الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[قِصَّةُ أَعْشَى بْنِ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي خَلَّادُ بْنُ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ السَّدُوسِيُّ، وَغَيْرُهُ مِنْ مَشَايِخِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ أَعْشَى بْنَ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُكَابَةَ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ الْإِسْلَامَ، فَقَالَ يَمْدَحُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم:
أَلَمْ تَغْتَمِضْ عَيْنَاكَ لَيْلَةً أَرْمَدَا
…
وَبَتَّ كَمَا بَاتَ السَّلِيمُ مُسَهَّدًا
وَمَا ذَاكَ مِنْ عِشْقِ النِّسَاءِ وَإِنَّمَا
…
تَنَاسَيْتَ قَبْلَ الْيَوْمِ خُلَّةً مُهْدَدَا
وَلَكِنْ أَرَى الدَّهْرَ الَّذِي هُوَ خَائِنٌ
…
إِذَا أَصْلَحَتْ كَفَّايَ عَادَ فَأَفْسَدَا
كُهُولًا وَشُبَّانًا فَقَدْتُ وَثَرْوَةً
…
فَلِلَّهِ هَذَا الدَّهْرُ كَيْ تَرَدَّدَا
وَمَا زِلْتُ أَبْغِي الْمَالَ مُذْ أَنَا يَافِعٌ
وَلِيدًا وَكَهْلًا حِينَ شِبْتُ وَأَمْرَدَا
…
وَأَبْتَذِلُ الْعِيسَ الْمَرَاقِيلَ تَعْتَلِي
مَسَافَةَ مَا بَيْنَ النُّجَيْرِ فَصَرْخَدَا
…
أَلَا أيُّهَذَا السَّائِلِي أَيْنَ يَمَّمَتْ
فَإِنَّ لَهَا فِي أَهْلِ يَثْرِبَ مَوْعِدَا
…
فَإِنْ تَسْأَلِي عَنِّي فَيَا رُبَّ سَائِلٍ
حَفِيٍّ عَنِ الْأَعْشَى بِهِ حَيْثُ أَصْعَدَا
…
أَجَدَّتْ بِرِجْلَيْهَا نِجَاءً وَرَاجَعَتْ
يَدَاهَا خِنَاقًا لَيِّنًا غَيْرَ أَحْرَدَا
…
وَفِيهَا إِذَا مَا هَجَّرَتْ عَجْرَفِيَّةٌ
إِذَا خِلْتَ حِرْبَاءَ الظَّهِيرَةِ أَصَيْدَا
وَآلَيْتُ لَا آوِي لَهَا مِنْ كَلَالَةٍ
…
وَلَا مِنْ حَفًى حَتَّى تُلَاقِي مُحَمَّدَا
مَتَى مَا تُنَاخِي عِنْدَ بَابِ ابْنِ هَاشِمٍ
…
تُرَاحِي وَتَلْقَى مِنْ فَوَاضِلِهِ نَدَى
نَبِيٌّ يَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَذِكْرُهُ
…
أَغَارَ لَعَمْرِي فِي الْبِلَادِ وَأَنْجَدَا
لَهُ صَدَقَاتٌ مَا تُغِبُّ وَنَائِلٌ
…
فَلَيْسَ عَطَاءُ الْيَوْمِ مَانِعَهُ غَدَا
أَجِدَّكَ لَمْ تَسْمَعْ وَصَاةَ مُحَمَّدٍ
…
نَبِيِّ الْإِلَهِ حَيْثُ أَوْصَى وَأَشْهَدَا
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَرْحَلْ بِزَادٍ مِنَ التُّقَى
…
وَلَاقَيْتَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَنْ قَدْ تَزَوَّدَا
نَدِمْتَ عَلَى أَنْ لَا تَكُونَ كَمِثْلِهِ
…
فَتُرْصِدَ لِلْأَمْرِ الَّذِي كَانَ أَرَصَدَا
فَإِيَّاكَ وَالْمَيْتَاتِ لَا تَقْرَبَنَّهَا
…
وَلَا تَأْخُذَنْ سَهْمًا حَدِيدًا لِتَفْصِدَا
وَذَا النُّصُبَ الْمَنْصُوبَ لَا تَنْسُكَنَّهُ
…
وَلَا تَعْبُدِ الْأَوْثَانَ وَاللَّهَ فَاعْبُدَا
وَلَا تَقْرَبَنَّ حُرَّةً كَانَ سِرُّهَا
…
عَلَيْكَ حَرَامًا فَانْكِحَنْ أَوْ تَأَبَّدَا
وَذَا الرَّحِمِ الْقُرْبَى فَلَا تَقْطَعَنَّهُ.
لِعَاقِبَةٍ وَلَا الْأَسِيرَ الْمُقَيَّدَا
…
وَسَبِّحْ عَلَى حِينِ الْعَشِيَّةِ وَالضُّحَى
وَلَا تَحْمَدِ الشَّيْطَانَ وَاللَّهَ فَاحْمَدَا
…
وَلَا تَسْخَرَنَّ مِنْ بَائِسٍ ذِي ضَرَارَةٍ
وَلَا تَحْسَبَنَّ الْمَالَ لِلْمَرْءِ مُخْلِدَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَلَمَّا كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، اعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَأَلَهُ عَنْ أَمْرِهِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ جَاءَ يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيُسْلِمَ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا بَصِيرٍ إِنَّهُ يُحَرِّمُ الزِّنَا. فَقَالَ الْأَعْشَى: وَاللَّهِ إِنَّ ذَلِكَ لَأَمْرٌ مَا لِي فِيهِ مِنْ أَرَبٍ. فَقَالَ: يَا أَبَا بَصِيرٍ إِنَّهُ يُحَرِّمُ الْخَمْرَ. فَقَالَ الْأَعْشَى: أَمَّا هَذِهِ فَوَاللَّهِ إِنَّ فِي النَّفْسِ مِنْهَا لَعُلَالَاتٍ، وَلَكِنِّي مُنْصَرِفٌ فَأَتَرَوَّى مِنْهَا عَامِي هَذَا، ثُمَّ آتِيهِ فَأُسْلِمُ. فَانْصَرَفَ، فَمَاتَ فِي عَامِهِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَعُدْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. هَكَذَا أَوْرَدَ ابْنُ هِشَامٍ هَذِهِ الْقِصَّةَ هَاهُنَا، وَهُوَ كَثِيرُ الْمُؤَاخَذَاتِ لِمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ رحمه الله، وَهَذَا مِمَّا يُؤَاخَذُ بِهِ ابْنُ هِشَامٍ رحمه الله، فَإِنَّ الْخَمْرَ إِنَّمَا حُرِّمَتْ بِالْمَدِينَةِ، بَعْدَ وَقْعَةِ بَنِي النَّضِيرِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ عَزْمَ الْأَعْشَى عَلَى الْقُدُومِ لِلْإِسْلَامِ إِنَّمَا كَانَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَفِي شِعْرِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ:
أَلَا أَيُّهَذَا السَّائِلِي أَيْنَ يَمَّمَتْ
…
فَإِنَّ لَهَا فِي أَهْلِ يَثْرِبَ مَوْعِدَا
وَكَانَ الْأَنْسَبُ وَالْأَلْيَقُ بِابْنِ هِشَامٍ أَنَّ يُؤَخِّرَ ذِكْرَ هَذِهِ الْقِصَّةِ إِلَى مَا بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَلَا يُورِدَهَا هَاهُنَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَهَذِهِ غَفْلَةٌ مِنَ ابْنِ هِشَامٍ وَمَنْ تَابَعَهُ، فَإِنَّ النَّاسَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ لَمْ يَنْزِلْ تَحْرِيمُهَا إِلَّا بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ أُحُدٍ. وَقَدْ قَالَ: وَقِيلَ: إِنَّ الْقَائِلَ لِلْأَعْشَى هُوَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فِي دَارِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ. وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّ الْقَائِلَ لَهُ ذَلِكَ، هُوَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ فِي بِلَادِ قَيْسٍ، وَهُوَ مُقْبِلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: وَقَوْلُهُ: ثُمَّ آتِيهِ فَأُسْلِمُ. لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كُفْرِهِ، بِلَا خِلَافٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ هَاهُنَا قِصَّةَ الْإِرَاشِيِّ وَكَيْفَ اسْتَعْدَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَبِي جَهْلٍ فِي ثَمَنِ الْجَمَلِ الَّذِي ابْتَاعَهُ مِنْهُ، وَكَيْفَ أَذَلَّ اللَّهُ أَبَا جَهْلٍ وَأَرْغَمَ أَنْفَهُ، حَتَّى أَعْطَاهُ ثَمَنَهُ فِي السَّاعَةِ الرَّاهِنَةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْوَحْيِ وَمَا كَانَ مِنْ أَذِيَّةِ الْمُشْرِكِينَ عِنْدَ ذَلِكَ.