المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في تزويجه صلى الله عليه وسلم بعد خديجة رضي الله عنها بعائشة بنت الصديق] - البداية والنهاية - ت التركي - جـ ٤

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ كَيْفَ بَدَأَ الْوَحْيُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌[ذِكْرُ عُمُرِهِ صلى الله عليه وسلم وَقْتَ بِعْثَتِهِ]

- ‌[فَصْلُ الْفَتْرَةِ الَّتِي انْقَطَعَ فِيهَا الْوَحْيُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَنْعِ الْجَانِّ وَمَرَدَةِ الشَّيَاطِينِ مِنَ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ حِينَ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ إِتْيَانِ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌[فَصْلُ شِدَّةِ حِرْصِهِ عليه السلام عَلَى أَخْذِ مَا يُوحَى إِلَيْهِ عَنِ اللَّهِ عز وجل]

- ‌[تَتَابُعُ الْوَحْيِ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَوَّلِ مَنْ أَسْلَمَ]

- ‌[ذِكْرُ إِسْلَامِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ]

- ‌[ذِكْرُ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ إِسْلَامِ ضِمَادٍ]

- ‌[بَابُ أَمْرِ اللَّهِ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم بِإِبْلَاغِ الرِّسَالَةِ إِلَى الْخَاصِّ وَالْعَامِّ]

- ‌[قِصَّةُ الْإِرَاشِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ: مَا لَاقَاهُ الرَّسُولُ مِنْ أَذَى قُرَيْشٍ]

- ‌[فَصْلٌ: فِي تَأْلِيبِ الْمَلَأِ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ]

- ‌[فَصْلٌ: فِي مُبَالَغَتِهِمْ فِي الْأَذِيَّةِ لِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسْتَضْعَفِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا اعْتَرَضَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌[فَصْلٌ تَعْذِيبُ قُرَيْشٍ لِلْمُسْلِمِينَ لِاتِّبَاعِهِمُ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[بَابُ مُجَادَلَةِ الْمُشْرِكِينَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِقَامَتِهِ الْحُجَّةَ الدَّامِغَةَ عَلَيْهِمْ]

- ‌[بَابُ هِجْرَةِ مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا جَاءَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى النَّجَاشِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مُخَالَفَةِ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي نَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[ذِكْرُ عَزْمِ الصِّدِّيقِ عَلَى الْهِجْرَةِ إِلَى الْحَبَشَةِ]

- ‌[ذِكْرُ نَقْضِ الصَّحِيفَةِ]

- ‌[فَصْلٌ ذِكْرُ عَدَاوَةِ قُرَيْشٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌[قِصَّةُ أَعْشَى بْنِ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ]

- ‌[قِصَّةُ مُصَارَعَةِ رُكَانَةَ]

- ‌[فَصْلٌ دُعَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى قُرَيْشٍ حِينَ اسْتَعْصَتْ عَلَيْهِ]

- ‌[قِصَّةُ فَارِسَ وَالرُّومِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ]

- ‌[فَصْلُ تَعْلِيمِ جِبْرِيلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَيْفِيَّةَ الصَّلَاةِ وَأَوْقَاتَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْشِقَاقِ الْقَمَرِ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌[فَصْلٌ فِي وَفَاةِ أَبِي طَالِبٍ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي وَفَاةِ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ وَذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ فَضَائِلِهَا وَمَنَاقِبِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَزْوِيجِهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ خَدِيجَةَ رضي الله عنها بِعَائِشَةَ بِنْتِ الصِّدِّيقِ]

- ‌[فَصْلُ شِدَّةِ عَدَاوَةِ قُرَيْشٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ وَفَاةِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذَهَابِهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَهْلِ الطَّائِفِ]

- ‌[فَصْلُ ذِكْرِ سَمَاعِ الْجِنِّ لِقِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي عَرْضِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَفْسَهُ الْكَرِيمَةَ عَلَى أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قُدُومِ وُفُودِ الْأَنْصَارِ]

- ‌[إِسْلَامُ إِيَاسِ بْنِ مُعَاذٍ]

- ‌[بَابُ بَدْءِ إِسْلَامِ الْأَنْصَارِ رضي الله عنهم]

- ‌[قِصَّةُ بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا كَانَ مِنَ الْأَنْصَارِ بَعْدَ بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَسْمَاءِ مَنْ شَهِدَ بَيْعَةَ الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ]

- ‌[بَابُ بَدْءِ الْهِجْرَةِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ]

- ‌[فَصَلٌ فِي سَبَبِ هِجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ]

- ‌[بَابُ هِجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دُخُولِهِ عليه السلام الْمَدِينَةَ وَأَيْنَ اسْتَقَرَّ مَنْزِلُهُ بِهَا]

- ‌[فِيمَا نَالَتِ الْمَدِينَةُ مِنْ شَرَفٍ بَعْدَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[ذِكْرُ مَا وَقَعَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ مِنَ الْحَوَادِثِ وَالْوَقَائِعِ الْعَظِيمَةِ]

- ‌[ابْتِدَاءُ التَّارِيخِ الْإِسْلَامِيِّ مِنْ سَنَةِ الْهِجْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَوَّلِ دَارٍ نَزَلَ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إِسْلَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ]

- ‌[فَصْلُ أَوَّلِ جُمُعَةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمُسْلِمِينَ بِالْمَدِينَةِ]

- ‌[ذِكْرُ خُطْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بِنَاءِ مَسْجِدِهِ الشَّرِيفِ]

- ‌[تَنْبِيهٌ عَلَى فَضْلِ هَذَا الْمَسْجِدِ الشَّرِيفِ وَالْمَحَلِّ الْمُنِيفِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بِنَاءِ حُجَرٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَوْلَ الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا أَصَابَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ حُمَّى الْمَدِينَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عَقْدِهِ عليه السلام الْأُلْفَةَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُؤَاخَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوْتِ أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مِيلَادِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ]

- ‌[فَصْلٌ: وَبَنَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَائِشَةَ فِي شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي زِيَادَةِ صَلَاةِ الْحَضَرِ رَكْعَتَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَذَانِ وَمَشْرُوعِيَّتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي سَرِيَّةِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه]

- ‌[فَصْلٌ فِي سَرِيَّةِ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِوَاءً لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَوَّلِ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ]

الفصل: ‌[فصل في تزويجه صلى الله عليه وسلم بعد خديجة رضي الله عنها بعائشة بنت الصديق]

مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ، كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ ".» وَالثَّرِيدُ: هُوَ الْخَبْزُ وَاللَّحْمُ جَمِيعًا، وَهُوَ أَفْخَرُ طَعَامِ الْعَرَبِ، كَمَا قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:

إِذَا مَا الْخُبْزُ تَأْدِمُهُ بِلَحْمٍ

فَذَاكَ أَمَانَةَ اللَّهِ الثَّرِيدُ

وَيُحْتَمَلُ قَوْلُهُ: " وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ " أَنْ يَكُونَ عَامًّا، فَيَعُمُّ النِّسَاءَ الْمَذْكُورَاتِ وَغَيْرَهُنَّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَامًّا فِيمَا عَدَاهُنَّ، وَيَبْقَى الْكَلَامُ فِيهَا وَفِيهِنَّ مَوْقُوفًا يَحْتَمِلُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُنَّ، فَيَحْتَاجُ مُرَجِّحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عَلَى غَيْرِهَا إِلَى دَلِيلٍ مِنْ خَارِجٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي تَزْوِيجِهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ خَدِيجَةَ رضي الله عنها بِعَائِشَةَ بِنْتِ الصِّدِّيقِ]

فَصْلٌ

فِي تَزْوِيجِهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ خَدِيجَةَ رضي الله عنها، بِعَائِشَةَ بِنْتِ الصِّدِّيقِ، وَسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ رضي الله عنهما

وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَائِشَةَ - تَزَوَّجَهَا أَوَّلًا لِمَا سَيَأْتِي; قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ تَزْوِيجِ عَائِشَةَ: حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ; أَرَى أَنَّكِ فِي

ص: 324

سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، وَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَاكْشِفْ عَنْهَا. فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، يُمْضِهِ» ".

قَالَ الْبُخَارِيُّ: بَابُ نِكَاحِ الْأَبْكَارِ: وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعَائِشَةَ: لَمْ يَنْكِحِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكْرًا غَيْرَكِ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:«قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ نَزَلْتَ وَادِيًا وَفِيهِ شَجَرَةٌ قَدْ أُكِلَ مِنْهَا، وَوَجَدْتَ شَجَرَةً لَمْ يُؤْكَلْ مِنْهَا، فِي أَيُّهَا كُنْتَ تُرْتِعُ بِعِيرَكَ؟ قَالَ: " فِي التِي لَمْ يُرْتَعْ مِنْهَا» تَعْنِي: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرَهَا. انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.

ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:«قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ، إِذَا رَجُلٌ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةِ حَرِيرٍ، فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ. فَأَكْشِفُهَا فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، يُمْضِهِ ".» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِهِ.

وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ النَّظَرِ إِلَى الْمَرْأَةِ قَبْلَ التَّزْوِيجِ، ثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ يَجِيءُ بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَقَالَ لِي:

ص: 325

هَذِهِ امْرَأَتُكَ. فَكَشَفْتُ عَنْ وَجْهِكِ الثَّوْبَ، فَإِذَا أَنْتِ هِيَ، فَقُلْتُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، يُمْضِهِ ".» - وَفِي رِوَايَةٍ -:«أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ ثَلَاثَ لَيَالٍ ".» وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ: «أَنَّ جِبْرِيلَ جَاءَهُ بِصُورَتِهَا فِي خِرْقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ خَضْرَاءَ، فَقَالَ: هَذِهِ زَوْجَتُكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.»

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: بَابُ تَزْوِيجِ الصِّغَارِ مِنَ الْكِبَارِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِرَاكٍ، عَنْ عُرْوَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ عَائِشَةَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا أَنَا أَخُوكَ. فَقَالَ: " أَنْتَ أَخِي فِي دِينِ اللَّهِ وَكِتَابِهِ، وَهِيَ لِي حَلَالٌ ".» هَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرُ سِيَاقِهِ كَأَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَهُوَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَالْمُحَقِّقِينَ مُتَّصِلٌ; لِأَنَّهُ مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، وَهَذَا مِنْ أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ رحمه الله.

وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:«تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَائِشَةَ بَعْدَ مَوْتِ خَدِيجَةَ بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَعَائِشَةُ يَوْمَئِذٍ ابْنَةُ سِتِّ سِنِينَ، وَبَنَى بِهَا وَهِيَ ابْنَةُ تِسْعٍ، وَمَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَائِشَةُ ابْنَةُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً.» وَهَذَا غَرِيبٌ.

وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ مَخْرَجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 326

بِثَلَاثِ سِنِينَ، فَلَبِثَ سَنَتَيْنِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، وَنَكَحَ عَائِشَةَ وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، ثُمَّ بَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ.» وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ عُرْوَةُ مُرْسَلٌ فِي ظَاهِرِ السِّيَاقِ كَمَا قَدَّمْنَا وَلَكِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُتَّصِلِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. وَقَوْلُهُ: تَزَوَّجَهَا وَهِيَ ابْنَةُ سِتِّ سِنِينَ، وَبَنَى بِهَا وَهِيَ ابْنَةُ تِسْعٍ. مَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا. وَكَانَ بِنَاؤُهُ بِهَا، عليه السلام فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ.

وَأَمَّا كَوْنُ تَزْوِيجِهَا كَانَ بَعْدَ مَوْتِ خَدِيجَةَ بِنَحْوِ ثَلَاثِ سِنِينَ، فَفِيهِ نَظَرٌ; فَإِنَّ يَعْقُوبَ بْنَ سُفْيَانَ الْحَافِظَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:«تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَوَفَّى خَدِيجَةَ، قَبْلَ مُخْرَجِهِ مِنْ مَكَّةَ، وَأَنَا ابْنَةُ سَبْعِ - أَوْ سِتِّ - سِنِينَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، جَاءَنِي نِسْوَةٌ وَأَنَا الْعَبُ فِي أُرْجُوحَةٍ، وَأَنَا مُجَمَّمَةٌ، فَهَيَّأْنَنِي وَصَنَعْنَنِي، ثُمَّ أَتَيْنَ بِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا ابْنَةُ تِسْعِ سِنِينَ» . فَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ " " مُتَوَفَّى خَدِيجَةَ " يَقْتَضِي أَنَّهُ عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ قَرِيبًا، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ سَقَطَ مِنَ النُّسْخَةِ: بَعْدَ مُتَوَفَّى خَدِيجَةَ. فَلَا يَنْفِي مَا ذَكَرَهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا بِنْتُ

ص: 327

سِتِّ سِنِينَ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فَوُعِكْتُ فَتَمَزَّقَ شَعْرِي فَوَفَى لِي جُمَيْمَةٌ، فَأَتَتْنِي أُمِّي أُمُّ رُومَانَ - وَإِنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ وَمَعِي صَوَاحِبُ لِي - فَصَرَخَتْ بِي، فَأَتَيْتُهَا مَا أَدْرِي مَا تُرِيدُ بِي، فَأَخَذَتْ بِيَدِي، حَتَّى أَوْقَفَتْنِي عَلَى بَابِ الدَّارِ، وَإِنِّي لَأَنْهَجُ حَتَّى سَكَنَ بَعْضُ نَفَسِي، ثُمَّ أَخَذَتْ شَيْئًا مِنْ مَاءٍ، فَمَسَحَتْ بِهِ وَجْهِي وَرَأْسِي، ثُمَّ أَدْخَلَتْنِي الدَّارَ، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي الْبَيْتِ، فَقُلْنَ: عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ، فَأَصْلَحْنَ مِنْ شَأْنِي، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضُحًى، فَأَسْلَمْنَنِي إِلَيْهِ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ.»

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ": حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ،، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ وَيَحْيَى، قَالَا: «لَمَّا هَلَكَتْ خَدِيجَةُ جَاءَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا تَزَوَّجُ؟ قَالَ:" مَنْ؟ " قَالَتْ: إِنْ شِئْتَ بِكْرًا، وَإِنْ شِئْتَ ثَيِّبًا. قَالَ:" فَمَنِ الْبِكْرُ؟ " قَالَتْ: ابْنَةُ أَحَبِّ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْكَ، عَائِشَةُ ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ:

ص: 328

" وَمَنِ الثَّيِّبُ؟ " قَالَتْ: سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، قَدْ آمَنَتْ بِكَ وَاتَّبَعَتْكَ عَلَى مَا تَقُولُ. قَالَ:" فَاذْهَبِي فَاذْكُرِيهِمَا عَلَيَّ ". فَدَخَلَتْ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَتْ: يَا أُمَّ رُومَانَ، مَاذَا أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيْكِ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ! قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخْطُبُ عَلَيْهِ عَائِشَةَ. قَالَتِ: انْتَظِرِي أَبَا بَكْرٍ حَتَّى يَأْتِيَ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا بَكْرٍ، مَاذَا أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ! قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخْطُبُ عَلَيْهِ عَائِشَةَ. قَالَ: وَهَلْ تَصْلُحُ لَهُ؟! إِنَّمَا هِيَ ابْنَةُ أَخِيهِ. فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، قَالَ:" ارْجِعِي إِلَيْهِ، فَقُولِي لَهُ: أَنَا أَخُوكَ، وَأَنْتَ أَخِي فِي الْإِسْلَامِ، وَابْنَتُكَ تَصْلُحُ لِي ". فَرَجَعَتْ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، قَالَ: انْتَظِرِي. وَخَرَجَ. قَالَتْ أُمُّ رُومَانَ: إِنَّ مُطْعِمَ بْنَ عَدِيٍّ قَدْ كَانَ ذَكَرَهَا عَلَى ابْنِهِ، وَوَاللَّهِ مَا وَعَدَ وَعْدًا قَطُّ فَأَخْلَفَهُ - لِأَبِي بَكْرٍ - فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى مُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ، وَعِنْدَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ الْفَتَى. فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ، لَعَلَّكَ مُصْبٍ صَاحِبَنَا، مُدْخِلُهُ فِي دِينِكَ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ إِنْ تَزَوَّجَ إِلَيْكَ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِلْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ: أَقَوْلَ هَذِهِ تَقُولُ؟ قَالَ: إِنَّهَا تَقُولُ ذَلِكَ. فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، وَقَدْ أَذْهَبَ اللَّهُ مَا كَانَ فِي نَفْسِهِ مِنْ عِدَتِهِ التِي وَعَدَهُ، فَرَجَعَ فَقَالَ لِخَوْلَةَ: ادْعِي لِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَدَعَتْهُ، فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ، وَعَائِشَةُ يَوْمَئِذٍ بَنَتُ

ص: 329

سِتِّ سِنِينَ، ثُمَّ خَرَجَتْ فَدَخَلَتْ عَلَى سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ، فَقَالَتْ: مَاذَا أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيْكِ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ. قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخْطُبُكِ إِلَيْهِ. قَالَتْ: وَدِدْتُ، ادْخُلِي إِلَى أَبِي فَاذْكُرِي ذَلِكَ لَهُ. وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ أَدْرَكَهُ السِّنُّ، قَدْ تَخَلَّفَ عَنِ الْحَجِّ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ، فَحَيَّتْهُ بِتَحِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَتْ: خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ. قَالَ: فَمَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَرْسَلَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْطُبُ عَلَيْهِ سَوْدَةَ. فَقَالَ: كُفُؤٌ كَرِيمٌ، مَاذَا تَقُولُ صَاحِبَتُكِ؟ قَالَتْ: تُحِبُّ ذَاكَ. قَالَ: ادْعِيهَا لِي. فَدَعَتْهَا، قَالَ: أَيْ بُنَيَّةُ، إِنَّ هَذِهِ تَزْعُمُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَدْ أَرْسَلَ يَخْطُبُكِ، وَهُوَ كُفُؤٌ كَرِيمٌ، أَتُحِبِّينَ أَنْ أُزَوِّجَكِ بِهِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ ادْعِيهِ لِي. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ، فَجَاءَ أَخُوهَا عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ مِنَ الْحَجِّ، فَجَعَلَ يَحْثِي فِي رَأْسِهِ التُّرَابَ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ: لَعَمْرُكَ إِنِّي لَسَفِيهٌ يَوْمَ أَحْثِي فِي رَأْسِي التُّرَابَ; أَنْ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ فِي السُّنْحِ. قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ بَيْتَنَا، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَنِسَاءٌ، فَجَاءَتْنِي أُمِّي، وَإِنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ بَيْنَ عَذْقَيْنِ تَرَجَّحُ بِي، فَأَنْزَلَتْنِي مِنَ الْأُرْجُوحَةِ، وَلِي جُمَيْمَةٌ فَفَرَقْتَهَا، وَمَسَحَتْ وَجْهِي بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ تَقُودُنِي، حَتَّى

ص: 330

وَقَفَتْ بِي عِنْدَ الْبَابِ، وَإِنِّي لَأَنْهَجُ حَتَّى سَكَنَ مِنْ نَفَسِي، ثُمَّ دَخَلَتْ بِي، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ عَلَى سَرِيرٍ فِي بَيْتِنَا، وَعِنْدَهُ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَأَجْلَسَتْنِي فِي حُجْرَةٍ، ثُمَّ قَالَتْ: هَؤُلَاءِ أَهْلُكَ فَبَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهِمْ، وَبَارَكَ لَهُمْ فِيكَ. فَوَثَبَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَخَرَجُوا، وَبَنَى بِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِنَا، مَا نُحِرَتْ عَلَيَّ جَزُورٌ، وَلَا ذُبِحَتْ عَلَيَّ شَاةٌ، حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيْنَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ بِجَفْنَةٍ، كَانَ يُرْسِلُ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَارَ إِلَى نِسَائِهِ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ ابْنَةُ تِسْعِ سِنِينَ.»

وَهَذَا السِّيَاقُ كَأَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَهُوَ مُتَّصِلٌ; لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ الْأَوْدِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: «لَمَّا مَاتَتْ خَدِيجَةُ، جَاءَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا تَزَوَّجُ؟ قَالَ: " وَمَنْ؟ " قَالَتْ: إِنْ شِئْتَ بِكْرًا، وَإِنْ شِئْتَ ثَيِّبًا. قَالَ: " مَنِ الْبِكْرُ؟ وَمَنِ الثَّيِّبُ؟ " قَالَتْ: أَمَّا الْبِكْرُ فَابْنَةُ أَحَبِّ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْكَ; عَائِشَةُ، وَأَمَّا الثَّيِّبُ فَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، قَدْ آمَنَتْ بِكَ وَاتَّبَعَتْكَ. قَالَ: " فَاذْكُرِيهِمَا عَلَيَّ ".» وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ عَقْدَهُ عَلَى عَائِشَةَ كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَى تَزْوِيجِهِ بِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ، وَلَكِنَّ دُخُولَهُ عَلَى سَوْدَةَ كَانَ بِمَكَّةَ، وَأَمَّا دُخُولُهُ عَلَى عَائِشَةَ، فَتَأَخَّرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ،

ص: 331

كَمَا تَقَدَّمَ وَكَمَا سَيَأْتِي.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:«لَمَّا كَبِرَتْ سَوْدَةُ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِي، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ لِي بِيَوْمِهَا مَعَ نِسَائِهِ. قَالَتْ: وَكَانَتْ أَوَّلَ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا بَعْدِي»

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ، حَدَّثَنِي شَهْرٌ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِهِ، يُقَالُ لَهَا: سَوْدَةُ، وَكَانَتْ مُصْبِيَةً كَانَ لَهَا خَمْسَةُ صِبْيَةٍ - أَوْ سِتَّةٌ - مِنْ بَعْلٍ لَهَا مَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَا يَمْنَعُكِ مِنِّي؟ " قَالَتْ: وَاللَّهِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَا يَمْنَعُنِي مِنْكَ أَنْ لَا تَكُونَ أَحَبَّ الْبَرِّيَّةِ إِلَيَّ، وَلَكِنِّي أُكْرِمُكَ أَنْ يَضْغُوَ هَؤُلَاءِ الصِّبْيَةُ عِنْدَ رَأْسِكَ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً. قَالَ: " فَهَلْ مَنَعَكِ مِنِّي غَيْرُ ذَلِكَ؟ " قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ. قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " يَرْحَمُكِ اللَّهُ إِنَّ خَيْرَ نِسَاءٍ رَكِبْنَ أَعْجَازَ الْإِبِلِ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ; أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ، وَأَرْعَاهُ عَلَى بَعْلٍ بِذَاتِ يَدِهِ ".»

قُلْتُ: وَكَانَ زَوْجَهَا قَبْلَهُ عليه السلام السَّكْرَانُ بْنُ عَمْرٍو، أَخُو سُهَيْلِ

ص: 332