المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب الشهادة على الشهادة والرجوع عن الشهادة] - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ١٢

[المرداوي]

الفصل: ‌[باب الشهادة على الشهادة والرجوع عن الشهادة]

[بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَالرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ]

تَنْبِيهٌ

قَوْلُهُ (تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ كِتَابُ الْقَاضِي وَتُرَدُّ فِيمَا يُرَدُّ فِيهِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَقَالَهُ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعُوا بِهِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ فِي كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ يَتَعَلَّقُ بِمَالٍ وَيَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَلَا تُقْبَلُ فِي حَقٍّ خَالِصٍ لِلَّهِ تَعَالَى، وَفِي الْقَوَدِ، وَحَدِّ الْقَذْفِ، وَالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، وَالرَّجْعَةِ، وَالتَّوْكِيلِ، وَالْوَصِيَّةِ بِالنَّظَرِ، وَالنَّسَبِ، وَالْعِتْقِ، وَالْكِتَابَةِ عَلَى كَذَا وَنَحْوِهَا مِمَّا لَيْسَ مَالًا وَلَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ غَالِبًا: رِوَايَتَانِ، وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدَ رحمه الله عَلَى قَبُولِهِ فِي الطَّلَاقِ، وَقِيلَ: تُقْبَلُ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: تُقْبَلُ فِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ كِتَابُ الْقَاضِي، وَتُرَدُّ فِيمَا يُرَدُّ فِيهِ. انْتَهَى. وَهَذَا الْأَخِيرُ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَلَا تُقْبَلُ إلَّا أَنْ تَتَعَذَّرَ شَهَادَةُ شُهُودِ الْأَصْلِ بِمَوْتٍ) ، بِلَا نِزَاعٍ فِيهِ، (أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْبَةٍ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ،

ص: 89

وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِمْ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: تُقْبَلُ فِي غَيْبَةٍ فَوْقَ يَوْمٍ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُلْتَحَقُ بِالْمَرَضِ وَالْغَيْبَةِ: الْخَوْفُ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ، زَادَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَالْحَبْسُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ: وَفِي مَعْنَاهُ الْجَهْلُ بِمَكَانِهِمْ وَلَوْ فِي الْمِصْرِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِشَاهِدِ الْفَرْعِ أَنْ يَشْهَدَ إلَّا أَنْ يَسْتَرْعِيَهُ شَاهِدُ الْأَصْلِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ رِوَايَةً: يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ، سَوَاءٌ اسْتَرْعَاهُ أَوْ لَا، وَقَدَّمَهُ فِي التَّبْصِرَةِ، وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى شَهَادَةِ الْمُسْتَخْفِي.

تَنْبِيهٌ:

مَفْهُومُ قَوْلِهِ " إلَّا أَنْ يَسْتَرْعِيَهُ شَاهِدُ الْأَصْلِ " أَنَّهُ لَوْ اسْتَرْعَاهُ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ،

ص: 90

وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ، فَيَكُونُ شَاهِدَ فَرْعٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (فَيَقُولُ: أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِي أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ وَقَدْ عَرَفْته بِعَيْنِهِ وَاسْمِهِ وَنَسَبِهِ أَقَرَّ عِنْدِي وَأَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ طَوْعًا بِكَذَا، أَوْ شَهِدْت عَلَيْهِ، أَوْ أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا) ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ: الْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ، إنْ قَالَ:" أَشْهَدُ أَنِّي أَشْهَدُ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا " وَقَالُوا: وَلَوْ قَالَ " أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِي بِكَذَا " صَحَّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا.

فَائِدَةٌ:

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُؤَدِّيهَا الْفَرْعُ بِصِفَةِ تَحَمُّلِهِ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِ: وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهَا بِصِفَةِ مَا تَحَمَّلَهَا لَمْ يُحْكَمْ بِهَا، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَنْبَغِي ذَلِكَ، وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَيُؤَدِّي الشَّهَادَةَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي تَحَمَّلَهَا، فَيَقُولُ " أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا يَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا " أَوْ " أَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ "، وَإِنْ سَمِعَهُ يَشْهَدُ عِنْدَ حَاكِمٍ، أَوْ يُعْزِي الْحَقَّ إلَى سَبَبِهِ: ذَكَرَهُ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فَيَقُولُ " أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ فُلَانٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِكَذَا " أَوْ يَقُولُ " أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ بِكَذَا، وَأَنَّهُ عَزَاهُ إلَى

ص: 91

وَاجِبٍ " فَيُؤَدِّي عَلَى حَسَبِ مَا تَحَمَّلَ، فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهَا عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَحْكُمْ بِهَا الْحَاكِمُ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ أَيْضًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُؤَدِّيَ شَاهِدُ الْفَرْعِ إلَى الْحَاكِمِ مَا تَحَمَّلَهُ عَلَى صِفَتِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: الْفَرْعُ يَقُولُ " أَشْهَدُ عَلَى فُلَانٍ أَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ " أَوْ " أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ فُلَانٍ بِكَذَا " فَإِنْ ذَكَرَ لَفْظَ الْمُسْتَرْعِي، فَقَالَ " أَشْهَدُ عَلَى فُلَانٍ أَنَّهُ قَالَ: إنِّي أَشْهَدُ " فَهُوَ أَوْضَحُ، فَالْحَاصِلُ: أَنَّ الشَّاهِدَ بِمَا سَمِعَ تَارَةً يُؤَدِّي اللَّفْظَ، وَتَارَةً يُؤَدِّي الْمَعْنَى، وَقَالَ أَيْضًا: وَالْفَرْعُ يَقُولُ " أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا يَشْهَدُ " أَوْ " بِأَنَّ فُلَانًا يَشْهَدُ " فَهُوَ أَوْلَى رُتْبَةً. وَالثَّانِيَةُ " أَشْهَدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَشْهَدُ " أَوْ " بِأَنَّهُ يَشْهَدُ ". وَالثَّالِثَةُ " أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ ". انْتَهَى.

وَقَوْلُهُ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَحْكِي الْفَرْعُ صُورَةَ الْجُمْلَةِ، وَيَكْفِي الْعَارِفَ " أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ فُلَانٍ بِكَذَا " وَالْأَوْلَى أَنْ يَحْكِيَ مَا سَمِعَهُ، أَوْ يَقُولَ " شَهِدَ فُلَانٌ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِكَذَا " أَوْ " أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ بِكَذَا ". انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَإِنْ سَمِعَهُ يَقُولُ " أَشْهَدُ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا " لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ إلَّا أَنْ يَسْمَعَهُ يَشْهَدُ عِنْدَ الْحَاكِمِ، أَوْ يَشْهَدُ بِحَقٍّ يُعْزِيهِ إلَى سَبَبٍ مِنْ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ قَرْضٍ فَهَلْ يَشْهَدُ بِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ إذَا سَمِعَهُ يَشْهَدُ عِنْدَ الْحَاكِمِ، أَوْ يَسْمَعُهُ يَشْهَدُ بِحَقٍّ يُعْزِيهِ إلَى سَبَبٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ،

ص: 92

وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الْقَاضِي، وَابْنُ الْبَنَّا، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ أَشْهَرُ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ إلَّا أَنْ يَسْتَرْعِيَهُ، نَصَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ الِاسْتِرْعَاءِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ (وَتَثْبُتُ شَهَادَةُ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَيْهِمَا سَوَاءٌ شَهِدَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَوْ شَهِدَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدٌ مِنْ شُهُودِ الْفَرْعِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: لَمْ يَزَلْ النَّاسُ عَلَى هَذَا، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَثُبُوتُ شَهَادَةِ شَاهِدٍ عَلَى شَاهِدٍ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ: لَا يَثْبُتُ حَتَّى يَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ، عَلَى كُلِّ شَاهِدِ أَصْلٍ شَاهِدَا فَرْعٍ، وَحَكَاهُ فِي الْخُلَاصَةِ رِوَايَةٌ.

ص: 93

وَعَنْهُ: يَكْفِي شَاهِدَانِ يَشْهَدَانِ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي عَنْ ابْنِ بَطَّةَ، وَعَنْهُ: يَكْفِي شَهَادَةُ رَجُلٍ عَلَى اثْنَيْنِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ، وَذَكَرَ الْخَلَّالُ: جَوَازَ شَهَادَةِ امْرَأَةٍ عَلَى شَهَادَةِ امْرَأَةٍ، وَسَأَلَهُ حَرْبٌ: عَنْ شَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ؟ قَالَ: يَجُوزُ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا.

فَائِدَةٌ:

يَجُوزُ أَنْ يَتَحَمَّلَ فَرْعٌ عَلَى أَصْلٍ، وَهَلْ يَتَحَمَّلُ فَرْعٌ عَلَى فَرْعٍ؟ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي ".

قَوْلُهُ (وَلَا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ فِي شَهَادَةِ الْفَرْعِ)، وَمَفْهُومُهُ: أَنَّ لَهُنَّ مَدْخَلًا فِي شَهَادَةِ الْأَصْلِ، وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَاتٍ: إحْدَاهُنَّ: صَرِيحُ الْمُصَنِّفِ وَمَفْهُومُهُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُنَّ فِي شَهَادَةِ الْفَرْعِ، وَلَهُنَّ مَدْخَلٌ فِي شَهَادَةِ الْأَصْلِ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي: وَهُوَ الْأَصَحُّ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَهِيَ طَرِيقَتُهُ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُنَّ فِي الْأَصْلِ،

ص: 94

وَفِي الْفَرْعِ: رِوَايَتَانِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا مَدْخَلَ لَهُنَّ فِي الْأَصْلِ وَلَا فِي الْفَرْعِ، نَصَرَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَأَصْحَابُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: لَهُنَّ مَدْخَلٌ فِيهِمَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَقَدَّمَ مَا ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ قَرِيبًا، قَالَ فِي النُّكَتِ: وَقَيَّدَ جَمَاعَةٌ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِمَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَتُهُنَّ مَعَ الرِّجَالِ أَوْ مُنْفَرِدَاتٍ، وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا، قَالَ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

قَوْلُهُ (فَيَشْهَدُ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ)، يَعْنِي: عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ فِيهِمَا، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ سَهْوٌ مِنْ نَاقِلِهَا، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَقَالَ شَيْخُنَا: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رحمه الله قَالَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ رَجُلٍ عَلَى شَهَادَةِ امْرَأَةٍ، قَالَ: فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ إنْ صَحَّتْ عَنْ حَرْبٍ: فَهِيَ سَهْوٌ مِنْهُ، فَإِنَّا إذَا قُلْنَا: شَهَادَةُ امْرَأَةٍ عَلَى شَهَادَةِ امْرَأَةٍ تُقْبَلُ، فَأَوْلَى أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَةُ رَجُلٍ عَلَى شَهَادَتِهِمَا، فَإِنَّ شَهَادَةَ الرَّجُلِ أَقْوَى بِكُلِّ حَالٍ؛ وَلِأَنَّ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَقْبَلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ،

ص: 95

وَهَذَا مِمَّا لَا وَجْهَ لَهُ، فَإِنَّ رَجُلًا وَاحِدًا لَوْ كَانَ أَصْلًا فَشَهِدَ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ، وَمَعَهُ أَلْفُ امْرَأَةٍ: لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ، فَإِذَا شَهِدَ بِهَا وَحْدَهُ وَهُوَ فَرْعٌ: يُقْبَلُ وَيُحْكَمُ بِهَا؟ هَذَا مُحَالٌ، وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رحمه الله قَالَ ذَلِكَ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ حَتَّى يَنْضَمَّ مَعَهُ غَيْرُهُ، فَيَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ: أَنَّهُ لَا يَكْفِي شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى وَاحِدٍ، كَمَا يَقُولُ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) ، وَعَلَى رَجُلَيْنِ أَيْضًا، يَعْنِي عَلَى الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: الشَّهَادَةُ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى ثَلَاثَةٍ لِتَعَدُّدِهِمْ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا يَجِبُ عَلَى الْفُرُوعِ تَعْدِيلُ أُصُولِهِمْ، وَلَوْ عَدَّلُوهُمْ قَبْلُ، وَيُعْتَبَرُ تَعْيِينُهُمْ لَهُمْ. الثَّانِيَةُ لَوْ شَهِدَ شَاهِدَا فَرْعٍ عَلَى أَصْلٍ، وَتَعَذَّرَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْآخَرِ: حَلَفَ وَاسْتَحَقَّ، ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حُكِمَ بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ رَجَعَ شُهُودُ الْفَرْعِ: لَزِمَهُمْ الضَّمَانُ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْأَصْلِ: لَمْ يَضْمَنُوا)، يَعْنِي: شُهُودَ الْأَصْلِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ،

ص: 96

وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: هَذَا الْمَذْهَبُ، (وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَضْمَنُوا) ، وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي، قَالَهُ فِي النُّكَتِ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَنَصَرَهُ، وَهُوَ الصَّوَابُ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ شُهُودُ الْأَصْلِ " كَذَبْنَا، أَوْ غَلِطْنَا ": ضَمِنُوا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُونَ، وَحَكَى هَذِهِ الصُّورَةَ وَمَسْأَلَةَ الْمُصَنِّفِ: مَسْأَلَتَيْنِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَحَكَاهَا بَعْضُهُمْ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً، وَهُوَ الْمَجْدُ وَجَمَاعَةٌ. الثَّانِيَةُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ إذَا أَنْكَرَ الْأَصْلُ شَهَادَةَ الْفَرْعِ: لَمْ يُعْمَلْ بِهَا؛ لِتَأَكُّدِ الشَّهَادَةِ، بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ: لَوْ قَالَ شُهُودُ الْأَصْلِ " مَا أَشْهَدْنَاهُمَا بِشَيْءٍ " لَمْ يَضْمَنْ الْفَرِيقَانِ شَيْئًا. قَوْلُهُ (وَمَتَى رَجَعَ شُهُودُ الْمَالِ بَعْدَ الْحُكْمِ: لَزِمَهُمْ الضَّمَانُ، وَلَمْ يُنْقَضْ الْحُكْمُ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ قَائِمًا أَوْ تَالِفًا، وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْعِتْقِ: غَرِمُوا الْقِيمَةَ) ، بِلَا نِزَاعٍ نَعْلَمُهُ، لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُمْ الْمَشْهُودُ لَهُ، وَهُوَ وَاضِحٌ،

ص: 97

وَأَمَّا الْمُزَكُّونَ: فَإِنَّهُمْ لَا يَضْمَنُونَ شَيْئًا.

تَنْبِيهٌ:

مَحَلُّ الضَّمَانِ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمَشْهُودُ لَهُ، فَإِنْ صَدَّقَ الرَّاجِعِينَ: لَمْ يَضْمَنْ الشُّهُودُ شَيْئًا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الضَّمَانِ: لَوْ شَهِدَا بِدَيْنٍ، فَأَبْرَأَ مِنْهُ مُسْتَحِقُّهُ، ثُمَّ رَجَعَا، فَإِنَّهُمَا لَا يَغْرَمَانِ شَيْئًا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي فِي " كِتَابِ الصَّدَاقِ " فِي مَسْأَلَةِ تَنْصِيفِ الصَّدَاقِ بَعْدَ هِبَتِهَا لِلزَّوْجِ، قَالَ: وَلَوْ قَبَضَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ، ثُمَّ وَهَبَهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَجَعَا: غَرِمَا، انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ: غَرِمُوا نِصْفَ الْمُسَمَّى أَوْ بَدَلَهُ) بِلَا نِزَاعٍ، (وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ: لَمْ يَغْرَمُوا شَيْئًا) ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَمْ يَغْرَمُوا شَيْئًا فِي الْأَشْهَرِ، قَالَ فِي النُّكَتِ: هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ فِي الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: يَغْرَمُونَ كُلَّ الْمَهْرِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: يَغْرَمُونَ مَهْرَ الْمِثْلِ،

ص: 98

قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُمْ يَغْرَمُونَ، قَالَ فِي النُّكَتِ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسَمَّى لَا يَتَقَرَّرُ بِالدُّخُولِ، فَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى مَنْ فَوَّتَ عَلَيْهِ نِكَاحَهَا بِرَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْقِصَاصِ أَوْ الْحَدِّ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ: لَمْ يُسْتَوْفَ) ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي النُّكَتِ: هَذَا الْمَشْهُورُ، وَقَطَعَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: يُسْتَوْفَى إنْ كَانَ لِلْآدَمِيِّ. كَمَا لَوْ طَرَأَ فِسْقُهُمْ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَإِنْ رَجَعَ شَاهِدُ حَدٍّ بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ: لَمْ يُسْتَوْفَ، وَفِي الْقَوَدِ وَحَدِّ الْقَذْفِ: وَجْهَانِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَجِبُ دِيَةُ الْقَوَدِ، فَإِنْ وَجَبَ عَيْنًا فَلَا، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَاضِحِ: لِلْمَشْهُودِ لَهُ الدِّيَةُ، إلَّا أَنْ نَقُولَ: الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ حَسْبُ، فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ) ،

ص: 99

يَعْنِي بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ. (وَقَالُوا " أَخْطَأْنَا " فَعَلَيْهِمْ دِيَةُ مَا تَلِفَ) ، بِلَا نِزَاعٍ، وَأَرْشُ الضَّرْبِ. قَوْلُهُ (وَيَتَقَسَّطُ الْغُرْمُ عَلَى عَدَدِهِمْ) ، بِلَا نِزَاعٍ، (فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمْ، غَرِمَ بِقِسْطِهِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي النُّكَتِ: قَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَغْرَمُ الْكُلَّ، وَهُوَ احْتِمَالٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَ عَلَيْهِ سِتَّةٌ بِالزِّنَا، فَرُجِمَ، ثُمَّ رَجَعَ مِنْهُمْ اثْنَانِ: غَرِمَا ثُلُثَ الدِّيَةِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ.

ص: 100

وَقِيلَ: لَا يَغْرَمَانِ شَيْئًا، قَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: وَهُوَ أَقْيَسُ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُحَدُّ الرَّاجِعُ لِقَذْفِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَفِيهِ فِي الْوَاضِحِ احْتِمَالٌ؛ لِقَذْفِهِ مَنْ ثَبَتَ زِنَاهُ.

فَائِدَةٌ

لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ خَمْسَةٌ بِالزِّنَا، فَرَجَعَ مِنْهُمْ اثْنَانِ: فَهَلْ عَلَيْهِمَا خُمُسَا الدِّيَةِ، أَوْ رُبُعُهَا؟ ، أَوْ رَجَعَ اثْنَانِ مِنْ ثَلَاثَةِ شُهُودِ قَتْلٍ، فَهَلْ عَلَيْهِمَا الثُّلُثَانِ أَوْ النِّصْفُ؟ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَلَوْ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ بَعْدَ الْحُكْمِ ضَمِنَ الثُّلُثَ، وَلَوْ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْ خَمْسَةٍ فِي الزِّنَا: ضَمِنَ خُمُسَ الدِّيَةِ، وَهُمَا مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَلَوْ رَجَعَ رَجُلٌ وَعَشْرُ نِسْوَةٍ فِي مَالٍ: غَرِمَ الرَّجُلُ سُدُسًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: نِصْفًا، وَقِيلَ: هُوَ كَأُنْثَى، فَيَغْرَمْنَ الْبَقِيَّةَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَى، وَاثْنَانِ بِالْإِحْصَانِ. فَرُجِمَ. ثُمَّ رَجَعَ الْجَمِيعُ: لَزِمَهُمْ الدِّيَةُ أَسْدَاسًا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُمَا رِوَايَتَانِ عِنْدَ ابْنِ هُبَيْرَةَ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ.

ص: 101

قَالَ النَّاظِمُ: تَسَاوَوْا فِي الضَّمَانِ فِي الْأَقْوَى. وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ: عَلَى شُهُودِ الزِّنَى النِّصْفُ وَعَلَى شُهُودِ الْإِحْصَانِ: النِّصْفُ وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ شُهُودُ الْإِحْصَانِ شَيْئًا. لِأَنَّهُمْ شُهُودٌ بِالشَّرْطِ لَا بِالسَّبَبِ الْمُوجِبِ.

فَائِدَةٌ

لَوْ رَجَعَ شُهُودُ الْإِحْصَانِ كُلُّهُمْ، أَوْ شُهُودُ الزِّنَى كُلُّهُمْ: غَرِمُوا الدِّيَةَ كَامِلَةً عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَغْرَمُونَ النِّصْفَ فَقَطْ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَمْدَانَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَى، وَاثْنَانِ مِنْهُمْ بِالْإِحْصَانِ: صَحَّتْ الشَّهَادَةُ. فَإِنْ رُجِمَ، ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ: فَعَلَى مَنْ شَهِدَ بِالْإِحْصَانِ ثُلُثَا الدِّيَةِ، عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ. وَعَلَى الثَّانِي: يَلْزَمُهُمْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا) . وَهُوَ تَفْرِيعٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ عَلِمْت الْمَذْهَبَ مِنْهُمَا. فَوَائِدُ

مِنْهَا: لَوْ شَهِدَ قَوْمٌ بِتَعْلِيقِ عِتْقٍ، أَوْ طَلَاقٍ. وَقَوْمٌ بِوُجُودِ شَرْطِهِ. ثُمَّ رَجَعَ الْكُلُّ: فَالْغُرْمُ عَلَى عَدَدِهِمْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: تَغْرَمُ كُلُّ جِهَةٍ النِّصْفَ. وَقِيلَ: يَغْرَمُ شُهُودُ التَّعْلِيقِ الْكُلَّ.

وَمِنْهَا: لَوْ رَجَعَ شُهُودُ كِتَابَةٍ: غَرِمُوا مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَلِيمًا وَمُكَاتَبًا.

ص: 102

فَإِنْ عَتَقَ غَرِمُوا مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ وَمَالِ الْكِتَابَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَغْرَمُونَ كُلَّ قِيمَتِهِ. وَإِنْ لَمْ يُعْتَقْ فَلَا غُرْمَ.

وَمِنْهَا: لَوْ رَجَعَ شُهُودٌ بِاسْتِيلَادِ أَمَةٍ، فَهُوَ كَرُجُوعِ شُهُودِ كِتَابَةٍ. فَيَضْمَنُونَ نَقْصَ قِيمَتِهَا. فَإِنْ عَتَقَتْ بِالْمَوْتِ فَتَمَامُ قِيمَتِهَا. قَالَ بَعْضُهُمْ فِي طَرِيقَتِهِ فِي بَيْعٍ وَكِيلٍ بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلٍ لَوْ شَهِدَ بِتَأْجِيلٍ. وَحَكَمَ الْحَاكِمُ، ثُمَّ رَجَعُوا: غَرِمَ تَفَاوُتَ مَا بَيْنَ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَكَمَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، فَرَجَعَ الشَّاهِدُ: غَرِمَ الْمَالَ كُلَّهُ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ جَمَاعَةٌ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَضْمَنَ النِّصْفَ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. خَرَّجَهُ مِنْ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي. فَوَائِدُ

الْأُولَى: يَجِبُ تَقْدِيمُ الشَّاهِدِ عَلَى الْيَمِينِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

ص: 103

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ: يَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ يَمِينَ الْمُدَّعِي قَبْلَ الشَّاهِدِ فِي أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ. وَحَكَى ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله فِي الطُّرُقِ الْحُكْمِيَّةِ وَجْهَيْنِ فِي ذَلِكَ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ رَجَعَ شُهُودُ تَزْكِيَةٍ: فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ رُجُوعِ مَنْ زَكُّوهُمْ.

الثَّالِثَةُ: لَا ضَمَانَ بِرُجُوعٍ عَنْ شَهَادَةٍ بِكَفَالَةٍ عَنْ نَفْسٍ، أَوْ بَرَاءَةٍ مِنْهَا، أَوْ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ، أَوْ أَنَّهُ عَفَا عَنْ دَمِ عَمْدٍ، لِعَدَمِ تَضَمُّنِهِ مَالًا.

وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ، قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا لَا يَصِحُّ. لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَتَضَمَّنُهُ بِهَرَبِ الْمَكْفُولِ. وَالْقَوَدُ قَدْ يَجِبُ بِهِ مَالٌ.

الرَّابِعَةُ: لَوْ شَهِدَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِمُنَافٍ لِلشَّهَادَةِ الْأُولَى: فَكَرُجُوعِهِ وَأَوْلَى. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ.

الْخَامِسَةُ: لَوْ زَادَ فِي شَهَادَتِهِ، أَوْ نَقَصَ قَبْلَ الْحُكْمِ، أَوْ أَدَّى بَعْدَ إنْكَارِهَا: قُبِلَ. نَصَّ عَلَيْهِمَا. كَقَوْلِهِ " لَا أَعْرِفُ الشَّهَادَةَ ". وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ، كَبَعْدَ الْحُكْمِ. وَقِيلَ: يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ. وَإِنْ رَجَعَ: لَغَتْ. وَلَا حُكْمَ. وَلَمْ يَضْمَنُ. وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالرُّجُوعِ، بَلْ قَالَ لِلْحَاكِمِ " تَوَقَّفْ " فَتَوَقَّفَ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا: قُبِلَتْ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. فَفِي وُجُوبِ إعَادَتِهَا احْتِمَالَانِ. قُلْت: الْأَوْلَى عَدَمُ الْإِعَادَةِ.

ص: 104

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ بَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ كَانَا كَافِرَيْنِ، أَوْ فَاسِقَيْنِ: نُقِضَ الْحُكْمُ. وَيُرْجَعُ بِالْمَالِ أَوْ بِبَدَلِهِ عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ. وَإِنْ كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ إتْلَافًا: فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُزَكِّينَ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ تَزْكِيَةٌ: فَعَلَى الْحَاكِمِ) . وَإِذَا بَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ كَانَا كَافِرَيْنِ: نُقِضَ الْحُكْمُ بِلَا خِلَافٍ. وَكَذَا إذَا كَانَا فَاسِقَيْنِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. (وَعَنْهُ لَا يُنْقَضُ إذَا كَانَا فَاسِقَيْنِ) . قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ. وَتَبِعَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. وَرَجَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ عَدَمَ النَّقْضِ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي " كِتَابِ الصَّيْدِ " مِنْ خِلَافِهِ، وَالْآمِدِيُّ. لِئَلَّا يُنْقَضَ الِاجْتِهَادُ بِالِاجْتِهَادِ. وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: أَنَّهُ الْأَظْهَرُ. فَعَلَيْهَا: لَا ضَمَانَ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ: يَضْمَنُ الشُّهُودُ. وَقَالَهُ الشَّارِحُ.

ص: 105

وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نَقْضُ حُكْمِهِ بِفِسْقِهِمَا، إلَّا بِثُبُوتِهِ بِبَيِّنَةٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ حَكَمَ بِعِلْمِهِ فِي عَدَالَتِهِمَا، أَوْ بِظَاهِرِ عَدَالَةِ الْإِسْلَامِ. وَنَمْنَعُ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِنْ جَازَ فِي الثَّانِيَةِ: احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. فَإِنْ وَافَقَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ عَلَى مَا ذَكَرَ: رَدَّ مَالًا أَخَذَهُ. وَنَقَضَ الْحُكْمُ بِنَفْسِهِ، دُونَ الْحَاكِمِ. وَإِنْ خَالَفَهُ فِيهِ غَرِمَ الْحَاكِمُ. انْتَهَى. وَأَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ: إذَا بَانَ لَهُ فِسْقُهُمَا وَقْتَ الشَّهَادَةِ، أَوْ أَنَّهُمَا كَانَا كَاذِبَيْنِ: نَقَضَ وَالْحُكْمُ الْأَوَّلُ. وَلَمْ يَجُزْ لَهُ تَنْفِيذُهُ. وَأَجَابَ أَبُو الْوَفَاءِ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ. انْتَهَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَرْجِعُ بِالْمَالِ أَوْ بِبَدَلِهِ عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ أَيْضًا بِبَدَلِ قَوَدٍ مُسْتَوْفًى. فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ لِلَّهِ تَعَالَى بِإِتْلَافٍ حِسِّيٍّ، أَوْ بِمَا سَرَى إلَيْهِ الْإِتْلَافُ: فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُزَكِّينَ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ تَزْكِيَةٌ. فَعَلَى الْحَاكِمِ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ: أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْحَاكِمِ، وَلَوْ كَانَ ثَمَّ مُزَكُّونَ، كَمَا لَوْ كَانَ فَاسِقًا. وَقِيلَ: لَهُ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ. وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُزَكِّينَ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يَضْمَنُهُ الشُّهُودُ. ذَكَرَهُ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ.

ص: 106

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: لَوْ بَانُوا عَبِيدًا، أَوْ وَالِدًا أَوْ وَلَدًا، أَوْ عَدُوًّا. فَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ الَّذِي حَكَمَ بِهِ يَرَى الْحُكْمَ بِهِ: لَمْ يَنْقُضْ. وَإِنْ كَانَ لَا يَرَى الْحُكْمَ بِهِ: نَقَضَهُ وَلَمْ يَنْفُذْ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ: مَنْ حَكَمَ بِقَوَدٍ أَوْ حَدٍّ بِبَيِّنَةٍ، ثُمَّ بَانُوا عَبِيدًا: فَلَهُ نَقْضُهُ. إذَا كَانَ لَا يَرَى قَبُولَهُمْ فِيهِ. قَالَ: وَكَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ صَادَقَ مَا حَكَمَ فِيهِ وَجَهِلَهُ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْإِرْشَادِ فِيمَا إذَا حَكَمَ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ بِمَا لَا يَرَاهُ، مَعَ عِلْمِهِ: أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ فِي " بَابِ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ ".

الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدُوا عِنْدَ الْحَاكِمِ بِحَقٍّ. ثُمَّ مَاتُوا: حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ إذَا ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُمْ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا لَوْ جُنُّوا.

قَوْلُهُ (وَإِذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ بِشَاهِدِ الزُّورِ إمَّا بِإِقْرَارِهِ، أَوْ عَلِمَ كَذِبَهُ وَتَعَمُّدَهُ: عَزَّرَهُ، وَطَافَ بِهِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَشْتَهِرُ فِيهَا، فَيُقَالُ: إنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ، فَاجْتَنِبُوهُ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَلِلْحَاكِمِ فِعْلُ مَا يَرَاهُ مِنْ أَنْوَاعِ التَّعْزِيرِ بِهِ. نَقَلَ حَنْبَلٌ: مَا لَمْ يُخَالِفْ نَصًّا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: أَوْ يُخَالِفُ مَعْنَى نَصٍّ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُ: وَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ عُقُوبَاتٍ، إنْ لَمْ يَرْتَدِعْ إلَّا بِهِ. وَنَقَلَ مُهَنَّا: كَرَاهَةَ تَسْوِيدِ الْوَجْهِ.

ص: 107

وَتَقَدَّمَ فِي " بَابِ التَّعْزِيرِ " أَشْيَاءُ مِنْ ذَلِكَ. فَلْيُرَاجَعْ. فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: لَا يُعَزَّرُ بِتَعَارُضِ الْبَيِّنَةِ، وَلَا بِخَلْطِهِ فِي شَهَادَاتِهِ. وَلَا بِرُجُوعِهِ عَنْهَا. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إذَا ادَّعَى شُهُودُ الْقَوَدِ الْخَطَأَ: عُزِّرُوا.

الثَّانِيَةُ: لَوْ تَابَ شَاهِدُ الزُّورِ قَبْلَ التَّعْزِيرِ: فَهَلْ يَسْقُطُ التَّعْزِيرُ عَنْهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ. وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَهُمَا. وَقَالَ: فَيَتَوَجَّهَانِ فِي كُلِّ تَائِبٍ بَعْدَ وُجُوبِ التَّعْزِيرِ. وَكَأَنَّهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى التَّوْبَةِ مِنْ الْحَدِّ، عَلَى مَا مَرَّ فِي أَوَاخِرِ " بَابِ حَدِّ الْمُحَارِبِينَ " قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ السُّقُوطِ هُنَا.

قَوْلُهُ (وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ إلَّا بِلَفْظِ " الشَّهَادَةِ " فَإِنْ قَالَ " أَعْلَمُ " أَوْ " أَحَقُّ " لَمْ يُحْكَمْ بِهِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ، وَيُحْكَمُ بِهَا. اخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ

ص: 108

وَقَالَ: لَا يُعْرَفُ عَنْ صَحَابِيٍّ، وَلَا تَابِعِيٍّ اشْتِرَاطُ لَفْظِ " الشَّهَادَةِ " وَفِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إطْلَاقُ لَفْظِ " الشَّهَادَةِ " عَلَى الْخَبَرِ الْمُجَرَّدِ عَنْ لَفْظِ " الشَّهَادَةِ ". وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله أَيْضًا. فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: لَوْ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ: لَمْ يُشْتَرَطْ قَوْلُهُ " طَوْعًا فِي صِحَّتِهِ مُكَلَّفًا " عَمَلًا بِالظَّاهِرِ. وَلَا يُشْتَرَطُ إشَارَتُهُ إلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ حَاضِرًا. مَعَ نَسَبِهِ وَوَصْفِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ " وَأَنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ إلَى الْآنَ " بَلْ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ سَبَبُ الْحُكْمِ إجْمَاعًا. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْهُ فِي أَوَائِلِ " بَابِ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصْفَتِهِ ".

الثَّانِيَةُ: لَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ عِنْدَ حَاكِمٍ، فَقَالَ آخَرُ " أَشْهَدُ بِمِثْلِ مَا شَهِدْت بِهِ " أَوْ " بِمَا وَضَعْت بِهِ خَطِّي " أَوْ " بِذَلِكَ أَشْهَدُ " أَوْ " وَكَذَلِكَ أَشْهَدُ ". فَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا: الصِّحَّةَ، وَعَدَمَهَا.

وَالثَّالِثَةُ: يَصِحُّ فِي قَوْلِهِ " وَبِذَلِكَ أَشْهَدُ " وَ " كَذَلِكَ أَشْهَدُ ". قَالَ: وَهُوَ أَشْهَرُ وَأَظْهَرُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي النُّكَتِ: وَالْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ فِي الْجَمِيعِ أَوْلَى. وَاقْتَصَرَ فِي الْفُرُوعِ عَلَى حِكَايَةِ مَا فِي الرِّعَايَةِ.

ص: 109