الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَذَانَ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِعَقِيدَةِ الْإِيمَانِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى نَوْعَيْهِ مِنَ الْعَقْلِيَّاتِ وَالسَّمْعِيَّاتِ فَأَوَّلُهُ إِثْبَاتُ الذَّاتِ وَمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الْكَمَالِ وَالتَّنْزِيهِ عَنْ أَضْدَادِهَا وَذَلِكَ بِقَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ مَعَ اخْتِصَارِ لَفْظِهَا دَالَّةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ثُمَّ صَرَّحَ بِإِثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ وَنَفْيِ ضِدِّهَا مِنَ الشَّرِكَةِ الْمُسْتَحِيلَةِ فِي حَقِّهِ سبحانه وتعالى وَهَذِهِ عُمْدَةُ الْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ الْمُقَدَّمَةُ عَلَى كُلِّ وَظَائِفِ الدِّينِ ثُمَّ صَرَّحَ بِإِثْبَاتِ النُّبُوَّةِ وَالشَّهَادَةِ بِالرِّسَالَةِ لِنَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم وَهِيَ قَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ بَعْدَ الشَّهَادَةِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَمَوْضِعُهَا بَعْدَ التَّوْحِيدِ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الْأَفْعَالِ الْجَائِزَةِ الْوُقُوعِ وَتِلْكَ الْمُقَدِّمَاتُ مِنْ بَابِ الْوَاجِبَاتِ وَبَعْدَ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ كَمُلَتِ الْعَقَائِدُ الْعَقْلِيَّاتُ فِيمَا يَجِبُ وَيَسْتَحِيلُ وَيَجُوزُ فِي حَقِّهِ سبحانه وتعالى ثُمَّ دَعَا إِلَى مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ فَدَعَاهُمْ إِلَى الصَّلَاةِ وَعَقَّبَهَا بَعْدَ إِثْبَاتِ النُّبُوَّةِ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ وُجُوبِهَا مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا مِنْ جهة العقل ثم دعا إلى الفلاح وهوالفوز وَالْبَقَاءُ فِي النَّعِيمِ الْمُقِيمِ وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ مِنَ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ وَهِيَ آخِرُ تَرَاجِمِ عَقَائِدِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ كَرَّرَ ذَلِكَ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ للاعلام بالشروع فيها وهومتضمن لِتَأْكِيدِ الْإِيمَانِ وَتَكْرَارِ ذِكْرِهِ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعِبَادَةِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَلِيَدْخُلَ الْمُصَلِّي فِيهَا عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ أَمْرِهِ وَبَصِيرَةٍ مِنْ إِيمَانِهِ وَيَسْتَشْعِرُ عَظِيمَ مَا دَخَلَ فِيهِ وَعَظَمَةَ حَقِّ مَنْ يَعْبُدُهُ وَجَزِيلَ ثَوَابِهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَهُوَ مِنَ النَّفَائِسِ الْجَلِيلَةِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
(بَابُ فضل الاذان وهروب الشَّيْطَانِ عِنْدَ سَمَاعِهِ)
فِيهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ ذَهَبَ حَتَّى يَكُونَ مَكَانَ الرَّوْحَاءِ قَالَ الرَّاوِي هِيَ مِنَ الْمَدِينَةِ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ مِيلًا) وَفِي رِوَايَةٍ (إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ أَحَالَ له ضراط حتى لايسمع صَوْتُهُ فَإِذَا سَكَتَ رَجَعَ فَوَسْوَسَ فَإِذَا سَمِعَ الْإِقَامَةَ ذَهَبَ حَتَّى لَا يَسْمَعَ صَوْتَهُ فَإِذَا سَكَتَ رَجَعَ فَوَسْوَسَ) وَفِي رِوَايَةٍ (إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ حُصَاصٌ) وَفِي رِوَايَةٍ
(إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ فَإِذَا قُضِيَ التَّأْذِينُ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا ثَوَّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرُ بَيْنَ المرء ونفسه يقول له اذْكُرْ كَذَا وَاذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يُذْكَرُ مِنْ قَبْلُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ مَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى) أَمَّا أَسْمَاءُ الرِّجَالِ فَفِيهِ طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عَمِّهِ هَذَا الْعَمُّ هُوَ عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ كَمَا بَيَّنَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَقَوْلُهُ (الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ) اسْمُ أَبِي سُفْيَانَ طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَقَوْلُهُ (قَالَ سُلَيْمَانُ فَسَأَلْتُهُ عَنِ الرَّوْحَاءِ) سُلَيْمَانُ هُوَ الْأَعْمَشُ سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ وَالْمَسْئُولُ أَبُو سُفْيَانَ طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ وَفِيهِ أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا مَصْرُوفٌ وَغَيْرُ مَصْرُوفٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ مَرَّاتٍ قَوْلُهُ (أَرْسَلَنِي أَبِي إِلَى بَنِي حَارِثَةَ) هُوَ بِالْحَاءِ قَوْلُهُ (الْحَزَامِيُّ) هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ وَأَمَّا لُغَاتُهُ وَأَلْفَاظُهُ فَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا هُوَ بِفَتْحِ هَمْزَةِ أَعْنَاقًا جَمْعُ عُنُقٍ وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ فِي مَعْنَاهُ فَقِيلَ مَعْنَاهُ أَكْثَرُ النَّاسِ تَشَوُّفًا إِلَى
رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْمُتَشَوِّفَ يُطِيلُ عُنُقَهُ إِلَى مَا يَتَطَلَّعُ إِلَيْهِ فَمَعْنَاهُ كَثْرَةُ مَا يَرَوْنَهُ مِنَ الثَّوَابِ وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ إِذَا أَلْجَمَ النَّاسَ الْعَرَقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ طَالَتْ أَعْنَاقُهُمْ لِئَلَّا يَنَالَهُمْ ذَلِكَ الْكَرْبُ وَالْعَرَقُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ سَادَةٌ وَرُؤَسَاءٌ وَالْعَرَبُ تَصِفُ السَّادَةَ بِطُولِ الْعُنُقِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَكْثَرُ أَتْبَاعًا وَقَالَ بن الْأَعْرَابِيِّ مَعْنَاهُ أَكْثَرُ النَّاسِ أَعْمَالًا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ إِعْنَاقًا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ إسْرَاعًا إِلَى الْجَنَّةِ وَهُوَ مِنْ سَيْرِ الْعُنُقِ قَوْلُهُ مَكَانُ الرَّوْحَاءِ هِيَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمَدِّ قَوْلُهُ إِذَا سَمِعَ الشَّيْطَانُ الْأَذَانَ أَحَالَ هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ ذَهَبَ هَارِبًا قَوْلُهُ وَلَهُ حُصَاصٌ هُوَ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ وَصَادَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ أَيْ ضُرَاطٌ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَقِيلَ الْحُصَاصُ شِدَّةُ الْعَدْوِ قَالَهُمَا أَبُو عُبَيْدٍ وَالْأَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْأَذَانِ لِئَلَّا يَسْمَعَهُ فَيُضْطَرُّ إِلَى أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لايسمع صَوْتَ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقِيلَ إِنَّمَا يَشْهَدُ لَهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَا شَهَادَةَ لَهُ قَالَ وَلَا يُقْبَلُ هَذَا مِنْ قَائِلِهِ لِمَا جَاءَ فِي الْآثَارِ مِنْ خِلَافِهِ قَالَ وَقِيلَ أَنَّ هَذَا فِيمَنْ يَصِحُّ مِنْهُ الشَّهَادَةُ مِمَّنْ يَسْمَعُ وَقِيلَ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي الْحَيَوَانِ وَالْجَمَادِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ لَهَا وَلِمَا لَا يَعْقِلُ مِنَ الْحَيَوَانِ إِدْرَاكًا لِلْأَذَانِ وَعَقْلًا وَمَعْرِفَةً وَقِيلَ إِنَّمَا يُدْبِرُ الشَّيْطَانُ لِعِظَمِ أَمْرِ الْأَذَانِ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ قَوَاعِدَ التَّوْحِيدِ وَإِظْهَارِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَإِعْلَانِهِ وَقِيلَ لِيَأْسِهِ مِنْ وَسْوَسَةِ الْإِنْسَانِ عِنْدَ الْإِعْلَانِ بِالتَّوْحِيدِ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا ثَوَّبَ بِالصَّلَاةِ الْمُرَادُ بِالتَّثْوِيبِ الْإِقَامَةُ وَأَصْلُهُ مِنْ ثَابَ إِذَا رَجَعَ وَمُقِيمُ الصَّلَاةِ رَاجِعٌ إِلَى الدُّعَاءِ إِلَيْهَا فَإِنَّ الْأَذَانَ دُعَاءٌ إِلَى الصَّلَاةِ وَالْإِقَامَةُ دُعَاءٌ إِلَيْهَا قَوْلُهُ حَتَّى يَخْطُرُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ هُوَ بِضَمِّ الطَّاءِ وَكَسْرِهَا حَكَاهُمَا الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ قَالَ ضَبَطْنَاهُ عَنِ الْمُتْقِنِينَ بِالْكَسْرِ وَسَمِعْنَاهُ مِنْ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ بِالضَّمِّ قَالَ وَالْكَسْرُ هُوَ الْوَجْهُ وَمَعْنَاهُ يُوَسْوِسُ وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ خَطَرَ الْفَحْلُ بِذَنَبِهِ إِذَا حَرَّكَهُ فَضَرَبَ بِهِ فخذيه وأما بالضم فمن السلوك والمرور أي يَدْنُو مِنْهُ فَيَمُرُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَلْبِهِ فَيُشْغِلُهُ عَمَّا هُوَ فِيهِ وَبِهَذَا فَسَّرَهُ الشَّارِحُونَ لِلْمُوَطَّأِ وَبِالْأَوَّلِ فَسَّرَهُ الْخَلِيلُ قَوْلُهُ (حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِي كَيْفَ صَلَّى) إِنْ بِمَعْنَى مَا كما في الرواية