المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل فيما اعترض به المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم - البداية والنهاية - ت التركي - جـ ٤

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ كَيْفَ بَدَأَ الْوَحْيُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌[ذِكْرُ عُمُرِهِ صلى الله عليه وسلم وَقْتَ بِعْثَتِهِ]

- ‌[فَصْلُ الْفَتْرَةِ الَّتِي انْقَطَعَ فِيهَا الْوَحْيُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَنْعِ الْجَانِّ وَمَرَدَةِ الشَّيَاطِينِ مِنَ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ حِينَ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ إِتْيَانِ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌[فَصْلُ شِدَّةِ حِرْصِهِ عليه السلام عَلَى أَخْذِ مَا يُوحَى إِلَيْهِ عَنِ اللَّهِ عز وجل]

- ‌[تَتَابُعُ الْوَحْيِ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَوَّلِ مَنْ أَسْلَمَ]

- ‌[ذِكْرُ إِسْلَامِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ]

- ‌[ذِكْرُ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ إِسْلَامِ ضِمَادٍ]

- ‌[بَابُ أَمْرِ اللَّهِ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم بِإِبْلَاغِ الرِّسَالَةِ إِلَى الْخَاصِّ وَالْعَامِّ]

- ‌[قِصَّةُ الْإِرَاشِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ: مَا لَاقَاهُ الرَّسُولُ مِنْ أَذَى قُرَيْشٍ]

- ‌[فَصْلٌ: فِي تَأْلِيبِ الْمَلَأِ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ]

- ‌[فَصْلٌ: فِي مُبَالَغَتِهِمْ فِي الْأَذِيَّةِ لِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسْتَضْعَفِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا اعْتَرَضَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌[فَصْلٌ تَعْذِيبُ قُرَيْشٍ لِلْمُسْلِمِينَ لِاتِّبَاعِهِمُ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[بَابُ مُجَادَلَةِ الْمُشْرِكِينَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِقَامَتِهِ الْحُجَّةَ الدَّامِغَةَ عَلَيْهِمْ]

- ‌[بَابُ هِجْرَةِ مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا جَاءَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى النَّجَاشِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مُخَالَفَةِ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي نَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[ذِكْرُ عَزْمِ الصِّدِّيقِ عَلَى الْهِجْرَةِ إِلَى الْحَبَشَةِ]

- ‌[ذِكْرُ نَقْضِ الصَّحِيفَةِ]

- ‌[فَصْلٌ ذِكْرُ عَدَاوَةِ قُرَيْشٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌[قِصَّةُ أَعْشَى بْنِ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ]

- ‌[قِصَّةُ مُصَارَعَةِ رُكَانَةَ]

- ‌[فَصْلٌ دُعَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى قُرَيْشٍ حِينَ اسْتَعْصَتْ عَلَيْهِ]

- ‌[قِصَّةُ فَارِسَ وَالرُّومِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ]

- ‌[فَصْلُ تَعْلِيمِ جِبْرِيلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَيْفِيَّةَ الصَّلَاةِ وَأَوْقَاتَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْشِقَاقِ الْقَمَرِ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌[فَصْلٌ فِي وَفَاةِ أَبِي طَالِبٍ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي وَفَاةِ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ وَذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ فَضَائِلِهَا وَمَنَاقِبِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَزْوِيجِهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ خَدِيجَةَ رضي الله عنها بِعَائِشَةَ بِنْتِ الصِّدِّيقِ]

- ‌[فَصْلُ شِدَّةِ عَدَاوَةِ قُرَيْشٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ وَفَاةِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذَهَابِهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَهْلِ الطَّائِفِ]

- ‌[فَصْلُ ذِكْرِ سَمَاعِ الْجِنِّ لِقِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي عَرْضِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَفْسَهُ الْكَرِيمَةَ عَلَى أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قُدُومِ وُفُودِ الْأَنْصَارِ]

- ‌[إِسْلَامُ إِيَاسِ بْنِ مُعَاذٍ]

- ‌[بَابُ بَدْءِ إِسْلَامِ الْأَنْصَارِ رضي الله عنهم]

- ‌[قِصَّةُ بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا كَانَ مِنَ الْأَنْصَارِ بَعْدَ بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَسْمَاءِ مَنْ شَهِدَ بَيْعَةَ الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ]

- ‌[بَابُ بَدْءِ الْهِجْرَةِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ]

- ‌[فَصَلٌ فِي سَبَبِ هِجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ]

- ‌[بَابُ هِجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دُخُولِهِ عليه السلام الْمَدِينَةَ وَأَيْنَ اسْتَقَرَّ مَنْزِلُهُ بِهَا]

- ‌[فِيمَا نَالَتِ الْمَدِينَةُ مِنْ شَرَفٍ بَعْدَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[ذِكْرُ مَا وَقَعَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ مِنَ الْحَوَادِثِ وَالْوَقَائِعِ الْعَظِيمَةِ]

- ‌[ابْتِدَاءُ التَّارِيخِ الْإِسْلَامِيِّ مِنْ سَنَةِ الْهِجْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَوَّلِ دَارٍ نَزَلَ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إِسْلَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ]

- ‌[فَصْلُ أَوَّلِ جُمُعَةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمُسْلِمِينَ بِالْمَدِينَةِ]

- ‌[ذِكْرُ خُطْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بِنَاءِ مَسْجِدِهِ الشَّرِيفِ]

- ‌[تَنْبِيهٌ عَلَى فَضْلِ هَذَا الْمَسْجِدِ الشَّرِيفِ وَالْمَحَلِّ الْمُنِيفِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بِنَاءِ حُجَرٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَوْلَ الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا أَصَابَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ حُمَّى الْمَدِينَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عَقْدِهِ عليه السلام الْأُلْفَةَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُؤَاخَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوْتِ أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مِيلَادِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ]

- ‌[فَصْلٌ: وَبَنَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَائِشَةَ فِي شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي زِيَادَةِ صَلَاةِ الْحَضَرِ رَكْعَتَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَذَانِ وَمَشْرُوعِيَّتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي سَرِيَّةِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه]

- ‌[فَصْلٌ فِي سَرِيَّةِ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِوَاءً لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَوَّلِ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ]

الفصل: ‌[فصل فيما اعترض به المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم

تَدَاعَتْ قُرَيْشٌ غَثُّهَا وَسَمِينُهَا

عَلَيْنَا فَلَمْ تَظْفَرْ وَطَاشَتْ حُلُومُهَا

وَكُنَّا قَدِيمًا لَا نُقِرُّ ظُلَامَةً

إِذْ مَا ثَنَوْا صُغْرَ الرِّقَابِ نُقِيمُهَا

وَنَحْمِي حِمَاهَا كُلَّ يَوْمِ كَرِيهَةٍ

وَنَضْرِبُ عَنْ أَحْجَارِهَا مَنْ يَرُومُهَا

بِنَا انْتَعَشَ الْعُودُ الذَّوَاءُ وَإِنَّمَا

بِأَكْنَافِنَا تَنْدَى وَتَنْمِي أُرُومُهَا

‌[فَصْلٌ فِيمَا اعْتَرَضَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

-]

فَصْلٌ

فِيمَا اعْتَرَضَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا تَعَنَّتُوا عَلَيْهِ فِي أَسْئِلَتِهِمْ إِيَّاهُ أَنْوَاعًا مِنَ الْآيَاتِ، وَخَرْقِ الْعَادَاتِ، عَلَى وَجْهِ الْعِنَادِ، لَا عَلَى وَجْهِ طَلَبِ الْهُدَى وَالرَّشَادِ ; فَلِهَذَا لَمْ يُجَابُوا إِلَى كَثِيرٍ مِمَّا طَلَبُوا، وَلَا مَا إِلَيْهِ رَغِبُوا ; لِعِلْمِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ لَوْ عَايَنُوا وَشَاهَدُوا مَا أَرَادُوا، لَاسْتَمَرُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ، وَلَظَلُّوا فِي غَيِّهِمْ وَضَلَالِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ.} [الأنعام: 109]

[يُونُسَ: 96 - 97]

ص: 126

وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59] وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} [الإسراء: 90]

[الْإِسْرَاءِ: 90 - 93] . وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى هَذِهِ الْآيَاتِ وَمَا يُشَابِهُهَا فِي أَمَاكِنِهَا فِي التَّفْسِيرِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

وَقَدْ رَوَى يُونُسُ وَزِيَادٌ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ شَيْخٌ مَنْ أَهْلِ مِصْرَ يُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «اجْتَمَعَ عِلْيَةٌ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ وَعَدَّدَ أَسْمَاءَهُمْ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عِنْدَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ابْعَثُوا إِلَى مُحَمَّدٍ فَكَلِّمُوهُ وَخَاصِمُوهُ حَتَّى تُعْذِرُوا فِيهِ. فَبَعَثُوا إِلَيْهِ إِنَّ أَشْرَافَ قَوْمِكَ قَدِ اجْتَمَعُوا لَكَ لِيُكَلِّمُوكَ. فَجَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيعًا، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ بَدَا لَهُمْ فِي أَمْرِهِ بَدَاءٌ، وَكَانَ حَرِيصًا يُحِبُّ رُشْدَهُمْ، وَيَعِزُّ عَلَيْهِ عَنَتُهُمْ، حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّا قَدْ بَعَثْنَا إِلَيْكَ لِنُعْذِرَ فِيكَ، وَإِنَّا وَاللَّهِ لَا

ص: 127

نَعْلَمُ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ أَدْخَلَ عَلَى قَوْمِهِ مَا أَدْخَلْتَ عَلَى قَوْمِكَ ; لَقَدْ شَتَمْتَ الْآبَاءَ، وَعِبْتَ الدِّينَ، وَسَفَّهْتَ الْأَحْلَامَ، وَشَتَمْتَ الْآلِهَةَ، وَفَرَّقْتَ الْجَمَاعَةَ، وَمَا بَقِيَ مِنْ قَبِيحٍ إِلَّا وَقَدْ جِئْتَهُ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ، فَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا جِئْتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ تَطْلُبُ مَالًا جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا حَتَّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تَطْلُبُ الشَّرَفَ فِينَا سَوَّدْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنَّ كُنْتَ تُرِيدُ مُلْكًا مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ رَئِيًّا تَرَاهُ قَدْ غَلَبَ عَلَيْكَ وَكَانُوا يُسَمُّونَ التَّابِعَ مِنَ الْجِنِّ الرَّئِيَّ فَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ، بَذَلْنَا أَمْوَالَنَا فِي طَلَبِ الطِّبِّ حَتَّى نُبْرِئَكَ مِنْهُ أَوْ نُعْذِرَ فِيكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" مَا بِي مَا تَقُولُونَ، مَا جِئْتُكُمْ بِمَا جِئْتُكُمْ بِهِ أَطْلُبُ أَمْوَالَكُمْ، وَلَا الشَّرَفَ فِيكُمْ، وَلَا الْمُلْكَ عَلَيْكُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ رَسُولًا، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ كِتَابًا، وَأَمَرَنِي أَنْ أَكُونَ لَكُمْ بَشِيرًا نَذِيرًا، فَبَلَّغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي، وَنَصَحْتُ لَكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوا مِنِّي مَا جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظُّكُمْ مِنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ". أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، فَإِنْ كُنْتَ غَيْرَ قَابِلٍ مِنَّا مَا عَرَضْنَا عَلَيْكَ، فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَضْيَقَ بِلَادًا، وَلَا أَقَلَّ مَالًا، وَلَا أَشَدَّ عَيْشًا مِنَّا. فَسَلْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي بَعَثَكَ بِمَا بَعَثَكَ بِهِ فَلْيُسَيِّرْ عَنَّا هَذِهِ الْجِبَالَ الَّتِي قَدْ ضَيَّقَتْ عَلَيْنَا، وَلَيَبْسُطْ لَنَا بِلَادَنَا، وَلْيُجْرِ فِيهَا أَنْهَارًا كَأَنْهَارِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، وَلْيَبْعَثْ لَنَا مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِنَا، وَلْيَكُنْ فِيمَنْ يُبْعَثُ لَنَا مِنْهُمْ قُصَّيُّ بْنُ كِلَابٍ ; فَإِنَّهُ كَانَ شَيْخًا صَدُوقًا، فَنَسْأَلَهُمْ عَمَّا تَقُولُ أَحَقٌّ هُوَ أَمْ بَاطِلٌ؟ فَإِنْ فَعَلْتَ مَا سَأَلْنَاكَ وَصَدَّقُوكَ، صَدَّقْنَاكَ وَعَرَفْنَا بِهِ مَنْزِلَتَكَ

ص: 128

عِنْدَ اللَّهِ، وَأَنَّهُ بَعَثَكَ رَسُولًا كَمَا تَقُولُ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" مَا بِهَذَا بُعِثْتُ، إِنَّمَا جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِمَا بَعَثَنِي بِهِ، فَقَدْ بَلَّغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوهُ، فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ، أَصْبِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ". قَالُوا: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ لَنَا هَذَا فَخُذْ لِنَفْسِكَ ; فَسَلْ رَبَّكَ أَنْ يَبْعَثَ لَنَا مَلَكًا يُصَدِّقُكَ بِمَا تَقُولُ، وَيُرَاجِعُنَا عَنْكَ، وَتَسْأَلُهُ فَيَجْعَلُ لَنَا جِنَانًا وَكُنُوزًا وَقُصُورًا مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَيُغْنِيكَ عَمَّا نَرَاكَ تَبْتَغِي، فَإِنَّكَ تَقُومُ فِي الْأَسْوَاقِ، وَتَلْتَمِسُ الْمَعَايِشَ كَمَا نَلْتَمِسُهُ، حَتَّى نَعْرِفَ فَضْلَ مَنْزِلَتِكَ مِنْ رَبِّكَ، إِنَّ كُنْتَ رَسُولًا كَمَا تَزْعُمُ. فَقَالَ لَهُمْ:" مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، مَا أَنَا بِالَّذِي يَسْأَلُ رَبَّهُ هَذَا، وَمَا بُعِثْتُ إِلَيْكُمْ بِهَذَا، وَلَكِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَإِنْ تَقْبَلُوا مَا جِئْتُكُمْ بِهِ، فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ، أَصْبِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ". قَالُوا: فَأَسْقِطِ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ أَنَّ رَبَّكَ إِنْ شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلَ. فَقَالَ:" ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ فَعَلَ بِكُمْ ذَلِكَ ". فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، مَا عَلِمَ رَبُّكَ أَنَّا سَنَجْلِسُ مَعَكَ، وَنَسْأَلُكَ عَمَّا سَأَلْنَاكَ عَنْهُ، وَنَطْلُبُ مِنْكَ مَا نَطْلُبُ، فَيَتَقَدَّمُ إِلَيْكَ وَيُعْلِمُكَ مَا تُرَاجِعُنَا بِهِ، وَيُخْبِرُكَ مَا هُوَ صَانِعٌ فِي ذَلِكَ بِنَا إِذَا لَمْ نَقْبَلْ مِنْكَ مَا جِئْتَنَا بِهِ؟ فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُ إِنَّمَا يُعَلِّمُكَ هَذَا رَجُلٌ بِالْيَمَامَةِ، يُقَالُ لَهُ: الرَّحْمَنُ. وَإِنَّا وَاللَّهِ لَا نُؤْمِنُ بِالرَّحْمَنِ أَبَدًا، فَقَدْ أَعْذَرْنَا إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ، أَمَا وَاللَّهِ لَا نَتْرُكُكَ وَمَا فَعَلْتَ بِنَا حَتَّى نُهْلِكَكَ أَوْ تُهْلِكَنَا. وَقَالَ قَائِلُهُمْ: نَحْنُ نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ، وَهِيَ بَنَاتُ اللَّهِ، وَقَالَ قَائِلُهُمْ: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَأْتِيَنَا بِاللَّهِ

ص: 129

وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا. فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهُمْ وَقَامَ مَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَخْزُومٍ وَهُوَ ابْنُ عَمَّتِهِ عَاتِكَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، عَرَضَ عَلَيْكَ قَوْمُكَ مَا عَرَضُوا فَلَمْ تَقْبَلْهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوكَ لِأَنْفُسِهِمْ أُمُورًا ; لِيَعْرِفُوا بِهَا مَنْزِلَتَكَ مِنَ اللَّهِ فَلَمْ تَفْعَلْ، ثُمَّ سَأَلُوكَ أَنْ تُعَجِّلَ مَا تُخَوِّفُهُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ، فَوَاللَّهِ لَا أُومِنُ لَكَ أَبَدًا، حَتَّى تَتَّخِذَ إِلَى السَّمَاءِ سُلَّمًا، ثُمَّ تَرْقَى فِيهِ وَأَنَا أَنْظُرُ حَتَّى تَأْتِيَهَا وَتَأْتِيَ مَعَكَ بِنُسْخَةٍ مَنْشُورَةٍ، وَمَعَكَ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَشْهَدُونَ لَكَ أَنَّكَ كَمَا تَقُولُ، وَايْمُ اللَّهِ، لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَظَنَنْتُ أَنِّي لَا أُصَدِّقُكَ. ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَهْلِهِ حَزِينًا أَسِفًا ; لِمَا فَاتَهُ مِمَّا طَمِعَ فِيهِ مِنْ قَوْمِهِ حِينَ دَعَوْهُ وَلِمَا رَأَى مِنْ مُبَاعَدَتِهِمْ إِيَّاهُ»

وَهَذَا الْمَجْلِسُ الَّذِي اجْتَمَعَ عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمَلَأُ مَجْلِسُ ظُلْمٍ وَعُدْوَانٍ وَعِنَادٍ، وَلِهَذَا اقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ وَالرَّحْمَةُ الرَّبَّانِيَّةُ أَلَّا يُجَابُوا لِي مَا سَأَلُوا ; لِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ، فَيُعَاجِلُهُمْ بِالْعَذَابِ.

كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَجْعَلَ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا، وَأَنْ يُنَحِّيَ عَنْهُمُ الْجِبَالُ فَيَزْدَرِعُوا، فَقِيلَ لَهُ: إِنْ شِئْتَ أَنْ

ص: 130

تَسْتَأْنِيَ بِهِمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تُؤْتِيَهُمُ الَّذِي سَأَلُوا، فَإِنْ كَفَرُوا أُهْلِكُوا كَمَا أُهْلِكَتْ مَنْ قَبْلَهُمْ. قَالَ:" لَا، بَلْ أَسَتَأْنِي بِهِمْ ". فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا} [الإسراء: 59] » الْآيَةَ وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ بِهِ.

وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ عِمْرَانَ أَبِي الْحَكَمِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَجْعَلْ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا وَنُؤْمِنُ بِكَ. قَالَ: " وَتَفْعَلُونَ؟ ". قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: فَدَعَا، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ لَكَ: إِنْ شِئْتَ أَصْبَحَ الصَّفَا لَهُمْ ذَهَبًا، فَمَنْ كَفَرَ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ عَذَّبْتُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، وَإِنْ شِئْتَ فَتَحْتُ لَهُمْ بَابَ الرَّحْمَةِ وَالتَّوْبَةِ. قَالَ: " بَلِ التَّوْبَةُ وَالرَّحْمَةُ ".» وَهَذَانَ إِسْنَادَانِ جَيِّدَانِ، وَقَدْ جَاءَ مُرْسَلًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ ; مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ.

ص: 131

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّي عز وجل أَنْ يَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَبًا، فَقُلْتُ: لَا يَا رَبُّ، أَشْبَعُ يَوْمًا وَأَجُوعُ يَوْمًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِذَا جُعْتُ، تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَذَكَرْتُكَ، وَإِذَا شَبِعْتُ، حَمِدْتُكَ وَشَكَرْتُكَ ".» لَفْظُ أَحْمَدَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَعَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ مَنْ أَهْلِ مِصْرَ قَدِمَ عَلَيْنَا مُنْذُ بِضْعٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «بَعَثَتْ قُرَيْشٌ النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَعَقَبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ إِلَى أَحْبَارِ يَهُودَ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالُوا لَهُمَا: سَلُوهُمْ عَنْ مُحَمَّدٍ وَصِفَا لَهُمْ صِفَتَهُ، وَأَخْبِرَاهُمْ بِقَوْلِهِ، فَإِنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ، وَعِنْدَهُمْ عِلْمُ مَا لَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ عِلْمِ الْأَنْبِيَاءِ. فَخَرَجَا حَتَّى قَدِمَا الْمَدِينَةَ، فَسَأَلَا أَحْبَارَ يَهُودَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَوَصَفَا لَهُمْ أَمْرَهُ وَبَعْضَ قَوْلِهِ، وَقَالَا: إِنَّكُمْ أَهْلُ التَّوْرَاةِ وَقَدْ جِئْنَاكُمْ لِتُخْبِرُونَا عَنْ صَاحِبِنَا هَذَا. قَالَ: فَقَالَتْ لَهُمْ أَحْبَارُ يَهُودَ: سَلُوهُ عَنْ ثَلَاثٍ نَأْمُرُكُمْ بِهِنَّ، فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ بِهِنَّ فَهُوَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَالرَّجُلُ مُتَقَوِّلٌ، فَرَوا فِيهِ رَأْيَكُمْ ; سَلُوهُ عَنْ فِتْيَةٍ ذَهَبُوا فِي الدَّهْرِ الْأَوَّلِ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ؟ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُمْ حَدِيثٌ عَجِيبٌ، وَسَلُوهُ عَنْ رَجُلٍ طَوَّافٍ

ص: 132

طَافَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، مَا كَانَ نَبَؤُهُ؟ وَسَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، مَا هِيَ؟ فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ بِذَلِكَ فَهُوَ نَبِيٌّ فَاتَّبِعُوهُ، وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْكُمْ فَهُوَ رَجُلٌ مُتَقَوِّلٌ، فَاصْنَعُوا فِي أَمْرِهِ مَا بَدَا لَكُمْ. فَأَقْبَلَ النَّضْرُ وَعُقْبَةُ حَتَّى قَدِمَا عَلَى قُرَيْشٍ، فَقَالَا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، قَدْ جِئْنَاكُمْ بِفَصْلِ مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، قَدْ أَمَرَنَا أَحْبَارُ يَهُودَ أَنْ نَسْأَلَهُ عَنْ أُمُورٍ. فَأَخْبَرَاهُمْ بِهَا. فَجَاءُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنَا. فَسَأَلُوهُ عَمَّا أَمَرُوهُمْ بِهِ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" أُخْبِرُكُمْ غَدًا بِمَا سَأَلْتُمْ عَنْهُ ". وَلَمْ يَسْتَثْنِ، فَانْصَرَفُوا عَنْهُ، وَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، لَا يُحْدِثُ اللَّهُ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَحْيًا، وَلَا يَأْتِيهِ جِبْرِيلُ، حَتَّى أَرْجَفَ أَهْلُ مَكَّةَ، وَقَالُوا: وَعَدَنَا مُحَمَّدٌ غَدًا، وَالْيَوْمَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، قَدْ أَصْبَحْنَا فِيهَا لَا يُخْبِرُنَا بِشَيْءٍ مِمَّا سَأَلْنَاهُ عَنْهُ، وَحَتَّى أَحْزَنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكْثُ الْوَحْيِ عَنْهُ، وَشَقَّ عَلَيْهِ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ أَهْلُ مَكَّةَ، ثُمَّ جَاءَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام مِنَ اللَّهِ عز وجل بِسُورَةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، فِيهَا مُعَاتَبَتُهُ إِيَّاهُ عَلَى حُزْنِهِ عَلَيْهِمْ، وَخَبَرُ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ مِنْ أَمْرِ الْفِتْيَةِ وَالرَّجُلِ الطَّوَّافِ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85] » وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فِي " التَّفْسِيرِ " مُطَوَّلًا فَمَنْ أَرَادَهُ فَعَلَيْهِ بِكَشْفِهِ مِنْ هُنَاكَ.

ص: 133

وَنَزَلَ قَوْلُهُ: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} [الكهف: 9] . ثُمَّ شَرَعَ فِي تَفْصِيلِ أَمْرِهِمْ، وَاعْتَرَضَ فِي الْوَسَطِ بِتَعْلِيمِهِ الِاسْتِثْنَاءَ، تَحْقِيقًا لَا تَعْلِيقًا، فِي قَوْلِهِ {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 23]

[الْكَهْفِ: 83] ثُمَّ شَرَحَ أَمْرَهُ، وَحَكَى خَبَرَهُ، وَقَالَ فِي سُورَةِ " سُبْحَانَ ":{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 85] أَيْ خَلْقٌ عَجِيبٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَأَمْرٌ مِنْ أَمْرِهِ، قَالَ لَهَا: كُونِي. فَكَانَتْ، وَلَيْسَ لَكُمُ الِاطِّلَاعُ عَلَى كُلِّ مَا خَلَقَهُ، وَتَفْسِيرُ كَيْفِيَّتِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ يَصْعُبُ عَلَيْكُمْ، بِالنِّسْبَةِ إِلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحِكْمَتِهِ ; وَلِهَذَا قَالَ {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85] وَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّ الْيَهُودَ سَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ فَتَلَا عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ. فَإِمَّا أَنَّهَا نَزَلَتْ مَرَّةً ثَانِيَةً، أَوْ ذَكَرَهَا جَوَابًا، وَإِنْ كَانَ نُزُولُهَا مُتَقَدِّمًا، وَمَنْ قَالَ: إِنَّهَا إِنَّمَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ. وَاسْتَثْنَاهَا مِنْ سُورَةِ " سُبْحَانَ "، فَفِي قَوْلِهِ نَظَرٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا خَشِيَ أَبُو طَالِبٍ دَهْمَاءَ الْعَرَبِ أَنْ يَرْكَبُوهُ مَعَ

ص: 134

قَوْمِهِ، قَالَ قَصِيدَتَهُ الَّتِي تَعَوَّذَ فِيهَا بِحَرَمِ مَكَّةَ، وَبِمَكَانِهَا مِنْهَا، وَتَوَدَّدَ فِيهَا أَشْرَافَ قَوْمِهِ، وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ يُخْبِرُهُمْ وَغَيْرَهُمْ فِي شِعْرِهِ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْلِمٍ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا تَارِكُهِ لِشَيْءٍ أَبَدًا حَتَّى يَهْلِكَ دُونَهُ، فَقَالَ:

وَلَمَّا رَأَيْتُ الْقَوْمَ لَا وُدَّ فِيهِمُ

وَقَدْ قَطَّعُوا كُلَّ الْعُرَى وَالْوَسَائِلِ

وَقَدْ صَارَحُونَا بِالْعَدَاوَةِ وَالْأَذَى

وَقَدْ طَاوَعُوا أَمْرَ الْعَدُوِّ الْمُزَايِلِ

وَقَدْ حَالَفُوا قَوْمًا عَلَيْنَا أَظِنَّةً

يَعَضُّونَ غَيْظًا خَلْفَنَا بِالْأَنَامِلِ

صَبَرْتُ لَهُمْ نَفْسِي بِسَمْرَاءَ. سَمْحَةٍ

وَأَبْيَضَ عَضْبٍ مِنْ تُرَاثِ الْمَقَاوِلِ

وَأَحْضَرْتُ عِنْدَ الْبَيْتِ رَهْطِي وَإِخْوَتِي

وَأَمْسَكْتُ مِنْ أَثْوَابِهِ بِالْوَصَائِلِ

قِيَامًا مَعًا مُسْتَقْبِلِينَ رِتَاجَهُ

لَدَى حَيْثُ يَقْضِي حَلْفَهُ كُلُّ نَافِلِ

وَحَيْثُ يُنِيخُ الْأَشْعَرُونَ رِكَابَهُمْ

بِمُفْضَى السُّيُولِ مِنْ إِسَافٍ وَنَائِلِ

مُوَسَّمَةَ الْأَعْضَادِ أَوْ قَصَرَاتِهَا

مُخَيَّسَةً بَيْنَ السَّدِيسِ وَبَازِلِ

تَرَى الْوَدْعَ فِيهَا وَالرُّخَامَ وَزِينَةً

بِأَعْنَاقِهَا مَعْقُودَةً كَالْعَثَاكِلِ

أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مِنْ كُلِّ طَاعِنٍ

عَلَيْنَا بِسُوءٍ أَوْ مُلِحٍّ بِبَاطِلِ

ص: 135

وَمِنْ كَاشِحٍ يَسْعَى لَنَا بِمَعِيبَةٍ

وَمِنْ مُلْحَقٍ فِي الدِّينِ مَا لَمْ نُحَاوِلِ

وَثَوْرٍ وَمَنْ أَرْسَى ثَبِيرًا مَكَانَهُ

وَرَاقٍ لِبِرٍّ فِي حِرَاءٍ وَنَازِلِ

وَبِالْبَيْتِ حَقِّ الْبَيْتِ مِنْ بَطْنِ مَكَّةٍ

وَبِاللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِغَافِلِ

وَبِالْحَجَرِ الْمُسْوَدِّ إِذْ يَمْسَحُونَهُ

إِذَا اكْتَنَفُوهُ بِالضُّحَى وَالْأَصَائِلِ

وَمَوْطِئِ إِبْرَاهِيمَ فِي الصَّخْرِ رَطْبَةً

عَلَى قَدَمَيْهِ حَافِيًا غَيْرَ نَاعِلِ

وَأَشْوَاطٍ بَيْنَ الْمَرْوَتَيْنِ إِلَى الصَّفَا

وَمَا فِيهِمَا مِنْ صُورَةٍ وَتَمَاثِلِ

وَمَنْ حَجَّ بَيْتَ اللَّهِ مِنْ كُلِّ رَاكِبٍ

وَمِنْ كُلِّ ذِي نَذْرٍ وَمِنْ كُلِّ رَاجِلِ

وَبِالْمَشْعَرِ الْأَقْصَى إِذَا عَمَدُوا لَهُ

إِلَالًا إِلَى مُفْضَى الشِّرَاجِ الْقَوَابِلِ

وَتَوْقَافِهِمْ فَوْقَ الْجِبَالِ عَشِيَّةً

يُقِيمُونَ بِالْأَيْدِي صُدُورَ الرَّوَاحِلِ

وَلَيْلَةِ جَمْعٍ وَالْمَنَازِلِ مِنْ مِنًى

وَهَلْ فَوْقَهَا مِنْ حُرْمَةٍ وَمَنَازِلِ

وَجَمْعٍ إِذَا مَا الْمُقْرِبَاتُ أَجَزْنَهُ

سِرَاعًا كَمَا يَخْرُجْنَ مِنْ وَقْعِ وَابِلِ

وَبِالْجَمْرَةِ الْكُبْرَى إِذَا صَمَدُوا لَهَا

يَؤُمُّونَ. قَذْفًا رَأْسَهَا بِالْجَنَادِلِ

وَكِنْدَةَ إِذْ هُمْ بِالْحِصَابِ عَشِيَّةً

تُجِيزُ بِهِمْ حُجَّاجُ بَكْرِ بْنِ وَائِلِ

ص: 136

حَلِيفَانِ شَدَّا عَقْدَ مَا احْتَلَفَا لَهُ

وَرَدَّا عَلَيْهِ عَاطِفَاتِ الْوَسَائِلِ

وَحَطْمِهِمُ سُمْرَ الصِّفَاحِ وَسَرْحَهُ

وَشِبْرِقَهُ وَخْدَ النَّعَامَ الْجَوَافِلِ

فَهَلْ بَعْدَ هَذَا مِنْ مُعَاذٍ لِعَائِذٍ

وَهَلْ مِنْ مُعِيذٍ يَتَّقِي اللَّهَ عَاذِلِ

يُطَاعُ بِنَا الْعِدَى وَوَدُّوا لَوَ انَّنَا

تُسَدُّ بِنَا أَبْوَابُ تُرْكٍ وَكَابُلِ

كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّهِ نَتْرُكَ مَكَّةً

وَنَظْعَنُ إِلَّا أَمْرُكُمْ فِي بَلَابِلِ

كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّهِ نُبْزَى مُحَمَّدًا

وَلَمَّا نُطَاعِنْ دُونَهُ وَنُنَاضِلِ

وَنُسْلِمُهُ حَتَّى نُصَرَّعَ حَوْلَهُ

وَنَذْهَلَ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلَائِلِ

وَيَنْهَضَ قَوْمٌ بِالْحَدِيدِ إِلَيْكُمُ

نُهُوضَ الرَّوَايَا تَحْتَ ذَاتِ الصَّلَاصِلِ

وَحَتَّى نَرَى ذَا الضِّغْنِ يَرْكَبُ رَدْعَهُ

مِنَ الطَّعْنِ فِعْلَ الْأَنْكَبِ الْمُتَحَامِلِ

وَإِنَّا لَعَمْرُ اللَّهِ إِنْ جَدَّ مَا أَرَى

لَتَلْتَبِسَنْ أَسْيَافُنَا بِالْأَمَاثِلِ

بِكَفَّيْ فَتًى مِثْلِ الشِّهَابِ سَمَيْدَعٍ

أَخِي ثِقَةٍ حَامِي الْحَقِيقَةِ بَاسِلِ

شُهُورًا وَأَيَّامًا وَحَوْلًا مُجَرَّمًا

عَلَيْنَا وَتَأْتِي حُجَّةٌ بَعْدَ قَابِلِ

ص: 137

وَمَا تَرْكُ قَوْمٍ لَا أَبَا لَكَ سَيِّدًا

يَحُوطُ الذِّمَارَ غَيْرَ ذَرْبٍ مُوَاكِلِ

وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ

ثِمَالَ الْيَتَامَى عِصْمَةً لِلْأَرَامِلِ

يَلُوذُ بِهِ الْهُلَّاكُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ

فَهُمْ عِنْدَهُ فِي رَحْمَةٍ وَفَوَاضِلِ

لَعَمْرِي لَقَدْ أَجْرَى أَسِيدٌ وَبِكْرُهُ

إِلَى بُغْضِنَا وَجَزَّآنَا لِآكِلِ

وَعُثْمَانُ لَمْ يَرْبَعْ عَلَيْنَا وَقُنْفُذٌ

وَلَكِنْ أَطَاعَا أَمْرَ تِلْكَ الْقَبَائِلِ

أَطَاعَا أُبَيًّا وَابْنَ عَبْدِ يَغُوثِهِمْ

وَلَمْ يَرْقُبَا فِينَا مَقَالَةَ قَائِلِ

كَمَا قَدْ لَقِينَا مِنْ سُبَيْعٍ وَنَوْفَلٍ

وَكُلٌّ تَوَلَّى مُعْرِضًا لَمْ يُجَامِلِ

فَإِنْ يُلْفَيَا أَوْ يُمْكِنِ اللَّهُ مِنْهُمَا

نَكِلْ لَهُمَا صَاعًا بِصَاعِ الْمُكَايِلِ.

وَذَاكَ أَبُو عَمْرٍو أَبَى غَيْرَ بُغْضِنَا

لِيُظْعِنَنَا فِي أَهْلِ شَاءٍ وَجَامِلِ

يُنَاجِي بِنَا فِي كُلِّ مُمْسًى وَمُصْبَحٍ

فَنَاجِ أَبَا عَمْرٍو بِنَا ثُمَّ خَاتَلِ

وَيُؤْلِي لَنَا بِاللَّهِ مَا إِنْ يَغُشُّنَا

بَلَى قَدْ نَرَاهُ جَهْرَةً غَيْرَ حَائِلِ

أَضَاقَ عَلَيْهِ بُغْضُنَا كُلَّ تَلْعَةٍ

مِنَ الْأَرْضِ بَيْنَ أَخْشُبٍ فَمُجَادِلِ

ص: 138

وَسَائِلْ أَبَا الْوَلِيدِ مَاذَا حَبَوْتَنَا

بِسَعْيِكَ فِينَا مُعْرِضًا كَالْمُخَاتِلِ

وَكُنْتَ امْرَأً مِمَّنْ يُعَاشُ بِرَأْيِهِ

وَرَحْمَتِهِ فِينَا وَلَسْتَ بِجَاهِلِ

فَعُتْبَةُ لَا تَسْمَعْ بِنَا قَوْلَ كَاشِحٍ

حَسُودٍ كَذُوبٍ مُبْغِضٍ ذِي دَغَاوِلِ

وَمَرَّ أَبُو سُفْيَانَ عَنِّي مُعْرِضًا

كَمَا مَرَّ قَيْلٌ مِنْ عِظَامِ الْمَقَاوِلِ

يَفِرُّ إِلَى نَجْدٍ وَبَرْدِ مِيَاهِهِ

وَيَزْعُمُ أَنِّي لَسْتُ عَنْكُمْ بِغَافِلِ

وَيُخْبِرُنَا فِعْلَ الْمُنَاصِحِ أَنَّهُ

شَفِيقٌ وَيُخْفِي عَارِمَاتِ الدَّوَاخِلِ

أَمُطْعِمُ لَمْ أَخْذُلْكَ فِي يَوْمِ نَجْدَةٍ

وَلَا مُعْظِمٍ عِنْدَ الْأُمُورِ الْجَلَائِلِ

وَلَا يَوْمِ خَصْمٍ إِذْ أَتَوْكَ أَلِدَّةً

أُولِي جَدَلٍ مِنَ الْخُصُومِ الْمُسَاجِلِ

أَمُطْعِمُ إِنَّ الْقَوْمَ سَامُوكَ خُطَّةً

وَإِنِّي مَتَى أُوكَلْ فَلَسْتُ بِوَائِلِ

جَزَى اللَّهُ عَنَّا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلًا

عُقُوبَةَ شَرٍّ عَاجِلًا غَيْرَ آجِلِ

بِمِيزَانِ قِسْطٍ لَا يُخِسُّ شَعِيرَةً

لَهُ شَاهِدٌ مِنْ نَفْسِهِ غَيْرُ عَائِلِ

لَقَدْ سَفُهَتْ أَحْلَامُ قَوْمٍ تَبَدَّلُوا

بَنِي خَلَفٍ قَيْضَا بِنَا وَالْغَيَاطِلِ

وَنَحْنُ الصَّمِيمُ مِنْ ذُؤَابَةِ هَاشِمٍ

وَآلِ قُصَيٍّ فِي الْخُطُوبِ الْأَوَائِلِ

ص: 139

وَسَهْمٌ وَمَخْزُومٌ تَمَالَوْا وَأَلَّبُوا

عَلَيْنَا الْعِدَى مِنْ كُلِّ طِمْلٍ وَخَامِلِ

فَعَبْدَ مَنَافٍ أَنْتُمْ خَيْرُ قَوْمِكُمْ

فَلَا تُشْرِكُوا فِي أَمْرِكُمْ كَلَّ وَاغِلِ

لَعَمْرِي لَقَدْ وَهَنْتُمُ وَعَجَزْتُمُ

وَجِئْتُمْ بِأَمْرٍ مُخْطِئٍ لِلْمَفَاصِلِ

وَكُنْتُمْ حَدِيثًا حَطْبَ قَدْرٍ وَأَنْتُمُ

أَلَانَ حِطَابُ أَقْدُرٍ وَمَرَاجِلِ

لِيَهْنِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ عُقُوقُنَا

. وَخِذْلَانُنَا وَتَرْكُنَا فِي الْمَعَاقِلِ

فَإِنْ نَكُ قَوْمًا نَتَّئِرْ مَا صَنَعْتُمُ

وَتَحْتَلِبُوهَا لِقْحَةً غَيْرَ بَاهِلِ

وَسَائِطُ كَانَتْ فِي لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ

نَفَاهُمْ إِلَيْنَا كُلَّ صَقْرٍ حُلَاحِلِ

وَرَهْطُ نُفَيْلٍ شَرُّ مَنْ وَطِئَ الْحَصَى

وَأَلْأَمُ حَافٍ مِنْ مَعَدٍّ وَنَاعِلِ

فَأَبْلِغْ قُصَيًّا أَنْ سَيُنْشَرُ أَمْرُنَا

وَبَشِّرْ قُصِيًّا بَعْدَنَا بِالتَّخَاذُلِ

وَلَوْ طَرَقَتْ لَيْلًا قُصَيًّا عَظِيمَةٌ

إِذَا مَا لَجَأْنَا دُونَهُمْ فِي الْمَدَاخِلِ

وَلَوْ صَدَقُوا ضَرْبًا خِلَالَ بُيُوتِهِمْ

لَكُنَّا أُسًى عِنْدَ النِّسَاءِ الْمَطَافِلِ

فَكُلُّ صَدِيقٍ وَابْنُ أُخْتٍ نَعُدُّهُ

لَعَمْرِي وَجَدْنَا غِبَّهُ غَيْرَ طَائِلِ

ص: 140

سِوَى أَنَّ رَهْطًا مِنْ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ

بَرَاءٌ إِلَيْنَا مِنْ مَعَقَّةِ خَاذِلِ

وَهَنَّا لَهُمْ حَتَّى تَبَدَّدَ جَمْعُهُمْ

وَيَحْسُرَ عَنَّا كُلُّ بَاغٍ وَجَاهِلِ

وَكَانَ لَنَا حَوْضُ السِّقَايَةِ فِيهِمُ

وَنَحْنُ الْكُدَى مِنْ غَالِبٍ وَالْكَوَاهِلِ

شَبَابٌ مِنَ الْمُطَّيِّبِينَ وَهَاشِمٍ

كَبِيضِ السُّيُوفِ بَيْنَ أَيْدِي الصَّيَاقِلِ

فَمَا أَدْرَكُوا ذَحْلًا وَلَا سَفَكُوا دَمًا

وَلَا حَالَفُوا إِلَّا شِرَارَ الْقَبَائِلِ

بِضَرْبٍ تَرَى الْفِتْيَانَ فِيهِ كَأَنَّهُمْ

ضَوَارِي أُسُودٍ فَوْقَ لَحْمٍ خَرَادِلِ

بَنِي أَمَةٍ مَحْبُوبَةٍ هِنْدِكِيَّةٍ

بَنِي جُمَحٍ عُبَيْدِ قَيْسِ بْنِ عَاقِلِ

وَلَكِنَّنَا نَسْلٌ كِرَامٌ لِسَادَةٍ

بِهِمْ نُعِيَ الْأَقْوَامُ عِنْدَ الْبَوَاطِلِ

وَنِعْمَ ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ غَيْرَ مُكَذَّبٍ

زُهَيْرٌ حُسَامًا مُفْرَدًا مَنْ حَمَائِلِ

أَشَمُّ مِنَ الشُّمِّ الْبَهَالِيلِ يَنْتَمِي

إِلَى حَسَبٍ فِي حَوْمَةِ الْمَجْدِ فَاضِلِ

لَعَمْرِي لَقَدْ كُلِّفْتُ وَجْدًا بِأَحْمَدٍ

وَإِخْوَتِهِ دَأْبَ الْمُحِبِّ الْمُوَاصِلِ

فَمَنْ مِثْلُهُ فِي النَّاسِ أَيُّ مُؤَمَّلٍ

إِذَا قَاسَهُ الْحُكَّامُ عِنْدَ التَّفَاضُلِ

ص: 141

حَلِيمٌ رَشِيدٌ عَادِلٌ غَيْرُ طَائِشٍ

يُوَالِي إِلَهًا لَيْسَ عَنْهُ بِغَافِلِ

كَرِيمُ الْمَسَاعِي مَاجِدٌ وَابْنُ مَاجِدٍ

لَهُ إِرْثُ مَجْدٍ ثَابِتٍ غَيْرِ نَاصِلِ

وَأَيَّدَهُ رَبُّ. الْعِبَادِ بِنَصْرِهِ

وَأَظْهَرَ دِينًا حَقُّهُ غَيْرُ زَائِلِ

فَوَاللَّهِ لَوْلَا أَنْ أَجِيءَ بِسُبَّةٍ

تُجَرُّ عَلَى أَشْيَاخِنَا فِي الْمَحَافِلِ

لَكُنَّا اتَّبَعْنَاهُ عَلَى كُلِّ حَالَةٍ

مِنَ الدَّهْرِ جِدًّا غَيْرَ قَوْلِ التَّهَازُلِ

لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ ابْنَنَا لَا مُكَذَّبٌ

لَدَيْنَا وَلَا يُعْنَى بِقَوْلِ الْأَبَاطِلِ

فَأَصْبَحَ فِينَا أَحْمَدٌ فِي أَرُومَةٍ

تُقَصِّرُ عَنْهَا سُورَةُ الْمُتَطَاوِلِ

حَدِبْتُ بِنَفْسِي دُونَهُ وَحَمَيْتُهُ

وَدَافَعْتُ عَنْهُ بِالذَّرَا وَالْكَلَاكِلِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا مَا صَحَّ لِي مِنْ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُ أَكْثَرَهَا.

قُلْتُ: هَذِهِ قَصِيدَةٌ عَظِيمَةٌ فَصِيحَةٌ بَلِيغَةٌ جِدًّا ; لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَهَا إِلَّا

ص: 142

مَنْ نُسِبَتْ إِلَيْهِ، وَهِيَ أَفْحَلُ مِنَ الْمُعَلَّقَاتِ السَّبْعِ، وَأَبْلَغُ فِي تَأْدِيَةِ الْمَعْنَى مِنْهَا جَمِيعًا، وَقَدْ أَوْرَدَهَا الْأُمَوِيُّ فِي " مَغَازِيهِ " مُطَوَّلَةً بِزِيَادَاتٍ أُخَرَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 143