الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجاء في فيض القدير: " الإيمان قيد الفتك " أي يمنع من الفتك الذي هو القتل بعد الأمان غدرا "." لا يفتك المؤمن"خبر بمعنى النّهي؛ لأنه متضمّن للمكر والخديعة، أو هو نهيٌ، وما روي من الفتك بكعب بن الأشرف، وابن أبي الحقيق، وغيرهما فكان قبل النّهي، أو هي وقائع مخصوصة بأمر سماوي .. ".
(1)
قال الزمخشري: " الفصل بين الفتك والغيلة؛ أن الفتك هو أن تهتبل غرته فتقتله جهارا،
…
والغيلة؛ أن تكتمن في موضع فتقتله خِفية ".
(2)
وجه الشاهد: يتضح من حديثي أبي هريرة والحسن، وكلام علماء اللغة أن معنى الفتك ينطبق في صورته مع الاغتيالات في عصرنا الحاضر، فيأخذ من النهي عنه، لأنه يتضمن مكرا
…
وخديعة وغدرا.
الوجه الثالث: أن فيها ترويعاً للآمنين
، وبثاً للرعب في أوساط المجتمع، وإقلاقاً للسكينة العامة، وكلها مفاسد متحققة نهت عنها الشريعة.
فكم روّع أرباب الاغتيالات الآمنين، وكم أفزعوا أبناء المجتمع بحوادثهم تحت أجنحة الليل المظلم، وكم أحدثوا رعبا وهلعا بين الناس؛ ليحققوا أهوائهم، وينفذوا غدرهم، وينتصروا لأنانيتهم المقيتة، ومن النّصوص التي تنهى عن الترويع للآمنين:
1 -
حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه، ففزع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل لمسلم أن يروِّع مسلما".
(3)
وفي المسند: " فانطلق بعضهم إلى نبل معه فأخذها، فلما استيقظ الرجل فزع فضحك القوم، فقال: ما يضحككم؟ فقالوا: إنا أخذنا نبل هذا ففزع، فقال رسول الله ص: " لا يحل لمسلم أن يروع مسلما ".
(4)
(1)
فيض القدير: المناوي، ج 3، ص 186.
(2)
الفائق في غريب الحديث: محمود بن عمر الزمخشري، تح: علي محمد البجاوي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعرفة: بيروت، ط (2) دت، ج 3، ص 88.
(3)
مسند أحمد: أحاديث رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ج 38، ص 163، برقم 23064.
(4)
المرجع نفسه: أحاديث رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ج 38، ص 164، برقم 23064.
وفي حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه ما قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير فخفق رجل على راحلته فأخذ رجل سهما من كنانته، فانتبه الرّجل ففزع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لرجل أن يروع مسلما".
(1)
وجه الشاهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ترويع المسلم بأخذ حبل معه، أو نبل سهم ولو بما صورته صورة مزاح، فكيف بما هو أعظم من ذلك من ترويع للآمنيين في المجتمع، وقتل للأنفس المعصومة، وإقلاق للسكينة العامة، لا شك أنه أعظم جرما وحرمة؛ من باب فحوى الخطاب فإن النبي صلى الله عليه وسلم نبه بالأدنى على الأعلى من باب أولى.
جاء في فيض القدير في قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل لمسلم أن يروع مسلما "، وإن كان هازلا كإشارته بالسيف، أو حديدة، أو أفعى، أو أخذِ متاعه؛ فيفزع لفقْدِه لما فيه من إدخال الأذى، والضرر عليه، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده".
(2)
2 -
حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يشير أحدكم على أخيه بالسّلاح؛ فإنه لا يدري لعل الشّيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار".
(3)
3 -
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "مر رجل بِسهام في المسجد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك بنِصالها، قال: نعم "
(4)
.
وفي رواية لجابر: " أن رجلا مرّ في المسجد بأسهم قد أبدى نصولها فأمر أن يأخذ بنُصولها لا يخدش مسلما ".
(5)
4 -
حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا مرَّ أحدكم في مسجدنا، أو في سوقنا ومعه نبل فليُمسك على نِصالها، أو قال: "فليقبض بكفه، أن يصيب أحدا من المسلمين منها شيء".
(6)
5 -
وفي حديث أبي موسى أيضا قال صلى الله عليه وسلم: " من حمل علينا السلاح فليس منا ".
(7)
(1)
معجم الطبراني الأوسط، ج 2، ص 187 برقم 1673، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب، برقم 2806.
(2)
فيض القدير: المناوي، ج 6، ص 447.
(3)
صحيح البخاري: كتاب الفتن، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من حمل علينا السلاح فليس منا، ج 9، ص 62، برقم 7082.
(4)
المرجع نفسه، برقم 7073.
(5)
المرجع نفسه، برقم 7074.
(6)
المرجع نفسه، برقم 7075.
(7)
المرجع نفسه، برقم 7071.
6 -
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: " من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه، وإن كان أخاه لأبيه وأمه".
(1)
وجه الشاهد: إذا كان حمل السلاح والإشارة به منهياً عنه، بل مجرد الإشارة بحديدة توجب اللعن ولو كان مازحا؛ لما فيها من ترويعه وإفزاعه، فكيف بالقتل والاغتيال عن عمد وترصد.
قال ابن العربي: " إذا استحق الذي يشير بالحديدة اللعن فكيف الذي يصيب بها؛ وإنما يستحق اللعن إذا كانت إشارته تهديدا سواء كان جادا أم لاعبا-كما تقدم- وإنما أوخذ اللاعب لما أدخله على أخيه من الرّوع، ولا يخفى أن إثم الهازل دون إثم الجاد؛ وإنما نهى عن تعاطي السيف مسلولا لما يخاف من الغفلة عند التّناول فيسقط فيؤذي".
(2)
قال النووي: في شرحه لحديث: " من أشار إلى أخيه بحديدة "، قال:" فيه تأكيد حرمة المسلم، والنهي الشديد عن ترويعه، وتخويفه، والتعرض له بما قد يؤذيه، وقوله صلى الله عليه وسلم: " وإن كان أخاه لأبيه وأمه" مبالغة في إيضاح عموم النهي في كل أحد سواء من يتهم فيه ومن لا يتهم وسواء كان هذا هزلا ولعبا أم لا؛ لأن ترويع المسلم حرام بكل حال؛ ولأنه قد يسبقه السلاح، كما صرح به في الرواية الأخرى، ولعن الملائكة له يدل على أنه حرام".
(3)
7 -
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قبل الصوت، فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم، قد سبق الناس إلى الصوت وهو يقول: " لن تراعوا لن تراعوا "، وهو على فرس لأبي طلحة عري ما عليه سرج، في عنقه سيف، فقال: " لقد وجدته بحرا أو إنه لبحر".
(4)
وجه الشاهد: في الحديث أهمية السكينة العامة في المجتمع وضرورتها، وأنها عندما اختلت يوما في المدينة سارع النبي ص بنفسه؛ لمعرفة السبب ما يدل على أهميتها عنده ثم رجع مطمئنا أصحابه قائلا لهم على جهة التأنيس والتسكين، لروعهم لن تراعوا، لن تراعوا.
والاغتيالات فيها إقلاق للسكينة العامة، وإثارة للخوف، والذعر في أوساط المجتمع وترويع للآمنين.
(1)
صحيح مسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن الإشارة بالسلاح إلى مسلم، ج 4، ص 2020، برقم 2616.
(2)
فتح الباري: ابن حجر، ج 13، ص 25.
(3)
شرح صحيح مسلم: النووي، ج 16، ص 170.
(4)
صحيح البخاري: كتاب الآداب، باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل، ج 8، ص 16، برقم 6033.