المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في سبب هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة] - البداية والنهاية - ت التركي - جـ ٤

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ كَيْفَ بَدَأَ الْوَحْيُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌[ذِكْرُ عُمُرِهِ صلى الله عليه وسلم وَقْتَ بِعْثَتِهِ]

- ‌[فَصْلُ الْفَتْرَةِ الَّتِي انْقَطَعَ فِيهَا الْوَحْيُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَنْعِ الْجَانِّ وَمَرَدَةِ الشَّيَاطِينِ مِنَ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ حِينَ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ إِتْيَانِ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌[فَصْلُ شِدَّةِ حِرْصِهِ عليه السلام عَلَى أَخْذِ مَا يُوحَى إِلَيْهِ عَنِ اللَّهِ عز وجل]

- ‌[تَتَابُعُ الْوَحْيِ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَوَّلِ مَنْ أَسْلَمَ]

- ‌[ذِكْرُ إِسْلَامِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ]

- ‌[ذِكْرُ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ إِسْلَامِ ضِمَادٍ]

- ‌[بَابُ أَمْرِ اللَّهِ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم بِإِبْلَاغِ الرِّسَالَةِ إِلَى الْخَاصِّ وَالْعَامِّ]

- ‌[قِصَّةُ الْإِرَاشِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ: مَا لَاقَاهُ الرَّسُولُ مِنْ أَذَى قُرَيْشٍ]

- ‌[فَصْلٌ: فِي تَأْلِيبِ الْمَلَأِ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ]

- ‌[فَصْلٌ: فِي مُبَالَغَتِهِمْ فِي الْأَذِيَّةِ لِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسْتَضْعَفِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا اعْتَرَضَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌[فَصْلٌ تَعْذِيبُ قُرَيْشٍ لِلْمُسْلِمِينَ لِاتِّبَاعِهِمُ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[بَابُ مُجَادَلَةِ الْمُشْرِكِينَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِقَامَتِهِ الْحُجَّةَ الدَّامِغَةَ عَلَيْهِمْ]

- ‌[بَابُ هِجْرَةِ مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا جَاءَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى النَّجَاشِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مُخَالَفَةِ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي نَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[ذِكْرُ عَزْمِ الصِّدِّيقِ عَلَى الْهِجْرَةِ إِلَى الْحَبَشَةِ]

- ‌[ذِكْرُ نَقْضِ الصَّحِيفَةِ]

- ‌[فَصْلٌ ذِكْرُ عَدَاوَةِ قُرَيْشٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌[قِصَّةُ أَعْشَى بْنِ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ]

- ‌[قِصَّةُ مُصَارَعَةِ رُكَانَةَ]

- ‌[فَصْلٌ دُعَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى قُرَيْشٍ حِينَ اسْتَعْصَتْ عَلَيْهِ]

- ‌[قِصَّةُ فَارِسَ وَالرُّومِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ]

- ‌[فَصْلُ تَعْلِيمِ جِبْرِيلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَيْفِيَّةَ الصَّلَاةِ وَأَوْقَاتَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْشِقَاقِ الْقَمَرِ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌[فَصْلٌ فِي وَفَاةِ أَبِي طَالِبٍ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي وَفَاةِ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ وَذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ فَضَائِلِهَا وَمَنَاقِبِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَزْوِيجِهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ خَدِيجَةَ رضي الله عنها بِعَائِشَةَ بِنْتِ الصِّدِّيقِ]

- ‌[فَصْلُ شِدَّةِ عَدَاوَةِ قُرَيْشٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ وَفَاةِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذَهَابِهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَهْلِ الطَّائِفِ]

- ‌[فَصْلُ ذِكْرِ سَمَاعِ الْجِنِّ لِقِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي عَرْضِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَفْسَهُ الْكَرِيمَةَ عَلَى أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قُدُومِ وُفُودِ الْأَنْصَارِ]

- ‌[إِسْلَامُ إِيَاسِ بْنِ مُعَاذٍ]

- ‌[بَابُ بَدْءِ إِسْلَامِ الْأَنْصَارِ رضي الله عنهم]

- ‌[قِصَّةُ بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا كَانَ مِنَ الْأَنْصَارِ بَعْدَ بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَسْمَاءِ مَنْ شَهِدَ بَيْعَةَ الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ]

- ‌[بَابُ بَدْءِ الْهِجْرَةِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ]

- ‌[فَصَلٌ فِي سَبَبِ هِجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ]

- ‌[بَابُ هِجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دُخُولِهِ عليه السلام الْمَدِينَةَ وَأَيْنَ اسْتَقَرَّ مَنْزِلُهُ بِهَا]

- ‌[فِيمَا نَالَتِ الْمَدِينَةُ مِنْ شَرَفٍ بَعْدَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[ذِكْرُ مَا وَقَعَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ مِنَ الْحَوَادِثِ وَالْوَقَائِعِ الْعَظِيمَةِ]

- ‌[ابْتِدَاءُ التَّارِيخِ الْإِسْلَامِيِّ مِنْ سَنَةِ الْهِجْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَوَّلِ دَارٍ نَزَلَ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إِسْلَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ]

- ‌[فَصْلُ أَوَّلِ جُمُعَةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمُسْلِمِينَ بِالْمَدِينَةِ]

- ‌[ذِكْرُ خُطْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بِنَاءِ مَسْجِدِهِ الشَّرِيفِ]

- ‌[تَنْبِيهٌ عَلَى فَضْلِ هَذَا الْمَسْجِدِ الشَّرِيفِ وَالْمَحَلِّ الْمُنِيفِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بِنَاءِ حُجَرٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَوْلَ الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا أَصَابَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ حُمَّى الْمَدِينَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عَقْدِهِ عليه السلام الْأُلْفَةَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُؤَاخَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوْتِ أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مِيلَادِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ]

- ‌[فَصْلٌ: وَبَنَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَائِشَةَ فِي شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي زِيَادَةِ صَلَاةِ الْحَضَرِ رَكْعَتَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَذَانِ وَمَشْرُوعِيَّتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي سَرِيَّةِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه]

- ‌[فَصْلٌ فِي سَرِيَّةِ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِوَاءً لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَوَّلِ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ]

الفصل: ‌[فصل في سبب هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة]

[فَصَلٌ فِي سَبَبِ هِجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ]

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} [الإسراء: 80] أَرْشَدَهُ اللَّهُ وَأَلْهَمَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ، أَنْ يَجْعَلَ لَهُ مِمَّا هُوَ فِيهِ فَرَجًا قَرِيبًا وَمَخْرَجًا عَاجِلًا، فَأَذِنَ لَهُ تَعَالَى فِي الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ حَيْثُ الْأَنْصَارُ وَالْأَحْبَابُ، فَصَارَتْ لَهُ دَارًا وَقَرَارًا وَأَهْلُهَا لَهُ أَنْصَارًا.

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ قَابُوسِ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ فَأُمِرَ بِالْهِجْرَةِ وَأُنْزِلَ عَلَيْهِ: " {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} [الإسراء: 80] »

وَقَالَ قَتَادَةُ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ الْمَدِينَةَ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ الْهِجْرَةَ مِنْ مَكَّةَ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا

ص: 437

كِتَابَ اللَّهِ وَفَرَائِضَهُ وَحُدُودَهُ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ بِمَكَّةَ بَعْدَ أَصْحَابِهِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فِي الْهِجْرَةِ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ مَعَهُ بِمَكَّةَ إِلَّا مَنْ حُبِسَ أَوْ فُتِنَ، إِلَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ رضي الله عنهما «، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ كَثِيرًا مَا يَسْتَأْذِنُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْهِجْرَةِ، فَيَقُولُ لَهُ: " لَا تَعْجَلْ; لَعَلَّ اللَّهَ يَجْعَلُ لَكَ صَاحِبًا ".» فَيَطْمَعُ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَكُونَهُ، فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ صَارَ لَهُ شِيعَةٌ وَأَصْحَابٌ مِنْ غَيْرِهِمْ بِغَيْرِ بَلَدِهِمْ، وَرَأَوْا خُرُوجَ أَصْحَابِهِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ إِلَيْهِمْ، عَرَفُوا أَنَّهُمْ قَدْ نَزَلُوا دَارًا وَأَصَابُوا مِنْهُمْ مَنَعَةً، فَحَذِرُوا خُرُوجَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ، وَعَرَفُوا أَنَّهُ قَدْ أَجْمَعَ لِحَرْبِهِمْ، فَاجْتَمَعُوا لَهُ فِي دَارِ النَّدْوَةِ - وَهِيَ دَارُ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ التِي كَانَتْ قُرَيْشٌ لَا تَقْضِي أَمْرًا إِلَّا فِيهَا - يَتَشَاوَرُونَ فِيمَا يَصْنَعُونَ فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ خَافُوهُ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُهُ مِمَّنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا اجْتَمَعُوا لِذَلِكَ، وَاتَّعَدُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِي دَارِ النَّدْوَةِ; لِيَتَشَاوَرُوا فِيهَا فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، غَدَوْا فِي الْيَوْمِ الَّذِي اتَّعَدُوا

ص: 438

لَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يُسَمَّى يَوْمَ الزَّحْمَةِ، فَاعْتَرَضَهُمْ إِبْلِيسُ، لَعَنَهُ اللَّهُ، فِي هَيْئَةِ شَيْخٍ جَلِيلٍ عَلَيْهِ بَتٌّ لَهُ، فَوَقَفَ عَلَى بَابِ الدَّارِ، فَلَمَّا رَأَوْهُ وَاقِفًا عَلَى بَابِهَا، قَالُوا: مَنِ الشَّيْخُ؟ قَالَ: شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ سَمِعَ بِالَّذِي اتَّعَدْتُمْ لَهُ، فَحَضَرَ مَعَكُمْ; لِيَسْمَعَ مَا تَقُولُونَ، وَعَسَى أَنْ لَا يُعْدِمَكُمْ مِنْهُ رَأْيًا وَنُصْحًا. قَالُوا: أَجَلْ فَادْخُلْ. فَدَخَلَ مَعَهُمْ وَقَدِ اجْتَمَعَ فِيهَا أَشْرَافُ قُرَيْشٍ; عُتْبَةُ، وَشَيْبَةُ، وَأَبُو سُفْيَانَ، وَطُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيٍّ، وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ، وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامٍ، وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، وَنُبَيْهٌ وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا يُعَدُّ مِنْ قُرَيْشٍ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا قَدْ رَأَيْتُمْ، وَإِنَّنَا وَاللَّهِ مَا نَأْمَنُهُ عَلَى الْوُثُوبِ عَلَيْنَا بِمَنْ قَدِ اتَّبَعَهُ مِنْ غَيْرِنَا، فَأَجْمِعُوا فِيهِ رَأْيًا. قَالَ: فَتَشَاوَرُوا، ثُمَّ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ - قِيلَ: إِنَّهُ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامٍ - احْبِسُوهُ فِي الْحَدِيدِ، وَأَغْلِقُوا عَلَيْهِ بَابًا، ثُمَّ تَرَبَّصُوا بِهِ مَا أَصَابَ أَشْبَاهَهُ مِنَ الشُّعَرَاءِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ; زُهَيْرًا وَالنَّابِغَةَ وَمَنْ مَضَى مِنْهُمْ، مِنْ هَذَا الْمَوْتِ; حَتَّى يُصِيبَهُ مَا أَصَابَهُمْ. فَقَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: لَا وَاللَّهِ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ، وَاللَّهِ لَئِنْ حَبَسْتُمُوهُ كَمَا تَقُولُونَ،

ص: 439

لَيَخْرُجَنَّ أَمْرُهُ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ الَّذِي أَغْلَقْتُمْ دُونَهُ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَلَأَوْشَكُوا أَنْ يَثِبُوا عَلَيْكُمْ فَيَنْتَزِعُوهُ مِنْ أَيْدِيكُمْ، ثُمَّ يُكَاثِرُوكُمْ بِهِ حَتَّى يَغْلِبُوكُمْ عَلَى أَمْرِكُمْ، مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ، فَتَشَاوَرُوا، ثُمَّ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: نُخْرِجُهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا فَنَنْفِيهِ مِنْ بِلَادِنَا، فَإِذَا خَرَجَ عَنَّا، فَوَاللَّهِ مَا نُبَالِي أَيْنَ ذَهَبَ، وَلَا حَيْثُ وَقَعَ إِذَا غَابَ عَنَّا وَفَرَغْنَا مِنْهُ، فَأَصْلَحْنَا أَمْرَنَا وَأُلْفَتَنَا كَمَا كَانَتْ. قَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: لَا وَاللَّهِ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ; أَلَمْ تَرَوْا حُسْنَ حَدِيثِهِ، وَحَلَاوَةَ مَنْطِقِهِ، وَغَلَبَتَهُ عَلَى قُلُوبِ الرِّجَالِ بِمَا يَأْتِي بِهِ؟ وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ، مَا أَمِنْتُ أَنْ يَحِلَّ عَلَى حَيٍّ مِنَ الْعَرَبِ، فَيَغْلِبَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ وَحَدِيثِهِ حَتَّى يُتَابِعُوهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَسِيرُ بِهِمْ إِلَيْكُمْ حَتَّى يَطَأَكُمْ بِهِمْ، فَيَأْخُذَ أَمْرَكُمْ مِنْ أَيْدِيكُمْ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِكُمْ مَا أَرَادَ، أَدِيرُوا فِيهِ رَأْيًا غَيْرَ هَذَا. فَقَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ: وَاللَّهِ إِنَّ لِي فِيهِ لَرَأَيًا مَا أَرَاكُمْ وَقَعْتُمْ عَلَيْهِ بَعْدُ. قَالُوا: وَمَا هُوَ يَا أَبَا الْحَكَمِ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ نَأْخُذَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ فَتًى شَابًّا جَلِيدًا نَسِيبًا وَسِيطًا فِينَا، ثُمَّ نُعْطِي كُلَّ فَتًى مِنْهُمْ سَيْفًا صَارِمًا، ثُمَّ يَعْمِدُوا إِلَيْهِ فَيَضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَيَقْتُلُوهُ فَنَسْتَرِيحَ مِنْهُ، فَإِنَّهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ تَفَرَّقَ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ جَمِيعِهَا، فَلَمْ يَقْدِرْ بَنُو عَبْدِ مُنَافٍ عَلَى حَرْبِ قَوْمِهِمْ جَمِيعًا فَرَضُوا مِنَّا بِالْعَقْلِ فَعَقَلْنَاهُ لَهُمْ. قَالَ: يَقُولُ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: الْقَوْلُ مَا قَالَ الرَّجُلُ، هَذَا الرَّأْيُ وَلَا رَأْيَ غَيْرُهُ. فَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ عَلَى ذَلِكَ، وَهُمْ مُجْمِعُونَ لَهُ، فَأَتَى جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: لَا

ص: 440

تَبِتْ هَذِهِ اللَّيْلَةَ عَلَى فِرَاشِكَ الَّذِي كُنْتَ تَبِيتُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَتْ عَتَمَةٌ مِنَ اللَّيْلِ اجْتَمَعُوا عَلَى بَابِهِ، يَرْصُدُونَهُ مَتَى يَنَامُ فَيَثِبُونَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَانَهُمْ، قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ:" نَمْ عَلَى فِرَاشِي، وَتَسَجَّ بِبُرْدِي هَذَا الْحَضْرَمِيِّ الْأَخْضَرِ فَنَمْ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَنْ يَخْلُصَ إِلَيْكَ شَيْءٌ تَكْرَهُهُ مِنْهُمْ ". وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنَامُ فِي بُرْدِهِ ذَلِكَ إِذَا نَامَ»

وَهَذِهِ الْقِصَّةُ التِي ذَكَرَهَا ابْنُ إِسْحَاقَ، قَدْ رَوَاهَا الْوَاقِدِيُّ بِأَسَانِيدِهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَلِيٍّ، وَسُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، وَغَيْرِهِمْ، دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ، فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، قَالَ: «لَمَّا اجْتَمَعُوا لَهُ وَفِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ قَالَ، وَهُمْ عَلَى بَابِهِ: إِنَّ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّكُمْ إِنْ تَابَعْتُمُوهُ عَلَى أَمْرِهِ، كُنْتُمْ مُلُوكَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، ثُمَّ بُعِثْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ فَجُعِلَتْ لَكُمْ جِنَانٌ كَجِنَانِ الْأُرْدُنِ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا، كَانَ فِيكُمْ ذَبْحٌ، ثُمَّ بُعِثْتُمْ بَعْدَ مَوْتِكُمْ، ثُمَّ جُعِلَتْ لَكُمْ نَارٌ، تُحْرَقُونَ فِيهَا! قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: " نَعَمْ أَنَا أَقُولُ

ص: 441

ذَلِكَ، أَنْتَ أَحَدُهُمْ ". وَأَخَذَ اللَّهُ عَلَى أَبْصَارِهِمْ عَنْهُ فَلَا يَرَوْنَهُ، فَجَعَلَ يَنْثُرُ ذَلِكَ التُّرَابَ عَلَى رُؤُوسِهِمْ وَهُوَ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَاتِ {يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} [يس: 1] إِلَى قَوْلِهِ {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} [يس: 9] . وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا وَقَدْ وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى حَيْثُ أَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ، فَأَتَاهُمْ آتٍ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ، فَقَالَ: مَا تَنْتَظِرُونَ هَاهُنَا؟ قَالُوا: مُحَمَّدًا. فَقَالَ: خَيَّبَكُمُ اللَّهُ، قَدْ وَاللَّهِ خَرَجَ عَلَيْكُمْ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ مَا تَرَكَ مِنْكُمْ رَجُلًا إِلَّا وَقَدْ وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا، وَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، أَفَمَا تَرَوْنَ مَا بِكُمْ؟ قَالَ: فَوَضَعَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَإِذَا عَلَيْهِ تُرَابٌ، ثُمَّ جَعَلُوا يَتَطَلَّعُونَ، فَيَرَوْنَ عَلِيًّا عَلَى الْفِرَاشِ مُتَسَجِّيًا بِبُرْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَيَقُولُونَ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَمُحَمَّدٌ نَائِمًا عَلَيْهِ بُرْدُهُ. فَلَمْ يَبْرَحُوا كَذَلِكَ حَتَّى أَصْبَحُوا، فَقَامَ عَلِيٌّ عَنِ الْفِرَاشِ فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ صَدَقَنَا الَّذِي كَانَ حَدَّثَنَا.»

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَمَا كَانُوا أَجْمَعُوا لَهُ، قَوْلُهُ تَعَالَى {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30] وَقَوْلُهُ {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ} [الطور: 30]

[الطُّورِ: 31، 30] قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَأَذِنَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ بِالْهِجْرَةِ.

ص: 442