةِ الِاعْتِقَادِ الْمُتَدَيَّنِ بِهِ، إذَا لَمْ يَتَدَيَّنْ بِالشَّهَادَةِ لِمُوَافِقِهِ عَلَى مُخَالِفِهِ) ، كَالْخَطَّابِيَّةِ، وَكَذَا قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ.
فَائِدَةٌ:
مَنْ قَلَّدَ فِي خَلْقِ الْقُرْآنِ، وَنَفْيِ الرُّؤْيَةِ وَنَحْوِهِمَا: فَسَقَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، قَالَهُ فِي الْوَاضِحِ وَعَنْهُ: يَكْفُرُ كَمُجْتَهِدٍ، وَعَنْهُ: فِيهِ لَا يَكْفُرُ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي رِسَالَتِهِ إلَى صَاحِبِ التَّلْخِيصِ، لِقَوْلِ أَحْمَدَ رحمه الله لِلْمُعْتَصِمِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَنَقَلَ يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ فِيمَنْ يَقُولُ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ كُنْت لَا أُكَفِّرُهُ حَتَّى قَرَأْت {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء: 166] وَغَيْرَهَا، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَدْرِي: عِلْمُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ أَوْ لَا؟ كَفَرَ وَقَالَ فِي الْفُصُولِ فِي الْكَفَاءَةِ، فِي جَهْمِيَّةٍ وَوَاقِفِيَّةٍ وَحَرُورِيَّةٍ وَقَدَرِيَّةٍ وَرَافِضِيَّةٍ إنْ نَاظَرَ وَدَعَا: كَفَرَ، وَإِلَّا لَمْ يَفْسُقْ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رحمه الله قَالَ: يُسْمَعُ حَدِيثُهُ وَيُصَلَّى خَلْفَهُ، قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ عَامَّةَ الْمُبْتَدِعَةِ فَسَقَةٌ كَعَامَّةِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ كُفَّارٌ مَعَ جَهْلِهِمْ، قَالَ: وَالصَّحِيحُ لَا كُفْرَ، لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رحمه الله: أَجَازَ الرِّوَايَةَ عَنْ الْحَرُورِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ
وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ: أَنَّ قَدَرِيَّةَ أَهْلِ الْأَثَرِ كَسَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، وَالْأَصَمِّ مُبْتَدِعَةٌ، وَفِي شَهَادَتِهِمْ وَجْهَانِ، وَأَنَّ الْأَوْلَى: أَنْ لَا تُقْبَلَ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مَا فِيهِ: الْفِسْقُ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِي خَبَرِ غَيْرِ الدَّاعِيَةِ: رِوَايَاتٍ. الثَّالِثَةُ: إنْ كَانَتْ مُفَسِّقَةً: قُبِلَ، وَإِنْ كَانَتْ مُكَفِّرَةً: رُدَّ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله لَا يَفْسُقُ أَحَدٌ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ فِي الْمُقَلَّدِ، كَالْفُرُوعِ وَعَنْهُ: الدَّاعِيَةُ كَتَفْضِيلِ عَلِيٍّ عَلَى الثَّلَاثَةِ، أَوْ أَحَدِهِمْ رضي الله عنهم، أَوْ لَمْ يَرَ مَسْحَ الْخُفِّ أَوْ غَسْلَ الرِّجْلِ، وَعَنْهُ: لَا يَفْسُقُ مَنْ فَضَّلَ عَلِيًّا عَلَى عُثْمَانَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ وَفِيمَنْ رَأَى " الْمَاءَ مِنْ الْمَاءِ " وَنَحْوِهِ التَّسْوِيَةُ، نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ مَنْ يُقَدِّمُ عَلِيًّا عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهم إنْ كَانَ جَاهِلًا لَا عِلْمَ لَهُ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ، وَقَالَ الْمَجْدُ: الصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ لَا تُوجِبُ الْكُفْرَ لَا نُفَسِّقُ الْمُقَلِّدَ فِيهَا لِخِفَّتِهَا، مِثْلُ مَنْ يُفَضِّلُ عَلِيًّا عَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، وَنَقِفُ عَنْ تَكْفِيرِ مَنْ كَفَّرْنَاهُ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ.
وَقَالَ الْمَجْدُ أَيْضًا: الصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ كَفَّرْنَا فِيهَا الدَّاعِيَةَ، فَإِنَّا نُفَسِّقُ الْمُقَلِّدَ فِيهَا، كَمَنْ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، أَوْ بِأَنَّ أَلْفَاظًا بِهِ مَخْلُوقَةٌ، أَوْ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ، أَوْ أَنَّ أَسْمَاءَهُ تَعَالَى مَخْلُوقَةٌ، أَوْ أَنَّهُ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ أَوْ أَنْ يَسُبَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم تَدَيُّنًا، أَوْ يَقُولَ: إنَّ الْإِيمَانَ مُجَرَّدُ الِاعْتِقَادِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَمَنْ كَانَ عَالِمًا فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْبِدَعِ، يَدْعُو إلَيْهِ وَيُنَاظِرُ عَلَيْهِ: فَهُوَ مَحْكُومٌ بِكُفْرِهِ، نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله صَرِيحًا عَلَى ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ،
قَالَ: وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي تَكْفِيرِ الْقَدَرِيَّةِ بِنَفْيِ خَلْقِ الْمَعَاصِي، عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَلَهُ فِي الْخَوَارِجِ كَلَامٌ يَقْتَضِي فِي تَكْفِيرِهِمْ رِوَايَتَيْنِ، نَقَلَ حَرْبٌ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ صَاحِبِ بِدْعَةٍ.
قَوْلُهُ (وَأَمَّا مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ الْفُرُوعِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا: فَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، أَوْ شَرِبَ مِنْ النَّبِيذِ مَا لَا يُسْكِرُ، أَوْ أَخَّرَ الْحَجَّ الْوَاجِبَ، مَعَ إمْكَانِهِ، وَنَحْوِهِ، مُتَأَوِّلًا: فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إلَّا أَنْ يُجِيزَ رِبَا الْفَضْلِ، أَوْ يَرَى الْمَاءَ مِنْ الْمَاءِ، لِتَحْرِيمِهِمَا الْآنَ، وَذَكَرَهُمَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله مِمَّا خَالَفَ النَّصَّ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْقَضُ فِيهِ حُكْمُ الْحَاكِمِ، وَذَكَرَ فِي التَّبْصِرَةِ فِيمَنْ تَزَوَّجَ بِلَا وَلِيٍّ، أَوْ أَكَلَ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ، أَوْ تَزَوَّجَ بِنْتَهُ مِنْ الزِّنَا، أَوْ أُمَّ مَنْ زَنَى بِهَا احْتِمَالًا: تُرَدُّ وَعَنْهُ: يَفْسُقُ مُتَأَوِّلٌ لَمْ يَسْكَرْ مِنْ نَبِيذٍ، اخْتَارَهُ فِي الْإِرْشَادِ وَالْمُبْهِجِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ: كَحَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ يَدْعُو إلَى الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، وَلِلسُّنَّةِ الْمُسْتَفِيضَةِ، وَعَلَّلَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ بِأَنَّهُ إلَى الْحَاكِمِ، لَا إلَى فَاعِلِهِ كَبَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ، وَفِيهِ فِي الْوَاضِحِ رِوَايَتَانِ. كَذِمِّيٍّ شَرِبَ خَمْرًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُوجَزِ، وَاخْتَلَفَ فِيهِ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رحمه الله، نَقَلَ مُهَنَّا: مَنْ أَرَادَ شُرْبَهُ يَتْبَعُ فِيهِ مَنْ شَرِبَهُ: فَلْيَشْرَبْهُ، وَعَنْهُ: أُجِيزُ شَهَادَتَهُ، وَلَا أُصَلِّي خَلْفَهُ وَحْدَهُ،
وَعَنْهُ: وَمَنْ أَخَّرَ الْحَجَّ قَادِرًا كَمَنْ لَمْ يُؤَدِّ الزَّكَاةَ، نَقَلَهُ صَالِحٌ وَالْمَرُّوذِيُّ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَقِيَاسُ الْأَدِلَّةِ مَنْ لَعِبَ بِشِطْرَنْجٍ، وَتَسَمَّعَ غِنَاءً بِلَا آلَةٍ، قَالَهُ فِي الْوَسِيلَةِ، لَا بِاعْتِقَادِ إبَاحَتِهِ.
فَائِدَةٌ:
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي دُخُولِ الْفُقَهَاءِ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، فَأَدْخَلَهُمْ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَأَخْرَجَهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ فَعَلَهُ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَهُ: رُدَّتْ، شَهَادَتُهُ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَغَيْرِهِمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تُرَدَّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ.
فَائِدَةٌ:
مَنْ تَتَبَّعَ الرُّخَصَ فَأَخَذَ بِهَا: فَسَقَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رحمه الله إجْمَاعًا، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: كَرِهَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي: غَيْرَ مُتَأَوِّلٍ أَوْ مُقَلِّدٍ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُ مَنْ تَرَكَ شَرْطًا، أَوْ رُكْنًا مُخْتَلَفًا فِيهِ: لَا يُعِيدُ فِي رِوَايَةٍ، وَيَتَوَجَّهُ تَقْيِيدُهُ بِمَا لَمْ يُنْقَضْ فِيهِ حُكْمُ حَاكِمٍ، وَقِيلَ: لَا يَفْسُقُ إلَّا الْعَالِمُ، وَمَعَ ضَعْفِ الدَّلِيلِ: فَرِوَايَتَانِ.
تَنْبِيهٌ: تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ " كِتَابِ الْقَضَاءِ: هَلْ يَلْزَمُ التَّمَذْهُبُ بِمَذْهَبٍ أَوْ لَا؟ " فَلْيُعَاوَدْ.
قَوْلُهُ (الثَّانِي: اسْتِعْمَالُ الْمُرُوءَةِ، وَهُوَ فِعْلُ مَا يُجَمِّلُهُ وَيُزَيِّنُهُ، وَتَرْكُ مَا يُدَنِّسُهُ وَيَشِينُهُ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُصَافِعِ وَالْمُتَمَسْخِرِ وَالْمُغَنِّي) قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُكْرَهُ سَمَاعُ الْغِنَاءِ وَالنُّوحِ بِلَا آلَةِ لَهْوٍ، وَيَحْرُمُ مَعَهَا، وَقِيلَ: وَبِدُونِهَا، مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ، وَقِيلَ: يُبَاحُ، مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مُنْكَرٌ آخَرُ، وَإِنْ دَاوَمَهُ أَوْ اتَّخَذَهُ صِنَاعَةً يُقْصَدُ لَهُ، أَوْ اتَّخَذَ غُلَامًا أَوْ جَارِيَةً مُغَنِّيَيْنِ يَجْمَعُ عَلَيْهِمَا النَّاسَ: رُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ اسْتَتَرَ بِهِ وَأَكْثَرَ مِنْهُ: رَدَّهَا مَنْ حَرَّمَهُ أَوْ كَرِهَهُ، وَقِيلَ: أَوْ أَبَاحَهُ، لِأَنَّهُ سَفَهٌ وَدَنَاءَةٌ يُسْقِطُ الْمُرُوءَةَ، وَقِيلَ " الْحُدَاءُ " نَشِيدُ الْأَعْرَابِ. كَالْغِنَاءِ فِي ذَلِكَ، وَقِيلَ: يُبَاحُ سَمَاعُهَا. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُكْرَهُ غِنَاءٌ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: يَحْرُمُ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: لَا يُعْجِبُنِي، وَقَالَ فِي الْوَصِيِّ: يَبِيعُ أَمَةً لِلصَّبِيِّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مُغَنِّيَةٍ، وَعَلَى أَنَّهَا لَا تَقْرَأُ بِالْأَلْحَانِ، وَقِيلَ: يُبَاحُ الْغِنَاءُ وَالنَّوْحُ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ، وَكَذَا سَمَاعُهُ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِمَا: يَحْرُمُ مَعَ آلَةِ لَهْوٍ، بِلَا خِلَافٍ بَيْنَنَا، وَكَذَا قَالُوا هُمْ وَابْنُ عَقِيلٍ: إنْ كَانَ الْمُغَنِّي امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ، وَيَعْقُوبُ: أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رحمه الله: سُئِلَ عَنْ الدُّفِّ فِي الْعُرْسِ بِلَا غِنَاءٍ؟ فَلَمْ يَكْرَهْهُ.
فَوَائِدُ
مِنْهَا يُكْرَهُ بِنَاءُ الْحَمَّامِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ " بَابِ الْغُسْلِ " وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَنْ بَنَاهُ لِلنِّسَاءِ، وَتَقَدَّمَ أَحْكَامُ الْحَمَّامِ فِي آخِرِ " بَابِ الْغُسْلِ ". وَمِنْهَا: الشِّعْرُ كَالْكَلَامِ، سَأَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ: مَا يُكْرَهُ مِنْهُ؟ قَالَ: الْهِجَاءُ، وَالرَّقِيقُ الَّذِي يُشَبِّبُ بِالنِّسَاءِ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ: أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ الشِّعْرُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. وَمِنْهَا: لَوْ أَفْرَطَ شَاعِرٌ فِي الْمِدْحَةِ بِإِعْطَائِهِ، وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ، أَوْ شَبَّبَ بِمَدْحِ خَمْرٍ، أَوْ بِمُرْدٍ وَفِيهِ احْتِمَالٌ: أَوْ بِامْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ مُحَرَّمَةٍ: فَسَقَ، لَا إنْ شَبَّبَ بِامْرَأَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَاخْتَارَ فِي الْفُصُولِ، وَالتَّرْغِيبِ: تُرَدُّ. كَدَيُّوثٍ
قَوْلُهُ (وَاللَّاعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فِي الْجُمْلَةِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ اللَّاعِبِ بِهِ، وَلَوْ كَانَ مُقَلِّدًا. قَوْلُهُ (وَاللَّاعِبِ بِالْحَمَامِ) ، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ: الطَّيَّارَةُ، وَنَقَلَ بَكْرٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: أَوْ يَسْتَرْعِيهِ مِنْ الْمَزَارِعِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَكَذَا تَسْرِيحُهَا فِي مَوَاضِعَ يُرَاهِنُ بِهَا.
فَائِدَةٌ:
اللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ حَرَامٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ،
وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، كَمَعَ عِوَضٍ، أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ، أَوْ فِعْلِ مُحَرَّمٍ إجْمَاعًا فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَإِنْ دَاوَمَ عَلَيْهِ فَسَقَ، وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ إذَا خَلَا مِنْ ذَلِكَ، بَلْ يُكْرَهُ، وَيَحْرُمُ النَّرْدُ بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رحمه الله: الشِّطْرَنْجُ شَرٌّ مِنْ النَّرْدِ، وَكَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: اللَّعِبَ بِالْحَمَامِ، وَيَحْرُمُ لِيَصِيدَ بِهِ حَمَامَ غَيْرِهِ، وَيَجُوزُ لِلْأُنْسِ بِصَوْتِهَا وَاسْتِفْرَاخِهَا وَكَذَا لِحَمْلِ الْكُتُبِ مِنْ غَيْرِ أَذًى يَتَعَدَّى إلَى النَّاسِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يُكْرَهُ، وَفِي رَدِّ الشَّهَادَةِ بِاسْتِدَامَتِهِ وَجْهَانِ، وَيُكْرَهُ حَبْسُ طَيْرٍ لِنَغْمَتِهِ، فَفِي رَدِّ شَهَادَتِهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَهُمَا احْتِمَالَانِ فِي الْفُصُولِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ الْمُتَقَدِّمِ: أَنَّهَا لَا تُرَدُّ بِذَلِكَ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ كَمُخَاطَرَتِهِ بِنَفْسِهِ فِي رَفْعِ الْأَعْمِدَةِ وَالْأَحْجَارِ الثَّقِيلَةِ وَالثِّقَافِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَيَحْرُمُ مُحَاكَاةُ النَّاسِ لِلضَّحِكِ، وَيُعَزَّرُ هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُهُ بِهِ.
قَوْلُهُ (وَاَلَّذِي يَتَغَدَّى فِي السُّوقِ) ،
يَعْنِي: بِحَضْرَةِ النَّاسِ، قَالَ فِي الْغُنْيَةِ: أَوْ يَتَغَدَّى عَلَى الطَّرِيقِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: كَاَلَّذِي يَنْصِبُ مَائِدَةَ وَيَأْكُلُ عَلَيْهَا، وَلَا يَضُرُّ أَكْلُ الْيَسِيرِ كَالْكِسْرَةِ وَنَحْوِهَا. قَوْلُهُ (وَيَمُدُّ رِجْلَيْهِ فِي مَجْمَعِ النَّاسِ) ، وَكَذَا لَوْ كَشَفَ مِنْ بَدَنِهِ مَا الْعَادَةُ تَغْطِيَتُهُ، وَنَوْمُهُ بَيْنَ الْجَالِسِينَ، وَخُرُوجُهُ عَنْ مُسْتَوَى الْجُلُوسِ بِلَا عُذْرٍ.
فَائِدَةٌ:
لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الطُّفَيْلِيِّ، قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَيُحَدِّثُ بِمُبَاضَعَتِهِ أَهْلَهُ وَأَمَتَهُ) . وَكَذَا مُخَاطَبَتُهُمَا بِخِطَابٍ فَاحِشٍ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَاكِي الْمُضْحِكَاتِ، وَنَحْوِهِ، قَالَ فِي الْفُنُونِ: وَالْقَهْقَهَةِ، قَالَ فِي الْغُنْيَةِ: يُكْرَهُ تَشَدُّقُهُ بِالضَّحِكِ وَقَهْقَهَتُهُ، وَرَفْعُ صَوْتِهِ بِلَا حَاجَةٍ، وَقَالَ: وَمَضْغُ الْعِلْكِ؛ لِأَنَّهُ دَنَاءَةٌ، وَإِزَالَةُ دَرَنِهِ بِحَضْرَةِ نَاسٍ، وَكَلَامٌ بِمَوْضِعٍ قَذِرٍ، كَحَمَّامٍ وَخَلَاءٍ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَمُصَارِعٌ، وَبَوْلُهُ فِي شَارِعٍ، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: وَمَنْ بَنَى حَمَّامًا لِلنِّسَاءِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَدَوَامُ اللَّعِبِ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ وَاخْتَفَى بِمَأْمَنِهِ: قُبِلَتْ. قَوْلُهُ (فَأَمَّا الشَّيْنُ فِي الصِّنَاعَةِ كَالْحَجَّامِ وَالْحَائِكِ وَالنَّخَّالِ وَالنَّفَّاطِ
وَالْقَمَّامِ وَالزَّبَّالِ وَالْمُشَعْوِذِ وَالدَّبَّاغِ وَالْحَارِسِ وَالْقَرَّادِ وَالْكَبَّاشِ فَهَلْ تُقْبَلُ، شَهَادَتُهُمْ إذَا حَسُنَتْ طَرَائِقُهُمْ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. أَحَدُهُمَا: تُقْبَلُ إذَا حَسُنَتْ طَرِيقَتُهُمْ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَلَا يُقْبَلُ مَسْتُورُ الْحَالِ مِنْهُمْ، وَإِنْ قَبِلْنَاهُ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمَا، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْمَشْهُورُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ: لَا يُقْبَلُ مَسْتُورُ الْحَالِ مِنْهُمْ، وَإِنْ قُبِلَ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ: قَبُولَ شَهَادَةِ الْحَائِكِ، وَالْحَارِسِ، وَالدَّبَّاغِ، وَاخْتَارَهُ النَّاظِمُ، وَزَادَ: النَّفَّاطَ، وَالصَّبَّاغَ، وَاخْتَارَ عَدَمَ قَبُولِ شَهَادَةِ الْكَبَّاشِ، وَالْكَاسِحِ، وَالْقَرَّادِ، وَالْقَمَّامِ، وَالْحَجَّامِ، وَالزَّبَّالِ، وَالْمُشَعْوِذِ، وَنَخَّالِ التُّرَابِ، وَالْمُحَرِّشِ بَيْنَ الْبَهَائِمِ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: قَبُولَ شَهَادَةِ الْحَائِكِ، وَالْحَجَّامِ،
وَالنَّخَّالِ، وَالنَّفَّاطِ، وَالْحَارِسِ، وَالصَّبَّاغِ، وَالدَّبَّاغِ، وَالْقَمَّامِ، وَالزَّبَّالِ، وَالْقَرَّادِ، وَالْكَبَّاشِ، وَالْكَسَّاحِ، وَالْقَيِّمِ، وَالْجَصَّاصِ، وَنَحْوِهِمْ، وَاخْتَارَ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ: قَبُولَ شَهَادَةِ الْحَجَّامِ، وَالْحَائِكِ، وَالنَّخَّالِ، وَالنَّفَّاطِ، وَالْقَمَّامِ، وَالْمُشَعْوِذِ، وَالدَّبَّاغِ، وَالْحَارِسِ، وَاخْتَارَ فِي الْمُنَوِّرِ: قَبُولَ شَهَادَةِ الْحَارِسِ، وَالْحَائِكِ، وَالنَّخَّالِ، وَالصَّبَّاغِ، وَالْحَاجِمِ، وَالْكَسَّاحِ، وَالزَّبَّالِ، وَالدَّبَّاغِ، وَالنَّفَّاطِ.
قَالَ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ: أَوْ نَقُولُ بِرَدِّ شَهَادَةِ الْحَائِكِ، وَالْحَارِسِ، وَالدَّبَّاغِ، بِبَلَدٍ يُسْتَزْرَى فِيهِ بِهِمْ، وَجَزَمَ الشَّارِحُ بِعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ الْكُسَّاحِ، وَالْكَنَّاسِ، وَأَطْلَقَ فِي الزَّبَّالِ، وَالْحَجَّامِ، وَنَحْوِهِمْ، وَجْهَيْنِ، قُلْت: لَيْسَ الْحَائِكُ، وَالنَّخَّالُ، وَالدَّبَّاغُ، وَالْحَارِسُ: كَالْقَرَّادِ، وَالْكَبَّاشِ، وَالْمُشَعْوِذِ، وَنَحْوِهِمْ.
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: الدَّبَّابُ، وَالصَّبَّاغُ، وَالْكَنَّاسُ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَصَانِعٍ، وَمُكَارٍ، وَجَمَّالٍ، وَجَزَّارٍ، وَمُصَارِعٍ، وَمَنْ لَبِسَ غَيْرَ زِيِّ بَلَدٍ يَسْكُنُهُ، أَوْ زِيَّهُ الْمُعْتَادَ بِلَا عُذْرٍ، وَالْقَيِّمِ، وَقَالَ غَيْرَهُ: وَجَزَّارٍ، وَفِي الْفُنُونِ: وَكَذَا خَيَّاطٌ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ غَرِيبٌ، قُلْت: هَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا.
وَمِثْلُ ذَلِكَ: الصَّيْرَفِيُّ وَنَحْوُهُ، إنْ لَمْ يَتَّقِ الرِّبَا، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله أَكْرَهُ الصَّرْفَ،
قَالَ الْقَاضِي: يُكْرَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الصَّائِغِ، وَالصَّابِغِ: إنْ تَحَرَّى الصِّدْقَ وَالثِّقَةَ فَلَا مَطْعَنَ عَلَيْهِ.
الثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ كَسْبُ مَنْ صَنْعَتُهُ دَنِيَّةٌ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ مَعَ إمْكَانِ أَصْلَحَ مِنْهَا، وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَمَنْ يُبَاشِرُ النَّجَاسَةَ، وَالْجَزَّارُ. ذَكَرَهُ فِيهِ الْقَاضِي، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، لِلْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّهُ يُوجِبُ قَسَاوَةَ قَلْبِهِ، وَفَاصِدٍ، وَمُزَيِّنٍ، وَجَرَائِحِيٍّ، وَنَحْوِهِمْ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَبَيْطَارٍ، وَظَاهِرُ الْمُغْنِي: لَا يُكْرَهُ كَسْبُ فَاصِدٍ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: الظَّاهِرُ يُكْرَهُ، قَالَ: وَكَذَا الْخَتَّانُ، بَلْ أَوْلَى، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ: لَا يُكْرَهُ فِي الرَّقِيقِ، وَكَرِهَهُ الْقَاضِي.
تَنْبِيهٌ: تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الصَّيْدِ " أَيُّ الْمَكَاسِبِ أَفْضَلُ؟
قَوْلُهُ (وَمَتَى زَالَتْ الْمَوَانِعُ مِنْهُمْ، فَبَلَغَ الصَّبِيُّ، وَعَقَلَ الْمَجْنُونُ، وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ، وَتَابَ الْفَاسِقُ: قُبِلَتْ، شَهَادَتُهُمْ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ، وَلَا يُعْتَبَرُ إصْلَاحُ الْعَمَلِ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ فِي التَّائِبِ: إصْلَاحُ الْعَمَلِ سَنَةً،
وَقِيلَ: ذَلِكَ فِيمَنْ فِسْقُهُ بِفِعْلٍ، وَذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ رِوَايَةً، وَعَنْهُ: ذَلِكَ فِي مُبْتَدِعٍ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَالْحَلْوَانِيُّ، لِتَأْجِيلِ عُمَرَ رضي الله عنه صَبِيغًا، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ فِي قَاذِفٍ وَفَاسِقٍ مُدَّةُ عِلْمِ حَالِهِمَا، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْكَافِي، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ فِي كِتَابِهِ يَجِيءُ عَلَى مَقَالَةِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا وُجُودُ أَعْمَالٍ صَالِحَةٍ؛ لِظَاهِرِ الْآيَةِ {إِلا مَنْ تَابَ} [الفرقان: 70] .
فَائِدَتَانِ
الْأُولَى: تَوْبَةُ غَيْرِ الْقَاذِفِ: النَّدَمُ وَالْإِقْلَاعُ، وَالْعَزْمُ أَنْ لَا يَعُودَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، فَلَوْ كَانَ فِسْقُهُ بِتَرْكِ وَاجِبٍ كَصَلَاةٍ، وَصَوْمٍ، وَزَكَاةٍ، وَنَحْوِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهَا، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ قَوْلُهُ " إنِّي تَائِبٌ " وَنَحْوُهُ، وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ أَيْضًا: مُجَانَبَةُ قَرِينِهِ فِيهِ.
الثَّانِيَةُ: يُعْتَبَرُ فِي صِحَّةِ التَّوْبَةِ: رَدُّ الْمَظْلَمَةِ إلَى رَبِّهَا، وَأَنْ يَسْتَحِلَّهُ، أَوْ يَسْتَمْهِلَهُ مُعْسِرٌ، وَمُبَادَرَتُهُ إلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى حَسَبَ إمْكَانِهِ، ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ: يُعْتَبَرُ رَدُّ الْمَظْلَمَةِ أَوْ بَدَلِهَا، أَوْ نِيَّةُ الرَّدِّ مَتَى قَدَرَ، وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْقَذْفِ: إذَا كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ غَيْرُ مَالِيٍّ لِحَيٍّ، فَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَظْلَمَةُ لِمَيِّتٍ فِي مَالٍ: رَدَّهُ إلَى ذُرِّيَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ: فَإِلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْمَيِّتِ فِي عِرْضِهِ كَسَبِّهِ وَقَذْفِهِ فَيَنْوِي اسْتِحْلَالَهُ إنْ قَدَرَ فِي الْآخِرَةِ، أَوْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لَهُ حَتَّى يُرْضِيَهُ عَنْهُ
وَالظَّاهِرُ: صِحَّةُ تَوْبَتِهِ فِي الدُّنْيَا، مَعَ بَقَاءِ حَقِّ الْمَظْلُومِ عَلَيْهِ لِعَجْزِهِ عَنْ الْخَلَاصِ مِنْهُ كَالدَّيْنِ، فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَتَصِحُّ إمَامَتُهُ، قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ، وَعَنْهُ: لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ مُبْتَدِعٍ، اخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ.
قَوْلُهُ (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ حَتَّى يَتُوبَ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَسَوَاءٌ حُدَّ أَوْ لَا، وَمَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ إلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ، وَقَالَ: وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُ رِوَايَةِ بَقَاءِ عَدَالَتِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ.
قَوْلُهُ (وَتَوْبَتُهُ: أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِكَذِبِهِ حُكْمًا، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: إنْ عَلِمَ صِدْقَ نَفْسِهِ، فَتَوْبَتُهُ أَنْ يَقُولَ " نَدِمْت عَلَى مَا قُلْت، وَلَنْ أَعُودَ إلَى مِثْلِهِ، وَأَنَا تَائِبٌ: إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ "، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ، وَقَالَ: وَاخْتَارَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمُغْنِي: أَنَّهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ صِدْقَ نَفْسِهِ فَكَالْأَوَّلِ، وَإِنْ عَلِمَ صِدْقَهُ، فَتَوْبَتُهُ الِاسْتِغْفَارُ، وَالْإِقْرَارُ بِبُطْلَانِ مَا قَالَهُ، وَتَحْرِيمُهُ وَأَنْ لَا يَعُودَ إلَى مِثْلِهِ،
وَقَالَ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ: إنْ كَانَ الْقَذْفُ شَهَادَةً، قَالَ " الْقَذْفُ حَرَامٌ بَاطِلٌ، وَلَنْ أَعُودَ إلَى مَا قُلْت " وَإِنْ كَانَ سَبًّا: فَكَالْمَذْهَبِ، وَقَطَعَ فِي الْكَافِي: أَنَّ الصَّادِقَ يَقُولُ " قَذْفِي لِفُلَانٍ بَاطِلٌ، نَدِمْت عَلَيْهِ ".
فَائِدَةٌ: الْقَادِفُ بِالشَّتْمِ: تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَرِوَايَتُهُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفُتْيَاهُ، حَتَّى يَتُوبَ، وَالشَّاهِدُ بِالزِّنَا إذَا لَمْ تَكْمُلْ الْبَيِّنَةُ: تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ، دُونَ شَهَادَتِهِ.
قَوْلُهُ (وَلَا تُعْتَبَرُ فِي الشَّهَادَةِ الْحُرِّيَّةُ، بَلْ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، شَهَادَةُ الْعَبْدِ لَا تَخْلُو: إمَّا أَنْ تَكُونَ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، أَوْ فِي غَيْرِهِمَا، فَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِهِمَا: قُبِلَتْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَقَلَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً: يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ الْحُرِّيَّةُ، ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ فِي أَنَّ الْحُرَّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ، وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: فِي شَهَادَةِ الْعَبْدِ خِلَافٌ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ: قُبِلَتْ أَيْضًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْقَاضِي يَعْقُوبَ، وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ،
وَعَنْهُ: لَا تُقْبَلُ فِيهِمَا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَشْهَرُ، قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو الْفَرَجِ، وَصَاحِبُ الرَّوْضَةِ: لَا تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ خَاصَّةً، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي التَّرْغِيبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ، وَهُوَ أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي.
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا: حَيْثُ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ: حَرُمَ عَلَى سَيِّدِهِ مَنْعُهُ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: مَنْ أَجَازَ شَهَادَتَهُ: لَمْ يُجِزْ لِسَيِّدِهِ مَنْعَهُ مِنْ قِيَامِهِ بِهَا. الثَّانِيَةُ: لَوْ عَتَقَ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ، فَشَهِدَ: حَرُمَ رَدُّهُ، قَالَ فِي الِانْتِصَارِ، وَالْمُفْرَدَاتِ: فَلَوْ رَدَّهُ الْحَاكِمُ، مَعَ ثُبُوتِ عَدَالَتِهِ: فَسَقَ.
قَوْلُهُ (وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى فِي الْمَسْمُوعَاتِ، إذَا تَيَقَّنَ الصَّوْتَ وَبِالِاسْتِفَاضَةِ، وَتَجُوزُ فِي)(الْمَرْئِيَّاتِ الَّتِي تَحَمَّلَهَا قَبْلَ الْعَمَى إذَا عَرَفَ الْفَاعِلَ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَمَا يُمَيَّزُ بِهِ) بِلَا نِزَاعٍ،
(فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ إلَّا بِعَيْنِهِ فَقَالَ الْقَاضِي: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَيْضًا وَيَصِفُهُ لِلْحَاكِمِ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَجُوزَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَنْضَبِطُ غَالِبًا، وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَقَالَ: وَنَصُّهُ يُقْبَلُ وَالزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ: وَلَعَلَّ لَهُمَا الْتِفَاتًا إلَى الْقَوْلَيْنِ فِي السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ. انْتَهَى. قُلْت: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ السَّلَمِ فِيهِ، فَعَلَى هَذَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِهِ. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ عَرَفَهُ يَقِينًا بِصَوْتِهِ، وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي هُنَا بِالْقَوْلَيْنِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَإِنْ عَرَفَهُ بِعَيْنِهِ فَقَطْ وَقِيلَ: أَوْ بِصَوْتِهِ فَوَصَفَهُ لِلْحَاكِمِ بِمَا يُمَيِّزُهُ: فَوَجْهَانِ.
فَائِدَةٌ:
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَكَذَا الْحُكْمُ إنْ تَعَذَّرَتْ رُؤْيَةُ الْعَيْنِ الْمَشْهُودِ لَهَا، أَوْ عَلَيْهَا، أَوْ بِهَا، لِمَوْتٍ أَوْ غَيْبَةٍ.
قَوْلُهُ (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ كَالْمُرْضِعَةِ عَلَى الرَّضَاعِ وَالْقَاسِمِ عَلَى الْقِسْمَةِ، وَالْحَاكِمِ عَلَى حُكْمِهِ بَعْدَ الْعَزْلِ) .
أَمَّا الْمُرْضِعُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ شَهَادَتَهَا تُقْبَلُ عَلَى رَضَاعِ نَفْسِهَا مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: لَا تُقْبَلُ إنْ كَانَ بِأُجْرَةٍ، وَإِلَّا قُبِلَتْ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، كَالْمُرْضِعَةِ عَلَى الرَّضَاعِ، وَالْقَاسِمِ عَلَى الْقِسْمَةِ بَعْدَ فَرَاغِهِ إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَأَمَّا الْقَاسِمُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: قَبُولُ شَهَادَتِهِ عَلَى قَسْمِ نَفْسِهِ مُطْلَقًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ: لَا تُقْبَلُ، وَقَالَ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ، وَالتَّرْغِيبِ: لَا تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ مُتَبَرِّعٍ؛ لِلتُّهْمَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُمْ، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَاسِمِ بِالْقِسْمَةِ إذَا كَانَ مُتَبَرِّعًا، وَلَا تُقْبَلُ إذَا كَانَ بِأُجْرَةٍ. انْتَهَى. وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا، وَقَطَعَ بِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَكَذَا قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إذَا شَهِدَ قَاسِمُ الْحَاكِمِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَاسِمِ بَعْدَ فَرَاغِهِ، إذَا كَانَ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَعِبَارَتُهُ الْأُولَى هِيَ الْمَشْهُورَةُ فِي كَلَامِ الْقَاضِي، وَغَيْرِهِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ
قُلْت: وَعِبَارَتُهُ الثَّانِيَةُ تَابَعَ فِيهَا أَبَا الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، قَالَ الْقَاضِي: إذَا شَهِدَ قَاسِمَا الْحَاكِمِ عَلَى قِسْمَةٍ قَسَمَاهَا بِأَمْرِهِ " أَنَّ فُلَانًا اسْتَوْفَى نَصِيبَهُ " جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِغَيْرِ أَجْرٍ وَإِنْ كَانَتْ بِأَجْرٍ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا، وَتَقَدَّمَ فِي " بَابِ جَزَاءِ الصَّيْدِ " أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ أَحَدَ الشَّاهِدَيْنِ إذَا قَتَلَ صَيْدًا، وَلَمْ تَقْضِ فِيهِ الصَّحَابَةُ فِي قِيمَتِهِ، وَهُوَ يُشَابِهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَأَمَّا شَهَادَةُ الْحَاكِمِ عَلَى حُكْمِ نَفْسِهِ بَعْدَ عَزْلِهِ: فَمَقْبُولَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ " بَابِ أَدَبِ الْقَاضِي " إذَا أَخْبَرَ بَعْدَ عَزْلِهِ " أَنَّهُ كَانَ حَكَمَ بِكَذَا ".
قَوْلُهُ (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَدَوِيِّ عَلَى الْقَرَوِيِّ، وَالْقَرَوِيِّ عَلَى الْبَدَوِيِّ) ، تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَرَوِيِّ عَلَى الْبَدَوِيِّ بِلَا نِزَاعٍ، وَأَمَّا شَهَادَةُ الْبَدَوِيِّ عَلَى الْقَرَوِيِّ: فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا قَبُولَهَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالنَّاظِمُ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَعَنْهُ: شَهَادَةُ الْبَدَوِيِّ عَلَى الْقَرَوِيِّ: أَخْشَى أَنْ لَا تُقْبَلَ، فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، أَحَدَهُمَا، تُقْبَلُ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْآخَرَ: لَا تُقْبَلُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ،
قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، قُلْت: مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ.