الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
الجملة الحالية
1 ":
ومما يتصل بهذا الباب القول في الجملة إذا وقعت حالًا منتقلة2، فإنها تجيء تارة بالواو وتارة بغير الواو، فنقول:
أصل3 الحال المنتقلة أن تكون بغير واو لوجوه:
الأول: أن إعرابها ليس بتبع وما ليس إعرابه بتبع لا يدخله الواو وهذه الواو إن كانت تسمى واو الحال فإن أصلها العطف.
الثاني: أن الحال في المعنى حكم على ذي الحال كالخبر بالنسبة إلى المبتدأ4 إلا أن الفرق بينه وبينها أن الحكم به يحصل بالأصالة لا في ضمن شيء آخر والحكم بها إنما يحصل في ضمن غيرها5 فإن الركوب مثلًا في قولنا جاء زيد وراكبًا محكوم به على زيد لكن لا بالأصالة بل بالتبعية، بل وصل بالمجيء وجعل قيدًا له بخلافه في قولنا زيد راكب،
1 راجع 119 من المفتاح، 156-172 من الدلائل.
2 حاصل ما ذكر هنا خمسة أقسام: ما يتعين فيه الواو، ما يتعين فيه الضمير ما يجوز فيه الأمران على السواء، ما يترجح فيه الضمير، ما يترجح فيه الواو.
والحال المنتقلة هي الغير اللازمة لصاحبها.
3 أي الكثير الراجح فيها كما يقال الأصل في الكلام الحقيقة، أو الأصل بمعنى مقتضى الدليل.
واحترز بالمنتقلة عن اللازمة مثل هذا أبوك عطوفًا وخلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها وكذلك عن المؤكدة المقررة لمضمون الجملة فإنها يجب أن تكون بغير واو لشدة ارتباطها بما قبلها.
4 وإن كان الخبر حكمًا في اللفظ أيضًا بخلاف الحال في ذلك فإنه حكم في المعنى فقط.
5 من حيث أنه فضله يستقيم الكلام بدونها والمسند هو المقصود بالذات من حيث إنه مسند وركن لا يستقيم الكلام إلا به وذلك لا ينافي أن المقصود للبليغ هو القيد.
الثالث: أنها في الحقيقة وصف لذي الحال فلا يدخلها الواوكالنعت1.
فثبت أن أصلها أن تكون بغير واو لكنه خولف الأصل فيها إذا كانت جملة؛ لأنها بالنظر إليها من حيث هي جملة2؛ مستقلة بالإفادة تحتاج3 إلى ما يربطها بما جعلت حالًا عنه، وكل واحد من الضمير4 والواو صالح للربط، والأصل5 الضمير بدليل الاقتصاد عليه في الحال المفردة والخبر والنعت6.
وإذا تمهد هذا فنقول:
الجملة التي تقع حالًا ضربان: خالية عن ضمير ما تقع حالًا عنه، وغير خالية.
1 أي بالنسبة للمنعوت إلا أن المقصود في الحال كون صاحبها على هذا الوصف حال مباشرة الفعل فهي قيد للفعل وبيان لكيفية وقوعه بخلاف النعت فإنه لا يقصد به ذلك بل مجرد اتصاف المنعوت به، وإذا كانت الحال مثل الخبر والنعت فكما أنهما يكونان بدون الواو فكذلك الحال، وأما ما أو رده بعض النحويين من الأخبار والنعوت المصدرة بالواو كالخبر في باب كان مثل مصبحًا وهو عريان والجملة الوصفية المصدرة بالواو التي تسمى واو تأكيد لصوق الصفة بالموصوف مثل وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم فعلى سبيل التشبيه والإلحاق بالحال.
2 قال "من حيث هي جملة"؛ لأنها من حيث هي حال غير مستقلة بل متوقفة على الارتباط بكلام سابق قصد تقييده بها فلا تحتاج إلى رابط.
3 أي الجملة الواقعة حالًا.
4 أي ضمير صاحب الحال.
5 أي الذي لا يعدل عنه مالم تمس حاجة إلى زيادة ارتباط فحينئذ يؤتى بالواو؛ لأنها أقوى.
6 أي مفردين أو جملتين، والحاصل أن الضمير أصل في الربط بحسب الاستعمال لا من حيث الوضع، وأما الواو فهي أصل باعتبار الوضع، ثم يرد على كلامه أن الحال المفردة الضمير فيها ليس للربط، وأجاب عبد الحكيم: بأن المراد ما كان مثل أكرمت زيدًا قائمًا أبوه وكذا في الخبر والنعت.
أما الأولى:
فيجب أن نكون1 بالواو لئلا تصير منقطعة عنه غير مرتبطة2 به، وكل جملة خالية عن ضمير ما يجوز3 أن ينتصب عنه حال يصح أن تقع حالًا عنه إذا كانت مع الواو، إلا المصدرة بالمضارع المثبت كقولك "جاء زيد ويتكلم عمرو" على أن يكون "ويتكلم عمرو" حالًا عن زيد، لما سيأتي أن ارتباط مثلها يجب أن يكون بالضمير وحده.
1 لفظًا أو تقديرًا، والفرق بينهما وبين الخبرية والنعتية أن الخبر جزء الجملة وذلك كاف في الربط فلم تناسبها الواو التي أصلها العطف الذي لا يكون للخبر والنعتية تدل على معنى في المنعوت فصارت كأنها من تمامه فلم تناسبها الواو أيضًا فاكتفي فيهما بالضمير بخلاف الحالية فهي فضله مستغنى عنها فاحتيجت إلى الرابط "الضمير وإلا تعينت الواو".
2 فلا يجوز خرجت زيد قائم بدون واو.
ولما ذكر أن كل جملة خلت عن الضمير وجبت فيها الواو أراد أن يبين أن أي جملة يجوز فيها ذلك وأي جملة لا يجوز، فإن من الجمل الخالية عن الضمير ما يصح أن تقع حالًا فتجب الواو ومنها ما لا يصح وقوعها حالًا.
3 أي عن ضمير الاسم الذي يجوز وقوع الحال عنه، وذلك بأن يكون الاسم فاعلًا أو مفعولًا: معرفين أو منكرين مخصوصين بنعت أو إضافة أو نفي أو استفهام أو نهي، لا نكرة محضة خالية من التخصيص أو مبتدأ أو خبرًا فإنه لا يجوز أن ينتصب عن هذه الثلاثة حال على الأصح.
وإنمالم يقل عن ضمير صاحب الحال؛ لأن قوله "كل جملة" مبتدأ خبره قوله بعد "يصح أن تقع حالًا عنه بالواو" أي يصح أن تقع تلك الجملة حالًا عما يجوز أن ينتصب عنه الحال، ومالم يثبت له هذا الحكم -أعني وقوع الحال عنه لم يصح إطلاق اسم صاحب الحال عليه إلا مجازًا باعتبار ما يؤول. وإنما قال: ينتصب عنه حال، ولم يقل "يجوز أن تقع تلك الجملة حالًا عنه"، لتدخل فيه الجملة الخالية عن الضمير المصدرة بالمضارع المثبت، ودخولها مطلوب لأجل إخراجها بعد ذلك بالاستثناء- لأن ذلك الاسم مما لا يجوز أن تقع تلك الجملة حالًا عنه؛ لأنه مما يجوز أن ينصب عنه حال في الجملة، وحينئذ يكون قوله "كل جملة خالية عن ضمير ما يجوز أن ينتصب عنه حال" متناولًا للمصدرة بالمضارع الخالية عن الضمير المذكور فيصح استثناؤها بقوله:"إلا المصدرة بالمضارع المثبت" وذلك مثل "جاء زيد ويتكلم عمرو"، فإنه لا يجوز أن يجعل "ويتكلم.
عمرو" حالًا عن زيد وإنما يصح جعلها معطوفة على الجملة الأولى عند وجود الجامع.
وذلك؛ لأن ربط الجملة المضارعية المثبتة يجب أن يكون بالضمير فقط، فلو قيل "جاء زيد ويتكلم عمرو معه" لصح.
ولا يخفى أن المراد بقوله "كل جملة" الجملة الصالحة للحالية، وهي الخبرية بخلاف الإنشائيات، ومثله الشرطيات فإنها لا تقع حالًا عنه لا بالواو، ولا بدونها إلا بتقدير قول يتعلق بها أصلًا كالنعت بخلاف الخبر فيقع إنشاء على الأصح وإنما شبهت في ذلك بالنعت دون الخبر؛ لأن الحال قيد والقيود ثابتة باقية مع ما قيد بها، والإنشاء ليس كذلك بل وجوده باللفظ فقط.
وأما الثانية 1:
فتارة يجب أن تكون بالواو، وتارة يمتنع ذلك، وتارة يترجح أحدهما وتارة يستوي الأمران، والواو غير مناف للضمير في إفادة الرابط، فتعين التنبيه على أسباب الاختلاف، فنقول:
1-
الجملة إن كانت فعلية والفعل مضارع مثبت امتنع الواو2، كقوله تعالى:{وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُون} وقوله: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِر 3} وقوله: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} ؛ لأن أصل الحال.
1 هي الجملة الحالية غير الخالية عن ضمير صاحبها وهي إما اسمية فتجب فيها الواو في بعض الأحوال، أو فعلية، والفعلية فعلها إما مضارع: مثبت فيجب فيه الضمير، أو منفي فيستوي فيه الأمران، وإما ماضي لفظًا فحكمه كذلك والاسمية قد يترجح فيها أحدهما في بعض الأحوال.
2 أي ووجب الاكتفاء بالضمير.
3 على قراءة الرفع، أما على قراءة الجزم، فليس فيها شاهد؛ لأنها بدل اشتمال "من تمنن" لاحال، ولا يصح جزمه جوابًا للنهي لعدم صحة تقدير "أن لا" قبله.
المعنى لا تعط حال كونك تعد ما تعطيه كثيرًا. وراجع الكلام على الآية في كامل المبرد ص136 جـ1.
المفردة أن تدل على حصول صفة1 غير ثابتة2، مقارن3 لما جعلت قيدًا له، والمضارع المثبت كذلك4: أما دلالته على حصول صفة غير ثابتة؛ فلأنه فعل5 مثبت6، والفعل المثبت يدل على التجدد وعدم الثبوت كما مر، وأما دلالته على المقارنة فلكونه مضارعًا7 فوجب أن يكون بالضمير وحده كالحال المفردة، ولهذا امتنع نحو "جاء زيد ويتكلم عمر".
1 أي صراحة أو باللزوم كما في: جاء غير ماش، وقوله:"صفة" أي معنى قائم بالغير؛ لأنها لبيان الهيئة التي عليها الفاعل أو المفعول والهيئة وهي معنى قائم بالغير، فالمراد معنى الصفة اللغوي لا النحوي.
2 بأن تنفك عن صاحبها، وذلك؛ لأن الكلام في الحال المنتقلة، وهي كذلك.
3 أي مقارن ذلك الحصول لما جعلت الحال قيدًا له يعني العامل؛ لأن الغرض من الحال تخصيص وقوع مضمون عاملها بوقت حصول مضمون الحال وهذا التخصيص هو معنى المقارنة اللازمي لا المطابقي.
4 أي يدل على حصول صفة غير ثابتة.
5 فيدل على التجدد أي بصفته التي هي معنى الفعل، والمراد بتجددها حدوثها في الزمان ووجوده بعد عدم -وعدم الثبوت أي عدم الدوام ودلالة الفعل عليه بطريق اللزوم العادي؛ لأن الشأن في كل طارئ عدم بقائه.
6 فيدل على الحصول.
7 فيصلح للحال كما يصلح للاستقبال وهي حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال فعلى ذلك يكون مضمونه مقارنًا للعامل إذا وقع حالًا وقوله فيصلح للحال هو روح العلة. وفي قوله "وأما المقارنة إلخ" نظرًا؛ لأن الحال التي يدل عليها المضارع هو زمان التكلم وحقيقته أجزاء متعاقبة من أو اخر الزمان وأوائل المستقبل والحال التي نحن بصددها يجب أن يكون مقارنًا لزمان مضمون الفعل المفيد بالحال ماضيًا كان أو حالًا أو استقبالًا فلا دخل للمضارعة في المقارنة؛ لأن زمان المقارنة أعم من زمان التكلم الذي يدل عليه المضارع الواقع حالًا، فليس للمضارعة إذا دخل فإفادة المقارنة المرادة هنا، فالأولى أن يعلل امتناع الواو في المضارع المثبت بأنه على وزن اسم الفاعل لفظًا لتوافقهما في الحركات والسكنات وبتقديره معنى لصحة استعمال كل منهما مكان الآخر فيمتنع دخول الواو فيه مثله.
وأما ما جاء من نحو قول بعض العرب: قمت وأصك عينه أو وجهه وقول عبد الله بن همام السلولي1:
فلما خشيت أظافيرهم
…
نجوت وأرهنهم مالكًا
فقيل: على حذف المبتدأ2 أي وأنا أصك عينه، وأنا أرهنهم، وقيل الأول شاذ3 والثاني4 ضرورة، قال5 الشيخ عبد القاهر: ليست الواو فيهما للحال بل هي للعطف، وصك "أرهن" معنى صككت ورهنت، ولكن الغرض من إخراجهما على لفظ الحال أن يحكيا الحال في أحد الخبرين ويدعا الآخر على أصله6 كما في قوله "عميرة بن جابر الحنفي":
ولقد أمر على اللئيم يسبني
…
فمضيت ثم قلت7 لا يعنيني
يبين ذلك أن الفاء لا تجيء مكان الواو في مثله كما في خبر عبد الله بن عتيك8 فإنه ذكر دخوله على أبي رافع اليهودي حصنه، ثم قال: فانتهى إليه فإذا هو في بيت مظلم لا أدري أين هو من البيت؟ قلت.
1 راجع البيت في الدلائل ص159، أظافيرهم أي أسلحتهم.
والشاهد في البيت وقوع الفعل المضارع المثبت "أرهنهم" حالًا بالواو. وهذا على قراءة الأصمعي بالرفع.
2 فتكون الجملة اسمية وهي يصح ارتباطها بالواو.
3 أي مخالف للقياس النحوي فلا ينافي الفصاحة -والأول هو "قمت وأصك وجهه".
4 أي "نجوت وأرهنهم مالكًا".
5 159 من الدلائل.
6 فالعدول عن الماضي إلى المضارع لحكاية الحال الماضية فالحكاية مانعة من رعاية التناسب بين المعطوفين، ومعنى حكاية الحال الماضية أن يفرض ما كان في الزمان الماضي واقعًا في هذا الزمان فيعبر عنه بلفظ المضارع.
7 البيت سبق شرحه في تعريف المسند إليه باللام. وتجده في الدلائل ص159.
8 تجده في الكامل لابن الأثير ص60 جـ2.
أبا رافع، قال: من هذا؟ فأهويت نحو الصوت فأضربه بالسيف وأنا دهش، فإن قوله فأضربه مضارع عطفه بالفاء على ماض؛ لأنه في المعنى ماضي.
2-
وإن كان الفعل مضارعًا منفيًّا1 فيجوز فيه الأمران من غير ترجيح2، لدلالته على المقارنة لكونه مضارعًا، وعدم دلالته على الحصول لكونه منفيًّا. أما مجيئه بالواو فكقراءة ابن ذكوان: فاستقيما ولا تتبعان، بتحقيق النون3 وقول بعض العرب: كنت ولا أخشى بالذيب، وقول مسكن الدارمي:
1 أي بغير لن؛ لأن الجملة المنفية بها لا تقع حالًا؛ لأن "لن" تخلص الفعل للاستقبال، وهذا ينافي الجملة الحالية إذ يجب فيها أن لا تصدر بعلم استقبال، فالمراد بالنفي هنا النفي بما أو لا.
2 وبعضهم رجح الترك.
3 أي بتخفيف نون "ولا تتبعان" فتكن "لا" للنفي دون النهي لثبوت النون التي هي علامة الرفع فلا يصح عطفه على الأمر قبله فتكون الواو للحال بخلاف القراءة "ولا تتبعان" بتشديد النون فإنه نهي مؤكد بنون التوكيد الثقيلة والفعل مجزوم بحذف نون الرفع، ولا يجوز أن تكون على هذه القراءة نفيا، ونون الرفع محذوفة لتوالي الأمثال؛ لأن تأكيد الفعل المنفي بلا شاذ.
أما على القراءة الأولى فواضح أن لا للنفي فاستقيما انشاء ولا تتبعان بالتخفيف خبر فالواو غير عاطفة لامتناع عطف الخبر على الإنشاء لما بين الجملتين من كما ل الانقطاع المانع من العطف وهذا على الوجه الظاهر في ولا تتبعان، من أن الفعل معرب مرفوع بثبوت النون في موضع الحال. وهناك أو جه غير ظاهرة مثل ما ذهب إليه يونس من أن الفعل إنشاء؛ لأنه نهي والنون فيه نون التوكيد الخفيفة، وتطرق مثل هذا الاحتمال لا يضر في الاستشهاد؛ لأنه مبني على الظاهر والاحتمال المذكور خلاف الظاهر. قيل أن لا تتبعان على أن نون علامة الرفع تكون حالًا مؤكدة مع أن كلامنا هنا في الحال المنتقلة.
أكسبته الورق البيض أبا
…
ولقد كان ولا يدعى لأب1
وقول مالك بن رفيع: هو كان قد جنى جناية فطلبه مصعب بن الزبير:
بغاني مصعب وبنو أبيه
…
فأين أحيد عنهم لا أحيد
أقادوا من دمي وتوعدوني
…
وكنت وما ينهنهني الوعيد2
وأما مجيئه بعير واو كقوله تعالى: {وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّه} 3 وقول عكرشة العبسي4:
مضوا لا يريدون الرواح، وغالهم
…
من الدهر أسباب جرين على قدر
وقول خالد بن يزيد بن معاوية:
لو أن قومًا لارتفاع قبيلة
…
دخلوا السماء دخلتها لا أحجب
1 راجع البيت في ص160 من الدلائل، وص120 من المفتاح. الورق بكسر الراء: المال من الدراهم ويجمع على أو راق وقد وصف هنا بالجمع كما يقال الدرهم البيض لتعدده معنى.
2 بغاني: طلبني. أحيد: أتنحى. أقادوا من دمي: قتلوا بدل قليلهم. ينهنهني: يزجرني.
3 أي أي شئت ثبت لنا حال كوننا غير مؤمنين، فالاستفهام إنكار لحصول شيء في هذه الحالة وهو مستلزم لإنكارها على سبيل المبالغة إذ حصول شيء ما لازم في هذه الحالة، وإذا كان منكرًا كانت تلك الحال منكرة، فالفعل المنفي حال بدون الواو، والعامل في الحال هو العامل في "لنا" المقدر وصاحب الحال هو الضمير المجرور وهو معمول محلا للعامل في الحال فهو على القاعدة من أن العامل في الحال هو العامل في صاحبها.
4 راجع البيت في الحماسة 144/ 1"، وفي ص161 من الدلائل وفي 119 من المفتاح. الرواح: الرجوع، غال: أهلك قدر بسكون الدال من قدرته قدرًا بمعنى قدرته تقديرًا يعني أسبابًا مقدرة.
وقول الأعشي1:
أتينا أصبهان فهزلتنا
…
وكنا قبل ذلك في نعيم
وكان سفاهة مني وجهلًا
…
مسيري لا أسير إلى حميم2
كأنه قال: سفاهة مني وجهلا أن سرت غير سائر إلى حميم3.
4-
وإن كان ماضيًا لفظًا4 أو معنى5 فكذلك يجوز الأمران من غير ترجيح.
أما مجيئه بالواو فكقوله تعالى: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ} ، وقوله تعالى:{أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا} ، وقال امرئ القيس:
أتقتلني وقد شعفت فؤادها
…
كما شعفت المهنوءة الرجل الطالي6
1 أعشى همدان في خالد بن عتاب كما في البيان والتبيين ص239 جـ3 والبيتان في الدلائل ص161.
2 قيل أن الأعشى صحب عباد بن ورقاء إلى أصبهان فلم يحمدها. هزلتنا: أضعفتنا الحميم: الصديق.
3 راجع ص162 من الدلائل.
4 أي ومعنى معًا.
5 وهو المضارع المنفي بلم أو بلما فإنهما يقلبان معنى المضارع التضمني - وهو الزمان إلى المضي.
6 شعفت فؤادها أي غلب حبي قلبها وخالطه حتى وصل إلى شعاف القلب المهنوءة المطلية بالقطران. شعفها: طلاها به، يعني أن حبه بلغ منها كما يبلغ القطران من الناقة المهنوءة فإنه يسري في جسمها حتى يوجد طعمه في لحمها.
وقوله1:
فجئت وقد نضت لنوم ثيابها
…
لدى الستر إلا لبسة المتفضل
وقوله تعالى: {أَو قَالَ أو حِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} ، وقوله:{يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} ، وقول كعب:
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم
…
أذنب وإن كثرت في الأقاويل
وقوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا منْ قَبْلِكُمْ} ، وقول الشاعر:
دانت قطام ولما يحظ ذو مقة
…
منها بوصل ولا إنجاز ميعاد2
وقول الشاعر:
وإني لتعروني لذكراك هزة
…
كما انتفض العصفور بلله القطر
وقوله:
أتيناكم قد عمكم حذر العدا
…
فنلتم بنا أمنا ولم تعدموا نصرا3
وقوله4:
حتى أرى الصبح قد لاحت مخايله
…
والليل قد مزقت عنه السرابيل
وكقوله تعالى: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْل لَمْ يَمْسَسْهُمْ
1 أي امرئ القيس أيضًا. نضا: نزع. اللبسة بكسر اللام اسم هيئة. المتفضل الذي يبقى في ثوب واحد لينام أو ليعمل عملًا.
2 قطام اسم امرأة، المقة: الحب من ومقه ومقاومته أحبه.
3 حذر العدا أي خوف الأعداء من إضافة المصدر إلى مفعوله والعدى بكسر العين وضمها: الأعداء.
4 هو حندج بن حندج المري من أبيات مطلعها: في ليل صول تناهى العرض والطول "راجع 162 من الدلائل، 362 جـ2 الحماسة، والأمالي".
مخايل الصبح: طلائعه. سرابيل الليل: ظلامه شبه بها.
سوء1 وقوله: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا} ، وقول امرئ القيس:
فأدرك لم يجهد ولم يئن شأوه
…
يمر كخذروف الوليد المثقب2
وقول زهير:
كأن فتات العهن في كل منزل
…
نزلن به حب الفنا، لم يحطم3
والسبب في أن جاز الأمران فيه إذا كان مثبتًا4 دلالته على حصول صفة غير ثابتة لكونه فعلًا، وعدم دلالته على المقارنة لكونه ماضيًا5. ولهذا6 اشترط أن يكون مع7 قد ظاهرة أو مقدرة حتى تقربه إلى الحال فيصبح وقوعه حالًا.
1 حال من الواو في "انقلبوا".
2 البيت من قصيدته "خليلي مرا بي على أم جندب": وهو في وصف الفرس يعني أنه أدرك طريدته بغير مشقة في أو ل شأوه. والشأو. الطلق. الخذروف: لعبة كالدوارة التي يلعب بها الصبيان.
3 البيت من معلقة زهير: "أمن أم أو فى دمنة""لم تكلم". الفتات اسم لما انفت وتقطع من الشيء. العهن: الصوف المصبوغ. الفنا، عنب الثعلب، واحدة فناة. يريد تشبيه قطع الصوف المصبوغ الذي زينت به الهوادج بحب عنب الثعلب في حمرته قبل تحطيمه؛ لأنه إذا حكم تزول حمرته.
4 وهو الماضي لفظًا ومعنى.
5 فلا يقارن مضمون الماضي الحال التي هي زمان التكلم.
6 أي ولعدم دلالته على المقارنة.
7 أي إذالم يكن الماضي تاليًا لا لا ولا متلوا بأو، وإلا فلا يقترن بها. والظاهرة مثل "وقد بلغني". والمقدرة مثل "حصرت صدورهم". هذا و"وقد" تقرب الماضي من الحال والمقارنة في حكم المقارنة والإشكال السابق وارد هنا وهو أن الحال التي نحن بصددها وهي الحال النحوية غير الحال التي تقابل الماضي وتقرب قد الماضي منها، وإذا كانت غيرها فتجوز مقارنة مضمون الحال النحوية لمضمون عاملها في الزمان. إذا كان الحال والعامل ماضيين، وحينئذ فمقتضاه امتناع الواو لمشابهة تلك =
وظاهر هذا يقتضي وجوب الواو في المنفي1 لانتفاء المعنيين، لكنه لم يجب فيه، بل كان مثله: أما لمنفي بلما؛ فلأنها للاستغراق2 وأما المنفي بغيرها3؛ فلأنه لما دل على انتفاء متقدم4 وكان الأصل استمرار ذلك5، حصلت الدلالة على المقارنة عند إطلاقه6، بخلاف.
= الحال الماضية المفردة في الدلالة على المقارنة في الحصول، فقولهم في الماضي المثبت أنه لا يفيد المقارنة غير مناسب.
وهذا ولفظ قد إنما يقرب الماضي من الحال التي هي زمان التكلم، وربما يبعده عن الحلال التي نحن بصددها كما في قولهم جاء زيد في الأسبوع الماضي وقد ركب فرسه. والاعتذار عن اشتراطهم دخول قد على الماضي الواقع حالًا هو أنهم استبشعوا لفظ الماضي والحالية التنافي الماضي والحال في الجملة فأتوا بلفظ قد لظاهر الحالية لمجرد استحسان لفظي، وهو منقول من الرضى، والسيد لا يرضى ذلك ويرى أن الركوب في قولك:"جاء زيد ركب" متقدم على المجيء فتأتي قد لتقربه من زمان المجيء.
ملاحظة:
لم يورد المصنف مثالًا للفعل المضارع المنفي بلما والواقع حالًا مع ترك الواو فيه، ومثال ذلك البيت:
فقالت له العينان سمعًا وطاعة
…
وحدرتا كالدر لما يثقب
1 أي الماضي المنفي لفظًا ومعنى أو معنى فقط.
2 أي لامتداد النفي من حيث الانتفاء إلى زمن التكلم فقد وجدت مقارنة مضمون الحال المنفية بها لزمن التكلم ويرد عليه أن تلك المقارنة غير مرادة وإنما المطلوب في الحال مقارنتها لعاملها.
3 أي غير لما، مثل لم، وما، فما مع الماضي بدليل تخصيصه المضارع المنفي بلم ولما فيما مر وليست "ما" مع الماضي لنفي الحال بل مع المضارع.
4 أي حدث متقدم على زمن التكلم.
5 أي استمرار ذلك الانتفاء لوقت التكلم حتى تظهر قرينة على الانقطاع كما في قولنالم يضرب زيد أمس لكنه ضرب اليوم" فالقرينة هنا مخصصة للأصل لا مناقضة له.
6 بعدم التقييد بما يدل على انقطاع ذلك الانتفاء قبل زمن التكلم.
المثبت1 فإن وضع الفعل على إفادة التجدد2. وتحقيق هذا3 أن استمرار العدم4 لا يفتقر إلى سبب5 بخلاف استمرار الوجود6 كما يبين في غير هذا العلم.
1 أي الماضي المثبت فإنه لا يفيد الاستمرار، كالماضي المنفي.
2 الذي هو مطلق الثبوت بعد الانتفاء، من غير أن يكون الأصل استمراره فإذا قلت "ضرب" مثلًا كفى في صدقه وقوع الضرب في جزء من أجزاء الزمان الماضي، وإذا قلت "ما ضرب" أو "لم يضرب" أفاد استغراق النفي لجميع أجزاء الزمان الماضي أي من حيث أن تلك الأجزاء ظرف للأحداث التي تعلق بها النفي وإلا فالنفي إنما هو كل فرد من أفراد الحدث الواقعة في أجزاء الزمان الماضي لكان أو ضح، وإفادته الاستغراق إما لمراعاة الأصل أو؛ لأن الفعل في سياق النفي كالنكرة المنفية بلا فنعم. والأوجه في إفادة المقارنة أن يقال أن الأصل في النفي بعد تحققه استمراره.
3 أي وهو أن الأصل في النفي بعد تحققه استمراره بخلاف الإثبات.
4 الذي هو مفاد الماضي المنفي.
5 أي موجود مؤثر بل يكفي فيه انتفاء سبب الوجود فلذلك سهل فيه استصحاب الاستمرار المؤدي للمقارنة.
6 فيفتقر إلى وجود سبب مؤثر. ومن جملة أفراد "استمرار الوجود" استمرار وجود مفاد الماضي المثبت فلذا لم يستصحب فيه الاستمرار.
ففي الجملة: لما كان الأصل في المنفي الاستمرار حصل من إطلاقه -أي كونه غير مقيد بما يدل على انقطاع ذلك الانتفاء- الدلالة على المقارنة التي ذكروها هنا وقد سبق أن المطلوب في الحال مقارنة مضمونها لمضمون عاملها في الزمان لا مقارنة مضمونها لزمن التكلم الذي يستلزمه الاستمرار المذكور، فأين هذا من ذاك؟.
فالخلاصة أن الماضي المنفي يشبه الحال المفردة في إفادة المقارنة فاستحق بذلك الاتيان به، وذلك جاز الأمران فيه كما جاز في المثبت.
5-
وإن كانت الجملة1 اسمية فالمشهور أنه يجوز فيها الأمران2 ومجيء الواو أو لى.
أما الأول3 فلعكس ما ذكرناه في المصدرة الماضي المثبت4. فمجيء الواو كقوله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون} ، وقوله: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد} ، وقول امرئ القيس:
أيقتلني والمشرفي مضاجعي
…
ومسنونة زرق كأنياب أغوال.
وقوله:
ليالي يدعوني الهوى وأجيبه
…
وأعين من أهوى إلى رواني6
والخلو منها كما رواه سيبويه، كلمته فوه إلى7 في، ورجع عوده على بدئه8 بالرفع، وما أنشده أبو علي9 في الإغفال:
1 أي الواقعة حالًا سواء كان خبرها فعلًا أو ظرفًا أو غير ذلك. وراجع في ذلك ص119 من المفتاح.
2 أي فيجوز الإتيان بها كما يجوز الترك سواء كان المبتدأ في تلك الجملة عين ذي الحال أو غيره، وإن كان جواز الترك مختلفًا فيه. وذهب الفراء إلى أن ترك الواو نادر وتبعه ابن الحاجب والزمخشري، وقال الأخفشن كان خبر المبتدأ اسمًا متقدمًا مشتقًّا وجب تركها مثل جاء زيد حسن وجهه.
3 وهو جواز الأمرين.
4 أي لدلالة الاسمية على المقارنة لكونها مستمرة لا على حصول صفة غير ثابتة لدلالتها على الدوام. والثبوت فهي من أجل ذلك تدل على حصول صفة ثابتة.
5 سبق شرح البيت في الاستفهام.
6 البيت لامرئ القيس. رواني: جمع رانية: وهن مديمات النظر.
7 رجع 158 و168 من الدلائل، 119 المفتاح.
8 راجع 135 جـ2 من الكمال للمبرد.
9 هو أبو علي الفارسي م 392هـ. والبيت في الدلائل ص158 والمفتاح ص119.
ولولا جنان الليل ما آب عامر
…
إلى جعفر، سرباله لم يمزق
وقول الآخر:
ما بال عينك دمعها لا يرقأ1.
وقول الآخر2:
ثم راحوا عبق المسك بهم
…
يلحفون الأرض هداب الأزر
وأما الثاني:3 فلعدم دلالة الاسمية على عدم الثبوت4، مع ظهور الاستئناف فيها5.
فحسن زيادة رابط6 ليتأكد الربط.
وقال الشيخ عبد القاهر7:
1 البال: الحال. رقأ الدمع أو الدم: جف وانقطع.
2 هو طرفة بن العبد. والبيت في "325 جـ1 العقد الفريد 431 و422 جـ4 العقد الفريد أيضًا". عبق المسك مصدر عبق بمعنى فاحت رائحته. هداب الأزر ما استرسل منها إلى الأرض.
3 وهو أن مجيء الواو في الجملة الاسمية حالًا أو لى.
4 أي فدلاتها على الثبوت فهي تدل على حصول صفة ثابتة.
5 أي دون الفعلية.
6 الحاصل أن الجملة الاسمية بعدت عن الحال المفردة من حيث دلالتها على الثبوت، ومن حيث ظهور الاستئناف فيها فلذا ترجح فيها الإتيان بالواو، نحو {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون} .
7 هذا مقابل الرأي المشهور السابق ذكره راجع 157 من الدلائل". وهذا رأي عبد القاهر في الجملة الاسمية فقط. أما الفعلية فهو مع الجمهور فيها، ولكن تعليله لثبوت الواو ولعدم ثبوتها يخالف تعليلهم لذلك من أن كل جملة حالية امتنع فيها الواو فذلك؛ لأنك عمدت إلى الفعل الواقع في صدرها فضممته إلى الفعل الأول في إثبات واحد، وكل جملة حالية اقتضت الواو فذلك؛ لأنك مستأنف بها خيرًا وغير قاصد أن تضمها إلى الفعل الأول في الإثبات إلخ، "راجع 164 و165 من الدلائل".
1-
إن كان المبتدأ ضمير ذي الحال وجب الواو1 كقولك جاء زيد وهو يسرع أو وهو مسرع، ولعل وهو يسرع أم "وهو مسرع" ولعل السبب فيه2 أن أصل الفائدة كان يحصل بدون هذا الضمير بأن يقال جاءني زيد يسرع أو مسرعًا، فالإتيان به3 يشعر بقصد الاستئناف المنافي للاتصال فلا يصلح4؛ لأن يستقل بإفادة الربط فتجب الواو5.
1 سواء كان خبره فعلًا أو اسمًا.
هذا والخلاصة أن مذهب عبد القاهر في الاسمية أن غير المبدوءة بحرف الابتداء وغير المبدوءة بالظرف وغير المعطوفة على مفرد يجب فيها الإتيان بالواو فيمتنع تركها إلا لظهور تأويلها بالمفرد، وفيما عدا ذلك يجوز الإتيان بها والراجح تركها.
ومذهب المصنف في الجملة الاسمية جواز ترك الواو وجواز الإتيان بها مع أو لوية ذلك من غير تفصيل بين ما فيه ظرف مقدم وما لا وبين ما يظهر تأويلها بمفرد وما لا يظهر وبين ما فيه حرف ابتداء مقدم وما لا وبين ما عطفت على مفرد ومالم تعطف عليه.
وخلاصة مذهب عبد القاهر كما سبق أن أمر الواو وجودًا وعدمًا في الجملة يدور على كونها ليست في حكم المفرد أو هي في حكمها.
2 راجع 164 وما بعدها من الدلائل.
3 أي بالضمير "وهو".
4 أي بالضمير "هو".
5 ويعلل عبد القاهر ذلك بظهور الاستئناف في الجملة الحالية في قولك "جاء زيد هو يسرع" فتأتي الواو للربط وتأكيده.
وعلى هذا بالأصل أن لا تجيء الجملة الاسمية حالًا إلا مع الواو وما جاء بدونها في سبيل الشيء الخارج عن قياسه وعن أصله بضرب من التأويل المفرد -كما في: كلمته فوه إلى في أي مشافها، واهبطوا بعضكم لبعض عدو أي متعادين- أو نوع من التشبيه به كما في "فجاءها بأسنا بياتًا أو هم قائلون" فجملة "أو هم" حال تركت الواو فيها لتشبيه واو الحال بواو العطف ولو أتى بالواو لاجتمعت مع حرف عطف آخر وهو "أو". وهذا مشعر بوجوب الواو في "نحو جاء زيد وزيد يسرع، أو مسرع"، وفي "جاء زيد وعمرو يسرع أو مسرع أمامه" بالطريق الأولى، ووجه الأولوية أن الاستئناف في المثالين المذكورين أظهر؛ لأن الضمير أقرب للاسم من الظاهر ومن الاسم الأجنبي.
أما "جاءني زيد وعمرو أمامه" مثلًا فقد صرح عبد القاهر بأن الأرجح فيه الواو.
ب- وقال أيضًا1: أن جعل نحو "على كتفه سيف" بتقديم الظرف حالًا عن شيء كما في قولنا "جاء زيد على كتفه سيف" كثر فيها أن تجيء بغير واو، كقول بشار2:
إذا أنكرتني بلدة أو نكرتها
…
خرجت مع البازي. علي سواد
يعني: على بقية من الليل، وقول أبي الصلت عبد الله الثقفي يمدح ابن ذي يزن3:
فاشرب هنيئًا، عليك التاج، مترفقًا
…
في رأس غمدان دارا منك مجلالا
1 157 من الدلائل.
2 من قصيدة له في مدح خالد بن برمك "راجعها في الأدب العباسي لمحمود مصطفى ص420". والبيت في الدلائل ص157.
أنكر ونكر بكسر للعين واستنكر بمعنى كره. خروجه مع البازي كناية عن تبكيره، وجملة "على سواد" حال مؤكدة له، والحال المؤكدة لا كلام لنا فيها إنما الكلام في الحال المتنقلة- وقوله على سواد يعني بقية من الليل.
يعني: إذالم يعرف قدري أهل بلدة أو لم أعرفهم خرجت منهم مصاحبًا البازي الذي هو أبكر الطيور مشتملًا على شيء من ظلمة الليل غير منتظر لطلوع الصباح. فقوله: "على سواد" حال ترك فيها الواو؛ لأن جعل الاسم مرتفعًا بالظرف لاعتماده على ما قبله تكون الحال عليه مفردة لا جملة اسمية وحينئذ فلا يستنكر ترك الوار.
3 البيت ينسب لأمية بن أبي الصلت. ونسبة ابن قتيبة إلى أبيه الصلت وكذلك ابن عبد ربه "176 جـ1 العقد" وهو الأقرب وتجد البيت في الكامل للمبرد ص201 جـ1، 157 من الدلائل.
مرتفقًا: متكئًا. مجلالًا: كثيرًا حلولها لكرم صاحبها.
وقول الآخر:
لقد صبرت للذل أعواد منبر
…
تقوم عليها، في يديك قضيب
ثم قال:1 والوجه أن يقدر اسم في الأمثلة مرتفعًا بالظرف2 فإنه جائز باتفاق من صاحب الكتاب وأبي الحسن لاعتماده على ما قبله3، ثم اختار أن يكون الظرف ههنا خاصة4 في تقدير اسم فاعل5 وجوز أيضًا في أن يكون في تقدير فعل ماض مع قد6، ومنع أن يكون في تقدير فعل مضارع7 ولعله اختار تقديره باسم فاعل لرجوع الحال حينئذ
2 هو وائلة السدوسي "45 جـ3 من البيان والتبيين" يهجو عبد الملك بن المهلب "221 و222/ 2 البيان" وراجع كلام الجاحظ على أبي وائلة بن خليفة "196 جـ1 من البيان".
والبيت في الدلائل ص157.
والخلاصة أن الجملة الاسمية التي خيرها جار ومجرور مقدم إذا وقعت حالًا من معرفة قبلها كثير فيها أن تجيء بغير واو.
فلو كان الجار والمجرور مؤخرًا وجب قرنها بالواو، وكذلك لو كانت حالًا من نكرة وجب الواو لئلا يلتبس الحال بالنعت.
ومذهب المصنف في ذلك أنه، يكثر قرنها بالواو مطلقًا. وذكر صدر الأفاضل أن ترك الواو قليل في الجملة الحالية التي خبرها غير جار ومجرور ومفهومه أن الخبر إذا كان جارًا ومجرورًا كثر فيه الترك.
1 ص169 من الدلائل.
2 أي فاعلًا مرفوعًا به.
3 أي لاعتماده على ذي الحال.
4 أي بالخصوص لا في مقام وقوع الظرف خبرًا أو نعتًا؛ لأنه يقدر بالفعل أيضًا. وقوله "ههنا" أي في مقام وقوع الظرف حالًا.
5 فهو في تأويل المفرد فيكثر فيه الترك.
6 لأن الترك أكثر فيه أيضًا.
7 لوجوب الترك فيه.
هذا ويعلل السعد كثرة ترك الواو في هذا الموضع بأن مثل "على كتفه سيف" يحتمل أن يكون:
1 في تقدير المفرد بتقدير اسم الفاعل فتمتنع الواو.
2 وأن يكون جملة اسمية قدم خبرها فلا تجب الواو.
3 وأن يكون جملة فعلية مقدرة بالماضي فلا تجب الواو.
4 أو مقدرة بالمضارع فتمتنع الواو.
فعلى تقديرين تمتنع الواو وعلى تقديرين تجب الواو. فمن أجل هذا -وجوب الواو في تقديرين وجوازها في تقديرين- كثر ترك الواو.
إلى أصلها في الأفراد ولهذا كثر مجيئها بلا واو، وإنما جوز التقدير بفعل ماض أيضًا لمجيئها بالواو قليلًا وإنما منع التقدير بفعل مضارع؛ لأنه لو جاز التقدير به لامتنع مجيئها بالواو.
جـ- ثم قال:1 وربما يحسن مجئ الاسمية بلا واو لدخول حرف على المبتدأ، وكما في قوله2:
فقلت عسى أن تبصريني كأنما
…
بني حوالي الأسود الحوارد3
فإنه لولا دخول كأن عليه لم يحسن الكلام إلا بالواو وكقولك: عسى أن تبصريني وبين حوالي الأسود. ثم قال4 وشبيهه بهذا أن تقع.
1 ص163 من الدلائل.
2 البيت للفرزدق يخاطب امرأة عزلته في اعتناقه ببنيه. الحوارد: الغضاب من حرد إذا غضب.
والشاهد وقوع الجملة الاسمية وهي قوله: "بني حوالي الأسود الحوارد" حالًا من مفعول "تبصريني" وهو ياء المتكلم بلا واو وذلك حسن في هذا الموضع لدخول "كانا" على الجملة؛ لأن هذا الحرف قد حصل به نوع من الارتباط بين تلك الجملة والتي قبلها. ولولا دخول "كأنما" عليهالم يحسن الكلام إلا بالواو لما مر من أن الجملة الاسمية لا تجيء حالًا إلا مع الواو، فدخول كأنما أو جب استحسان ترك الواو لئلا يتوارد على الجملة حرفان زائدان. وقوله:"حوالي" أي في أكنافي وجوانبي حال من "بني" والفاعل فيه "كأنما" لما في حرف التشبيه من معنى الفعل وهو "أشبه" فجاز أن تكون هي العامل في الحال وصاحبها.
4 راجع ص163 من الدلائل.
حالًا بعقب مفرد فيلطف1 مكانها بخلاف ما لو أفردت كقول ابن الرومي:
والله يبقيك لنا سالما
…
برداك تبجيل وتعظيم2
1 يعني بغير الواو.
2 فقوله: "برداك تبجيل وتعظيم" حال من الكاف في "يبقيك" فهي حال مترادفة، أو من الضمير في "سالما" فهي متداخلة، والاستشهاد إنما هو على الاحتمال الأول، وقد تركت الواو هنا استحسانًا لسبق الحال المفردة عليها، ولو لم يتقدمها قوله "سالما" لم يحسن فيها ترك الواو، فترك الواو في الجملة لمناسبة الحال المفردة قبلها إذ لا يؤتى معها بالواو. وقال الخلخالي: حسن تركها لئلا يتوهم أنها عاطفة لتلك الجملة على المفرد المتقدم والشاعر يدعو لممدوحه بأن يبقى سالما مشتملًا عليه التبجيل والتعظيم اشتمال البرد على لابسه، وقد ثناه باعتباره لفظ التجيل والتعظيم وإن كان معناهما واحدًا.
هذا وقد بقي من الأقسام الجملة الشرطية والواو فيها لازمة خلافًا لابن جني نحو "جاء زيد وإن سأل يعط"، فليس فيها حصول ولا مقارنة فلذلك لزمت الواو لفقد خاصتي الحال المفردة ولا فرق بين أن يكون جوابها خبرًا أو إنشاء، أما لأول فظاهر؛ لأنه إذا كان جوابها خبرًا كانت خبرية وأما الثاني فمشكل؛ لأن الجملة الشرطية حينئذ تكون إنشائية والإنشاء لا يقع حالًا وأجيب بأن الشرطية إذا وقعت حالًا انسلخت الأداة فيها عن معنى الشرط فلا تكون الجملة حينئذ إنشائية.
ملاحظة:
هذا كله إذالم يكن صاحب الحال نكرة مقدمة عليها وإلا وجبت الواو لئلا تشتبه بالنعت ولذا جعل السكاكي في "وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم"، جملة ولها "كتاب معلوم" حال من قرية لكونها في حكم الموصوفة أي وما أهلكنا من قرية من القرى: لا وصف كما ذهب إليه الزمخشري حيث قال أنها صفة قرية.
والقياس ألا تتوسط الواو بينهما ولكنها زيدت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف، ثم قال السكاكي من عرف السبب في تقديم الحال إذا أريد إيقاعها عن النكرة مع الواو في مثل جاءني رجل وعلى كتفه سيف ولمزيد جوازه في "وما أهلكنا من قرية الآية" على ما قدمت، والسكاكي بنى خلافه في الجملة الواقعة حالًا على أصول مضطربة. =
........................................................................
= فآثرنا الإعراض عن نقل كلامه والتعرض لما فيه من الخلل خوف الإطالة.
ملاحظات:
1 الأولى جعل بحث الجملة الحالية في باب متعلقات الفعل؛ لأن الحال سواء كانت مفردة أو جملة من متعلقات الفعل فهي قيد من قيود المسند.
ب- في مذكرة الشيخ نوار في الفصل والوصل أن الجملة الحالية:
1 الخالية من ضمير صاحب الحال تجب فيها الواو مثل جاء محمد وقد انتصف الليل.
2 المبدوءة بمضارع مثبت يتعين فيها ترك الواو مثل رجعوا يضحكون.
3 أما المبدوءة بمضارع مثبت مسبوق بقيد فيجب اقترانها بالواو مثل لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم.
4 والمبدوء بماض مثبت نقد يجوز فيها الواو وعدمها مثل سافر وقد غلبه التأثر.
5 أما المبدوءة بماض متبوع بأو أو واقع بعد إلا، مثل لا تصادقه أخلص أو لم يخلص. ومثل: وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين" فيغلب فيهما ترك الواو وقيل يجب تركها.
6 المبدوء بمضارع بلا أو بما مثل "يقول الحق لا يخشى فيه لومة لائم" وعهدتك ما تصبو وفيك شيبة يغلب فيها ترك الواو. وكذلك المبدوءة بمضارع منفي بلما مثل جاءني لما يسترح من السفر بعد.
7 الاسمية المبدوءة بضمير ذي الحال أو باسمه يجب فيها الواو.
8 أما الاسمية المبدوءة باسم أجنبي عن صاحب الحال فيغلب اقترانها بالواو مثل يحرج الوزير والجند حوله.
9 والاسمية الواقعة بعد عطف يتعين فيها ترك الواو مثل: فجاءها بأسنا بياتًا أو هم قائلون.
10 أما الاسمية المبدوءة بظرف يغلب فيها ترك الواو مثل خرج محمد في يده كتاب.
الجملة الحالية1.
الفكرة العامة في البحث:
الجملة التي تقع حالًا إما أن تكون فعلية: مبدوءة بفعل مضارع مثبت أو منفي أو بماض مثبت أو منفي، وإما أن تكون جملة اسمية، وفي هذه الأنواع كلها قد يجب أن تقرن الجملة الحالية بالواو وقد يجب تركها وقد يجوز الأمران: فما السر في ذلك؟
هناك أصلان ينبني عليهما معرفة أحكام الجملة الحالية بالتفصيل، وهما:
الأول: الجملة التي تقع حالًا تحتاج إلى رابط يربطهما بصاحب الحال لاستقلالها بالإفادة فيصل هذا الرباط بينها وبين صاحبها بصلة وثيقة، وهذا الربط إما:
1-
الضمير وهو الأصل في الربط بدليل الاقتصار عليه في الحال المفردة وفي الخبر والنعت.
2-
أو الواو وهي وإن كانت واو الحال إلا أن أصلها العطف فهي شبيهة بحرف العطف ولذلك بحثنا عن أحكام الجملة الحالية في باب الفصل والوصل.
3-
أو الضمير والواو معًا.
الثاني: أن الحال المفردة المنتقلة الأصل فيها أن تكون بغير الواو، لشبهها بالخبر والنعت، وهي تدل على أمرين:
1-
حصول صفة غير ثابتة.
2-
مقارنة لعاملها. فإذا شبهت الجملة الواقعة حالًا الحال المفردة في إفادتها الأمرين: الحصول والمقارنة أعطيت الجملة حينئذ حكم الحال المفردة في امتناع اقترانها بالواو: وإذا أشبهتها في أحد هذين الأمرين جاز الاتيان بالواو وجاز تركها وربما رجح أحدهما.
1 خلاصة لبحث الجملة الحالية لخفاجي.