المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس] - البداية والنهاية - ت التركي - جـ ٤

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ كَيْفَ بَدَأَ الْوَحْيُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌[ذِكْرُ عُمُرِهِ صلى الله عليه وسلم وَقْتَ بِعْثَتِهِ]

- ‌[فَصْلُ الْفَتْرَةِ الَّتِي انْقَطَعَ فِيهَا الْوَحْيُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَنْعِ الْجَانِّ وَمَرَدَةِ الشَّيَاطِينِ مِنَ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ حِينَ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ إِتْيَانِ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌[فَصْلُ شِدَّةِ حِرْصِهِ عليه السلام عَلَى أَخْذِ مَا يُوحَى إِلَيْهِ عَنِ اللَّهِ عز وجل]

- ‌[تَتَابُعُ الْوَحْيِ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَوَّلِ مَنْ أَسْلَمَ]

- ‌[ذِكْرُ إِسْلَامِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ]

- ‌[ذِكْرُ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ إِسْلَامِ ضِمَادٍ]

- ‌[بَابُ أَمْرِ اللَّهِ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم بِإِبْلَاغِ الرِّسَالَةِ إِلَى الْخَاصِّ وَالْعَامِّ]

- ‌[قِصَّةُ الْإِرَاشِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ: مَا لَاقَاهُ الرَّسُولُ مِنْ أَذَى قُرَيْشٍ]

- ‌[فَصْلٌ: فِي تَأْلِيبِ الْمَلَأِ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ]

- ‌[فَصْلٌ: فِي مُبَالَغَتِهِمْ فِي الْأَذِيَّةِ لِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسْتَضْعَفِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا اعْتَرَضَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌[فَصْلٌ تَعْذِيبُ قُرَيْشٍ لِلْمُسْلِمِينَ لِاتِّبَاعِهِمُ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[بَابُ مُجَادَلَةِ الْمُشْرِكِينَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِقَامَتِهِ الْحُجَّةَ الدَّامِغَةَ عَلَيْهِمْ]

- ‌[بَابُ هِجْرَةِ مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا جَاءَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى النَّجَاشِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مُخَالَفَةِ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي نَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[ذِكْرُ عَزْمِ الصِّدِّيقِ عَلَى الْهِجْرَةِ إِلَى الْحَبَشَةِ]

- ‌[ذِكْرُ نَقْضِ الصَّحِيفَةِ]

- ‌[فَصْلٌ ذِكْرُ عَدَاوَةِ قُرَيْشٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌[قِصَّةُ أَعْشَى بْنِ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ]

- ‌[قِصَّةُ مُصَارَعَةِ رُكَانَةَ]

- ‌[فَصْلٌ دُعَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى قُرَيْشٍ حِينَ اسْتَعْصَتْ عَلَيْهِ]

- ‌[قِصَّةُ فَارِسَ وَالرُّومِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ]

- ‌[فَصْلُ تَعْلِيمِ جِبْرِيلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَيْفِيَّةَ الصَّلَاةِ وَأَوْقَاتَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْشِقَاقِ الْقَمَرِ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌[فَصْلٌ فِي وَفَاةِ أَبِي طَالِبٍ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي وَفَاةِ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ وَذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ فَضَائِلِهَا وَمَنَاقِبِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَزْوِيجِهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ خَدِيجَةَ رضي الله عنها بِعَائِشَةَ بِنْتِ الصِّدِّيقِ]

- ‌[فَصْلُ شِدَّةِ عَدَاوَةِ قُرَيْشٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ وَفَاةِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذَهَابِهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَهْلِ الطَّائِفِ]

- ‌[فَصْلُ ذِكْرِ سَمَاعِ الْجِنِّ لِقِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي عَرْضِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَفْسَهُ الْكَرِيمَةَ عَلَى أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قُدُومِ وُفُودِ الْأَنْصَارِ]

- ‌[إِسْلَامُ إِيَاسِ بْنِ مُعَاذٍ]

- ‌[بَابُ بَدْءِ إِسْلَامِ الْأَنْصَارِ رضي الله عنهم]

- ‌[قِصَّةُ بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا كَانَ مِنَ الْأَنْصَارِ بَعْدَ بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَسْمَاءِ مَنْ شَهِدَ بَيْعَةَ الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ]

- ‌[بَابُ بَدْءِ الْهِجْرَةِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ]

- ‌[فَصَلٌ فِي سَبَبِ هِجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ]

- ‌[بَابُ هِجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دُخُولِهِ عليه السلام الْمَدِينَةَ وَأَيْنَ اسْتَقَرَّ مَنْزِلُهُ بِهَا]

- ‌[فِيمَا نَالَتِ الْمَدِينَةُ مِنْ شَرَفٍ بَعْدَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[ذِكْرُ مَا وَقَعَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ مِنَ الْحَوَادِثِ وَالْوَقَائِعِ الْعَظِيمَةِ]

- ‌[ابْتِدَاءُ التَّارِيخِ الْإِسْلَامِيِّ مِنْ سَنَةِ الْهِجْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَوَّلِ دَارٍ نَزَلَ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إِسْلَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ]

- ‌[فَصْلُ أَوَّلِ جُمُعَةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمُسْلِمِينَ بِالْمَدِينَةِ]

- ‌[ذِكْرُ خُطْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بِنَاءِ مَسْجِدِهِ الشَّرِيفِ]

- ‌[تَنْبِيهٌ عَلَى فَضْلِ هَذَا الْمَسْجِدِ الشَّرِيفِ وَالْمَحَلِّ الْمُنِيفِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بِنَاءِ حُجَرٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَوْلَ الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا أَصَابَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ حُمَّى الْمَدِينَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عَقْدِهِ عليه السلام الْأُلْفَةَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُؤَاخَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوْتِ أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مِيلَادِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ]

- ‌[فَصْلٌ: وَبَنَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَائِشَةَ فِي شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي زِيَادَةِ صَلَاةِ الْحَضَرِ رَكْعَتَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَذَانِ وَمَشْرُوعِيَّتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي سَرِيَّةِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه]

- ‌[فَصْلٌ فِي سَرِيَّةِ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِوَاءً لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَوَّلِ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ]

الفصل: ‌[فصل في الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس]

[فَصْلٌ فِي الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ]

ِ، ثُمَّ عُرُوجِهِ مِنْ هُنَاكَ إِلَى السَّمَاوَاتِ، وَمَا رَأَى هُنَالِكَ مِنَ الْآيَاتِ

ذَكَرَ ابْنُ عَسَاكِرَ أَحَادِيثَ الْإِسْرَاءِ فِي أَوَائِلِ الْبَعْثَةِ، وَأَمَّا ابْنُ إِسْحَاقَ فَذَكَرَهَا فِي هَذَا الْمَوْطِنِ بَعْدَ الْبِعْثَةِ بِنَحْوٍ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ:«أُسَرِي بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ خُرُوجِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ بِسَنَةٍ.» قَالَ: وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ. ثُمَّ رَوَى عَنِ الْحَاكِمِ عَنِ الْأَصَمِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَسْبَاطِ بْنِ نَصْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ أَنَّهُ قَالَ: «فُرِضَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْخَمْسُ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ لَيْلَةَ أُسَرِيَ بِهِ، قَبْلَ مُهَاجَرِهِ بِسِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا.» فَعَلَى قَوْلِ السُّدِّيِّ يَكُونُ الْإِسْرَاءُ فِي شَهْرِ ذِي الْقِعْدَةِ، وَعَلَى

ص: 269

قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَعُرْوَةَ يَكُونُ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مِينَا عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَا: وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفِيلِ، يَوْمَ الِاثْنَيْنِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ بُعِثَ، وَفِيهِ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَفِيهِ هَاجَرَ وَفِيهِ مَاتَ. فِيهِ انْقِطَاعٌ. وَقَدِ اخْتَارَهُ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سُرُورٍ الْمَقْدِسِيُّ فِي " سِيرَتِهِ "، وَقَدْ أَوْرَدَ حَدِيثًا لَا يَصِحُّ سَنَدُهُ، ذَكَرْنَاهُ فِي " فَضَائِلِ شَهْرِ رَجَبٍ "، أَنَّ الْإِسْرَاءَ كَانَ لَيْلَةَ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الْإِسْرَاءَ كَانَ أَوَّلَ لَيْلَةِ جُمْعَةٍ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ، وَهِيَ لَيْلَةُ الرَّغَائِبِ الَّتِي أُحْدِثَتْ فِيهَا الصَّلَاةُ الْمَشْهُورَةُ، وَلَا أَصْلَ لِذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَنْشُدُ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ

لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ عُرِّجَ بِالنَّبِيِّ

لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَوَّلَ رَجَبِ

وَهَذَا الشِّعْرُ عَلَيْهِ رَكَاكَةٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ اسْتِشْهَادًا لِمَنْ يَقُولُ بِهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ مُسْتَقْصَاةً، عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1] فَلْتُكْتَبْ مِنْ هُنَاكَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَسَانِيدِ وَالْعَزْوِ وَالْكَلَامِ عَلَيْهَا، وَمَعَهَا، فَفِيهَا مَقْنَعٌ وَكِفَايَةٌ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

ص: 270

وَلْنَذْكُرْ مُلَخَّصَ كَلَامِ ابْنِ إِسْحَاقَ رحمه الله، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْفُصُولِ: ثُمَّ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ مِنْ إِيلِيَاءَ، وَقَدْ فَشَا الْإِسْلَامُ بِمَكَّةَ، فِي قُرَيْشٍ وَفِي الْقَبَائِلِ كُلِّهَا، قَالَ: وَكَانَ مِنَ الْحَدِيثِ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ مَسْرَاهُ صلى الله عليه وسلم عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَعَائِشَةَ، وَمُعَاوِيَةَ وَأُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهم وَالْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ وَابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا اجْتَمَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، كُلٌّ يُحَدِّثُ عَنْهُ بَعْضَ مَا ذُكِرَ لِي مِنْ أَمْرِهِ وَكَانَ فِي مَسْرَاهُ صلى الله عليه وسلم وَمَا ذُكِرَ لِي مِنْهُ بَلَاءٌ وَتَمْحِيصٌ، وَأَمْرٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، فِي قُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ، فِيهِ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، وَهُدًى وَرَحْمَةٌ وَثَبَاتٌ لِمَنْ آمَنَ وَصَدَّقَ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ عَلَى يَقِينٍ، فَأُسْرِيَ بِهِ كَيْفَ شَاءَ، وَكَمَا شَاءَ، لِيُرِيَهُ مِنْ آيَاتِهِ مَا أَرَادَ، حَتَّى عَايَنَ مَا عَايَنَ مِنْ أَمْرِهِ، وَسُلْطَانِهِ الْعَظِيمِ، وَقُدْرَتِهِ الَّتِي يَصْنَعُ بِهَا مَا يُرِيدُ، فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِيمَا بَلَغَنِي، يَقُولُ:«أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْبُرَاقِ، وَهِيَ الدَّابَّةُ الَّتِي كَانَتْ تُحْمَلُ عَلَيْهَا الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ، تَضَعُ حَافِرَهَا فِي مُنْتَهَى طَرْفِهَا، فَحُمِلَ عَلَيْهَا، ثُمَّ خَرَجَ بِهِ صَاحِبُهُ، يَرَى الْآيَاتِ فِيمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَوَجَدَ فِيهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى، فِي نَفَرٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، قَدْ جُمِعُوا لَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ، ثُمَّ أُتِيَ بِثَلَاثَةِ آنِيَةٍ ; مِنْ لَبَنٍ، وَخَمْرٍ، وَمَاءٍ. فَذَكَرَ أَنَّهُ شَرِبَ إِنَاءَ اللَّبَنِ، " فَقَالَ لِي جِبْرِيلُ: هُدِيتَ وَهُدِيَتْ أُمَّتُكَ ".»

ص: 271

وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي سِيَاقِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مُرْسَلًا. «، أَنَّ جِبْرِيلَ أَيْقَظَهُ، ثُمَّ خَرَجَ بِهِ إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَأَرْكَبَهُ الْبُرَاقَ، وَهُوَ " دَابَّةٌ أَبْيَضُ، بَيْنَ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، وَفِي فَخِذَيْهِ جَنَاحَانِ يَحْفِزُ بِهِمَا رِجْلَيْهِ، يَضَعُ حَافِرَهُ فِي مُنْتَهَى طَرْفِهِ، ثُمَّ حَمَلَنِي عَلَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ مَعِي لَا يَفُوتُنِي وَلَا أَفُوتُهُ ".»

قُلْتُ: وَفِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ عَنْ قَتَادَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ «، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَرَادَ رُكُوبَ الْبُرَاقِ، شَمَسَ بِهِ، فَوَضَعَ جِبْرِيلُ يَدَهُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا تَسْتَحِيَ يَا بُرَاقُ مِمَّا تَصْنَعُ! فَوَاللَّهِ مَا رَكِبَكَ عَبْدٌ لِلَّهِ قَبِلَ مُحَمَّدٍ أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ. قَالَ: فَاسْتَحَى حَتَّى ارْفَضَّ عَرَقًا، ثُمَّ قَرَّ حَتَّى رَكِبْتُهُ.» قَالَ الْحَسَنُ فِي حَدِيثِهِ: «فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَضَى مَعَهُ جِبْرِيلُ حَتَّى انْتَهَى بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَوَجَدَ فِيهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى، فِي نَفَرٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَأَمَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى بِهِمْ.» ثُمَّ ذَكَرَ اخْتِيَارَهُ إِنَاءَ اللَّبَنِ عَلَى إِنَاءِ الْخَمْرِ، وَقَوْلَ جِبْرِيلَ لَهُ: هُدِيتَ وَهُدِيَتْ أُمَّتُكَ، وَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْخَمْرُ. قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَكَّةَ فَأَصْبَحَ يُخْبِرُ قُرَيْشًا بِذَلِكَ، فَذَكَرَ أَنَّهُ كَذَّبَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ، وَارْتَدَّتْ طَائِفَةٌ بَعْدَ إِسْلَامِهَا،

ص: 272

وَبَادَرَ الصِّدِّيقُ إِلَى التَّصْدِيقِ وَقَالَ: إِنِّي لَأُصَدِّقُهُ فِي خَبَرِ السَّمَاءِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، أَفَلَا أُصَدِّقُهُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ! وَذَكَرَ أَنَّ الصِّدِّيقَ سَأَلَهُ عَنْ صِفَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَذَكَرَهَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَيَوْمَئِذٍ سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقَ. قَالَ الْحَسَنُ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا} [الإسراء: 60] الْآيَةَ.

وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِيمَا بَلَغَهُ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ، أَنَّهَا قَالَتْ: «مَا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا مِنْ بَيْتِي، نَامَ عِنْدِي تِلْكَ اللَّيْلَةَ بَعْدَ مَا صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ، فَلَمَّا كَانَ قُبَيْلَ الْفَجْرِ أَهَبَّنَا، فَلَمَّا صَلَّى الصُّبْحَ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، قَالَ:" يَا أُمَّ هَانِئٍ، لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَكُمُ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ فِي هَذَا الْوَادِي، ثُمَّ جِئْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَصَلَّيْتُ فِيهِ، ثُمَّ قَدْ صَلَّيْتُ الْغَدَاةَ مَعَكُمُ الْآنَ كَمَا تَرَيْنَ ". ثُمَّ قَامَ لِيَخْرُجَ فَأَخَذْتُ بِطَرَفِ رِدَائِهِ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَا تُحَدِّثْ بِهَذَا الْحَدِيثِ النَّاسَ، فَيُكَذِّبُوكَ وَيُؤْذُوكَ. قَالَ:" وَاللَّهِ لَأُحَدِّثَنَّهُمُوهُ ". فَأَخْبَرَهُمْ فَكَذَّبُوهُ، فَقَالَ: " وَآيَةُ ذَلِكَ، أَنِّي مَرَرْتُ بَعِيرِ بَنِي فُلَانٍ بِوَادِي كَذَا وَكَذَا، فَأَنْفَرَهُمْ حِسُّ الدَّابَّةِ، فَنَدَّ لَهُمْ بِعِيرٌ، فَدَلَلْتُهُمْ عَلَيْهِ وَأَنَا مُوَجَّهٌ إِلَى الشَّامِ، ثُمَّ أَقْبَلْتُ

ص: 273

حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِضَجْنَانَ مَرَرْتُ بَعِيرِ بَنِي فُلَانٍ، فَوَجَدْتُ الْقَوْمَ نِيَامًا، وَلَهُمْ إِنَاءٌ فِيهِ مَاءٌ، قَدْ غَطُّوا عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، فَكَشَفْتُ غِطَاءَهُ وَشَرِبْتُ مَا فِيهِ، ثُمَّ غَطَّيْتُ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ، وَآيَةُ ذَلِكَ، أَنَّ عِيرَهُمْ يَصُوبُ الْآنَ مِنْ ثَنِيَّةِ التَّنْعِيمِ الْبَيْضَاءِ، يَقَدَمُهَا جَمَلٌ أَوْرَقُ عَلَيْهِ غِرَارَتَانِ، إِحْدَاهُمَا سَوْدَاءُ وَالْأُخْرَى بَرْقَاءُ. قَالَتْ: فَابْتَدَرَ الْقَوْمُ الثَّنِيَّةَ، فَلَمْ يَلْقَهُمْ أَوَّلُ مِنَ الْجَمَلِ الَّذِي وَصَفَ لَهُمْ، وَسَأَلُوهُمْ عَنِ الْإِنَاءِ وَعَنِ الْبَعِيرِ فَأَخْبَرُوهُمْ، كَمَا ذَكَرَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ»

وَذَكَرَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَسْبَاطٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ أَنَّ الشَّمْسَ كَادَتْ أَنْ تَغْرُبَ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ ذَلِكَ الْعِيرُ، فَدَعَا اللَّهَ، عز وجل، فَحَبَسَهَا حَتَّى قَدِمُوا كَمَا وَصَفَ لَهُمْ. قَالَ: فَلَمْ تَحْتَبِسِ الشَّمْسُ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا عَلَيْهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَعَلَى يُوشَعَ بْنِ نُونٍ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَمَّا فَرَغْتُ مِمَّا كَانَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ أُتِيَ بِالْمِعْرَاجِ، وَلَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، وَهُوَ الَّذِي يَمُدُّ إِلَيْهِ مَيِّتُكُمْ عَيْنَيْهِ إِذَا حُضِرَ،

ص: 274

فَأَصْعَدَنِي فِيهِ صَاحِبِي، حَتَّى انْتَهَى بِي إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ السَّمَاءِ، يُقَالُ لَهُ: بَابُ الْحَفَظَةِ. عَلَيْهِ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُقَالُ لَهُ: إِسْمَاعِيلُ. تَحْتَ يَدِهِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَلَكٍ، تَحْتَ يَدَيْ كُلِّ مَلَكٍ مِنْهُمُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَلَكَ ". قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودُ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر: 31] » [الْمُدَّثِّرِ: 31] ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ، وَهُوَ مُطَوَّلٌ جِدًّا، وَقَدْ سُقْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ وَلَفْظِهِ بِكَمَالِهِ فِي " التَّفْسِيرِ " وَتَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ ; فَإِنَّهُ مِنْ غَرَائِبِ الْأَحَادِيثِ، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ، وَكَذَا فِي سِيَاقِ حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ ; فَإِنَّ الثَّابِتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، مِنْ رِوَايَةِ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الْإِسْرَاءَ كَانَ مِنَ الْمَسْجِدِ مِنْ عِنْدِ الْحِجْرِ. وَفِي سِيَاقِهِ غَرَابَةٌ أَيْضًا مِنْ وُجُوهٍ، قَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهَا هُنَاكَ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ: وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَجِيئَهُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ، فَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا شَيْءٌ، ثُمَّ جَاءَهُ الْمَلَائِكَةُ لَيْلَةً أُخْرَى وَلَمْ يَقُلْ فِي ذَلِكَ: وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ. بَلْ جَاءَهُ بَعْدَ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ، فَكَانَ الْإِسْرَاءُ قَطْعًا بَعْدَ

ص: 275

الْإِيحَاءِ ; إِمَّا بِقَلِيلٍ كَمَا زَعَمَهُ طَائِفَةٌ، أَوْ بِكَثِيرٍ نَحْوٍ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ، كَمَا زَعَمَهُ آخَرُونَ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَغُسِلَ صَدْرُهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ قَبْلَ الْإِسْرَاءِ غَسْلًا ثَانِيًا، أَوْ ثَالِثًا، عَلَى قَوْلٍ ; لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَالْحَضْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ. ثُمَّ رَكِبَ الْبُرَاقَ رِفْعَةً لَهُ وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا، فَلَمَّا جَاءَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ رَبَطَهُ بِالْحَلَقَةِ الَّتِي كَانَتْ تَرْبِطُ بِهَا الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ دَخَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَصَلَّى فِي قِبْلَتِهِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ. وَأَنْكَرَ حُذَيْفَةُ رضي الله عنه دُخُولَهُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَرَبْطَهُ الدَّابَّةَ وَصَلَاتَهُ فِيهِ. وَهَذَا غَرِيبٌ، وَالنَّصُّ الْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي اجْتِمَاعِهِ بِالْأَنْبِيَاءِ وَصَلَاتِهِ بِهِمْ ; أَكَانَ قَبْلَ عُرُوجِهِ إِلَى السَّمَاءِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ، أَوْ بَعْدَ نُزُولِهِ مِنْهَا. كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ بَعْضُ السِّيَاقَاتِ، وَهُوَ أَنْسَبُ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ عَلَى قَوْلَيْنِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقِيلَ: إِنَّ صَلَاتَهُ بِالْأَنْبِيَاءِ كَانَتْ فِي السَّمَاءِ. وَهَكَذَا تَخَيُّرُهُ مِنَ الْآنِيَةِ اللَّبَنِ وَالْخَمْرِ وَالْمَاءِ ; هَلْ كَانَتْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، كَمَا تَقَدَّمَ، أَوْ فِي السَّمَاءِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ.

وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَمْرِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ نُصِبَ لَهُ الْمِعْرَاجُ، وَهُوَ السُّلَّمُ، فَصَعِدَ فِيهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَلَمْ يَكُنِ الصُّعُودُ عَلَى الْبُرَاقِ، كَمَا قَدْ يَتَوَهَّمُهُ بَعْضُ النَّاسِ، بَلْ كَانَ الْبُرَاقُ مَرْبُوطًا عَلَى بَابِ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ; لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ إِلَى مَكَّةَ، فَصَعِدَ مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ فِي الْمِعْرَاجِ حَتَّى جَاوَزَ السَّابِعَةَ، وَكُلَّمَا جَاءَ سَمَاءً، تَلَقَّتْهُ مِنْهَا مُقَرَّبُوهَا، وَمَنْ فِيهَا مِنْ أَكَابِرِ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ،

ص: 276

وَذَكَرَ أَعْيَانَ مَنْ رَآهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ; كَآدَمَ فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَيَحْيَى وَعِيسَى فِي الثَّانِيَةِ، وَإِدْرِيسَ فِي الرَّابِعَةِ، وَمُوسَى فِي السَّادِسَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّابِعَةِ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ الَّذِي يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، يَتَعَبَّدُونَ فِيهِ صَلَاةً وَطَوَافًا، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ جَاوَزَ مَرَاتِبَهُمْ كُلَّهُمْ، حَتَّى ظَهَرَ لِمُسْتَوًى يَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الْأَقْلَامِ، وَرُفِعَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ، وَنَبْقُهَا كَقِلَالِ هَجَرَ، وَغَشِيَهَا عِنْدَ ذَلِكَ أُمُورٌ عَظِيمَةٌ ; أَلْوَانٌ مُتَعَدِّدَةٌ بَاهِرَةٌ، وَرَكِبَتْهَا الْمَلَائِكَةُ مِثْلَ الْغِرْبَانِ عَلَى الشَّجَرِ كَثْرَةً، وَفَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَغَشِيَهَا مِنْ نُورِ الرَّبِّ جل جلاله، وَرَأَى هُنَاكَ جِبْرِيلَ، عليه السلام، لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ مَا بَيْنَ كُلِّ جَنَاحَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى:{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم: 13]

[النَّجْمِ: 13 - 17] أَيْ: مَا زَاغَ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا، وَلَا ارْتَفَعَ عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي حُدَّ لَهُ النَّظَرُ إِلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الثَّبَاتُ الْعَظِيمُ، وَالْأَدَبُ الْكَرِيمُ، وَهَذِهِ الرُّؤْيَا الثَّانِيَةُ لِجِبْرِيلَ عليه السلام، عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا، كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو

ص: 277

ذَرٍّ وَعَائِشَةُ، رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ. وَالْأُولَى هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: 5]

[النَّجْمِ: 5 - 10] وَكَانَ ذَلِكَ بِالْأَبْطَحِ تَدَلَّى جِبْرِيلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، حَتَّى كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي " التَّفْسِيرِ " كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمْ رضي الله عنهم. فَأَمَّا قَوْلُ شَرِيكٍ عَنْ أَنَسٍ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ: ثُمَّ دَنَا الْجَبَّارُ رَبُّ الْعِزَّةِ فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى. فَقَدْ يَكُونُ مِنْ فَهْمِ الرَّاوِي فَأَقْحَمَهُ فِي الْحَدِيثِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا، فَلَيْسَ بِتَفْسِيرٍ لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، بَلْ هُوَ شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَفَرَضَ اللَّهُ سبحانه وتعالى، عَلَى عَبْدِهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى أُمَّتِهِ الصَّلَوَاتِ لَيْلَتَئِذٍ، خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَخْتَلِفُ بَيْنَ مُوسَى وَبَيْنَ رَبِّهِ عز وجل. حَتَّى وَضَعَهَا الرَّبُّ جل جلاله، وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، إِلَى خَمْسٍ. وَقَالَ:«هِيَ خَمْسٌ وَهِيَ خَمْسُونَ: الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ".» فَحَصَلَ لَهُ التَّكْلِيمُ مِنَ الرَّبِّ عز وجل لَيْلَتَئِذٍ، وَأَئِمَّةُ السُّنَّةِ كَالْمُطْبِقِينَ عَلَى هَذَا، وَاخْتَلَفُوا فِي الرُّؤْيَةِ ; فَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ

ص: 278

وَطَائِفَةٌ، وَأَطْلَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ الرُّؤْيَةَ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّقْيِيدِ. وَمِمَّنْ أَطْلَقَ الرُّؤْيَةَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنهما، وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِالرُّؤْيَةِ بِالْعَيْنَيْنِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَبَالَغَ فِيهِ، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ آخَرُونَ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى الرُّؤْيَةِ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ: الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ السُّهَيْلِيُّ عَنْهُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيُّ فِي " فَتَاوِيهِ ". وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ ; لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ "، «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ فَقَالَ:" نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ» " وَفِي رِوَايَةٍ: " «رَأَيْتُ نُورًا» ". قَالُوا: وَلَمْ يُمْكِنْ رُؤْيَةُ الْبَاقِي بِالْعَيْنِ الْفَانِيَةِ، وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمُوسَى فِيمَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ: يَا مُوسَى، إِنَّهُ لَا يَرَانِي حَيٌّ إِلَّا مَاتَ، وَلَا يَابِسٌ إِلَّا تَدَهْدَهَ. وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَشْهُورٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ هَبَطَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ هَبَطُوا مَعَهُ

ص: 279

تَكْرِيمًا لَهُ وَتَعْظِيمًا، عِنْدَ رُجُوعِهِ مِنَ الْحَضْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ الْعَظِيمَةِ، كَمَا هِيَ عَادَةُ الْوَافِدِينَ ; لَا يَجْتَمِعُونَ بِأَحَدٍ قَبْلَ الَّذِي طُلِبُوا إِلَيْهِ، وَلِهَذَا كَانَ كُلَّمَا مَرَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، يَقُولُ لَهُ جِبْرِيلُ عِنْدَ مَقْدَمِ ذَاكَ لِلسَّلَامِ عَلَيْهِ: هَذَا فُلَانٌ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَلَوْ كَانَ قَدِ اجْتَمَعَ بِهِمْ قَبْلَ صُعُودِهِ، لَمَا احْتَاجَ إِلَى تَعَرُّفٍ بِهِمْ مَرَّةً ثَانِيَةً، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، أَنَّهُ قَالَ:«فَلَمَّا حَانَتِ الصَّلَاةُ أَمَمْتُهُمْ ".» وَلَمْ يَحِنْ وَقْتٌ إِذْ ذَاكَ إِلَّا صَلَاةُ الْفَجْرِ فَتَقَدَّمَهُمْ إِمَامًا بِهِمْ عَنْ أَمْرِ جِبْرِيلَ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عز وجل فَاسْتَفَادَ بَعْضُهُمْ مِنْ هَذَا، أَنَّ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ يُقَدَّمُ فِي الْإِمَامَةِ عَلَى رَبِّ الْمَنْزِلِ ; حَيْثُ كَانَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ مَحَلَّتَهُمْ وَدَارَ إِقَامَتِهِمْ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ فَرَكِبَ الْبُرَاقَ، وَعَادَ إِلَى مَكَّةَ فَأَصْبَحَ بِهَا، وَهُوَ فِي غَايَةِ الثَّبَاتِ وَالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، وَقَدْ عَايَنَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأُمُورِ الَّتِي لَوْ رَآهَا أَوْ بَعْضَهَا غَيْرُهُ، لَأَصْبَحَ مُنْدَهِشًا أَوْ طَائِشَ الْعَقْلِ، وَلَكِنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَصْبَحَ وَاجِمًا، أَيْ سَاكِنًا، يَخْشَى إِنْ بَدَأَ فَأَخْبَرَ قَوْمَهُ بِمَا رَأَى، أَنْ يُبَادِرُوا إِلَى تَكْذِيبِهِ، فَتَلْطَّفَ بِإِخْبَارِهِمْ أَوَّلًا بِأَنَّهُ جَاءَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَذَلِكَ «أَنَّ أَبَا جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ، رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَهُوَ جَالِسٌ وَاجِمٌ، فَقَالَ لَهُ: هَلْ مِنْ خَبَرٍ؟ فَقَالَ: " نَعَمْ ". فَقَالَ: وَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: " إِنِّي أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ". قَالَ: إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ ! قَالَ: " نَعَمْ ". قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ دَعَوْتُ قَوْمَكَ لَكَ لِتُخْبِرَهُمْ، أَتُخْبِرُهُمْ بِمَا أَخْبَرْتَنِي بِهِ؟ قَالَ:" نَعَمْ ". فَأَرَادَ أَبُو جَهْلٍ جَمْعَ قُرَيْشٍ لِيَسْمَعُوا مِنْهُ ذَلِكَ، وَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَمْعَهُمْ لِيُخْبِرَهُمْ ذَلِكَ وَيُبَلِّغَهُمْ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَيَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ. فَاجْتَمَعُوا مِنْ أَنْدِيَتِهِمْ، فَقَالَ: أَخْبِرْ قَوْمَكَ بِمَا أَخْبَرْتَنِي بِهِ. فَقَصَّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَبَرَ مَا رَأَى،

ص: 280

وَأَنَّهُ جَاءَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ هَذِهِ اللَّيْلَةَ وَصَلَّى فِيهِ، فَمِنْ بَيْنِ مُصَفِّقٍ، وَبَيْنَ مُصَفِّرٍ، تَكْذِيبًا لَهُ وَاسْتِبْعَادًا لِخَبَرِهِ، وَطَارَ الْخَبَرُ بِمَكَّةَ، وَجَاءَ النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم يَقُولُ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: إِنَّكُمْ تَكْذِبُونَ عَلَيْهِ. فَقَالُوا: وَاللَّهِ إِنَّهُ لَيَقُولُهُ. فَقَالَ: إِنْ كَانَ قَالَهُ فَلَقَدْ صَدَقَ. ثُمَّ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحَوْلَهُ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ، فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَهُ، فَاسْتَعْلَمَهُ عَنْ صِفَاتِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ; لِيَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ وَيَعْلَمُوا صِدْقَهُ فِيمَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ.» وَفِي " الصَّحِيحِ " أَنَّ الْمُشْرِكِينَ هُمُ الَّذِينَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ. قَالَ:«فَجَعَلْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ، فَالْتَبَسَ عَلَيَّ بَعْضَ الشَّيْءِ، فَجَلَّى اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، حَتَّى جَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ دُونَ دَارِ عَقِيلٍ وَأَنْعَتُهُ لَهُمْ ".» فَقَالُوا: أَمَّا الصِّفَةُ فَقَدْ أَصَابَ.

وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إِخْبَارِهِ لَهُمْ بِمُرُورِهِ بِعِيرِهِمْ، وَمَا كَانَ مِنْ شُرْبِهِ مَاءَهُمْ. فَأَقَامَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةَ، وَاسْتَنَارَتْ لَهُمُ الْمَحَجَّةُ، فَآمَنَ مَنْ آمَنَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ رَبِّهِ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60] أَيِ ; اخْتِبَارًا لَهُمْ وَامْتِحَانًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، مِنْ أَنَّ الْإِسْرَاءَ كَانَ بِبَدَنِهِ وَرُوحِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ ظَاهِرُ السِّيَاقَاتِ مِنْ رُكُوبِهِ وَصُعُودِهِ فِي

ص: 281

الْمِعْرَاجِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ; وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: 1] وَالتَّسْبِيحُ إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْآيَاتِ الْعَظِيمَةِ الْخَارِقَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ بِالرُّوحِ وَالْجَسَدِ، وَالْعَبْدُ عِبَارَةٌ عَنْهُمَا، وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ مَنَامًا لَمَا بَادَرَ كَفَّارُ قُرَيْشٍ إِلَى التَّكْذِيبِ بِهِ وَالِاسْتِبْعَادِ لَهُ، إِذْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ كَبِيرُ أَمْرٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَخْبَرَهُمْ بِأَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ يَقَظَةً لَا مَنَامًا.

وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ شَرِيكٍ عَنْ أَنَسٍ: «ثُمَّ اسْتَيْقَظْتُ فَإِذَا أَنَا فِي الْحِجْرِ ".» مَعْدُودٌ فِي غَلَطَاتِ شَرِيكٍ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ يُسَمَّى يَقَظَةً، كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها، حِينَ ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الطَّائِفِ فَكَذَّبُوهُ. قَالَ «فَرَجَعْتُ مَهْمُومًا، فَلَمِ اسْتَفِقْ إِلَّا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ ".» وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَيْدٍ «حِينَ جَاءَ بِابْنِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيُحَنِّكَهُ، فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاشْتَغَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحَدِيثِ مَعَ النَّاسِ، فَرَفَعَ أَبُو أُسَيْدٍ ابْنَهُ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَجِدِ الصَّبِيَّ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالُوا: رُفِعَ. فَسَمَّاهُ الْمُنْذِرَ» وَهَذَا الْحَمْلُ أَحْسَنُ مِنَ التَّغْلِيطِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ حَكَى ابْنُ إِسْحَاقَ فَقَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ آلِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: «مَا فُقِدَ جَسَدُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَكِنَّ اللَّهَ أَسْرَى

ص: 282

بِرُوحِهِ» قَالَ: وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ مَسْرَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كَانَتْ رُؤْيَا مِنَ اللَّهِ صَادِقَةً.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا ; لِقَوْلِ الْحَسَنِ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60]، وَكَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام:{يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102] وَفِي الْحَدِيثِ: «تَنَامُ عَيْنِي وَقَلْبِي يَقْظَانُ»

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ قَدْ جَاءَهُ، وَعَايَنَ فِيهِ مَا عَايَنَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، عَلَى أَيِّ حَالَيْهِ كَانَ، نَائِمًا أَوْ يَقْظَانَ، كُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ وَصِدْقٌ.

قُلْتُ: وَقَدْ تَوَقَّفَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي ذَلِكَ، وَجَوَّزَ كُلًّا مِنَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ، وَلَكِنَّ الَّذِي لَا يُشَكُّ فِيهِ وَلَا يُتَمَارَى، أَنَّهُ كَانَ يَقْظَانَ لَا مَحَالَةَ ; لِمَا تَقَدَّمَ، وَلَيْسَ مُقْتَضَى كَلَامِ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ جَسَدَهُ صلى الله عليه وسلم مَا فُقِدَ، وَإِنَّمَا كَانَ الْإِسْرَاءُ بِرُوحِهِ، أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَنَامًا كَمَا فَهِمَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ بَلْ قَدْ يَكُونُ وَقَعَ الْإِسْرَاءُ بِرُوحِهِ حَقِيقَةً، وَهُوَ يَقْظَانُ لَا نَائِمٌ، وَرَكِبَ الْبُرَاقَ، وَجَاءَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَصَعِدَ السَّمَاوَاتِ، وَعَايَنَ مَا عَايَنَ، حَقِيقَةً

ص: 283

وَيَقَظَةً لَا مَنَامًا، لَعَلَّ هَذَا مُرَادُ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها، وَمُرَادُ مَنْ تَابَعَهَا عَلَى ذَلِكَ، لَا مَا فَهِمَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ مِنْ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِذَلِكَ الْمَنَامَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

تَنْبِيهٌ: وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ وُقُوعَ مَنَامٍ قَبْلَ الْإِسْرَاءِ، طِبْقَ مَا وَقَعَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ بَدْءِ الْوَحْيِ، أَنَّهُ رَأَى مِثْلَ مَا وَقَعَ لَهُ يَقَظَةً، مَنَامًا قَبْلَهُ، لِيَكُونَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْإِرْهَاصِ وَالتَّوْطِئَةِ وَالتَّثْبِيتِ وَالْإِينَاسِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ قَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ الْإِسْرَاءَ وَالْمِعْرَاجَ هَلْ كَانَا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ كُلٌّ فِي لَيْلَةٍ عَلَى حِدَةٍ؟ فَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الْإِسْرَاءَ فِي الْيَقَظَةِ، وَالْمِعْرَاجَ فِي الْمَنَامِ. وَقَدْ حَكَى الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ فِي " شَرْحِهِ الْبُخَارِيَّ " عَنْ طَائِفَةٍ، أَنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْإِسْرَاءَ مَرَّتَانِ، مَرَّةٌ بِرُوحِهِ مَنَامًا، وَمَرَّةٌ بِبَدَنِهِ وَرُوحِهِ يَقَظَةً. وَقَدْ حَكَاهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ الْفَقِيهِ الْمَالِكِيِّ. وَهَذَا الْقَوْلُ يَجْمَعُ الْأَحَادِيثَ ; فَإِنَّ فِي حَدِيثِ شَرِيكٍ عَنْ أَنَسٍ: وَذَلِكَ فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ، وَتَنَامُ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ:«ثُمَّ اسْتَيْقَظْتُ، فَإِذَا أَنَا فِي الْحِجْرِ» . وَهَذَا مَنَامٌ، وَدَلَّ غَيْرُهُ عَلَى الْيَقَظَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي تَعَدُّدَ الْإِسْرَاءِ فِي الْيَقَظَةِ أَيْضًا، حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهَا أَرْبَعُ إِسْرَاءَاتٍ. وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ بَعْضَهَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ. وَقَدْ حَاوَلَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ رحمه الله،

ص: 284

أَنْ يُوَفِّقَ بَيْنَ اخْتِلَافِ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَاتِ حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ بِالْجَمْعِ بِالتَّعَدُّدِ، فَجَعَلَ ثَلَاثَ إِسْرَاءَاتٍ، مَرَّةً مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَطْ عَلَى الْبُرَاقِ، وَمَرَّةً مِنْ مَكَّةَ إِلَى السَّمَاوَاتِ عَلَى الْبُرَاقِ أَيْضًا، لِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَمَرَّةً مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ إِلَى السَّمَاوَاتِ.

فَنَقُولُ: إِنْ كَانَ إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِهَذِهِ الثَّلَاثِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ لَفْظُ الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ صِفَاتٍ، وَمَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَى ذَلِكَ، فَلْيَنْظُرْ فِيمَا جَمَعْنَاهُ مُسْتَقْصًى فِي كِتَابِنَا " التَّفْسِيرِ " عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} [الإسراء: 1] ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا حَمَلَهُ، أَنَّ التَّقْسِيمَ انْحَصَرَ فِي ثَلَاثِ صِفَاتٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَإِلَى السَّمَاوَاتِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنَ الْحَصْرِ الْعَقْلِيِّ الْوُقُوعُ كَذَلِكَ فِي الْخَارِجِ إِلَّا بِدَلِيلٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالْعَجَبُ أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيَّ رحمه الله، ذَكَرَ الْإِسْرَاءَ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَوْتَ أَبِي طَالِبٍ فَوَافَقَ ابْنَ إِسْحَاقَ فِي ذِكْرِهِ الْمِعْرَاجَ فِي أَوَاخِرِ الْأَمْرِ، وَخَالَفَهُ فِي ذِكْرِهِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ إِسْحَاقَ أَخَّرَ ذِكْرَ مَوْتِ أَبِي طَالِبٍ عَلَى الْإِسْرَاءِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ.

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ فَرَّقَ بَيْنَ الْإِسْرَاءِ وَبَيْنَ الْمِعْرَاجِ، فَبَوَّبَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَابًا عَلَى حِدَةٍ، فَقَالَ: بَابُ حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ وَقَوْلِ اللَّهِ سبحانه وتعالى:

ص: 285

{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} [الإسراء: 1] حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ، كُنْتُ فِي الْحِجْرِ، فَجَلَّى اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ ".» وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ بِهِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِهِ.

ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: بَابُ حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا فِي الْحَطِيمِ وَرُبَّمَا قَالَ: فِي الْحِجْرِ مُضْطَجِعًا إِذْ أَتَانِي آتٍ فَقَدَّ قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: فَشَقَّ مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ ". فَقُلْتُ لِلْجَارُودِ وَهُوَ إِلَى جَنْبِي مَا يَعْنِي بِهِ؟ قَالَ: مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ. وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مِنْ قَصِّهِ

ص: 286

إِلَى شِعْرَتِهِ. " فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ إِيمَانًا، فَغُسِلَ قَلْبِي، ثُمَّ حُشِيَ، ثُمَّ أُعِيدَ، ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ الْبَغْلِ، وَفَوْقَ الْحِمَارِ أَبْيَضَ ". فَقَالَ لَهُ الْجَارُودُ: وَهُوَ الْبُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ؟ قَالَ أَنَسٌ: نَعَمْ. يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ، فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا فِيهَا آدَمُ. فَقَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ:" مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ " ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، إِذَا يَحْيَى وَعِيسَى، وَهُمَا ابْنَا خَالَةٍ، قَالَ: هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا. فَسَلَّمْتُ فَرَدَّا، ثُمَّ قَالَا: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَفَتَحَ فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يُوسُفُ، قَالَ: هَذَا يُوسُفُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قَالَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا إِدْرِيسُ قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ

ص: 287

الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا هَارُونُ، قَالَ: هَذَا هَارُونُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ، فَاسْتَفْتَحَ فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا مُوسَى، قَالَ: هَذَا مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ بَكَى، فَقِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أَبْكِي ; لِأَنَّ غُلَامًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي. ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: هَذَا أَبُوكَ إِبْرَاهِيمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ رُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، فَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ، وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ، قَالَ: هَذِهِ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، وَنَهْرَانِ بَاطِنَانِ. فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ. ثُمَّ رُفِعَ لِيَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ، فَأَخَذْتُ

ص: 288

اللَّبَنَ، فَقَالَ: هِيَ الْفِطْرَةُ الَّتِي أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ. ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قَالَ: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ. فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ. فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ فَقُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ. قَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنْ أَرْضَى وَأُسَلِّمُ. قَالَ: فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَانِي مُنَادٍ: أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي ".» هَكَذَا رَوَى الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ هَاهُنَا، وَقَدْ رَوَاهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْ " صَحِيحِهِ " وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَمِنْ طُرُقٍ

ص: 289

كَثِيرَةٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ مُسْتَقْصًى بِطُرُقِهِ وَأَلْفَاظِهِ فِي التَّفْسِيرِ. وَلَمْ يَقَعْ فِي هَذَا السِّيَاقِ ذِكْرُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَكَانَ بَعْضُ الرُّوَاةِ يَحْذِفُ بَعْضَ الْخَبَرِ لِلْعِلْمِ بِهِ، أَوْ يَنْسَاهُ أَوْ يَذْكُرُ مَا هُوَ الْأَهَمُّ عِنْدَهُ، أَوْ يَبْسُطُ تَارَةً فَيَسُوقُهُ كُلَّهُ، وَتَارَةً يُحَدِّثُ مُخَاطِبَهُ بِمَا هُوَ الْأَنْفَعُ لَهُ. وَمَنْ جَعَلَ كُلَّ رِوَايَةٍ إِسْرَاءً عَلَى حِدَةٍ - كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ بَعْضِهِمْ - فَقَدْ أَبْعَدَ جِدًّا ; وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ السِّيَاقَاتِ فِيهَا السَّلَامُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَفِي كُلٍّ مِنْهَا تَعْرِيفُهُ بِهِمْ. وَفِي كُلِّهَا يُفْرَضُ عَلَيْهِ الصَّلَوَاتُ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يُدَّعَى تَعَدُّدُ ذَلِكَ؟ هَذَا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ وَالِاسْتِحَالَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60] قَالَ: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ، أُرِيَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسَرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} [الإسراء: 60] قَالَ: هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ.

ص: 290