الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَى اللَّهِ مُسْتَمْسِكًا بِمِنْهَاجِ إِلْيَاسَ وَشَرِيعَتِهِ حَتَّى قبضه الله عزوجل إليه ثم خلف فيهم الخلوء؟ ؟ وَعَظُمَتْ فِيهِمُ الْأَحْدَاثُ وَالْخَطَايَا وَكَثُرَتِ الْجَبَابِرَةُ وَقَتَلُوا الأنبياء وكان فيهم ملك عَنِيدٌ طَاغٍ.
وَيُقَالُ إِنَّهُ الَّذِي تَكَفَّلَ لَهُ ذو الكفل إن هو تاب ورجع دَخَلَ الْجَنَّةَ فَسُمِّى ذَا الْكِفْلِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ هُوَ الْيَسَعُ بْنُ أَخْطُوبَ.
وَقَالَ الحافظ أبو القسم بْنُ عَسَاكِرَ فِي حَرْفِ الْيَاءِ مِنْ تَارِيخِهِ: الْيَسَعُ وَهُوَ الْأَسْبَاطُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ شُوتَلْمَ بْنِ أَفْرَاثِيمَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ.
وَيُقَالُ هُوَ ابْنُ عَمِّ إِلْيَاسَ النَّبِيِّ عليهما السلام.
وَيُقَالُ كَانَ مُسْتَخْفِيًا مَعَهُ بِجَبَلِ قَاسِيُونَ مِنْ مَلِكِ بَعْلَبَكَّ ثُمَّ ذَهَبَ مَعَهُ إِلَيْهَا فَلَمَّا رُفِعَ إِلْيَاسُ خَلَفَهُ الْيَسَعُ فَى قَوْمِهِ وَنَبَّأَهُ اللَّهُ بَعْدَهُ.
ذكر ذلك عبد المنعم بن إدريس عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ.
قَالَ وقال غيره وكان بِبَانْيَاسَ.
ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ عَسَاكِرَ قِرَاءَةَ مَنْ قرأ اليسع بالتخفيف وبالتشديد ومن قرأ والليسع وَهُوَ اسْمٌ وَاحِدٌ لِنَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ.
قُلْتُ قد قدمنا قصة ذا الْكِفْلِ بَعْدَ قِصَّةِ أَيُّوبَ عليهما السلام لِأَنَّهُ قَدْ قِيلَ إِنَّهُ ابْنُ أَيُّوبَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ (1) وَغَيْرُهُ ثُمَّ مَرَجَ أمر بني إسرائيل وعظمت منهم الخطوب وَالْخَطَايَا وَقَتَلُوا مَنْ قَتَلُوا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بَدَلَ الْأَنْبِيَاءِ مُلُوكًا جَبَّارِينَ يَظْلِمُونَهُمْ وَيَسْفِكُونَ دِمَاءَهُمْ وَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْأَعْدَاءَ مِنْ غَيْرِهِمْ أَيْضًا وَكَانُوا إِذَا قَاتَلُوا أَحَدًا مِنَ الْأَعْدَاءِ يَكُونُ مَعَهُمْ تَابُوتُ الْمِيثَاقِ الَّذِي كَانَ فِي قُبَّةِ الزَّمَانِ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَكَانُوا يُنْصَرُونَ بِبَرَكَتِهِ وَبِمَا جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ مِنَ السِّكِّينَةِ وَالْبَقِيَّةِ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ حُرُوبِهِمْ مَعَ أهل غزة وعسقلان غلبوهم وَقَهَرُوهُمْ عَلَى أَخْذِهِ فَانْتَزَعُوهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ فَلَمَّا عَلِمَ بِذَلِكَ مَلِكُ بَنِي إسْرائِيلَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مَالَتْ عُنُقُهُ فَمَاتَ
كَمَدًا وَبَقِيَ بَنُو إِسْرَائِيلَ كَالْغَنَمِ بِلَا راعٍ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ فِيهِمْ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يُقَالُ لَهُ شَمْوِيلُ فَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يُقِيمَ لَهُمْ مَلِكًا لِيُقَاتِلُوا مَعَهُ الْأَعْدَاءَ فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا سَنَذْكُرُهُ مِمَّا قصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ.
قَالَ ابْنُ جرير فكان من وَفَاةِ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ إِلَى أَنَّ بَعْثَ الله عزوجل شَمْوِيلَ بْنَ بَالَى أَرْبَعُمِائَةِ سَنَةٍ وَسِتُّونَ سَنَةً.
ثُمَّ ذَكَرَ تَفْصِيلَهَا بِمُدَدِ الْمُلُوكِ الَّذِينَ مُلِّكُوا عَلَيْهِمْ وَسَمَّاهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا تَرَكْنَا ذِكْرَهُمْ قَصْدًا.
قصة شمويل عليه السلام
وفيها بدأ أمر داود عليه السلام هو شمويل ويقال له أَشْمَوِيلُ بْنُ بَالَى بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ يَرْخَامَ بْنِ أَلْيَهْوَ بْنِ تَهْوِ بْنِ صُوفَ بْنِ
(1) تاريخ الطبري 1 / 243 روى الخبر مطولا.
[*]
عَلْقَمَةَ بْنِ مَاحِثَ بْنِ عَمُوصَا بْنِ عِزْرِيَا.
قال مقاتل وهو من ورثة هَارُونَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ هُوَ أَشْمَوِيلُ بْنُ هَلْفَاقَا (1) وَلَمْ يَرْفَعْ فِي نَسَبِهِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَكَى السُّدِّيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأُنَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالثَّعْلَبِيِّ وَغَيْرِهِمْ أنَّه لمَّا غَلَبَتِ الْعَمَالِقَةُ مِنْ أَرْضِ غَزَّةَ وَعَسْقَلَانَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَتَلُوا مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا وَسَبَوْا مِنْ أَبْنَائِهِمْ جَمْعًا كَثِيرًا وَانْقَطَعَتِ النُّبُوَّةُ مِنْ سِبْطِ لَاوِي وَلَمْ يَبْقَ فِيهِمْ إِلَّا امْرَأَةٌ حُبْلَى فَجَعَلَتْ تَدْعُو اللَّهَ عز وجل أَنْ يَرْزُقَهَا وَلَدًا ذَكَرًا فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَسَمَّتْهُ أَشْمَوِيلَ وَمَعْنَاهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ (2) إِسْمَاعِيلُ أَيْ سَمْعِ اللَّهُ دُعَائِي فَلَمَّا تَرَعْرَعَ بَعَثَتْهُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَأَسْلَمَتْهُ عِنْدَ رَجُلٍ صَالِحٍ فِيهِ يَكُونُ عِنْدَهُ لِيَتَعَلَّمَ مِنْ خَيْرِهِ وَعِبَادَتِهِ فَكَانَ عِنْدَهُ فَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ بَيْنَمَا هُوَ ذَاتَ لَيْلَةٍ نَائِمٌ إِذَا صَوْتٌ يَأْتِيهِ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَانْتَبَهَ مَذْعُورًا، فَظَنَّهُ الشَّيْخُ يَدْعُوهُ فَسَأَلَهُ: أَدَعَوْتَنِي؟ فَكَرِهَ أَنْ يُفْزِعَهُ فَقَالَ: نَعَمْ.
نَمْ، فَنَامَ.
ثُمَّ نَادَاهُ الثَّانِيَةَ فَكَذَلِكَ، ثُمَّ الثَّالِثَةَ فَإِذَا جِبْرِيلُ يَدْعُوهُ فَجَاءَهُ فَقَالَ إنَّ ربَّك قَدْ بَعَثَكَ إِلَى قَوْمِكَ فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَعَهُمْ مَا قصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَأِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ.
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ.
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.
فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أنهم ملاقوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ.
وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [البقرة: 246 - 251) .
قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: كَانَ نَبِيُّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْمَذْكُورِينَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ هُوَ شَمْوِيلَ.
وَقِيلَ شَمْعُونُ وَقِيلَ هُمَا وَاحِدٌ وَقِيلَ يُوشَعُ وَهَذَا بَعِيدٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ فِي تَارِيخِهِ أن بين
(1) وقال المسعودي في مروج الذهب: شمويل بن بروحان بن ناحور.
(2)
قال ابن قتيبة في المعارف: ص 20 اشماويل بن هلقانا وهو اسماعيل بالعربية واسم أمه حنة لم يكن بينه وبين يوشع بن نون نبي وهو الذي ذكره الله عزوجل في القرآن حين قال: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا) .
[*]
مَوْتِ يُوشَعَ وَبَعْثَةِ شَمْوِيلَ أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ وَسِتِّينَ سَنَةً فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لَمَّا أَنْهَكَتْهُمُ الْحُرُوبُ وَقَهْرَهُمُ الْأَعْدَاءُ سَأَلُوا نَبِيَّ اللَّهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يُنَصِّبَ لَهُمْ مَلِكًا يَكُونُونَ تَحْتَ طَاعَتِهِ لِيُقَاتِلُوا مِنْ وَرَائِهِ وَمَعَهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ الْأَعْدَاءَ.
فَقَالَ لَهُمْ: (هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سبيل الله)[البقرة: 246] أي وأي شي يَمْنَعُنَا مِنَ الْقِتَالِ (وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا) يَقُولُونَ نَحْنُ مَحْرُوبُونَ مَوْتُورُونَ، فَحَقِيقٌ لَنَا أَنْ نقاتل عن أبنائنا المنهورين الْمُسْتَضْعَفِينَ فِيهِمْ الْمَأْسُورِينَ فِي قَبْضَتِهِمْ.
قَالَ تَعَالَى: (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)[البقرة: 246] كَمَا ذَكَرَ فِي آخِرِ الْقِصَّةِ أَنَّهُ لَمْ يُجَاوِزِ النَّهْرَ مَعَ الْمَلِكِ إِلَّا الْقَلِيلُ وَالْبَاقُونَ رَجَعُوا وَنَكَلُوا عَنِ الْقِتَالِ (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً) قال الثعلبي وهو طالوت بن قيش بن أفيل بن صارو بن تحورت بْنِ أَفِيحَ بْنِ أَنِيسَ بْنِ بِنْيَامِينَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ (1) .
قَالَ عكرمة والسدي كان سقاءاً وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ كَانَ دَبَّاغًا.
وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (2) فَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلِهَذَا: (قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ) وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ النُّبُوَّةَ كَانَتْ فِي سِبْطِ لَاوِي وَأَنَّ الْمُلْكَ كَانَ فِي سِبْطِ يَهُوذَا فَلَمَّا كَانَ هَذَا مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ نَفَرُوا مِنْهُ وَطَعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا نَحْنُ أحق بالملك منه و [قد](3) ذكروا أَنَّهُ فَقِيرٌ لَا سِعَةَ مِنَ الْمَالِ مَعَهُ، فَكَيْفَ يَكُونُ مِثْلُ هَذَا مَلِكًا؟ (قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) .
قِيلَ كَانَ اللَّهُ قَدْ أَوْحَى إِلَى شَمْوِيلَ أَنَّ أَيَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ طُولُهُ عَلَى طُولِ هَذِهِ الْعَصَا وَإِذَا حَضَرَ عِنْدَكَ يَفُورُ هَذَا الْقَرْنُ (4) الَّذِي فِيهِ مِنْ دُهْنِ الْقُدْسِ فَهُوَ مِلْكُهُمْ فَجَعَلُوا يَدْخُلُونَ وَيَقِيسُونَ أَنْفُسَهُمْ بِتِلْكَ الْعَصَا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى طُولِهَا سِوَى طَالُوتَ وَلَمَّا حَضَرَ عِنْدَ شَمْوِيلَ فَارَ ذلك القرن فدهنه منه وعينه للملك (5) عَلَيْهِمْ وَقَالَ لَهُمْ: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً في العلم) قِيلَ فِي أَمْرِ الْحُرُوبِ وَقِيلَ بَلْ مُطْلَقًا (وَالْجِسْمِ) قِيلَ الطُّولُ وَقِيلَ الْجَمَالُ وَالظَّاهِرُ مِنَ
(1) في مروج الذهب 1 / 51: طالوت وهو ساود بن بشر بن أنيال بن طرون بن بحرون بن أفيح بن سميداح بن فالح بْنِ بِنْيَامِينَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إبراهيم عليهم السلام.
وفي كامل ابن الأثير: وهو بالسريانية: شاول بن قيس بن انمار بن ضرار بن يحرف بن يفتح بن ايش بن بنيامين بن يعقوب بن إسحاق.
(2)
جاء في القرطبي - أحكام القرآن: وقيل كان مكاريا.
وكان عالما.
(3)
سقطت قد - من نسخ البداية المطبوعة.
(4)
القرن: بالتحريك: الجعبة من جلود تكون مشقوقة ثم تخرز.
(5)
في نسخة: الملك.
[*]
السِّيَاقِ أَنَّهُ كَانَ أَجْمَلَهُمْ وَأَعْلَمَهُمْ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ عليه السلام: (وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ) فَلَهُ الْحُكْمُ وَلَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ (وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) .
(وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[البقرة: 248] وَهَذَا أَيْضًا مِنْ بَرَكَةِ وِلَايَةِ هَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ عَلَيْهِمْ وَيُمْنِهِ عَلَيْهِمْ أَنْ يَرُدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمُ التَّابُوتَ الَّذِي كَانَ سُلِبَ مِنْهُمْ وَقَهْرَهُمُ الْأَعْدَاءُ عَلَيْهِ وَقَدْ كَانُوا يُنْصَرُونَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ بِسَبَبِهِ (فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) قيل طشت مِنْ ذَهَبٍ كَانَ يُغْسَلُ فِيهِ صُدُورُ الْأَنْبِيَاءِ.
وَقِيلَ السِّكِّينَةُ مِثْلُ الرِّيحِ الْخَجُوجِ، وَقِيلَ صُورَتُهَا مِثْلُ الْهِرَّةِ إِذَا صَرَخَتْ فِي حَالِ الْحَرْبِ أَيْقَنَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالنَّصْرِ (1) (وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ) قيل كان فيه رضاض (2) الالواح وشئ من المن الذي كان نزل عليهم بالتيه (تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ) أَيْ تَأْتِيكُمْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ يَحْمِلُونَهُ وَأَنْتُمْ تَرَوْنَ ذَلِكَ عِيَانًا لِيَكُونَ آيَةً لِلَّهِ عَلَيْكُمْ وَحُجَّةً بَاهِرَةً عَلَى صِدْقِ مَا أَقُولُهُ لَكُمْ وَعَلَى صِحَّةِ وِلَايَةِ هَذَا الْمَلِكِ الصَّالِحِ عَلَيْكُمْ وَلِهَذَا قَالَ:(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) وَقِيلَ إِنَّهُ لَمَّا غَلَبَ الْعَمَالِقَةُ عَلَى هَذَا التَّابُوتِ وَكَانَ فِيهِ مَا ذُكِرَ مِنَ السِّكِّينَةِ وَالْبَقِيَّةِ الْمُبَارَكَةِ.
وَقِيلَ كَانَ فِيهِ التَّوْرَاةُ أَيْضًا فَلَمَّا اسْتَقَرَّ فِي أَيْدِيهِمْ وَضَعُوهُ تَحْتَ صَنَمٍ لَهُمْ بِأَرْضِهِمْ فَلَمَّا أَصْبَحُوا إِذَا التَّابُوتُ عَلَى رَأْسِ الصَّنَمِ فَوَضَعُوهُ تَحْتَهُ فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي إِذَا التَّابُوتُ فَوْقَ الصَّنَمِ فَلَمَّا تَكَرَّرَ هَذَا عَلِمُوا أَنَّ هَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَخْرَجُوهُ مِنْ بَلَدِهِمْ وَجَعَلُوهُ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَاهُمْ فَأَخَذَهُمْ دَاءٌ فِي رِقَابِهِمْ، فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِمْ هَذَا جَعَلُوهُ فِي عَجَلَةٍ وَرَبَطُوهَا فِي بَقَرَتَيْنِ وَأَرْسَلُوهُمَا فَيُقَالُ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ سَاقَتْهُمَا حتى جاؤوا بِهِمَا مَلَأَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ كَمَا أَخْبَرَهُمْ نَبِيُّهُمْ بِذَلِكَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ
عَلَى أَيِّ صِفَةٍ جَاءَتْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ كانت تحمله بأنفسهم كما هو المفهوم بالجنود مِنَ الْآيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ قَدْ ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَوْ أَكْثَرُهُمْ (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ)[البقرة: 249] .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: هَذَا النَّهْرُ هُوَ نَهْرُ الْأُرْدُنِّ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالشَّرِيعَةِ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِ طَالُوتَ بِجُنُودِهِ عِنْدَ هَذَا النَّهْرِ عَنْ أَمْرِ نَبِيِّ اللَّهِ لَهُ عَنْ أمر الله له اختباراً وامتحاناً أن
(1) قال القرطبي: 3 / 249: قال ابن عطية: والصحيح أن التابوت كانت فيه أشياء فاضلة من بقايا الانبياء وآثارهم، فكانت النفوس تسكن إلى ذلك وتأنس به وتقوى.
(2)
رضاض الشئ فتاته.
وفي بقية: أقوال: - قال ابن عباس: عصا موسى وعصا هارون ورضاض الالواح.
- قال الثوري: قفيز من في طست من ذهب وعصا موسى وعمامة هارون.
- الضحاك: البقية: الجهاد وقتال الاعداء.
[*]
من شرب من هذا النهر فَلَا يَصْحَبُنِي فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ وَلَا يَصْحَبُنِي إِلَّا مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ إِلَّا غُرْفَةً (1) فِي يَدِهِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) .
قَالَ السُّدِّيُّ كَانَ الْجَيْشُ ثَمَانِينَ أَلْفًا فَشَرِبَ منه ستة وسبعون ألفاً فبقي معه أَرْبَعَةُ آلَافٍ كَذَا قَالَ.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ وَزُهَيْرٍ وَالثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كُنَّا أَصْحَابَ محمَّد صلى الله عليه وسلم نَتَحَدَّثُ أَنَّ عِدَّةَ أَصْحَابِ بَدْرٍ عَلَى عِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَاوَزُوا مَعَهُ النَّهْرَ ولم يجاوز معه إلا بضعة عشر وثلثمائة مُؤْمِنٍ (2) .
وَقَوْلُ السُّدِّيِّ أَنَّ عِدَّةَ الْجَيْشِ كَانُوا ثَمَانِينَ أَلْفًا فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ أَرْضَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَا تَحْتَمِلُ أَنْ يَجْتَمِعَ فِيهَا جَيْشُ مُقَاتِلَةٍ يَبْلُغُونَ ثَمَانِينَ أَلْفًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ)[البقرة: 249] أَيِ اسْتَقَلُّوا أَنْفُسَهُمْ وَاسْتَضْعَفُوهَا عَنْ مُقَاوَمَةِ
أَعْدَائِهِمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى قِلَّتِهِمْ وَكَثْرَةِ عَدَدِ عدوهم: (قَالَ الَّذِينَ يظنون أنهم ملاقوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)[البقرة: 249] يعني بها الفرسان مِنْهُمْ.
وَالْفُرْسَانُ أَهْلُ الْإِيمَانِ وَالْإِيقَانِ الصَّابِرُونَ عَلَى الْجِلَادِ وَالْجِدَالِ وَالطِّعَانِ.
(وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)[البقرة: 250] طَلَبُوا مِنَ اللَّهِ إِنْ يُفْرِغَ عَلَيْهِمُ الصَّبْرَ أَيْ يَغْمُرَهُمْ بِهِ مِنْ فَوْقِهِمْ فَتَسْتَقِرَّ قُلُوبُهُمْ وَلَا تَقْلَقَ وَأَنْ يُثَبِّتَ أَقْدَامَهُمْ فِي مَجَالِ الْحَرْبِ وَمُعْتَرَكِ الْأَبْطَالِ وَحَوْمَةِ الْوَغَى وَالدُّعَاءِ إِلَى النِّزَالِ فَسَأَلُوا التَّثَبُّتَ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ وَأَنْ يُنْزِلَ عَلَيْهِمُ النَّصْرَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ وَأَعْدَائِهِ مِنَ الْكَافِرِينَ الْجَاحِدِينَ بِآيَاتِهِ وَآلَائِهِ فَأَجَابَهُمُ الْعَظِيمُ الْقَدِيرُ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ إِلَى مَا سَأَلُوا وَأَنَالَهُمْ مَا إِلَيْهِ فِيهِ رَغِبُوا وَلِهَذَا قَالَ: (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ) أَيْ بِحَوْلِ اللَّهِ لَا بِحَوْلِهِمْ وَبِقُوَّةِ اللَّهِ وَنَصْرِهِ لَا بِقُوَّتِهِمْ وَعَدَدِهِمْ مَعَ كَثْرَةِ أَعْدَائِهِمْ وَكَمَالِ عَدَدِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[آل عمران: 133] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ)[البقرة: 251] فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى شَجَاعَةِ دَاوُدَ عليه السلام وَأَنَّهُ قَتَلَهُ قَتْلًا أَذَلَّ (3) بِهِ جنده وكسره وَلَا أَعْظَمَ مِنْ غَزْوَةٍ يَقْتُلُ فِيهَا مَلِكٌ عَدُوَّهُ فَيَغْنَمُ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْأَمْوَالَ الْجَزِيلَةَ وَيَأْسِرُ الْأَبْطَالَ وَالشُّجْعَانَ وَالْأَقْرَانَ وَتَعْلُو كَلِمَةُ الْإِيمَانِ عَلَى الْأَوْثَانِ وَيُدَالُ لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ عَلَى أَعْدَائِهِ.
وَيَظْهَرُ
(1) بين أن الغرفة كافة ضرر العطش عند الحزمة الصابرين على شظف العيش الذين همهم في غير الرفاهية ; والمغترف بيده غرفة: الآخذ منها قدر الحاجة وقال بعض المفسرين الغرفة بالكف الواحد، والغرفة: بالكفين.
(2)
قال الطبري 1 / 243: عبر معه منهم أربعة آلاف ورجع ستة وسبعون ألفاً ولما نظروا إلى جالوت رجع عنه أيضا ثلاثة آلاف وستمائة وبضعة وثمانون وخلص في ثلثمائة وتسعة عشر عدة أهل بدر - وفي رواية وثلاثة عشر - وما جاز معه إلا مؤمن.
(3)
قال القرطبي: كان داود رجلا قصيرا مسقاما مصفارا أصغر أزرق، وكان جالوت من أشد الناس وأقواهم وكان يهزم الجيوش وحده.
[*]
الدِّينُ الْحَقُّ عَلَى الْبَاطِلِ وَأَوْلِيَائِهِ.
وَقَدْ ذَكَرَ السُّدِّيُّ فِيمَا يَرْوِيهِ إنَّ دَاوُدَ عليه السلام كَانَ أَصْغَرَ أَوْلَادِ أَبِيهِ وَكَانُوا ثَلَاثَةَ عَشَرَ ذَكَرًا كَانَ سَمِعَ طَالُوتُ مَلِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُوَ يُحَرِّضُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى قَتْلِ جَالُوتَ وَجُنُودِهِ وَهُوَ يَقُولُ مَنْ قَتَلَ جَالُوتَ زَوَّجْتُهُ بِابْنَتِي وَأَشْرَكْتُهُ فِي مُلْكِي وَكَانَ دَاوُدُ عليه السلام يَرْمِي بِالْقَذَّافَةِ وَهُوَ الْمِقْلَاعُ رَمْيًا عَظِيمًا فينا هُوَ سَائِرٌ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ نَادَاهُ حَجَرٌ: أَنْ خُذْنِي فَإِنَّ بِي تَقْتُلُ جَالُوتَ فَأَخَذَهُ ثُمَّ حَجَرٌ آخَرُ كَذَلِكَ، ثُمَّ آخَرُ كَذَلِكَ، فَأَخَذَ الثَّلَاثَةَ فِي مِخْلَاتِهِ فلمَّا تَوَاجَهَ الصفَّان بَرَزَ جَالُوتُ وَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ دَاوُدُ فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ فَإِنِّي أَكْرَهُ قَتْلَكَ، فَقَالَ: لَكِنِّي أُحِبُّ قَتْلَكَ، وَأَخَذَ تِلْكَ الأحجار الثلاثة فَوَضَعَهَا فِي الْقَذَّافَةِ ثُمَّ أَدَارَهَا فَصَارَتِ الثَّلَاثَةُ حَجَرًا وَاحِدًا.
ثُمَّ رَمَى بِهَا جَالُوتَ فَفَلَقَ (1) رَأَسَهُ وَفَرَّ جَيْشُهُ مُنْهَزِمًا فَوَفَّى (2) لَهُ طَالُوتُ بِمَا وَعَدَهُ فَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ وَأَجْرَى حُكْمَهُ فِي مُلْكِهِ، وَعَظُمَ دَاوُدُ عليه السلام، عِنْدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَحَبُّوهُ، وَمَالُوا إِلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ طَالُوتَ، فَذَكَرُوا أَنَّ طَالُوتَ حَسَدَهُ وَأَرَادَ قَتْلَهُ وَاحْتَالَ عَلَى ذَلِكَ فَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ وَجَعَلَ الْعُلَمَاءُ يَنْهَوْنَ طَالُوتَ عَنْ قَتْلِ دَاوُدَ فَتَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ فَقَتَلَهُمْ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلُ.
ثُمَّ حَصَلَ لَهُ تَوْبَةٌ وَنَدَمٌ وَإِقْلَاعٌ عَمَّا سَلَفَ مِنْهُ وَجَعَلَ يُكْثِرُ مِنَ الْبُكَاءِ وَيَخْرُجُ إِلَى الْجَبَّانَةِ فَيَبْكِي حَتَّى يَبُلَّ الثَّرَى بِدُمُوعِهِ فَنُودِيَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنَ الْجَبَّانَةِ: أَنْ يَا طَالُوتُ قَتَلْتَنَا وَنَحْنُ أَحْيَاءٌ وَآذَيْتَنَا وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ فَازْدَادَ لِذَلِكَ بُكَاؤُهُ وَخَوْفُهُ وَاشْتَدَّ وَجَلُهُ ثُمَّ جَعَلَ يَسْأَلُ عَنْ عَالِمٍ يَسْأَلُهُ عَنْ أَمْرِهِ، وَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ، فَقِيلَ لَهُ: وَهَلْ أَبْقَيْتَ عَالِمًا؟ حَتَّى دُلَّ عَلَى امْرَأَةٍ مِنَ الْعَابِدَاتِ فَأَخَذَتْهُ فَذَهَبَتْ بِهِ إِلَى قَبْرِ يُوشَعَ عليه السلام قَالُوا: فَدَعَتِ اللَّهَ فَقَامَ يُوشَعُ مِنْ قَبْرِهِ فَقَالَ: أَقَامَتِ الْقِيَامَةُ؟ فَقَالَتْ: لَا وَلَكِنَّ هَذَا طَالُوتُ يَسْأَلُكَ هَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ يَنْخَلِعُ مِنَ الْمُلْكِ وَيَذْهَبُ فَيُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يُقْتَلَ، ثُمَّ عَادَ مَيِّتًا.
فَتَرَكَ الْمُلْكَ لِدَاوُدَ عليه السلام وَذَهَبَ وَمَعَهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْ أَوْلَادِهِ فَقَاتَلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى قُتِلُوا (3) قَالُوا فَذَلِكَ قوله: (وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ)[البقرة: 251] هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَارِيخِهِ (4) مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ بِإِسْنَادِهِ.
وَفِي بَعْضِ هَذَا نَظَرٌ وَنَكَارَةٌ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسحق: النَّبيّ الَّذِي بُعِثَ فَأَخْبَرَ طَالُوتَ بِتَوْبَتِهِ هُوَ الْيَسَعُ بْنُ أَخْطُوبَ حَكَاهُ
ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا.
وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ: أَنَّهَا أَتَتْ بِهِ إِلَى قَبْرِ أَشْمَوِيلَ فَعَاتَبَهُ عَلَى مَا صَنَعَ بَعْدَهُ مِنَ الْأُمُورِ وَهَذَا أَنْسَبُ.
وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا رَآهُ فِي النَّوْمِ لَا أَنَّهُ قَامَ مِنَ الْقَبْرِ حَيًّا فَإِنَّ هَذَا إِنَّمَا يَكُونُ مُعْجِزَةً لِنَبِيٍّ وَتِلْكَ
(1) في الطبري: فنقبت رأسه.
(2)
ذكر المسعودي: أن طالوت أبى أن يفي لداود بما تقدم من شرطه.
فلما رأى ميل الناس إليه زوجه ابنته، وسلم إليه ثلت الجباية، وثلث الحكم وثلث الناس مروج الذهب 1 / 52.
(3)
ذكر المسعودي أنه مات على سرير ملكه ليلة كمدا.
(4)
تاريخ الطبري ج 1 / 245 - 246.
[*]