الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقصد السادس: في ما ورد في آي التنزيل من عظيم قدره ورفعة ذكره
مدخل
…
المقصد السادس: في ما ورد في آي التنزيل من عظيم قدره ورفعة ذكره
في ما ورد في آي التنزيل من عظيم قدره ورفعة ذكره، وشهادته له بصدق
المقصد السادس:
"في" بيان "ما ورد في آي التنزيل من عظيم قدره" بيان لما، أي: بيان مقداره وشرف رتبته "ورفعة" أي: أعلاه، "ذكره" بين الناس بأمرهم بالثناء عليه فيه، وقرن اسمه باسمه محمد رسول الله، وجعل طاعته طاعته، من يطع الرسول فقد أطاع الله، وخطابه بألقاب يا أيها النبي، يا أيها الرسول، "وشهادته له" أي: إخباره، والشهادة خبر قاطع، كما في القاموس "بصدق نبوته"
نبوته، وثبوت بعثته، وقسمه تعالى على تحقيق رسالته، وعلو منصبه الجليل ومكانته، ووجوب طاعته، واتباع سنته، وأخذه تعالى له الميثاق على سائر النبيين فضلًا، ومنة ليؤمنن به إن أدركوه ولينصرنه، والتنويه به في الكتب السالفة كالتوراة والإنجيل بأنه صاحب الرسالة والتبجيل وغير ذلك.
أي: بوجودها وتحققها في نفسها، لتحقق أنها وحي من الله، والمراد بصدقه عليه السلام في دعواها، ومن ذلك قوله تعالى:{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [البقرة: 119]، وقوله:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67]، وقوله:{وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40]، وقوله:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 45] ، فجعله شاهدًا على أمته بإبلاغهم الرسالة، وهذا من خصائصه، ومبشرًا لأهل الطاعة، ونذيرًا لأهل المعصية، وداعيًا إلى توحيد الله، وسراجًا منيرًا يهتدى به للحق، "وثبوت بعثته" كالدليل على تحقق نبوته، "وقسمه تعالى على تحقيق رسالته" بنحو:{يس، وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ، إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ، عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يس: 1] ، "وعلو منصبه" حسبه وشرفه "الجليل" العظيم، "ومكانته" عظمته، يقال: مكن فلان مكانة، بزنة ضخم ضخامة: عظم وارتفع، فهو مكين، أو استقامته، يقال: الناس على مكانتهم، أي: على استقامتهم، "ووجوب طاعته" بنحو:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59]، "واتباع سنته" طريقته بنحو قوله:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]، وقوله:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ، {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [آل عمران: 31] ، "وأخذه تعالى له الميثاق على سائر" أي: جميع "النبيين فضلًا" أي: إحسانًا "ومنة" أي: إنعامًا، "ليؤمنن به إن أدركوه، ولينصرنه" بقوله: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ} [آل عمران: 81]، "والتنويه" أي: الرفع والتعظيم "به في الكتب السالفة" بذكر اسمه، ونعته فيها "كالتوراة والإنجيل" كما في الصحيح عن عبد الله بن عمر؛ أنه صلى الله عليه وسلم موصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن:{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} ، الحديث في التنزيل عن الإنجيل، ومبشرًا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد.
وفي نسخ: والتوراة والإنجيل من عطف الخاص على العام، تنبيهًا على عظم قدرهما حتى كأنهما نوع مغاير لما عطف عليه "بأنه صاحب الرسالة والتبجيل" متعلق بقوله، والتنويه به بعد تعلقه بالأول، والمعنى رفع ذكره؛ بأنه صاحب الرسالة، وهذا أظهر من كونه بدلًا منه "وغير ذلك".
تمهيد:
اعلم أطلعني الله وإياك على أسرار التنزيل، ومنحنا بلطفه تبصرة تهدينا إلى سواء السبيل، أنه لا سبيل لنا أن نستوعب الآيات الدالة على ذلك، وما فيها من التصريح والإشارة إلى علو محله الرفيع ومرتبته، ووجوب المبالغة في حفظ الأدب معه، وكذلك الآيات التي فيها ثناؤه تعالى عليه وإظهاره عظيم شأنه لديه، وقسمه تعالى بحياته، ونداؤه بـ"الرسول" و"النبي" ولم يناد باسمه بخلاف غيره من الأنبياء، فناداهم بأسمائهم إلى غير ذلك مما يشير إلى أنافة قدره العلي عنده، وأنه لا مجد يساوي مجده، ومن تأمل القرآن العظيم وجنده طافحًا بتعظيم الله تعالى
تمهيد:
"اعلم" أمر يصدر به ما يعتني به من الكلام، "أطلعني الله وإياك على أسرار التنزيل" بمعنى المنزل، وهو القرآن، والكتب المنزلة، فيشمل جميعها، "ومنحنا" وهبنا "بلطفه تبصرة" أي: تنويرًا في قلوبنا، وهي رؤية الأشياء بعين البصيرة، بحيث لا يقتصر منها على رؤية ظاهرها، بل تعير إلى ما يؤول إليه باطنها، كذا في لطائف الأعلام "تهدينا إلى سواء السبيل" الطريق، ومعمول اعلم؛ "أنه لا سبيل لنا أن نستوعب الآيات الدالة على ذلك، وما فيها من التصريح والإشارة" أي: من حيث دلالتها على ذلك، فلا ينافي أن الآيات الدالة محصورة معدودة في أنفسها، بل حروف القرآن كلها محصورة مضبوطة، واحتمال أن المراد بالآيات معناها اللغوي، وهو العلامات الدالة على نبوته وغيرها، مما ثبت له من الكمالات، مدفوع بأن الترجمة فيما ورد في آي التنزيل لا في مطلق العلامات، "إلى علو محله الرفيع" أي: لشريف، "ومرتبته، ووجوب المبالغة في حفظ الأدب معه" كقوله: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1] ، "وكذلك الآيات التي فينا ثناؤه تعالى عليه، وإظهاره عظيم شأنه لديه" عنده، "وقسمه تعالى بحياته" بقوله:{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72] ، اتفق المفسرون على أنه قسم من الله بمدة حياته صلى الله عليه وسلم، حكاه عياض، ومراده مفسر، والسلف، فإنه كما قال ابن القيم: لا يعرف بينهم في ذلك نزاع، ولم يوفق الزمخشري في قوله: إنه خطاب من الملائكة للوط، ويأتي إن شاء الله تعالى بسطه عند حكاية المصنف ذلك، "ونداؤه بالرسول والنبي، ولم يناد باسمه بخلاف غيره من الأنبياء""فناداهم بأسمائهم" يا آدم، يا نوح، يا إبراهيم، يا لوط، يا موسى، يا عيسى، "إلى غير ذلك مما يشير إلى أنافة" أي: زيادة، "قدره" من أنافت الدراهم على مائة، زادت عليها "العلي" الرفيع "عنده" تعالى، "وأنه لا مجد يساوي مجده" شرفه وكرمه في ذاته وأصوله، "ومن تأمل القرآن العظيم وجده طافحًا" ممتلئًا، أي: