المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قراءة الموضوعات الوثيقة الصلة بالبحث: - البحث الأدبي بين النظر والتطبيق

[علي علي صبح]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌مقدمة الطبعة الثانية:

- ‌الفصل الأول: البحث

- ‌مدخل

- ‌مادة البحث:

- ‌الأسس التي ينبغي تواجدها عند الباحث:

- ‌أغراض البحث:

- ‌الفرق بين الكتاب والرسالة والمقالة والتقرير والتلخيص والتحقيق

- ‌مدخل

- ‌الكتاب:

- ‌الرسائل الجامعة والبحث العلمي:

- ‌المقالة:

- ‌التقرير:

- ‌التلخيص:

- ‌التحقيق:

- ‌الفصل الثاني: اختيار موضوع البحث الأدبي

- ‌استقراء الموضوعات السابقة

- ‌التجاوب الفكري والنفسي مع الموضوع المختار:

- ‌موقف المشرف على البحث:

- ‌بين العنوان والخطة والمنهج:

- ‌الفصل الثالث: القراءة والاطلاع

- ‌بين المصادر والمراجع والدوريات:

- ‌استقصاء كل المصادر والمراجع والدوريات التي تناولت البحث:

- ‌القراءة الشاملة للأصول وتحديد ما يتصل بالموضوع مباشرة:

- ‌الفصل الرابع: مادة البحث وعناصره

- ‌قراءة الموضوعات الوثيقة الصلة بالبحث:

- ‌جمع الأفكار والنصوص الأساسية:

- ‌الفصل الخامس: الصياغة

- ‌مدخل

- ‌التزام القواعد:

- ‌أصالة الترقيم: بين دعوى المستشرقين.. وعراقة التراث العربي القديم:

- ‌الفصل السادس: ثبت البحث "الفهارس

- ‌خاتمة الكتاب:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌ثبت الموضوعات "الفهرست

الفصل: ‌قراءة الموضوعات الوثيقة الصلة بالبحث:

‌الفصل الرابع: مادة البحث وعناصره

‌قراءة الموضوعات الوثيقة الصلة بالبحث:

كان لا بد للقراءة أن تكون شاملة أثناء تحديد الأصول لكل الموضوعات التي تتصل بالموضوع ولو لأدنى ملابسة، لأن الشأن في تحديد الأصول قراءة المصدر أو المرجع كله، حتى يتمكن الباحث من الحكم عليها، ويقطع بدخولها ضمن الأصول أو عدم صلاحيتها للدخول.

أما القراءة والاستيعاب لجمع المادة، وتكوين عناصر البحث، فينبغي أن تكون وثيقة الصلة بالأفكار، والقضايا التي تتصل بالبحث مباشرة، فالباحث هنا يستوعب ليدون المادة والفقرة في بطاقة أو ورقة، وما يقتضيه التدوين هو ما يتصل بموضوع بحثه مباشرة، بينما القراءة هناك كانت لتعميق نظرة الباحث في موضوعه وتخصيب خواطره وأفكاره وارتباطه بعاطفته ومشاعره بها، لذلك كان عليه أن يقرأ كل ما يتصل بالموضوع ولو لأدنى ملابسة.

والقراءة في البحوث بخاصة لها أصولها وقواعدها، وليست كالقراءة العادية في صحيفة أو مجلة أو للاطلاع والتثقيف، بل لها أوقاتها وخصائصها التي تجعلها تتسم بالتنظيم والتوقيت والدقة

ص: 92

والعمق، والاستيعاب والتحصيل، والفهم والاستنتاج.

فالباحث عليه أن يقرأ أولا مقدمة الكتاب، ليعرف منهج الكاتب وموضوعه، وأغراضه منه، ومصادره الأولى التي استفاد منها، ومن اشتركوا معه في توضيح الطريق له، أو قرظوا له كتابه وعمله العلمي ويعرف أسباب المدح والثناء عليه.

كل ذلك يفيد الباحث في سرعة الاستيعاب أو التحصيل والفهم لموضوع الكتاب بغير عناء، لأنه في كل خطوة من خطوات القراءة قد وضع الأمور السابقة نصب عينيه، وهذا يساعده بدوره على الاستنتاج والنقد والتحليل في أقل وقت وبأوفر جهد.

وعلى الباحث كذلك أن يقرأ خاتمة الكتاب؛ ليتعرف على النتائج الجديدة التي وصل إليها صاحبه، والوقوف على أهمية موضوعه، والباحث بهذا العمل يقوم على وجه السرعة باكتشاف منهج الكتاب ونتائجه الطريفة ودرجة أهمية النتائج؛ لتفيده في قراءة الكتاب والإفادة منه إفادة إيجابية تامة.

وعلى الباحث كذلك أن يختار الوقت المناسب للقراءة، فلا يصح أن يكون بعد الأكل مباشرة لأن النفس تظل في حالة خمول وفتور، وبذل أي نشاط في هذا الوقت يزيد الجسد ضعفا وإنهاكا، وبالتالي تكون مراكز الوعي والاستيعاب في النفس بطيئة، بل عاجزة أحيانا على التحصيل والدقة في الفهم، ولا ينبغي على الباحث أن يقرأ بعد النوم مباشرة بل لا بد من أن تمضي

ص: 93

فترة تكون النفس والجسم والعقل قد أخذت كل منها مرحلة النشاط الشامل، ليقرأ الباحث بعد أن تنبهت فيه كل منافذ الإدراك ومعاير الوعي والتحصيل والاستنتاج.

لذلك كله يتعين على الباحث اختيار الوقت الذي تكون فيه النفس موفورة النشاط العقلي، ويكون الجسم جم النشاط العضلي، وقد تنبه إلى ذلك الناقد العربي بشر بن المعتمر في صحيفته المشهورة في النقد العربي القديم، يقول بشر في ذلك:

خذ من نفسك ساعة نشاطك، وفراغ بالك وإجابتها إياك؛ فإن قليل تلك الساعة أكرم جوهرا، وأشرف حسبا، وأحسن في الأسماع وأحلى في الصدور، وأسلم من فاحش الخطأ، وأجلب لكل عين وفرة من لفظ شريف ومعنى بديع، واعلم أن ذلك أجدى عليك مما يعطيك يومك الأطول بالكد والمطاولة والمجاهدة وبالتكلف والمعاودة، ومهما أخطأك أن يكون مقبولا قصدا، وخفيفا على اللسان سهلا، وقد خرج من ينبوعه ونجم عن معدنه

فإن كانت المنزلة الأولى لا تواتيك ولا تسنح لك عند أول نظرك، وفي أول تكلفك وتجد اللفظة لم تقع موقعها، ولم تصر إلى قرارها وإلى حقها من أماكنها المخصوصة لها

ولم تسمح لك الطباع في أول وهلة وتعصي عليك بعد إحالة الفكرة، فلا تعجل ولا تضجر، ودعه بياض يومك أو سواد ليلك، وعاوده عند نشاطك وفراغ بالك؛ فإنك لا تعدم الإجابة والمواناة، إن هناك طبيعة أو جريت من الصناعة على عرق.

ص: 94

وبشر بن المعتمر في هذه الفقرة التي اقتبستها من صحيفته المشهورة، يشير فيها إلى تخير وقت القراءة والكتابة، واختاره حين تكون النفس في غاية نشاطها، وعند خلو بالها، لتلبي صاحبها، وتستجيب له إذا طالبها، وهي على هذه الحالة من الحيوية والنشاط تفيد من الوقت اليسير، ويتضاعف عملها في الزمن الوجيز، فإن استعصى العمل العلمي عليها، ولم تثمر عندها القراءة والكتابة فقد طالب صاحب هذه الصناعة بالانصراف عنها سواد ليله أو بياض نهاره حتى يعود إليه النشاط ويفرع منه البال، وحينئذ تواتيه الملكة ولا يحرم التجاوب الفعال في هذا الفن ما دام الإنسان في طبيعته هذه الموهبة من التحصيل، وعلى خبرة بالدراسة والبحث.

وقد فطن لمثل هذا من نقادنا القدامى الإمام عبد القاهر الجرجاني، ونبه إليه في أكثر من موطن في كتابه دلائل الإعجاز.

ص: 95