الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذمي منقوض بالكفر فلا يقتل به المسلم كالمستأمن. والعمومات مخصوصات بالأحاديث. وحديث ابن البيملاني في قتل المسلم بالذمي ليس له إسناد، قاله الإمام أحمد1.
المطلب الثالث: اشتراك الإثنين في قتل النفس
…
المطلب الثّاني: اشتراك الاثنين في قتل النّفس إذا وجب القود على أحدهما لو انفرد دون الآخر لمعنى في نفسه لا في فعله
إذا اشترك اثنان في الجناية على الواحد في قتل النفس ويجب القصاص على أحدهما إذا انفرد بقتله، ولم يجب على الآخر إذا انفرد لمعنى في نفسه لا في فعله، كاشتراك الأب والأجنبي في قتل الولد، فهل يجب القصاص على الأجنبي؟ ففيه خلاف على قولين:
القول الأول: أنه لا قصاص عليه.
وكان عليهما ديتها على الذي لو تفرد بها منهما كان عليه القصاص في ماله وعلى الآخر على عاقلته.
وهو قول الحنفية2 ورواية عن أحمد3.
القول الثاني: أن عليه القصاص.
وهو قول المالكية4، والشافعية5، وأحمد في رواية هي
1 فيما نقله ابن قدامة في المغني 11/467.
2 انظر: المبسوط 26/93-94، الجوهرة النيرة 2/159، مختصر الطحاوي ص/231.
3 انظر: المغني 11/496.
4 انظر: الإشراف 2/181، قوانين الأحكام ص/363.
5 انظر: الحاوي 12/128، حلية العلماء 7/457، فتح العزيز 10/179، روضة الطالبين 7/39 طبعة دار الكتب العلمية.
المذهب1.
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول بالمعقول وهو:
1-
أنه قتل تركب من موجب وغير موجب، فلم يجب القصاص كقتل العامد والمخطئ، والصبي والبالغ، والمجنون والعاقل2.
واعترض عليه:
بعدم التسليم بأن فعل الأب غير موجب، فإنه يقتضي الإيجاب لكونه تمحض عمدا عدوانا، والجناية به أعظم إثما وأكثر جرما، ولذلك خصه الله تعالى بالنهي عنه، فقال تعالى:{وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ} ثم قال: {إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً} 3، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أعظم الذنب، قال:" أن تجعل لله ندا وهو خلَقك، ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك "4، فجعله أعظم الذنوب بعد الشرك.5
واعترض أيضا:
بعدم التسليم بسقوط القصاص عن شريك الخاطئ، وعلى التسليم
1 انظر: مختصر الخرقي مع المغني 11/496، المغني 11/496.
2 انظر: المبسوط 26/94-95، المغني 11/496.
3 آية 31 من سورة الإسراء.
4 أخرجه البخاري 6/22 في كتاب التفسير، باب قول الله تعالى:{فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون} ، وفي كتاب الأدب 8/9، 204، باب قتل الولد خشية أن يأكل معه، ومسلم 1/90، 91 في كتاب الإيمان، باب كون الشرك أقبح الذنب وبيان أعظمها بعده.
5 انظر: المغني 11/497.
بذلك فامتناع الوجوب فيه لقصور السبب عن الإيجاب فإن فعل الخاطئ غير موجب للقصاص ولا صالح له، والقتل منه ومن شريكه غير متمحض عمدا، لوقوع الخطأ في الفعل الذي حصل به زهوق النفس، بخلاف مسألتنا.
2-
أن هذا القتل ثَمَّ موجب للدية فلا يكون موجبا للقصاص كالخاطئ مع العامد إذا اشتركا. وبيان الوصف: أن الواجب على الأب بهذا الفعل الدية لا غير
…
فإذا كان لا يستوفى منه إلا الدية عرفنا أنه موجب للدية. والدليل على أن وجوب الدية هو الحكم الأصلي في قتل الأب دون القصاص.1
واعترض عليه:
بعدم تسليم قياس شريك الأب على شريك الخاطئ؛ فإن سقوط القصاص عن الخاطئ لمعنى في فعله، وقد امتزج الفعلان في السراية فلم يتميزا. وسقوطه عن الأب لمعنى في نفسه، وقد تميز القاتلان فلم يستويا2. وفارق أيضا شريك الأب شريك المخطئ بأن الخطأ شبهة في فعل الخاطئ، والفعلان مضافان إلى محل واحد، فأورث شبهة في القصاص، كما لو صدرا من واحد. وشبهة الأبوة في ذات الأب لا في الفعل. وذات الأب متميزة عن ذات الأجنبي فلا تورث شبهة في حقه3.
واعترض أيضا:
بعدم التسليم أن وجوب الدية هو الحكم الأصلي في قتل الأب دون القصاص، بل الحكم الأصلي هو القصاص، بل الجناية فيه أعظم إثما، وأكثر
1 انظر: المبسوط 26/95.
2 انظر: الحاوي 12/129، فتح العزيز 10/180.
3 انظر: فتح العزيز 10/180، مغني المحتاج 4/20.
جرما، وهو أعظم الذنوب بعد الشرك – كما سبق – وإنما امتنع وجوب القصاص في حق الأب لمعنى مختص بالمحل1.
واستدل أصحاب القول الثاني بالمعقول:
1-
أنه شارك في القتل العمد العدوان من يقتل به لو انفرد بقتله فوجب عليه القصاص كما لو كانا عامدين فعفا الولي عن أحدهما2.
2-
وأيضا فإن الزهوق حصل بجنايتين عمدين مضمونين، فامتناع وجوب القصاص على أحدهما، لا يمنع الوجوب على الآخر، كما لو رمى اثنان سهما إلى واحد، ومات أحد الراميين قبل الإصابة، يجب القصاص على الآخر3.
3-
ولأنه لما لم يتغير حكم الأب بمشاركة الأجنبي في وجوب القود عليه لم يتغير حكم الأجنبي بمشاركة الأب في سقوط القود عنه4.
4-
أن فعل الأب موجب للقود ثم سقط عنه القود بعفو الشرع منه عن الأب فلا يسقط عن الآخر؛ لأن عند أوان السقوط أحد القاتلين متميز عن الآخر. والدليل على ذلك أن سبب القود شرعا هو العمد، وثبوت الحكم بثبوت السبب. فإذا كانت الأبوة لا توجب نقصانا في السبب لا يمنع ثبوت الحكم أيضا، وإنما لا يستوفى لئلا يكون الولد سببا في إفناء الوالد بعد أن كان
1 انظر: المغني 11/497.
2 انظر: الحاوي 12/129، فتح العزيز 10/179، المغني 11/496.
3 انظر: فتح العزيز 10/179-180، مغني المحتاج 4/21.
4 انظر: الحاوي 12/129.
الوالد سبب إيجاده1.
الراجح:
هو القول الثاني، وهو وجوب القصاص؛ لأن فعل الأب قطع الرحم التي أمر الله عز وجل بصلتها، ووضع الإساءة موضع الإحسان، فكان إيجاب القصاص عليه أولى والزجر عنه أهم إلا أنه امتنع من حقه لمعنى مختص بالمحل لا لقصور في السبب الموجب2. فلم يسقط عن شريكه.
ولأنها نفس مضمونة خرجت بعمد محض، فلم يكن سقوط القود عن أحد القاتلين موجبا لسقوطه عن الآخر، كالعفو عن أحدهما لا يوجب سقوط القود عنهما3.
والضابط الفقهي في هذا الباب، هو:
أن كل شريكين امتنع القصاص في حق أحدهما لمعنى فيه من غير قصور في السبب فهو في وجوب القصاص على شريكه، كالأب وشريكه4.
ويدخل تحته ما يلي:
أن يشترك مسلم وذمي في قتل ذمي، أو حر وعبد في قتل عبد – عمدا وعدوانا – فإن القصاص لا يجب على المسلم والحر، ويجب على الذمي والعبد إذا قلنا بوجوبه على شريك الأب؛ لأن امتناع القصاص عن المسلم لإسلامه وعن الحر لحريته، وانتفاء مكافأة المقتول له. وهذا المعنى لا يتعدى إلى فعله ولا
1 انظر: المبسوط 26/94.
2 انظر: المغني 11/496.
3 انظر: الحاوي 12/129.
4 انظر: الحاوي 12/128، المغني 11/497-498، الشرح الكبير 25/70.