الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: مشروعية القصاص في النفس ومادون النفس
المطلب الأول: في مشروعية القصاص في النفس ومادون النفس
…
المطلب الأوّل: في مشروعية القصاص في النفس
أجمع العلماء على أن القود واجب بالقتل العمد إذا اجتمعت شروطه1.
وقد دلت الآيات والأحاديث بعمومها على ذلك:
من القرآن الكريم:
1-
قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} 2.
2-
1 انظر: البناية 12/100، حاشية ابن عابدين 6/529، الذخيرة 12/279، قوانين الأحكام الشرعية ص/226، المهذب 2/172، الحاوي 12/6، المغني 11/457، شرح الزركشي 6/53.
شروط وجوب القصاص:
1-
أن يكون القاتل مكلفا، أي بالغا عاقلا.
2-
أن يكون متعمدا القتل.
3-
أن يكون تعمد القتل محضا، أي لا شبهة في عدم إرادة القتل.
4-
زاد الحنفية أن يكون القاتل مختارا، فلا قصاص على المكره عندهم. والجمهور يوجبون عليه القصاص. انظر: صفحات المصادر السابقة وما بعدها.
2 آية (178) من سورة البقرة.
3 آية (33) من سورة الإسراء.
3-
وقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 1.
قال ابن كثير – رحمه الله تعالى -: "يقول تعالى: وفي شرع القصاص لكم - وهو قتل القاتل - حكمة عظيمة، وهي بقاء المهج وصونها؛ لأنه إذا علم القاتل أنه يقتل انكف عن صنعه، فكان في ذلك حياة للنفوس. وفي الكتب المتقدمة: القتل أنفى للقتل، فجاءت هذه العبارة في القرآن أفصح وأبلغ وأوجز2". انتهى
ونحوه ذكر القرطبي والبغوي3.
وقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} 4.
فدلت الآيات بعمومها على مشروعية القصاص في الجناية على النفس.
من السنة.
1-
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يفدى وإما أن يقتل "5.
2-
حديث أبي شريح الكعبي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسفكن فيها دما ولا يعضدن6
1 آية (179) من سورة البقرة.
2 انظر: تفسير القرآن العظيم 1/301.
3 انظر: الحامع لأحكام القرآن 2/256، معالم التنزيل 1/146.
4 آية (45) من سورة المائدة.
5 أخرجه البخاري 6/94 في كتاب اللقطة، باب كيف تعرف اللقطة أهل مكة، ومسلم 1/988 في الحج، باب تحريم مكة.
6 يعضدن؛ أي يقطعن. انظر: المصباح المنير 2/494.
فيها شجرا، فإن ترخص مترخص فقال: أحلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله أحلها لي ولم يحلها للناس، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، ثم هي حرام إلى يوم القيامة. ثم إنكم معشر خزاعة قتلتم هذا الرجل من هذيل، وإني عاقله، فمن قتل له قتيل بعد اليوم، فأهله بين خيرتين: إما أن يقتلوا أو يأخذوا العقل1 "2.ففي هذين الحديثين دلالة على مشروعية القصاص في الجناية على النفس3.
3-
حديث وائل بن حجر رضي الله عنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جيء برجل في عنقه النسعة4، قال: فدعا ولي المقتول فقال: " أتعفو؟ "، قال: لا، قال:"أفتأخذ الدية؟ "، قال: قال: لا، قال:" أفتقتل؟ "، قال: نعم، قال:" اذهب به! " فلما ولى قال: " أتعفو؟ "، قال: لا، قال:" أفتأخذ الدية؟ "، قال: لا، قال:" أفتقتل؟ " قال: نعم، قال:" اذهب به! "، فلما كان في الرابعة، قال:" أما إنك إن عفوت عنه يبوء بإثمه وإثم صاحبه "، قال: فعفا عنه، قال: فأنا رأيته
1 العقل: الدية. وأصله أن القاتل إذا قتل قتيلا جمع الدية من الإبل، فعلقها بفناء أولياء المقتول؛ أي يشدها في عُقلها يسلمها إليهم ويقبضوها منه، فسميت الدية عقلا بالمصدر. وكان أصل الدية الإبل، ثم قومت بعد ذلك بالذهب والفضة والبقر والغنم.
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 3/278، المصباح المنير 2/504. وراجع: المغني 14/6.
2 أخرجه الإمام أحمد في المسند 6/385، والترمذي 4/21 في كتاب الديات، باب ما جاء في حكم ولي القتيل في القصاص والعفو، وقال:" حديث حسن صحيح ". وصححه الألباني في إرواء الغليل 7/276.
3 انظر: شرح السنة 10/159.
4 النسعة – بنون مكسورة ثم سين ساكنة ثم عين مهملة – هي حبل من جلد مظفورة. انظر: شرح صحيح مسلم 11/172.
يجر النسعة1.
قال البغوي – رحمه الله تعالى -: فيه دليل على أن ولي الدم مخير بين القصاص، وبين أن يعفو عن القصاص على الدية، وبين أن يعفو مجانا2.
4-
حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة "3.
ومن جهة المعنى: أنه لو لم يجب القصاص في هذه الحالة لأدى ذلك إلى سفك الدماء وهلاك الناس4.
المطلب الثّاني:
مشروعية القصاص في الجناية على ما دون النّفس
أجمع العلماء على تحريم الاعتداء على ما دون النفس وأن القصاص جار فيها إذا أمكن5.
وقد دل على ذلك:
قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ
1 أخرجه مسلم 2/1307 في القسامة، باب صحة الإقرار بالقتل وتمكين ولي الدم القتيل من القصاص، واستحباب طلب العفو منه، وأبو داود 4/638 في الديات، باب الإمام يأمر بالعفو في الدم.
2 انظر: شرح السنة 10/161.
3 سبق تخريجه في صفحة (15) .
4 انظر: الاختيار 5/30-31، المهذب 2/172.
5 انظر: المغني 11/530.
وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاص} 1.
وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن الربيع بنت النضر كسرت ثنية جارية فطلبوا الأرش وطلبوا العفو، فأبوا. فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم بالقصاص، فقال أنس بن النضر: أتكسر ثنية الربيع يا رسول الله؟، لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها2. فقال:" يا أنس، كتاب الله القصاص! "، فرضي القوم وعفوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره "3.
1 آية (45) من سورة المائدة.
2 قوله: " والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها " قيل: لم يرد بهذا القول رد حكم الشرع، وإنما أراد التعريض بطلب الشفاعة. وقيل: إنه وقع منه ذلك قبل علمه بوجوب القصاص إلا أن يختار المجني عليه أو ورثته الدية أو العفو. وقيل: غير ذلك. انظر: نيل الأوطار 7/24.
3 أخرجه البخاري 3/169 في كتاب الصلح، باب الصلح في الدية، واللفظ له، ومسلم 2/1302 في كتاب القسامة، باب إثبات القصاص في الأسنان وما معناها.