الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَعَالَى: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شركائهم لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)[الانعام: 136][وقال تعالى] : (وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يفترون)[الانعام: 138] .
[وقال تعالى] .
(وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ.
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) [الانعام: 139 - 140](1) .
وقال الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ (2) .
بَابُ جَهْلِ الْعَرَبِ حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ (3) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عبَّاس [رضي الله عنهما] قَالَ إِذَا سَرَّكَ أَنْ تَعْلَمَ جَهْلَ الْعَرَبِ فَاقْرَأْ مَا فَوْقَ الثَّلَاثِينَ وَمِائَةٍ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) وَقَدْ ذَكَرْنَا تَفْسِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا كَانُوا ابْتَدَعُوهُ مِنَ الشَّرَائِعِ الْبَاطِلَةِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي ظَنَّهَا كَبِيرُهُمْ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ قَبَّحَهُ اللَّهُ مَصْلَحَةً وَرَحْمَةً بِالدَّوَابِّ وَالْبَهَائِمِ وَهُوَ كَاذِبٌ مُفْتَرٍ فِي ذَلِكَ وَمَعَ هَذَا الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ اتَّبَعَهُ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةُ الطَّغَامُ فِيهِ بَلْ قَدْ تَابَعُوهُ فِيمَا هُوَ أَطَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَأَعْظَمُ بِكَثِيرٍ وَهُوَ عبادة الأوثان مع الله عزوجل وَبَدَّلُوا مَا كَانَ اللَّهُ بَعَثَ بِهِ ابْرَاهِيمَ خَلِيلَهُ مِنَ الدِّينِ الْقَوِيمِ وَالصِّرَاطِ
الْمُسْتَقِيمِ مِنْ تَوْحِيدِ عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَتَحْرِيمِ الشِّرْكِ وَغَيَّرُوا شَعَائِرَ الْحَجِّ وَمَعَالِمَ الدِّينِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا بُرْهَانٍ وَلَا دَلِيلٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ وَاتَّبَعُوا فِي ذَلِكَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمُشْرِكِينَ وَشَابَهُوا قَوْمَ نُوحٍ وكانوا أَوَّلَ مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ وَعَبَدَ الْأَصْنَامَ وَلِهَذَا بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ نُوحًا وَكَانَ أَوَّلَ رَسُولٍ بُعِثَ يَنْهَى عَنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي قِصَّةِ نُوحٍ (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ
(1) وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا أي ما يسيبونه لآلهتهم.
وقال مجاهد: المراد البحيرة والوصيلة والحام.
فالبحيرة: الناقة.
التي انتجبت خمسة أبطن وكان آخرها ذكرا بحروا أذنها واعفوا ظهرها من الركوب والحمل والذبح.
الوصيلة: الناقة التي وصلت بين عشرة أبطن ومن الشاه التي وصلت سبعة أبطن.
والحامي: الفحل من الابل يضرب الضراب المعدود قبل عشرة أبطن فإذا بلغ ذلك قالوا: هذا حام، أي حمى ظهره فيترك.
(2)
كتاب بدء الخلق - باب قصة زمزم وجهل العرب ج 4 / 160 - 161.
(3)
أبو النعمان هو محمد بن الفضل عارم.
وأبو عوانة اسمه الوضاح بن عبد الله اليشكري وأبو بشر: واسمه جعفر بن أبي وحشية.
[*]
وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً وَقَدْ أَضَلُّوا كثيرا) [نُوحٍ: 23] الْآيَةَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَانَ هَؤُلَاءِ قَوْمًا صَالِحِينَ فِي قَوْمِ نُوحٍ فَلَمَّا مَاتُوا عَكَفُوا عَلَى قُبُورِهِمْ فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ عَبَدُوهُمْ وَقَدْ بَيَّنَّا كَيْفِيَّةَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ فِي عِبَادَتِهِمْ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ ههنا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ: ثُمَّ صَارَتْ هَذِهِ الْأَصْنَامُ فِي الْعَرَبِ بَعْدَ تَبْدِيلِهِمْ دِينَ إِسْمَاعِيلَ فكان ود لبني كلب بن مرة (1) بْنِ تَغَلِبَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ.
وَكَانَ مَنْصُوبًا بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ وكان سواع لبني هذيل بن إلياس بن مدركة بْنِ مُضَرَ.
وَكَانَ مَنْصُوبًا بِمَكَانٍ يُقَالَ لَهُ رهاط (2) .
وكان يغوث لبني أنعم من طئ وَلِأَهْلِ جُرَشٍ مِنْ مَذْحِجٍ (3) وَكَانَ مَنْصُوبًا بِجُرَشَ.
وَكَانَ يَعُوقُ مَنْصُوبًا بِأَرْضِ هَمْدَانَ (4) مِنَ الْيَمَنِ لِبَنِي خَيْوَانَ بَطْنٍ مِنْ هَمَدَانَ.
وَكَانَ نَسْرٌ مَنْصُوبًا بِأَرْضِ حِمْيَرَ لِقَبِيلَةٍ يُقَالَ لَهُمْ ذُو الْكُلَاعِ (5) .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ لِخَوْلَانَ بِأَرْضِهِمْ صنم يقال له عم أنس (6) يَقْسِمُونَ لَهُ مِنْ أَنْعَامِهِمْ وَحُرُوثِهِمْ قَسْمًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فِيمَا يَزْعُمُونَ فَمَا دَخَلَ فِي حق عم أنس مِنْ حَقِّ اللَّهِ الَّذِي قَسَمُوهُ لَهُ تَرَكُوهُ لَهُ وَمَا دَخَلَ فِي حَقِّ اللَّهِ مَنْ حق عم أنس ردوه عليه وفيهم أَنْزَلَ اللَّهُ: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيباً) قَالَ: وَكَانَ لِبَنِي مِلْكَانَ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ صَنَمٌ يُقَالَ لَهُ سَعْدٌ، صَخْرَةٌ بِفَلَاةٍ (7) مِنْ أَرْضِهِمْ طَوِيلَةٍ فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ بِإِبِلٍ لَهُ مُؤَبَّلَةٍ لِيَقِفَهَا عَلَيْهِ، الْتِمَاسَ بَرَكَتِهِ، فِيمَا يَزْعُمُ فَلَمَّا رَأَتْهُ الْإِبِلُ وَكَانَتْ مَرْعِيَّةً لَا تُرْكَبُ وَكَانَ الصَّنَمُ يُهْرَاقُ عَلَيْهِ الدِّمَاءُ نَفَرَتْ مِنْهُ فَذَهَبَتْ فِي كُلِّ وَجْهٍ وغضب ربها [الملكاني] وَأَخَذَ حَجَرًا فَرَمَاهُ بِهِ ثُمَّ قَالَ لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ نَفَرْتَ عليَّ إِبِلِي ثُمَّ خَرَجَ فِي طَلَبِهَا فَلَمَّا اجْتَمَعَتْ لَهُ قَالَ:
(1) في ابن هشام وجمهرة أنساب العرب: وبرة ; وسدنته بنو الفرافصة بن الأحوص بن كلب.
(2)
كذا في الاصل وابن هشام ومعجم البلدان ورهاط: من أرض ينبع.
وفي جمهرة أنساب العرب ص 492: وفي المحبر 316 كان بنعمان ونعمان واد بقرب مكة من بلاد هذيل.
وسدنته: بنو صاهلة من هذيل وفي ياقوت سدنته بنو لحيان من هذيل.
(3)
عبارة ابن الكلبي في الاصنام: واتخذت مذحج وأهل جرش، لم يجعل جرش من مذحج ; والمعروف ان جرش في حمير وفي نهاية الارب للقلقشندي حرش بطن من حمير ص 215، ومذحج من كهلان بن سبا.
وفي الجمهرة: كان لمذحج.
(4)
في الجمهرة 492: في أرحب.
(5)
في الجمهرة: كان لحمير بنجران.
وذو الكلاع، رهطه أحاظة بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد وهم بطن من حمير ص 478 - 492.
(6)
في ابن هشام: عميانس، وفي عمود النسب للشنقيطي كالاصل.
وفي الجمهرة لابن حزم: يعوق كان يعبده همدان وخولان.
(7)
في معجم البلدان والاصنام لابن الكلبي: الفلاة بساحل جدة.
ولم يذكر الصنم في المحبر.
[*]
أَتَيْنَا إِلَى سَعْدٍ لِيَجْمَعَ شَمْلَنَا * فَشَتَّتَنَا سَعْدٌ فَلَا نَحْنُ مِنْ سَعْدِ وَهَلْ سَعْدٌ إِلَّا صَخْرَةٌ بِتَنُوفَةٍ (1) * مِنَ الْأَرْضِ لَا يَدْعُو لِغَيٍّ وَلَا رُشْدِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ فِي دَوْسٍ صَنَمٌ (2) لِعَمْرِو بْنِ حُمَمَةَ الدَّوْسِيِّ.
قَالَ [ابن إسحاق] وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَدِ اتَّخَذَتْ صَنَمًا عَلَى بِئْرٍ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ يُقَالَ لَهُ هُبَلُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ أَنَّهُ أَوَّلُ صَنَمٍ نَصَبَهُ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ لَعَنَهُ اللَّهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَاتَّخَذُوا إِسَافًا وَنَائِلَةَ عَلَى مَوْضِعِ زَمْزَمَ (3) يَنْحَرُونَ عِنْدَهُمَا ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُمَا كَانَا رَجُلًا وَامْرَأَةً فَوَقَعَ عَلَيْهَا فِي الْكَعْبَةِ فمسخهما الله حجرين.
ثم قَالَ [ابْنُ إِسْحَاقَ] : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ (4) أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: مَا زِلْنَا نَسْمَعُ أَنَّ إِسَافًا وَنَائِلَةَ كَانَا رَجُلًا وَامْرَأَةً مِنْ جُرْهُمٍ أَحْدَثَا فِي الكعبة فمسخهما الله عزوجل حَجَرَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قِيلَ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُمْهِلْهُمَا حَتَّى فَجَرَا فِيهَا بَلْ مَسَخَهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ فَعِنْدَ ذَلِكَ نُصِبَا عِنْدَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَمَّا كَانَ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ نَقَلَهُمَا فَوَضَعَهُمَا عَلَى زَمْزَمَ وَطَافَ النَّاسُ بِهِمَا وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ أَبُو طَالِبٍ: وَحَيْثُ يُنِيخُ الْأَشْعَرُونَ رِكَابَهُمْ * بِمُفْضَى السُّيُولِ مِنْ إسافٍ وَنَائِلِ وَقَدْ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَمَرَ بِكَسْرِ نَائِلَةَ يَوْمَ الْفَتْحِ خَرَجَتْ مِنْهَا سَوْدَاءُ شَمْطَاءُ تَخْمِشُ وَجْهَهَا وَتَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ.
وَقَدْ ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ: أَنَّ أَجَأً وَسَلْمَى وَهُمَا جَبَلَانِ بِأَرْضِ الْحِجَازِ إِنَّمَا سُمِّيَا بِاسْمِ رَجُلٍ اسْمُهُ أَجَأُ بْنُ عَبْدِ الْحَيِّ فَجَرَ بِسَلْمَى بِنْتِ حَامٍ فَصُلِبَا فِي هَذَيْنِ الْجَبَلَيْنِ فَعُرِفَا بِهِمَا قَالَ: وَكَانَ بَيْنَ أجا وسلمى صنم لطي يقال له قلس (5) .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَاتَّخَذَ أَهْلُ كُلِّ دَارٍ فِي دَارِهِمْ صَنَمًا يَعْبُدُونَهُ فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ سَفَرًا تَمَسَّحَ بِهِ حِينَ يَرْكَبُ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ مَا يَصْنَعُ حِينَ يَتَوَجَّهُ إِلَى سَفَرِهِ.
وَإِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ تَمَسَّحَ بِهِ فَكَانَ ذَلِكَ أوَّل مَا يَبْدَأُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى أَهْلِهِ.
قَالَ فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالتَّوْحِيدِ قَالَتْ قُرَيْشٌ: " أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هذا لشئ عجاب ".
(1) تنوفة: القفر من الأرض الذي لا ينبت شيئا.
(2)
يسمى: ذو الكفين كما في ابن حزم ص 494 وأصنام ابن الكلبي ص 37 والمحبر ص 218.
(3)
كان أحد الصنمين أولا بلصق الكعبة، والآخر في موضع زمزم فنقلت قريش الذي كان بلصق الكعبة إلى الآخر - أنظر الالوسي - وأصنام ابن الكلبي.
وعند ابن حزم: إساف كان بالصفا ونائلة كانت بالمروة ص 492.
(4)
تقدم التعليق فليراجع.
(5)
في جمهرة ابن حزم وياقوت: قلس كان بنجد قريبا من فيد سدنته بنو بولان.
[*]
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَتِ (1) الْعَرَبُ اتَّخَذَتْ مَعَ الْكَعْبَةِ طَوَاغِيتَ، وَهِيَ بُيُوتٌ تُعَظِّمُهَا كَتَعْظِيمِ الْكَعْبَةِ، لَهَا سَدَنَةٌ وَحُجَّابٌ، وَتُهْدِي لَهَا كَمَا تُهْدِي لِلْكَعْبَةِ، وَتَطُوفُ بِهَا كَطَوَافِهَا بِهَا، وَتَنْحَرُ عِنْدَهَا.
وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ تَعْرِفُ فَضْلَ الْكَعْبَةِ عَلَيْهَا، لِأَنَّهَا (2) بِنَاءُ ابْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عليه السلام ومسجده.
وكانت لِقُرَيْشٍ وَبَنِي كِنَانَةَ الْعُزَّى بِنَخْلَةَ (3) وَكَانَتْ سَدَنَتُهَا وَحُجَّابُهَا بَنِي (4) شَيْبَانَ مِنْ سُلَيْمٍ حُلَفَاءِ بَنِي هَاشِمٍ.
وَقَدْ خَرَّبَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ زَمَنَ الفتح كما سيأتي.
قال [ابن إسحاق] : وَكَانَتِ اللَّاتُ لِثَقِيفٍ بِالطَّائِفِ وَكَانَتْ سَدَنَتُهَا وَحُجَّابُهَا بَنِي (5) مُعَتِّبٍ مِنْ ثَقِيفٍ وَخَرَّبَهَا أَبُو سُفْيَانَ والمغيرة بن شعبة (6) بعد مجئ أَهْلَ الطَّائِفِ كَمَا سَيَأْتِي.
قَالَ [ابْنُ إِسْحَاقَ] : وَكَانَتْ مَنَاةُ لِلْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَمَنْ دَانَ بِدِينِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ (7) ، عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ مِنْ نَاحِيَةِ الْمُشَلَّلِ بِقُدَيْدٍ.
وَقَدْ خَرَّبَهَا أَبُو سُفْيَانَ أَيْضًا وَقِيلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَمَا سيأتي.
قال [ابن إسحاق] : وَكَانَ ذُو الْخَلَصَةِ لِدَوْسٍ وَخَثْعَمٍ وَبَجِيلَةَ وَمَنْ كَانَ بِبِلَادِهِمْ مِنَ الْعَرَبِ بِتَبَالَةَ.
وَكَانَ يُقَالَ لَهُ الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَةُ، وَلِبَيْتِ مَكَّةَ الْكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ وَقَدْ خَرَّبَهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ كما سيأتي.
قال: وكان قلس لطي ومن يليها بجبلي طي بَيْنَ أَجَأٍ وَسَلْمَى، وَهُمَا جَبَلَانِ مَشْهُورَانِ كَمَا تقدم.
قال: وكان رآم بَيْتًا لِحِمْيَرَ وَأَهْلِ الْيَمَنِ كَمَا تقدَّم ذِكْرُهُ فِي قِصَّةِ تُبَّعٍ أَحَدِ مُلُوكِ حِمْيَرَ وَقِصَّةُ الْحَبْرَيْنِ حِينَ خَرَّبَاهُ وَقَتَلَا مِنْهُ كَلْبًا أَسْوَدَ.
قَالَ: وَكَانَتْ رُضَاءُ بَيْتًا لِبَنِي رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ وَلَهَا يَقُولُ الْمُسْتَوْغِرُ وَاسْمُهُ كَعْبُ بْنُ ربيعة بن كعب [حين هدمها] : وَلَقَدْ شَدَدْتُ عَلَى رُضَاءٍ شَدَّةً * فَتَرَكْتُهَا قَفْرًا بِقَاعٍ أَسْحَمَا (8)
وَأَعَانَ عَبْدُ اللَّهِ فِي مَكْرُوهِهَا * وبمثل عبد الله أغشى المحرما
(1) في ابن هشام: وكانت.
(2)
في ابن هشام: لأنها كانت قد عرفت أنها بيت إبراهيم.. (3) نخلة: هي نخلة الشامية بإزاء الغمير عن يمين المصعد إلى العراق من مكة وذلك فوق ذات عرق إلى البستان بتسعة أميال، وكانت العزى بواد منها (معجم البلدان) وعند ابن حزم: العزى يعبدها غطفان وتعظمها قريش وغنى وباهلة.
(4)
كذا في الاصل: والصواب بنو شيبان كما في ابن هشام.
وعند ابن حزم: سدنتها: بنو صرمة بن مرة.
(5)
كذا في الاصل والصواب كما في ابن هشام بنو معتب.
وعند ابن حزم: آل أبي العاصي من بني مالك بن ثقيف.
وعند ابن الكلبي: من ثقيف بن عتاب بن مالك.
(6)
كذا في الاصل والمحبر 315.
وعند ابن حزم: هدمه خالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة ص 491 واقتصر في الاصنام ص 17 على المغيرة.
(7)
في ابن هشام: يثرب.
(8)
القاع: المنخفض من الارض.
ورواية العجز عند ابن الكلبي: فتركتها تلا تنازع أسحما.
[*]
وَيُقَالَ إِنَّ الْمُسْتَوْغِرَ هَذَا عَاشَ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَكَانَ أَطْوَلَ مُضَرَ كُلِّهَا عُمْرًا وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ: وَلَقَدْ سَئِمْتُ مِنَ الْحَيَاةِ وَطُولِهَا * وَعُمِرْتُ مِنْ عَدَدِ السِّنِينَ مِئِينَا مِائَةً حَدَتْهَا بَعَدْهَا مِائَتَانِ لِي * وَازْدَدْتُ مِنْ عَدَدِ الشُّهُورِ سِنِينَا هَلْ مَا بَقِي إِلَّا كَمَا قَدْ فَاتَنَا * يَوْمٌ يَمُرُّ وَلَيْلَةٌ تَحْدُونَا قَالَ ابن هشام: ويروى هذه الأبيات لِزُهَيْرِ بْنِ جَنَابِ بْنِ هُبَلَ.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ: ومن المعمرين الذين جازوا المائتين والثلاثمائة زهير هذا وعبيد بن شربة وَدَغْفَلُ بْنُ حَنْظَلَةَ النَّسَّابَةُ وَالرَّبِيعُ بْنُ ضُبَعَ الْفَزَارِيُّ وَذُو الْأُصْبُعِ الْعَدْوَانِيُّ وَنَصْرُ بْنُ دُهْمَانَ بن أشجع بن ربث بْنِ غَطَفَانَ،
وَكَانَ قَدِ اسْوَدَّ شَعْرُهُ بَعْدَ ابيضاضه وتقوم ظهره بعد اعوجابه.
قال [ابن إسحاق] : وكان ذو الكعبات لبكر وتغلب بن (1) وَائِلٍ وَإِيَادٍ بِسَنْدَادَ وَلَهُ يَقُولُ أَعْشَى بْنُ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ (2) : بَيْنَ الْخَوَرْنَقِ وَالسَّدِيرِ وَبَارِقٍ * وَالْبَيْتِ ذِي الشُّرُفَاتِ مِنْ سَنْدَادِ وَأَوَّلُ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ: وَلَقَدْ عَلِمْتُ وَإِنْ تَطَاوَلَ بِي الْمَدَى * أَنَّ السَّبِيلَ سَبِيلُ ذِي الْأَعْوَادِ مَاذَا أُؤَمِّلُ بَعْدَ آلِ مُحَرِّقٍ * تَرَكُوا مَنَازِلَهُمْ وَبَعْدَ إِيَادِ نزلوا بأنقرة يسيل عليهم * ماء الفرات يجئ مِنْ أَطْوَادِ أَرْضُ الْخَوَرْنَقِ وَالسَّدِيرِ وَبَارِقٍ * وَالْبَيْتِ ذِي الْكَعَبَاتِ مِنْ سَنْدَادِ (3) جَرَتِ الرِّيَاحُ عَلَى مَحَلِّ دِيَارِهِمْ * فَكَأَنَّمَا كَانُوا عَلَى مِيعَادِ (4) وَأَرَى النَّعِيمَ وَكُلَّمَا يُلْهَى بِهِ * يَوْمًا يَصِيرُ إِلَى بلى ونفاد (5) قال السهيلي: الْخَوَرْنَقُ قَصْرٌ بَنَاهُ النُّعْمَانُ الْأَكْبَرُ لِسَابُورَ لِيَكُونَ ولده فيه عنده (6) ، وبناه
(1) في ابن هشام: ابني.
وسنداد: منازل لاياد اسفل سواد الكوفة وراء نجران الكوفة (معجم البلدان) .
(2)
في رواية عند ابن هشام: للاسود بن يعفر النهشلي.
(3)
في معجم البلدان " سنداد ": أهل الخورنق وشطره: والقصر ذي الشرفات من سنداد.
(4)
في معجم البلدان: عراص ديارهم.
(5)
صدره في معجم البلدان: فإذا النعيم وكل ما يلهى به.
(6)
قال ابن الكلبي كما نقل عنه ياقوت: أمر ببنائه بهرام جور بن يزدجرد بن سابور ذي الاكتاف وذلك أنه كان لا يبقى له ولد وكان قد لحق ابنه بهرام جور في صغره علة فسأل عن منزل مرئ صحيح من الادواء.
فأشار عليه أطباؤه أن يخرجه إلى أرض العرب.
فأنفذه إلى النعمان وأمره أن يبني له قصرا.
فبناه له وأنزله إياه وعالجه حتى برأ من مرضه.
" مادة خورنق ".
[*]
رجل يقال له سنمار في عشرين سنة (1) وَلَمْ يُرَ بِنَاءٌ أَعْجَبُ مِنْهُ فَخَشِيَ النُّعْمَانُ أَنْ يَبْنِيَ لِغَيْرِهِ مِثْلَهُ
فَأَلْقَاهُ مِنْ أَعْلَاهُ فَقَتَلَهُ فَفِي ذَلِكَ يَقُولُ الشَّاعِرُ: جَزَانِي جَزَاهُ اللَّهُ شَرَّ جَزَائِهِ * جَزَاءَ سِنِمَّارَ وَمَا كَانَ ذا ذنب سوى رضفه الْبُنْيَانَ عِشْرِينَ حَجَّةً * يَعُدُّ عَلَيْهِ بِالْقَرَامِدِ وَالسَّكْبِ (2) فَلَمَّا انْتَهَى الْبُنْيَانُ يَوْمًا تَمَامَهُ * وَآضَ كَمِثْلِ الطَّوْدِ وَالْبَاذِخِ الصَّعْبِ (3) رَمَى بِسِنِمَّارَ عَلَى حُقِّ رَأْسِهِ * وَذَاكَ لَعَمْرُ اللَّهِ مِنْ أَقْبَحِ الْخَطْبِ (4) قَالَ السُّهَيْلِيُّ: أَنْشَدَهُ الْجَاحِظُ فِي كِتَابِ الْحَيَوَانِ.
وَالسِّنِمَّارُ مِنْ أَسْمَاءِ الْقَمَرِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَذِهِ الْبُيُوتَ كُلَّهَا هُدِمَتْ لَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ جَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى كُلِّ بَيْتٍ مِنْ هَذِهِ سَرَايَا تُخَرِّبُهُ، وَإِلَى تِلْكَ الْأَصْنَامِ مَنْ كَسَرَهَا، حَتَّى لَمْ يَبْقَ لِلْكَعْبَةِ مَا يُضَاهِيهَا، وعُبد اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.
كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَتَفْصِيلُهُ فِي مَوَاضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ الثِّقَةُ.
خَبَرُ عَدْنَانَ جَدِّ عَرَبِ الْحِجَازِ لَا خِلَافَ أَنَّ عَدْنَانَ مِنْ سُلَالَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ ابْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عليهما السلام وَاخْتَلَفُوا فِي عِدَّةِ الْآبَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِسْمَاعِيلَ.
عَلَى أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ فَأَكْثَرُ مَا قِيلَ أَرْبَعُونَ أَبًا وَهُوَ الْمَوْجُودُ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَخَذُوهُ مِنْ كِتَابِ رِخْيَا كَاتِبِ أَرَمِيَا بْنِ حَلْقِيَا عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ وَقِيلَ بَيْنَهُمَا ثَلَاثُونَ وَقِيلَ عِشْرُونَ وَقِيلَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَقِيلَ عَشَرَةٌ وَقِيلَ تِسْعَةٌ وَقِيلَ سَبْعَةٌ وَقِيلَ إِنَّ أَقَلَّ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَةٌ لِمَا رَوَاهُ مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبِ بْنِ زَمْعَةَ الزَّمْعِيِّ عَنْ عمَّته عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " مَعَدُّ بْنُ عدنان بن أدد بن زند بن اليرى بْنِ أَعْرَاقِ الثَّرَى ".
قَالَتْ: أُمُّ سَلَمَةَ فَزَنْدٌ هو الهميسع واليرى هو نابت وَأَعْرَاقُ الثَّرَى هُوَ إِسْمَاعِيلُ لِأَنَّهُ ابْنُ ابْرَاهِيمَ وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ تَأْكُلْهُ النَّارُ كَمَا أَنَّ النَّارَ لَا تَأْكُلُ الثَّرَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَا نَعْرِفُ زَنْدًا إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَزَنْدُ بْنُ الْجَوْنِ وَهُوَ أَبُو دُلَامَةَ الشَّاعِرُ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ: مُدَّةُ مَا بَيْنَ عَدْنَانَ إِلَى زَمَنِ إِسْمَاعِيلَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يكونَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعَةُ أَبَاءٍ أَوْ عَشَرَةٌ أَوْ عِشْرُونَ وَذَلِكَ أَنَّ مَعَدَّ بْنَ عدنان كان عمره زمن بخت نصر ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً.
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ إِلَى
أَرْمِيَاءَ بْنِ حَلْقِيَا أَنِ أذهب إلى بخت نصر فَأَعْلِمْهُ أَنِّي قَدْ سَلَّطْتُهُ عَلَى الْعَرَبِ وَأَمَرَ الله أرميا أن يحمل
(1) في معجم البلدان: بناه رجل من الرُّوم يقال له سنمار في ستين سنة (2) في معجم البلدان: سوى رمة البنيان، ستين حجة.
(3)
في معجم البلدان: فلما رأى البنيان تم سحوقه.
(4)
في معجم البلدان: فقال: اقذفوا بالعلج من فوق رأسه..من أعجب الخطب.
[*]
مَعَهُ مَعَدَّ بْنَ عَدْنَانَ عَلَى الْبُرَاقِ كَيْ لَا تُصِيبَهُ النِّقْمَةُ فِيهِمْ فَإِنِّي مُسْتَخْرِجٌ مِنْ صُلْبِهِ نَبِيًّا كَرِيمًا أَخْتِمُ بِهِ الرُّسُلَ فَفَعَلَ أَرْمِيَا ذَلِكَ وَاحْتَمَلَ مَعَدًّا عَلَى الْبُرَاقِ إِلَى أَرْضِ الشَّامِ فَنَشَأَ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِمَّنْ بَقِيَ مِنْهُمْ بَعْدَ خَرَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَتَزَوَّجَ هُنَاكَ امْرَأَةً اسْمُهَا مُعَانَةُ بِنْتُ جَوْشَنَ مِنْ بَنِي دُبِّ بْنِ جُرْهُمٍ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى بِلَادِهِ ثُمَّ عَادَ بَعْدَ أَنْ هَدَأَتِ الْفِتَنُ وَتَمَحَّضَتْ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ وَكَانَ رِخْيَا كَاتِبُ أَرْمِيَاءَ قَدْ كَتَبَ نَسَبَهُ فِي كِتَابٍ عِنْدَهُ لِيَكُونَ فِي خِزَانَةِ أَرْمِيَاءَ فَيَحْفَظُ نَسَبَ مَعَدٍّ كَذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلِهَذَا كَرِهَ مَالِكٌ رحمه الله رَفْعَ النِّسَبِ إِلَى مَا بَعْدَ عَدْنَانَ.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَإِنَّمَا تَكَلَّمْنَا فِي رَفْعِ هَذِهِ الْأَنْسَابِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ وَلَمْ يَكْرَهْهُ كَابْنِ إِسْحَاقَ وَالْبُخَارِيِّ وَالزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ وَالطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَأَمَّا مَالِكٌ رحمه الله فَقَدْ سُئل عَنِ الرَّجُلِ يَرْفَعُ نَسَبَهُ إِلَى آدَمَ فَكَرِهَ ذَلِكَ، وَقَالَ لَهُ مِنْ أَيْنَ لَهُ عِلْمُ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ فَإِلَى إِسْمَاعِيلَ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَيْضًا وَقَالَ وَمَنْ يُخْبِرُهُ بِهِ وَكَرِهَ أَيْضًا أَنْ يُرْفَعَ فِي نَسَبِ الْأَنْبِيَاءِ مِثْلَ أَنْ يُقَالَ ابْرَاهِيمُ بْنُ فَلَانِ بْنِ فُلَانٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُعَيْطِيُّ فِي كِتَابِهِ.
قَالَ: وَقَوْلُ مَالِكٍ هَذَا نَحْوٌ مِمَّا رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ مَا وَجَدْنَا أَحَدًا يَعْرِفُ مَا بَيْنَ عَدْنَانَ وَإِسْمَاعِيلَ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ بَيْنَ عَدْنَانَ وَإِسْمَاعِيلَ ثَلَاثُونَ أَبَا لَا يُعْرَفُونَ وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ إِذَا بَلَغَ عَدْنَانَ يَقُولُ كَذَبَ النَّسَّابُونَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَالْأَصَحُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلُهُ.
وَقَالَ عُمَرُ بن الخطاب إنما تنسب إلى عدنان، وقال أبو عمر بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِهِ الْإِنْبَاهِ فِي مَعْرِفَةِ قَبَائِلِ الرُّوَاةِ: رَوَى ابْنُ لَهِيعَةَ (1) عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ مَا وَجَدْنَا
أَحَدًا يَعْرِفُ مَا وَرَاءَ عَدْنَانَ وَلَا مَا وَرَاءَ قَحْطَانَ إِلَّا تَخَرُّصًا، وَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ سُلَيْمَانَ بن أبي خيثمة وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ قُرَيْشٍ بِأَشْعَارِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ يَقُولُ مَا وَجَدْنَا أَحَدًا يَعْرِفُ مَا وَرَاءَ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ فِي شِعْرِ شَاعِرٍ وَلَا عِلْمِ عَالِمٍ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَكَانَ قَوْمٌ مِنَ السَّلَفِ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَمْرُو بن ميمون الأزدي وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ إِذَا تَلَوْا (وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ) قَالُوا: كَذَبَ النَّسَّابُونَ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ رحمه الله: وَالْمَعْنَى عِنْدَنَا فِي هَذَا غَيْرُ مَا ذَهَبُوا وَالْمُرَادُ أَنَّ مَنِ ادَّعَى إِحْصَاءَ بَنِي آدَمَ فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ، وَأَمَّا أَنْسَابُ الْعَرَبِ فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِأَيَّامِهَا وَأَنْسَابِهَا قَدْ وَعَوْا وَحَفِظُوا جَمَاهِيرَهَا وَأُمَّهَاتِ قبائلها، واختلفوا في بعض فروع ذلك.
(1) ابن لهيعة: هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن لهيعة بن عقبة بن لهيعة الحضرمي الغافقي المصري، كان مكثرا من الحديث والاخبار والرواية.
توفي بمصر سنة سبعين ومائة.
وكان عمره إحدى وثمانين سنة، وكان مولده سنة سبع وتسعين (ابن خلكان) .
[*]
قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَالَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ هَذَا الشَّأْنِ فِي نَسَبِ عَدْنَانَ قَالُوا عَدْنَانُ بْنُ أُدَدَ بْنِ مُقَوَّمِ بْنِ نَاحُورَ بْنِ تَيْرَحَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ نَابِتِ (1) بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عليهما السلام وَهَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارَ فِي السِّيرة.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ عَدْنَانُ بْنُ أُدٍّ يَعْنِي عَدْنَانَ بْنِ أُدِّ بْنِ أُدَدَ (2) ثُمَّ سَاقَ أَبُو عُمَرَ بَقِيَّةَ النَّسَبِ إِلَى آدَمَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي قِصَّةِ الْخَلِيلِ عليه السلام.
وَأَمَّا الْأَنْسَابُ إِلَى عَدْنَانَ مِنْ سَائِرِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ فَمَحْفُوظَةٌ شَهِيرَةٌ جِدًّا لَا يَتَمَارَى فِيهَا اثْنَانِ وَالنَّسَبُ النَّبَوِيُّ إِلَيْهِ أَظْهَرُ وَأَوْضَحُ مِنْ فَلَقِ الصُّبْحِ وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ بِالنَّصِّ عَلَيْهِ كَمَا سَنُورِدُهُ فِي مَوْضِعِهِ بَعْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَذِكْرِ أَنْسَابِهَا وَانْتِظَامِهَا فِي سِلْكِ النَّسَبِ الشَّرِيفِ وَالْأَصْلِ الْمُنِيفِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ.
وَمَا أَحْسَنَ مَا نَظَمَ النَّسَبَ النَّبَوِيَّ الْإِمَامُ أَبُو العبَّاس
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاشِئُ فِي قَصِيدَتِهِ الْمَشْهُورَةِ الْمَنْسُوبَةِ إِلَيْهِ وَهِيَ قَوْلُهُ: مَدَحْتُ رَسُولَ اللَّهِ أَبْغِي بِمَدْحِهِ * وُفُورَ حظوظي من كريم المآرب مدحت امرءاً فَاقَ الْمَدِيحَ مُوَحَّدًا * بِأَوْصَافِهِ عَنْ مُبْعِدٍ وَمُقَارِبِ نِبِيًّا تَسَامَى فِي الْمَشَارِقِ نُورُهُ * فَلَاحَتْ هَوَادِيهِ لِأَهْلِ الْمَغَارِبِ أَتَتْنَا بِهِ الْأَنْبَاءُ قَبْلَ مَجِيئِهِ * وَشَاعَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ فِي كُلِّ جَانِبِ وَأَصْبَحَتِ الْكُهَّانُ تَهْتِفُ بِاسْمِهِ * وَتَنْفِي بِهِ رَجْمَ الظُّنُونِ الْكَوَاذِبِ وَأُنْطِقَتِ الْأَصْنَامُ نُطْقًا تَبَرَّأَتْ * إِلَى اللَّهِ فِيهِ مِنْ مَقَالِ الْأَكَاذِبِ وَقَالَتْ لِأَهْلِ الْكُفْرِ قَوْلًا مُبَيَّنًا * أَتَاكُمْ نَبِيٌّ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ وَرَامَ اسْتِرَاقَ السَّمْعِ جِنٌّ فَزَيَّلَتْ * مَقَاعِدَهُمْ مِنْهَا رُجُومُ الْكَوَاكِبِ هَدَانَا إِلَى مَا لَمْ نَكُنْ نَهْتَدِي لَهُ * لِطُولِ الْعَمَى مِنْ وَاضِحَاتِ الْمَذَاهِبِ وَجَاءَ بِآيَاتٍ تُبَيِّنُ أَنَّهَا * دَلَائِلُ جَبَّارٍ مُثِيبٍ مُعَاقِبِ فَمِنْهَا انْشِقَاقُ الْبَدْرِ حِينَ تَعَمَّمَتْ * شعوب الضيامنة رؤوس الْأَخَاشِبِ وَمِنْهَا نُبُوعُ الْمَاءِ بَيْنَ بَنَانِهِ * وَقَدْ عَدِمَ الْوُرَّادُ قُرْبَ الْمَشَارِبِ فَرَّوَى بِهِ جَمًّا غَفِيرًا وَأَسْهَلَتْ * بِأَعْنَاقِهِ طَوْعًا أَكُفُّ الْمَذَانِبِ وَبِئْرٌ طَغَتْ بِالْمَاءِ مِنْ مَسِّ سَهْمِهِ * وَمِنْ قَبْلُ لم تسمح بمذقة شارب
(1) ابن قتيبة في المعارف ساق نسب عدنان إلى قيدار بن إسماعيل أخي نابت.
وهذا ما فعله الجواني في أصول الاحساب والزيدي في روضة الالباب.
وهكذا قال هشام بن محمد الكلبي كما في رواية ابن الاعرابي عنه (المسعودي) وقال المسعودي: 2 / 289: وقد نهى النبي أن يتجاوز عن معد، وقد اختلف أهل النسب [في رواياتهم] فالواجب الواقف عند أمره عليه السلام ونهيه.
(2)
في ابن هشام: ويقال عدنان بن أد.
وفي رواية الكلبي: عدنان بن أدّ بن أدد.
[*]
وَضَرْعٌ مَرَاهُ فاستدَّر وَلَمْ يَكُنْ * بِهِ دَرَّةٌ تُصْغِي إِلَى كَفِّ حَالِبِ
وَنُطْقٌ فَصِيحٌ مِنْ ذِرَاعٍ مُبِينَةٍ * لِكَيْدِ عَدُوٍّ لِلْعَدَاوَةِ نَاصِبِ وَأَخْبَارُهُ بِالْأَمْرِ مِنْ قَبْلِ كَوْنِهِ * وَعِنْدَ بَوَادِيهِ بِمَا فِي الْعَوَاقِبِ وَمِنْ تِلْكُمُ الْآيَاتِ وَحْيٌّ أَتَى به * قريب المآني مُسْتَجِمُّ الْعَجَائِبِ تَقَاصَرَتِ الْأَفْكَارُ عَنْهُ فَلَمْ يُطِعْ * بَلِيغًا وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ خَاطِبِ حَوَى كُلَّ عِلْمٍ وَاحْتَوَى كُلَّ حِكْمَةٍ * وَفَاتَ مَرَامَ الْمُسْتَمِرِّ الْمُوَارِبِ أَتَانَا بِهِ لَا عَنْ رَوِيَّةِ مُرْتَئٍ * وَلَا صُحْف مُسْتَمُل وَلَا وَصْفِ كَاتِبِ يُوَاتِيهِ طَوْرًا فِي إِجَابَةِ سَائِلٍ * وَإِفْتَاءِ مُسْتَفْتٍ وَوَعْظِ مُخَاطِبِ وَإِتْيَانِ بُرْهَانٍ وَفَرْضِ شَرَائِعٍ * وَقَصِّ أَحَادِيثَ وَنَصِّ مَآرِبِ وَتَصْرِيفِ أَمْثَالٍ وَتَثْبِيتِ حُجَّةٍ * وَتَعْرِيفِ ذِي جَحْدٍ وَتَوْقِيفِ كَاذِبِ وَفِي مَجْمَعِ النَّادِي وَفِي حَوْمَةِ الْوَغَى * وَعِنْدَ حُدُوثِ الْمُعْضِلَاتِ الْغَرَائِبِ فَيَأْتِي عَلَى مَا شِئْتَ مِنْ طُرُقَاتِهِ * قَوِيمَ الْمَعَانِي مُسْتَدِرَّ الضَّرَائِبِ يُصَدِّقُ مِنْهُ الْبَعْضُ بَعْضًا كَأَنَّمَا * يُلَاحَظُ مَعْنَاهُ بِعَيْنِ الْمُرَاقِبِ وَعَجْزُ الْوَرَى عَنْ أَنْ يَجِيئُوا بِمِثْلِ مَا * وَصَفْنَاهُ مَعْلُومٌ بِطُولِ التَّجَارِبِ تَأَبَّى بِعَبْدِ اللَّهِ أَكْرَمِ وَالِدٍ * تَبَلَّجَ مِنْهُ عَنْ كَرِيمِ الْمَنَاسِبِ (1) وَشَيْبَةَ ذِي الْحَمْدِ الَّذِي فَخِرَتْ بِهِ * قُرَيْشٌ عَلَى أهل العلى وَالْمَنَاصِبِ وَمَنْ كَانَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ * وَيَصْدُرُ عَنْ آرَائِهِ فِي النَّوَائِبِ وَهَاشِمٍ الْبَانِي مَشِيدَ افْتِخَارِهِ * بِغُرِّ الْمَسَاعِي وَامْتِنَانِ الْمَوَاهِبِ وَعَبْدِ مَنَافٍ وهو علم قومه اش * تطاط الْأَمَانِي وَاحْتِكَامَ الرَّغَائِبِ (2) وَإِنَّ قُصَيًّا مِنْ كَرِيمٍ غِرَاسُهُ * لَفِي مَنْهَلٍ لَمْ يَدْنُ مِنْ كَفِّ قاضب به جمع الله القبائل بعدما * تَقَسَّمَهَا نَهْبُ الْأَكُفِّ السَّوَالِبِ وَحَلَّ كِلَابٌ مِنْ ذُرَى الْمَجْدِ مَعْقِلًا * تَقَاصَرَ عَنْهُ كُلُّ دَانٍ وَغَائِبِ وَمُرَّةُ لَمْ يَحْلُلْ مَرِيرَةَ عَزْمِهِ * سِفَاهُ سَفِيهٍ أَوْ مَحُوبَةُ حَائِبِ
وَكَعْبٌ عَلَا عَنْ طالب المجد كعبه * فنال بأدنى السعي أعلا الْمَرَاتِبِ وَأَلْوَى لُؤَيٌّ بِالْعَدَاةِ فَطُوِّعَتْ * لَهُ هِمَمُ الشُّمِّ الْأُنُوفِ الْأَغَالِبِ وَفِي غَالِبٍ بَأْسُ أَبِي الْبَأْسِ دُونَهُمْ * يُدَافِعُ عَنْهُمْ كُلَّ قِرْنٍ مُغَالِبِ وَكَانَتْ لِفِهْرٍ فِي قُرَيْشٍ خَطَابَةٌ * يَعُوذُ بِهَا عِنْدَ اشْتِجَارِ الْمَخَاطِبِ وَمَا زَالَ مِنْهُمْ مَالِكٌ خير مالك * وأكرم مصحوب وأكرم صاحب
(1) تبلج: أضاء.
(2)
اشتطاط: ابتعاد.
[*]
وَلِلنَّضْرِ طَوْلٌ يَقْصُرُ الطَّرْفُ دُونَهُ * بِحَيْثُ الْتَقَى ضَوْءُ النُّجُومِ الثَّوَاقِبِ لَعَمْرِي لَقَدْ أَبْدَى كِنَانَةَ قَبْلَهُ * مَحَاسِنَ تَأْبَى أَنْ تَطُوعَ لِغَالِبِ وَمِنْ قَبْلِهِ أَبْقَى خُزَيْمَةُ حَمْدَهُ * تَلِيدَ تُرَاثٍ عَنْ حَمِيدِ الْأَقَارِبِ وَمُدْرِكَةٌ لَمْ يُدْرِكِ النَّاسُ مِثْلَهُ * أَعَفَّ وَأَعْلَى عَنْ دَنِيِّ الْمَكَاسِبِ وَإِلْيَاسُ كَانَ الْيَأْسُ مِنْهُ مُقَارِنًا * لِأَعْدَائِهِ قَبْلَ اعْتِدَادِ الْكَتَائِبِ وَفِي مُضَرَ يَسْتَجْمِعُ الْفَخْرَ كُلَّهُ * إِذَا اعْتَرَكَتْ يَوْمًا زُحُوفُ الْمَقَانِبِ وَحَلَّ نِزَارٌ مِنْ رِيَاسَةِ أَهْلِهِ * مَحَلًّا تَسَامَى عَنْ عُيُونٍ الرَّوَاقِبِ وَكَانَ مَعَدٌّ عُدَّةً لِوَلِيِّهِ * إِذَا خَافَ مِنْ كَيْدِ العدو المحارب وما زال عَدْنَانُ إِذَا عُدَّ فَضْلُهُ * تَوَحَّدَ فِيهِ عَنْ قَرِينٍ وَصَاحِبِ وَأُدٌّ تَأَدَّى الْفَضْلُ مِنْهُ بِغَايَةٍ * وَارْثٌ حَوَاهُ عَنْ قُرُومٍ أَشَايِبِ وَفِي أُدَدٍ حلم تزيد بالحجا * إذا الحلم أزهاه قطوب الحواجب وما زال يَسْتَعْلِي هَمَيْسَعُ بِالْعُلَى * وَيَتْبَعُ آمَالَ الْبَعِيدِ الْمُرَاغِبِ ونبت نبته دَوْحَةُ الْعِزِّ وَابْتَنَى * مَعَاقِلَهُ فِي مُشْمَخِرِّ الْأَهَاضِبِ وحيزت لقيذار سماحة حاتم * وحكمة لقمان وهمه حاجب
هموا نَسْلُ إِسْمَاعِيلَ صَادِقِ وَعْدِهِ * فَمَا بَعْدَهُ فِي الْفَخْرِ مَسْعًى لِذَاهِبِ وَكَانَ خَلِيلُ اللَّهِ أَكْرَمَ مَنْ عَنَتْ * لَهُ الْأَرْضُ مِنْ مَاشٍ عَلَيْهَا وراكب وتارح ما زالت لَهُ أَرْيَحِيَّةٌ * تُبَيِّنُ مِنْهُ عَنْ حَمِيدِ الْمَضَارِبِ وَنَاحُورُ نَحَّارُ الْعِدَى حُفِظَتْ لَهُ * مَآثِرُ لَمَّا يُحْصِهَا عَدُّ حَاسِبِ وَأَشْرَعُ فِي الْهَيْجَاءِ ضَيْغَمُ غَابَةٍ * يَقُدُّ الطُّلَى بِالْمُرْهَفَاتِ الْقَوَاضِبِ وَأَرْغَوُ نَابٌ فِي الْحُرُوبِ مُحَكَّمٌ * ضَنِينٌ عَلَى نَفْسِ الْمُشِحِّ الْمُغَالِبِ وَمَا فَالِغٌ فِي فَضْلِهِ تِلْوَ قَوْمِهِ * وَلَا عَابِرٌ مِنْ دُونِهِمْ فِي الْمَرَاتِبِ وَشَالِخْ وَأَرْفَخْشَذْ وَسَامٌ سَمَتْ بِهِمْ * سَجَايَا حَمَتْهُمْ كُلَّ زار وعائب وما زال نوح عندي ذِي الْعَرْشِ فَاضِلًا * يُعَدِّدُهُ فِي الْمُصْطَفَيْنِ الْأَطَايِبِ وَلَمْكٌ أَبُوهُ كَانَ فِي الرَّوْعِ رَائِعًا * جَرِيئًا عَلَى نَفْسِ الْكَمِيِّ الْمُضَارِبِ وَمِنْ قَبْلِ لَمْكٍ لم يزل متوشلخ * يذود العدى بالذائدات الشوازب وَكَانَتْ لِإِدْرِيسَ النَّبِيِّ مَنَازِلٌ * مِنَ اللَّهِ لَمْ تُقْرَنْ بِهِمَّةِ رَاغِبِ وَيَارَدُ بَحْرٌ عِنْدَ آلِ سَرَاتِهِ * أَبِيُّ الْخَزَايَا مُسْتَدِقُّ الْمَآرِبِ وَكَانَتْ لِمِهْلَايِيلَ فَهْمُ فَضَائِلٍ * مُهَذَّبَةٍ مِنْ فَاحِشَاتِ الْمَثَالِبِ وَقَيْنَانُ من قبل اقتنى مجد قومه * وفاد بِشَأْوِ الْفَضْلِ وَخْدَ الرَّكَائِبِ وَكَانَ أَنُوشٌ نَاشَ للمجد نفسه * ونزهها عن مرديات المطالب
وما زال شِيثٌ بِالْفَضَائِلِ فَاضِلًا * شَرِيفًا بَرِيئًا مِنْ ذَمِيمِ الْمَعَائِبِ وَكُلُّهُمُ مِنْ نُورِ آدَمَ أَقْبَسُوا * وَعَنْ عُودِهِ أَجْنَوْا ثِمَارَ الْمَنَاقِبِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ أَكْرَمَ مُنْجَبٍ * جَرَى فِي ظُهُورِ الطَّيِّبِينَ الْمَنَاجِبِ مُقَابَلَةً آبَاؤُهُ أُمَّهَاتِهِ * مُبَرَّأَةٌ مِنْ فَاضِحَاتِ الْمَثَالِبِ عَلَيْهِ سَلَامُ اللَّهِ فِي كُلِّ شَارِقٍ * أَلَاحَ لَنَا ضَوْءًا وَفِي كُلِّ غَارِبِ
هَكَذَا أَوْرَدَ القصيدة الشيخ أبو عمر بن عَبْدِ الْبَرِّ وَشَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ فِي تَهْذِيبِهِ مِنْ شِعْرِ الْأُسْتَاذِ أَبِي العبَّاس عبد الله بن محمد الناشي الْمَعْرُوفِ بِابْنِ شِرْشِيرٍ (1) أَصْلُهُ مِنَ الْأَنْبَارِ وَرَدَ بَغْدَادَ ثُمَّ ارْتَحَلَ إِلَى مِصْرَ فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ مُتَكَلِّمًا مُعْتَزِلِيًّا يَحْكِي عَنْهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمَقَالَاتِ فِيمَا يَحْكِي عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ وَكَانَ شَاعِرًا مُطَبِّقًا حَتَّى أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ اقْتِدَارِهِ عَلَى الشِّعْرِ كَانَ يُعَاكِسُ الشُّعَرَاءَ فِي الْمَعَانِي فَيَنْظِمُ فِي مُخَالَفَتِهِمْ وَيَبْتَكِرُ مَا لَا يُطِيقُونَهُ مِنَ الْمَعَانِي الْبَدِيعَةِ وَالْأَلْفَاظِ الْبَلِيغَةِ حَتَّى نَسَبَهُ بَعْضُهُمْ إِلَى التَّهَوُّسِ وَالِاخْتِلَاطِ وَذَكَرَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ أَنَّ لَهُ قَصِيدَةً عَلَى قَافِيَةٍ وَاحِدَةٍ قَرِيبًا مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافِ بَيْتٍ ذَكَرَهَا النَّاجِمُ وَأَرَّخَ وَفَاتَهُ كَمَا ذَكَرْنَا.
قُلْتُ: وَهَذِهِ الْقَصِيدَةُ تَدُلُّ عَلَى فَضِيلَتِهِ وَبَرَاعَتِهِ وَفَصَاحَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ وعلمه وفهمه وحفظه وحس لَفْظِهِ وَاطِّلَاعِهِ وَاضْطِلَاعِهِ وَاقْتِدَارِهِ عَلَى نَظْمِ هَذَا النَّسَبِ الشَّرِيفِ فِي سِلْكِ شِعْرِهِ وَغَوْصِهِ عَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي الَّتِي هِيَ جَوَاهِرُ نَفِيسَةٌ مِنْ قَامُوسِ بَحْرِهِ فَرَحِمَهُ اللَّهُ وَأَثَابَهُ وَأَحْسَنَ مَصِيرَهُ وإيابه.
أُصُولِ أَنْسَابِ عَرَبِ الْحِجَازِ إِلَى عَدْنَانَ وَذَلِكَ لِأَنَّ عَدْنَانَ وُلِدَ لَهُ وَلَدَانِ مَعَدٌّ وَعَكٌّ.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَلِعَدْنَانَ أَيْضًا ابْنٌ اسْمُهُ الْحَارِثُ وَآخَرُ يُقَالَ لَهُ الْمُذْهَبُ.
قَالَ وَقَدْ ذُكِرَ أَيْضًا فِي بَنِيهِ الضَّحَّاكُ.
وَقِيلَ إِنَّ الضَّحَّاكَ ابْنٌ لِمَعَدٍّ لَا ابْنُ عَدْنَانَ.
قَالَ وَقِيلَ إِنَّ عَدَنَ الَّذِي تُعْرَفُ بِهِ مَدِينَةُ عَدَنَ وَكَذَلِكَ أَبْيَنُ كَانَا ابْنَيْنِ لِعَدْنَانَ حَكَاهُ الطَّبَرِيُّ (2) فتزوج عك في الأشعريين وسكن في
(1) ابن شرشير: اسم طائر يصل إلى الديار المصرية في زمن الشتاء وهو أكبر من الحمام بقليل وهو كثير الوجود بساحل دمياط وباسمه سمي الرجل.
وابن شرشير هو الناشئ الاكبر، كان نحويا عروضيا متكلما أقام ببغداد مدة طويلة ثم رحل إلى مصر وأقام بها إلى آخر عمره.
كَانَ مُتَبَحِّرًا فِي عِدَّةِ عُلُومٍ مِنْ جُمْلَتِهَا علم المنطق وكان بقوة علم الكلام نقض علل النحاة وأدخل على قواعد العروض شبها ومثلها بغير أمثلة الخليل مات سنة 293 (شذرات الذهب 2 / 214) .
(2)
في نهاية الارب 321: قال الزهري: كان لعدنان ستة أولاد: معد، وعبل واسمه الديب، وعدن وبه سميت
عدن من اليمن، وأد، وأبي الضحاك، والعني.
وأمهم مهدد.
وقال في جمهرة الانساب ص 9: ولد عدنان: معد، وعك وقيل اسمه الحارث وقد قيل: عك بن الديث بن عدنان.
[*]
بِلَادِهِمْ مِنَ الْيَمَنِ فَصَارَتْ لُغَتُهُمْ وَاحِدَةً فَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْيَمَنِ أَنَّهُمْ مِنْهُمْ فَيَقُولُونَ عَكُّ بْنُ عَدْنَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَزْدِ بْنِ يَغُوثَ وَيُقَالُ (1) عَكُّ بْنُ عَدْنَانَ بْنِ الذِّيبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَسَدِ وَيُقَالَ الرَّيْثُ بَدَلَ الذِّيبِ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُمْ مِنْ عَدْنَانَ.
قَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ: وَعَكُّ بْنُ عَدْنَانَ الَّذِينَ تَلَعَّبُوا * بِغَسَّانَ حَتَّى طُرِّدُوا كُلَّ مَطْرَدِ (2) وَأَمَّا مَعَدٌّ فَوُلِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ نِزَارٌ وَقُضَاعَةُ وَقَنَصٌ وَإِيَادٌ (3) وَكَانَ قُضَاعَةُ بِكْرَهُ وَبِهِ كَانَ يُكَنَّى وَقَدْ قَدَّمْنَا الْخِلَافَ فِي قُضَاعَةَ وَلَكِنَّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ وَغَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا قَنَصٌ فَيُقَالُ إِنَّهُمْ هَلَكُوا وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ بَقِيَّةٌ إِلَّا أَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ الَّذِي كَانَ نَائِبًا لِكِسْرَى عَلَى الْحِيرَةِ كَانَ مِنْ سُلَالَتِهِ عَلَى قَوْلِ طَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ وَقِيلَ بَلْ كَانَ مِنْ حِمْيَرَ كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا نِزَارٌ فَوُلِدَ لَهُ رَبِيعَةُ وَمُضَرُ وَأَنْمَارٌ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَإِيَادُ بْنُ نِزَارٍ كَمَا قَالَ الشَّاعر: وَفُتُوٌّ حَسَنٌ أَوْجُهُهُمْ * مِنْ إِيَادِ بن نزار بن معد قال [ابن هشام] : وَإِيَادُ وَمُضَرُ شَقِيقَانِ أُمُّهُمَا سَوْدَةُ بِنْتُ عَكِّ بْنِ عَدْنَانَ وَأُمُّ رَبِيعَةَ وَأَنْمَارٍ شُقَيْقَةُ بِنْتُ عَكِّ بْنِ عَدْنَانَ.
وَيُقَالُ جُمْعَةُ بِنْتُ عَكِّ بْنِ عَدْنَانَ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَأَمَّا أَنْمَارٌ فَهُوَ وَالِدُ خَثْعَمٍ وَبَجِيلَةَ (4) قَبِيلَةِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ وَقَدْ تَيَامَنَتْ فَلَحِقَتْ بِالْيَمَنِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَهْلُ الْيَمَنِ يَقُولُونَ: أَنْمَارُ بْنُ أَرَاشِ بْنِ لَحْيَانَ بْنِ عَمْرِو بن الغوث بن نبت بن ملك بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ.
قُلْتُ: وَالْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ فِي ذِكْرِ سَبَأٍ يَدُلُّ عَلَى هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالُوا: وَكَانَ مُضَرُ أَوَّلَ مَنْ حَدَا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ فَسَقَطَ يَوْمًا عَنْ بَعِيرِهِ فَوَثَبَتْ يَدُهُ فَجَعَلَ يقول وايدياه وايدياه فَأَعْنَقَتِ الْإِبِلُ لِذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَوَلَدَ مضر بن نزار
= والظاهر أن كلمة الديث مقحمة.
فكل الذين عرضوا لعك بن عدنان لم يذكروه في نسبهم.
وفي الجمهرة أن الضحاك ولد لمعد بن عدنان.
(1)
هذا قول ابن قتيبة في المعارف، وابن دريد في الاشتقاق والجواني في أصول الاحساب.
(2)
كذا في الاصل وفي ابن هشام: تلقبوا.
(3)
لا خلاف بين النسابين في نسب نزار لمعد، وأما سائر ولده فمختلف فيهم وفي عددهم.
وفي الجمهرة لم يأت على قضاعة، وذكر عبيد الرماح بن معد، واعتبر الضحاك ولدا لمعد.
وفي الطبري زاد: قناصة وسنام وحيدان وحيدة وحيادة وجنيد وجنادة والقحم.
والعرف وعوف وشك.
(4)
في نهاية الارب: قال ابن الكلبي: أن انمار هذا لا عقب له إلا ما يقال في بجيلة وخثعم فإنه يقال انهم ابناء انمار.
وقال في العبر: وبجيلة تنكر هذا.
وأما أنمار فهو كما قال أبو عبيد: خثعم وعنفر والغوث وهنية وخزيمة وامهم بجيلة بنت صعب بن سعد العشيرة ص 216.
[*]
رَجُلَيْنِ إِلْيَاسَ وَعَيْلَانَ (1) وَوُلِدَ لِإِلْيَاسَ مُدْرِكَةُ وَطَابِخَةُ وَقَمَعَةُ (2) وَأُمُّهُمْ خِنْدِفُ بِنْتُ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَكَانَ اسْمُ مُدْرِكَةَ عَامِرًا وَاسْمُ طَابِخَةَ عَمْرًا وَلَكِنِ اصْطَادَ صَيْدًا فَبَيْنَا هُمَا يَطْبُخَانِهِ إِذْ نَفَرَتِ الْإِبِلُ فَذَهَبَ عَامِرٌ فِي طَلَبِهَا حَتَّى أَدْرَكَهَا وَجَلَسَ الْآخَرُ يَطْبُخُ فَلَمَّا رَاحَا عَلَى أَبِيهِمَا ذَكَرَا لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لِعَامِرٍ: أَنْتَ مُدْرِكَةُ وَقَالَ لِعَمْرٍو: أَنْتَ طَابِخَةُ قَالَ: وَأَمَّا قَمْعَةُ فَيَزْعُمُ نُسَّابُ مُضَرَ أَنَّ خُزَاعَةَ مِنْ وَلَدِ عَمْرِو بْنِ لُحَيِّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ إِلْيَاسَ.
قُلْتُ: والأظهر أنه منها لَا وَالِدُهُمْ وَأَنَّهُمْ مِنْ حِمْيَرَ كَمَا تَقَدَّمَ (3) وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَوَلَدَ مُدْرِكَةُ خزيمة وهذيل وَأُمُّهُمَا امْرَأَةٌ مِنْ قُضَاعَةَ وَوَلَدَ خُزَيْمَةُ كِنَانَةَ وأسداً وأسدة (4) والهون وَزَادَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ (5) : فِي أَبْنَاءِ كِنَانَةَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ عَامِرًا وَالْحَارِثَ وَالنُّضَيْرَ وَغَنْمًا وسعدا وعوفا وجرولا والحدال وغزوان.
قال [ابن إسحاق] وَوَلَدَ كِنَانَةُ النَّضْرَ (6) وَمَالِكًا وَعَبْدَ مَنَاةَ وَمِلْكَانَ.
قُرَيْشٍ نَسَبًا وَاشْتِقَاقًا وَفَضْلًا وَهُمْ بَنُو النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَأُمُّ النَّضْرِ بَرَّةُ بِنْتُ مُرِّ بْنِ أَدِّ بْنِ طَابِخَةَ [بْنِ إِلْيَاسِ بن مضر] وَسَائِرُ بَنِيهِ لِامْرَأَةٍ أُخْرَى.
وَخَالَفَهُ ابْنُ هِشَامٍ فجعل برة بنت مرام النَّضْرِ وَمَالِكٍ وَمِلْكَانَ.
وَأُمَّ عَبْدِ مَنَاةَ هَالَةَ بِنْتَ سُوَيْدِ بْنِ الْغِطْرِيفِ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ (7) .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: النَّضْرُ هُوَ قُرَيْشٌ فَمَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِهِ فَهُوَ قُرَشِيٌّ (8) ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَلَدِهِ فَلَيْسَ بِقُرَشِيٍّ.
وَقَالَ: وَيُقَالَ: فهر بن مالك هو قريش.
(1) في نهاية الارب 376: وفي الروض الانف إياس.
وعيلان قيل هو قيس عيلان وامهما اسمى بنت سود بنت أسلم بن الحارث بن قضاعة وفي كتاب نسب قريش ص 7 هي الحنفاء ابنة إياد بن معد وفي الطبري: أم الياس الرباب بنت حيدة بن معد.
(2)
قمعة وهو عمير وسمي قمعة لانه انقمع في الخباء وقعد (نهاية الارب ص 228 - الجمهرة ص 10) .
(3)
كذا في نهاية الارب والجمهرة وتقدم التعليق فليراجع.
(4)
لم يذكر ابن قتيبة في المعارف أسدة، وفي الجمهرة: إن لخما وجذام وعاملة هم بنو أسدة بن خزيمة ص 11.
وأم كنانة عوانة بنت سعد بن قيس بن عيلان.
(5)
كذا في الاصل والعبارة مختلة المعنى.
وعبارة الطبري بتمامها ج 2 / 188.
(6)
النضر واسمه قيس كما في الطبري.
وفي جمهرة الانساب ملك بدل مالك وقال لم يعقب لكنانة ولد غير هولاء.
(7)
وفي الطبري: أم عبد مناة فكيهة وقيل فكهة وهي الذفراء بنت هني بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة.
(8)
قرشي: قال صاحب اللسان في مادة قرش: قريش غير مصروف إذا أردت القبيلة، والنسب إليه قرشي نادر، وقريشي على القياس.
قال: بكل قريشي عليه مهابة * سريع إلى داعي الندى والتكرم قال ابن بري: اثبات الياء في النسب إلى قريش.
وقال في التهذيب: إذا نسبوا إلى قريش قالوا: قرشي بحذف الزيادة وللشاعر إذا اضطر أن يقول قريشي.
[*]
فَمَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِهِ فَهُوَ قُرَشِيٌّ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَلَدِهِ فَلَيْسَ بِقُرَشِيٍّ.
وَهَذَانَ الْقَوْلَانِ قَدْ حَكَاهُمَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ النَّسَبِ كَالشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَالزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ وَمُصْعَبٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ.
قَالَ
أَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَالَّذِي عَلَيْهِ الأكثرون أنه النضر بن كنانة لحديث الأسعد (1) بْنِ قَيْسٍ قُلْتُ: وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ وَأَبُو عبيدة معمر بن المثنى وهو جا مَذْهَبِ الشَّافعي رضي الله عنه.
ثُمَّ اخْتَارَ أَبُو عُمَرَ أَنَّهُ فِهْرُ بْنُ مَالِكٍ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ الْيَوْمَ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إِلَى قُرَيْشٍ إِلَّا وَهُوَ يَرْجِعُ فِي نَسَبِهِ إِلَى فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ ثُمَّ حَكَى اخْتِيَارَ هَذَا الْقَوْلِ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ وَمُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيِّ وَعَلِيِّ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: وَإِلَيْهِمُ الْمَرْجِعُ فِي هَذَا الشَّأْنِ وَقَدْ قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: وَقَدْ أَجْمَعَ نُسَّابُ قُرَيْشٍ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ قُرَيْشًا إِنَّمَا تَفَرَّقَتْ مِنْ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ وَالَّذِي عَلَيْهِ مَنْ أدركتُ مِنْ نُسَّابِ قُرَيْشٍ أَنَّ وَلَدَ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ قُرَشِيٌّ وَأَنَّ مَنْ جَاوَزَ فِهْرَ بْنَ مَالِكٍ بِنَسَبِهِ فَلَيْسَ مِنْ قُرَيْشٍ ثمَّ نَصَرَ هَذَا الْقَوْلَ نَصْرًا عَزِيزًا وَتَحَامَى لَهُ بِأَنَّهُ وَنَحْوَهُ أَعْلَمُ بِأَنْسَابِ قَوْمِهِمْ وأحفظ لما آثرهم (2) .
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ (3) مِنْ حَدِيثِ كُلَيْبِ بْنِ وَائِلٍ قَالَ قَلْتُ لِرَبِيبَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يعني زينب [بنت أبي سلمة]- فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ أَخْبِرِينِي عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَكَانَ مِنْ مُضَرَ؟ قَالَتْ فَمِمَّنْ كَانَ إِلَّا مِنْ مُضَرَ.
مِنْ بَنِي النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ.
وَقَالَ الطَّبرانيّ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَائِلَةَ الْأَصْبَهَانِيُّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَمْرٍو الْبَجَلِيُّ ثنا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عن الجشيش (4) الْكِنْدِيِّ قَالَ جَاءَ قَوْمٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقالوا أنت منا وادعوه فقال: " لَا، نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ لَا نقف أمناً ولا ننتفي من أبينا "(5) .
(1) كذا في الاصل: والصواب كما في البخاري والبيهقي والسمعاني: الاشعث.
(2)
اختلف النسابون في قريش فمنهم من قال اسم شخص ومنهم من قال اسم حي أو اسم قبيلة.
قيل هو قريش بن بدر بن يخلد بن النضر وبه سميت قريشا.
وقيل ان النضر بن كنانة كان اسمه قريشا وقيل القرشي.
وقيل أن فهر بن مالك هو جماع قريش، وقيل قريش ولده ولا قريش غيرهم ولا يكون قريشي إلا منهم ولا من ولد فهر أحد إلا قريشي.
وقيل إن قريشا اسم لفهر وان فهر لقب عليه.
وقال المبرد: إن التسمية لقريش وقعت لقصي بن كلاب.
وعند القلقشندي: أن قريش قبيلة من كنانة غلب عليهم اسم أبيهم فقيل لهم قريش على ما ذهب إليه جمهور النسابين وهو الاصح من الوجهين عند الشافعية.
(انظر الانساب للسمعاني - الطبري - ابن الاثير - جمهرة الانساب - نهاية الارب - طبقات ابن سعد) .
(3)
اول كتاب المناقب فتح الباري (6: 525) ورواه الاسماعيلي من رواية حبان بن هلال، عن عبد الواحد.
(4)
في أُسد الغابة: جفشيش.
(5)
لا نقفو أمنا: أي لا نتهمها ولا نقذفها، يقال قفا فلان فلانا إذا قذفه بما ليس فيه، وقيل معناه لا نترك النسب [*]
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ثنا أَبِي ثنا الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ كندة يقال له الجشيش إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يارسول اللَّهِ إِنَّا نَزْعُمُ أَنَّ عَبْدَ مَنَافٍ مِنَّا، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثمَّ عَادَ فَقَالَ: مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهُ، ثمَّ عَادَ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ بن كنانة لا نقف أمناً ولا ننتفي من أبينا " قفال الْأَشْعَثُ أَلَا كُنْتَ سَكَتَّ مِنَ الْمَرَّةِ الْأُولَى فَأَبْطَلَ ذَلِكَ قَوْلَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا غَرِيبٌ أَيْضًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْكَلْبِيُّ ضَعِيفٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ (1) حَدَّثَنَا بَهْزٌ وعفَّان قَالَا ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ.
قَالَ ثني عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَقَالَ عفَّان عَقِيلُ بْنُ طَلْحَةَ السُّلَمِيُّ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ الْهَيْصَمِ عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَفْدِ كِنْدَةَ.
قَالَ عَفَّانُ - لَا يَرَوْنِي أَفْضَلَهُمْ قَالَ فقلت يارسول اللَّهِ.
إِنَّا نَزْعُمُ أَنَّكُمْ مِنَّا قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَحْنُ بنو النضر بن كنانة لا نقف أُمَّنَا وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا.
قَالَ: فَقَالَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: فَوَاللَّهِ لَا أَسْمَعُ أَحَدًا نَفَى قُرَيْشًا مِنَ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ إِلَّا جَلَدْتُهُ الْحَدَّ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ (2) مِنْ طُرُقٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ وَهُوَ فَيْصَلٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَا الْتِفَاتَ إِلَى قَوْلِ مَنْ خَالَفَهُ والله أعلم ولله الحمد والمنة.
وَقَدْ قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَطِيَّةَ التَّمِيمِيُّ يَمْدَحُ هِشَامَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ:
فَمَا الْأُمُّ الَّتِي وَلَدَتْ قُرَيْشًا * بمُقْرِفَة النِّجَارِ وَلَا عَقِيمِ (3) وَمَا قِرْمٌ بأنجبَ مِنْ أَبِيكُمْ * وَلَا خالٌ بِأَكْرَمَ مِنْ تَمِيمِ (4) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَعْنِي أَمَّ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ وَهِيَ بَرَّةُ بِنْتُ مُرٍّ أُخْتُ تَمِيمِ بْنِ مُرٍّ.
وَأَمَّا اشْتِقَاقُ قُرَيْشٍ فَقِيلَ مِنَ التَّقَرُّشِ وَهُوَ التَّجَمُّعُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَذَلِكَ فِي زَمَنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ فَجَمَعَهُمْ بِالْحَرَمِ (5) كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَقَدْ قَالَ حُذَافَةُ بْنُ غَانِمٍ الْعَدَوِيُّ (6) : أَبُوكُمْ قُصَيٌّ كَانَ يُدْعَى مُجَمِّعًا * بِهِ جمع الله القبائل من فهر
= إلى الآباء وننتسب إلى الامهات (النهاية 2 / 303) .
(1)
مسند الإمام أحمد ج 5 / 211 وأخرجه البيهقي في الدلائل ج 1 / 173 وفيه: مسلم بن هيضم.
(2)
كتاب الحدود - باب - من نفى رجلا من قبيلته (2 / 871) .
(3)
المقرفة يعني اللئيمة، والنجار: الاصل.
العقيم: التي لا تحمل.
(4)
القرم: استعاره هنا للرجل السيد ; وهو الفحل من الابل.
(5)
في الطبري ج 2 / 182: وجمع قبائل قريش فأنزلهم أبطح مكة وكان بعضهم في الشغاب ورؤوس جبال مكة فقسم منازلهم بينهم فسمى مجمعا.
(6)
في الطبري: مطرود وفي الازرقي فكالاصل.
[*]
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ قُصَيٌّ يُقَالَ لَهُ قُرَيْشٌ قِيلَ مِنَ التَّجَمُّعِ وَالتَّقَرُّشُ التَّجَمُّعُ كَمَا قَالَ أَبُو خَلْدَةَ الْيَشْكُرِيُّ (1) : إِخْوَةٌ قَرَشُوا الذُّنُوبَ عَلَيْنَا * فِي حَدِيثٍ مِنْ دَهْرِنَا وَقَدِيمِ (2) وَقِيلَ سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ مِنَ التَّقَرُّشِ وَهُوَ التَّكَسُّبُ وَالتِّجَارَةُ حَكَاهُ ابْنُ هِشَامٍ رحمه الله.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْقِرْشُ الْكَسْبُ وَالْجَمْعُ وَقَدْ قَرَشَ يَقْرِشُ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَبِهِ سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ وَهِيَ قَبِيلَةٌ وَأَبُوهُمُ النَّضْرُ بْنُ كِنَانَةَ فَكُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِهِ فَهُوَ قُرَشِيٌّ دُونَ وَلَدِ كِنَانَةَ فَمَا فَوْقَهُ.
وَقِيلَ مِنَ التَّفْتِيشِ قَالَ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ كَانَ النَّضْرُ بْنُ كِنَانَةَ تَسَمَّى قُرَيْشًا لِأَنَّهُ كَانَ يَقْرُشُ عَنْ خَلَّةِ النَّاسِ
وَحَاجَتِهِمْ فَيَسُدُّهَا بماله والتقريش هُوَ التَّفْتِيشُ وَكَانَ بَنُوهُ يَقْرُشُونَ أَهْلَ الْمَوْسِمِ عَنِ الْحَاجَّةِ فَيَرْفِدُونَهُمْ بِمَا يُبَلِّغُهُمْ بِلَادَهُمْ فَسُمُّوا بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ وَقَرْشِهِمْ قُرَيْشًا وَقَدْ قَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ فِي بَيَانِ أَنَّ التَّقَرُّشَ التَّفْتِيشُ: أَيُّهَا النَّاطِقُ الْمُقَرِّشُ عَنَّا * عِنْدَ عَمْرٍو فَهَلْ لَهُ إِبْقَاءُ (2) حَكَى ذَلِكَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ وَقِيلَ قُرَيْشٌ تَصْغِيرُ قِرْشٍ (3) وَهُوَ دَابَّةٌ فِي الْبَحْرِ قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ: وَقُرَيْشٌ هِي التي تسكن البح * ر بِهَا سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ (4) : أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ أنَّا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْمَالِينِيُّ حَدَّثَنَا محمد ابن الْحَسَنِ بْنُ الْخَلِيلِ النَّسَوِيُّ أَنَّ أَبَا كُرَيْبٍ حَدَّثَهُمْ حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي رُكَانَةَ الْعَامِرِيِّ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: فَلِمَ سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشًا؟ فَقَالَ: لِدَابَّةٍ تَكُونُ فِي الْبَحْرِ تَكُونُ أَعْظَمَ دَوَابِّهِ، فَيُقَالَ لَهَا الْقِرْشُ لا تمر بشئ مِنَ الْغَثِّ وَالسَّمِينِ إِلَّا أَكَلَتْهُ قَالَ فَأَنْشِدْنِي في ذلك شيئاً فأنشد [ته] شِعْرَ الْجُمَحِيِّ إِذْ يَقُولُ: وَقُرَيْشٌ هِيَ الَّتِي تسكن البح * ر بِهَا سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشَا تَأْكُلُ الْغَثَّ وَالسَّمِينَ ولا * تتركن لِذِي الْجَنَاحَيْنِ رِيشَا (5) هَكَذَا فِي الْبِلَادِ حَيُّ قريش * يأكلون البلاد أكلا كميشا
(1) في ابن هشام: أبو جلدة وفيه: من عمرنا بدل من دهرنا.
(2)
في الطبري: لهن انتهاء وفي اللسان: وهل لذاك بقاء.
(3)
في اللسان: قريش دابة في البحر لا تدع دابة إلا أكلتها فجميع الدواب تخافها، وروي عن ابن عباس أن النضر كان في سفينة فطلعت عليهم دابة قريش فرماها بسهم فقتلها وحملها إلى مكة فسمي باسمها (نهاية الارب 356) .
(4)
أخرجه في دلائل النبوة ج 1 / 180 - 181 وفيه أبي ريحانة العامري بدل من أبي ركانة.
(5)
في البيهقي: ولا تترك فيها لذي جناحين ريشا.
[*]
وَلَهُمْ آخِرَ الزَّمَانِ نَبِيٌّ * يُكْثِرُ الْقَتْلَ فِيهِمْ وَالْخُمُوشَا وَقِيلَ سُمُّوا بِقُرَيْشِ بْنِ الْحَارِثِ (1) بْنِ يَخْلُدَ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ وَكَانَ دَلِيلَ بَنِي النَّضْرِ وَصَاحِبِ مِيرَتِهِمْ فَكَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ: قَدْ جَاءَتْ عِيرُ قُرَيْشٍ قَالُوا وَابْنُ بَدْرِ بْنِ قُرَيْشٍ هُوَ الَّذِي حَفَرَ الْبِئْرَ الْمَنْسُوبَةَ إِلَيْهِ (2) الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهَا الْوَقْعَةُ الْعُظْمَى يَوْمَ الْفُرْقَانِ (3) يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيُقَالُ فِي النِّسْبَةِ إِلَى قُرَيْشٍ قُرَشِيُّ وَقُرَيْشِيُّ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَهُوَ الْقِيَاسُ.
قَالَ الشَّاعِرُ: لِكُلِّ قُرَيْشِيٍّ عَلَيْهِ مَهَابَةٌ * سَرِيعٌ إِلَى دَاعِي النَّدَا وَالتَّكَرُّمِ قَالَ فَاذَا أَرَدْتَ بِقُرَيْشٍ الْحَيَّ صَرَفْتَهُ وَإِنْ أَرَدْتَ الْقَبِيلَةَ مَنَعْتَهُ قَالَ الشَّاعِرُ فِي تَرْكِ الصَّرْفِ: * وَكَفَى قُرَيْشَ الْمُعْضِلَاتِ وَسَادَهَا (4) * وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أبي عمرو الأوزاعي قَالَ: حَدَّثَنِي شَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ حَدَّثَنِي وَاثِلَةُ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إن الله [تعالى] اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا من كنانة، واصطفى هاشماً من قريش وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ "(5) .
قَالَ أَبُو عُمَرَ بن عَبْدِ الْبَرِّ يُقَالَ بَنُو عَبْدِ المطَّلب فَصِيلَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَنُو هَاشِمٍ فَخِذُهُ وَبَنُو عَبْدِ مَنَافٍ بَطْنُهُ وَقُرَيْشٌ عِمَارَتُهُ وَبَنُو كِنَانَةَ قَبِيلَتُهُ وَمُضَرُ شِعْبُهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَوَلَدَ النَّضْرُ بْنُ كنانة مالكاً ومخلداً (6) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَالصَّلْتَ وَأُمُّهُمْ جَمِيعًا بِنْتُ سَعْدِ بْنِ الظَّرِبِ الْعَدْوَانِيِّ (7) .
قَالَ كُثَيِّرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ أَحَدُ بَنِي مليح بن عمرو من خزاعة:
(1) في ابن حزم: قريش بن بدر بن يخلد بن النضر.
1 / 9 وفي الطبري قريش بن بدر بن يخلد بْنِ الْحَارِثِ بْنِ يَخْلُدَ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كنانة.
(2)
في الطبري: سميت بدرا بدرا.
(3)
يوم الفرقان: وقعة بدر التي أظهر الله بها الاسلام وفرق بين الحق والباطل.
وبين بدر والمدينة سبعة برد.
(4)
البيت لعدي بن الرقاع يمدح الوليد بن عبد الملك وصدره في اللسان: غلب المساميح الوليد سماحة..وقيل في قريش أن بعضهم نظر إلى النضر فقال انظروا إلى النضر كأنه جمل قريش.
وقيل سميت قريشا من أجل أنها تقرشت عن الغارات.
وقيل لغلبة قريش وقهرهم سائر القبائل.
(5)
أخرجه مسلم في أول كتاب الفضائل باب فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم ح 1 ص 1782.
وأخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح وأخرجه الإمام أحمد في مسنده 4 / 107 وأخرجه البيهقي في دلائله 1 / 165 - 166.
(6)
في ابن هشام والطبري: يخلد.
(7)
في الطبري عكرشة بنت الحارث بن عمرو بن قيس العدواني وعند ابن إسحاق عاتكة بنت عدوان.
وفي ابن الاثير: اسمها عاتكة ولقبها عكرشة.
[*]
أَلَيْسَ أَبِي بِالصَّلْتِ أَمْ لَيْسَ إِخْوَتِي * لِكُلِّ هِجَانٍ مِنْ بَنِي النَّضْرِ أَزْهَرَا (1) رَأَيْتُ ثِيَابَ الْعَصْبِ مُخْتَلِطَ السَّدَى * بِنَا وَبِهِمْ وَالْحَضْرَمِيَّ الْمُخَصَّرَا (2) فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا مِنْ بَنِي النَّضْرِ فَاتْرُكُوا * أراكا بأذناب الفواتج أَخْضَرَا (3) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَنُو مَلِيحِ بْنِ عَمْرٍو يُعْزَوْنَ إِلَى الصَّلْتِ بْنِ النَّضْرِ (4) .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَوَلَدَ مَالِكُ بْنُ النَّضْرِ فِهْرَ بْنَ مَالِكٍ، وَأُمُّهُ جَنْدَلَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ (5) بْنِ مُضَاضٍ الْأَصْغَرُ وَوَلَدَ فِهْرٌ غَالِبًا وَمُحَارِبًا وَالْحَارِثَ وَأَسَدًا وَأُمُّهُمْ لَيْلَى بِنْتُ سَعْدِ بْنِ هُذَيْلِ بن مدركة (6) .
قال ابن هشام: وأختهم لأبيهم جَنْدَلَةُ بِنْتُ فِهْرٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَوَلَدَ غَالِبُ بْنُ فِهْرٍ لُؤَيَّ بْنَ غَالِبٍ وَتَيْمَ بْنَ غَالِبٍ وَهُمُ الَّذِينَ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو الْأَدْرَمِ (7) وَأُمُّهُمَا سَلْمَى بِنْتُ عَمْرٍو الْخُزَاعِيِّ (8) .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَقَيْسُ بْنُ غَالِبٍ وَأُمُّهُ سَلْمَى بِنْتُ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو الْخُزَاعِيِّ وَهِيَ أَمُّ لؤي (9) قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَوَلَدَ لُؤَيُّ بْنُ غَالِبٍ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ كَعْبًا وَعَامِرًا وَسَامَةَ وَعَوْفًا.
قَالَ ابن هشام ويقال: الحارث وَهُمْ جُشَمُ بْنُ الْحَارِثِ فِي هِزَّانَ مِنْ ربيعة وسعد بن لؤي وهما بُنَانَةُ فِي شَيْبَانَ بْنِ
ثَعْلَبَةَ وَبُنَانَةُ (10) حَاضِنَةٌ لهم وخزيمة بن لؤي وهم عايذة في شيبان بن ثعلبة.
(1) الهجان: الكريم الاصل والعالي النسب ; والازهر: المشهور.
(2)
ثياب العصب: ثياب يمنية.
الحضرمي: النعال.
والمخصرة التي تضيق من جانبيها.
(3)
كذا في الاصل وفي ابن هشام الفوائج: وهي رؤوس الاودية وقيل هي عيون.
(4)
الصلت بن مالك، وولده دخلوا في بني مليح من خزاعة، وهم رهط كثير بن عبد الرحمن (الانباه على قبائل الرواه 93 - 94 جمهرة ابن حزم 1 / 12) .
(5)
في الطبري وابن الاثير جندلة بنت عامر بن الحارث.
وقال أبو عبيدة عمر بن المثنى: سلمى بنت أُدِّ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ.
(6)
في الطبري: ولد فهر غالب الحارث ومحارب وأسد وعوف وجون وذئب وأمهم ليلى بنت الْحَارِثِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ هُذَيْلِ بن مدركة.
(7)
الادرم: المدفون الكعبين من اللحم، وهو أيضا المنقوص الدقن وغالب كان كذلك، وبنو الادرم هم اعراب مكة، وهم من قريش الظواهر لا من قريش البطاح.
راجع الطبري.
(8)
في الطبري وابن الاثير: عاتكة بنت النضر بن يخلد بن كنانة وهي أولى العواتك اللاتي ولدن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ قريش.
(9)
في الطبري: أم كعب ماوية.
وأم عوف الباردة بنت عوف بن غنم بن عبد الله بن غطفان خرجت إلى قومها لما مات لؤي وتزوجها سعد بن ذبيان بن بغيض وتبنى عوفا.
(10)
بناتة حاضنة لهم وهي من بني القين كما عند ابن إسحاق وفي الطبري بناتة أمهم.
واعتبر الطبري مخالفا ابن هشام في أن عائذة أم خزيمة.
[*]
ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ خَبَرَ سَامَةَ بْنِ لُؤَيٍّ وَأَنَّهُ خَرَجَ إِلَى عُمان، فَكَانَ بِهَا.
وَذَلِكَ لِشَنَآنٍ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ عَامِرَ فَأَخَافُهُ عَامِرٌ فَخَرَجَ عَنْهُ هَارِبًا إِلَى عُمَانَ وَأَنَّهُ مَاتَ بِهَا غَرِيبًا وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ برعى (1) نَاقَتَهُ فَعَلِقَتْ حَيَّةٌ بِمِشْفَرِهَا فَوَقَعَتْ لِشِقِّهَا ثُمَّ نَهَشَتِ الْحَيَّةُ سَامَةَ حَتَّى قَتَلَتْهُ فَيُقَالَ إِنَّهُ كَتَبَ
بِأُصْبُعِهِ عَلَى الْأَرْضِ: عَيْنُ فَابْكِي لِسَامَةَ بْنِ لُؤَيٍّ * عَلِقَتْ مَا بِسَامَةَ العلَاّقه (2) لَا أَرَى مِثْلَ سَامَةَ بْنِ لُؤَيٍّ * يَوْمَ حَلُّوا بِهِ قَتِيلًا لِنَاقَهْ بَلِّغَا عَامِرًا وَكَعْبًا رَسُولًا * أَنَّ نَفْسِي إِلَيْهِمَا مُشْتَاقَهْ إِنْ تَكُنْ فِي عُمَانَ دَارِي فَإِنِّي * غَالِبِيٌّ خَرَجْتُ مِنْ غَيْرِ فاقه رب كأس هرقت يابن لُؤَيٍّ * حَذَرَ الْمَوْتِ لَمْ تَكُنْ مُهْرَاقَهْ رُمْتَ دفع الخوف يابن لُؤَيٍّ * مَا لِمَنْ رَامَ ذَاكَ بِالْحَتْفِ طَاقَهْ وخروس السرى تركت رزيا * بعد جِد وحِدَّة وَرَشَاقَهْ (3) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ وَلَدِهِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَانْتَسَبَ إِلَى سَامَةَ بْنِ لُؤَيٍّ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " الشاعر؟ فقال له بعض أصحابه: كأنك يارسول الله أردت قوله "؟ رب كأس هرقت يابن لُؤَيٍّ * حَذَرَ الْمَوْتِ لَمْ تَكُنْ مُهْرَاقَهْ فَقَالَ: " أَجَلْ ".
وَذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَمْ يعقب.
وقال الزبير ولد أسامة (4) بْنُ لُؤَيٍّ غَالِبًا وَالنَّبِيتَ وَالْحَارِثَ قَالُوا وَكَانَتْ لَهُ ذُرِّيَّةٌ بِالْعِرَاقِ (5) يُبْغِضُونَ عَلِيًّا وَمِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ كَانَ يَشْتُمُ أَبَاهُ لِكَوْنِهِ سَمَّاهُ عَلِيًّا وَمِنْ بَنِي سَامَةَ بْنِ لُؤَيٍّ مُحَمَّدُ بن عرعرة بن اليزيد شيخ البخاري (6) .
= ووافق ابن قتيبة في المعارف، والسيرة في اعتبار الحارث ولدا للؤي وخالفهما الطبري وابن دريد حيث لم يذكر في ولد لؤي اسما للحارث.
(1)
كذا بالاصل، وفي ابن هشام: بينا هو يسير على ناقته، إذ وضعت رأسها ترتع فأخذت حية بمشفرها فهصرتها حتى وقعت الناقة.
ويخالف صاحب الاغاني في روايته لقصة سامة بن إسحاق، بل كان الخلاف بين سامة وأخيه كعب.
(2)
العلاقة: هنا: الحية التي تعلقت بالناقة.
(3)
خروس السرى: يريد ناقة صموتا على السرى لا تضجر منه.
رزيا في ابن هشام رديا والردى: التي سقطت من الاعياء.
(4)
كذا بالاصل والصواب سامة.
(5)
وهم بنو ناجية الذين قتلهم علي رضي الله عنهم على الردة وسباهم كما عند ابن حزم في الجمهرة ص 13 والاغاني ووفيات الاعيان 1 / 349.
(6)
كذا في الاصل اليزيد وهو تصحيف.
[*]
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَأَمَّا عَوْفُ بْنُ لُؤَيٍّ فَإِنَّهُ خَرَجَ - فِيمَا يَزْعُمُونَ - فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ حَتَّى إِذَا كَانَ بِأَرْضِ غَطَفَانَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ، أُبْطِئَ بِهِ، فَانْطَلَقَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَتَاهُ ثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْدٍ، وَهُوَ أَخُوهُ فِي نَسَبِ بَنِي ذُبْيَانَ، فَحَبَسَهُ وَزَوَّجَهُ وَالْتَاطَهُ (1) وَآخَاهُ.
فَشَاعَ نَسَبُهُ فِي ذُبْيَانَ.
وَثَعْلَبَةَ - فِيمَا يَزْعُمُونَ - (2) .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ (3) بْنِ الزُّبَيْرِ أَوْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابن الْحُصَيْنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَوْ كُنْتُ مُدَّعِيًا حَيًّا مِنَ الْعَرَبِ أَوْ مُلْحِقَهُمْ بِنَا لَادَّعَيْتُ بَنِي مُرَّةَ بْنِ عَوْفٍ، إِنَّا لنعرف منهم الْأَشْبَاهَ مَعَ مَا نَعْرِفُ مِنْ مَوْقِعِ ذَلِكَ الرَّجُلِ حَيْثُ وَقَعَ يَعْنِي عَوْفَ بْنَ لُؤَيٍّ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِرِجَالٍ مِنْهُمْ مِنْ بَنِي مُرَّةَ: إِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَرْجِعُوا إِلَى نَسَبِكُمْ فَارْجِعُوا إِلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ الْقَوْمُ أَشْرَافًا فِي غَطَفَانَ، هُمْ سَادَتُهُمْ وَقَادَتُهُمْ (4) .
قَوْمٌ لَهُمْ صِيتٌ فِي غَطَفَانَ وَقَيْسٍ كلها فأقاموا على نسبهم قالوا وَكَانُوا يَقُولُونَ إِذَا ذُكِرَ لَهُمْ نَسَبُهُمْ مَا نُنْكِرُهُ وَمَا نَجْحَدُهُ وَإِنَّهُ لَأَحَبُّ النَّسَبِ إِلَيْنَا ثُمَّ ذَكَرَ أَشْعَارَهُمْ فِي انْتِمَائِهِمْ إِلَى لُؤَيٍّ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَفِيهِمْ كَانَ الْبَسْلُ (5) وَهُوَ تَحْرِيمُ ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ لَهُمْ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ مِنْ بَيْنِ الْعَرَبِ وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَعْرِفُ لَهُمْ ذَلِكَ وَيَأْمَنُونَهُمْ فِيهَا وَيُؤَمِّنُونَهُمْ أَيْضًا قُلْتُ: وَكَانَتْ رَبِيعَةُ وَمُضَرُ إِنَّمَا يُحَرِّمُونَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنَ السَّنة وَهِيَ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَاخْتَلَفَتْ رَبِيعَةُ وَمُضَرُ فِي الرَّابِعِ وَهُوَ رَجَبٌ فَقَالَتْ: مُضَرُ هُوَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ وقالت ربيعة
= هو محمد بن عريرة بن البرند كما في تقريب التهذيب والكاشف للذهبي وشذرات الذهب توفي سنة 213 هـ.
روى عنه البخاريّ.
(1)
تقدم التعليق على خروج أم عوف الباردة وزواجها في بني ذبيان.
إلتاطه: ألصقه به، وضمه إليه وألحقه بنسبه.
(2)
نقص في العبارة، لعل الساقط سهوا من الناسخ، وتكملته كما في ابن هشام: " الذي يقول لعوف حين أبطئ به فتركه قومه: أحبس علي ابن لؤي جملك * تركك القوم ولا منزل لك وفي الطبري القائل فزارة بن ذبيان وأوله: عرج علي.
(3)
ينتمي إلى الزبير بن العوام الاسدي حدث عن عمه عروة وابن عمه عباد بن عبيد الله كان فقيهاً عالماً وثقه النسائي.
وابن سعد والدارقطني وذكره البخاري في الاوسط.
(4)
ومنهم: هرم بن سنان بن مرة بن أبي حارثة، وخارجة بن سنان، والحارث بن عوف، والحصين بن حمام وهاشم بن حرملة.
(5)
البسل: الحلال والحرام فهو من الاضداد.
[*]
هُوَ الَّذِي بَيْنَ شَعْبَانَ وَشَوَّالٍ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ (1) عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي خُطْبَةِ حِجَّةِ الْوَدَاعِ: " إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ " فَنَصَّ عَلَى تَرْجِيحِ قَوْلِ مُضَرَ لَا رَبِيعَةَ وقد قال الله عزوجل: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عند الله اثني عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّموات وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) فَهَذَا رَدٌّ عَلَى بَنِي عَوْفِ بْنِ لُؤَيٍّ فِي جَعْلِهِمُ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ ثَمَانِيَةً فَزَادُوا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَأَدْخَلُوا فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ رَدٌّ عَلَى أهل النسئ الَّذِينَ كَانُوا يُؤَخِّرُونَ تَحْرِيمَ الْمُحَرَّمِ إِلَى صَفَرَ.
وَقَوْلُهُ فِيهِ وَرَجَبُ مُضَرَ رَدٌّ عَلَى رَبِيعَةَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَوَلَدَ كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ ثَلَاثَةً، مُرَّةَ، وَعَدِيًّا، وَهُصَيْصًا وَوَلَدَ مُرَّةُ، ثَلَاثَةً
أَيْضًا كِلَابَ بْنَ مُرَّةَ، وَتَيْمَ بْنَ مُرَّةَ، وَيَقَظَةَ بْنَ مُرَّةَ مِنْ أُمَّهَاتٍ ثَلَاثٍ (2) .
قَالَ وَوَلَدَ كِلَابٌ رَجُلَيْنِ قُصَيَّ (3) بْنَ كِلَابٍ وَزُهْرَةَ بْنَ كِلَابٍ وَأُمُّهُمَا فَاطِمَةُ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ سيل أحد [بني] الجُدّرَة عمن جعثمة الأسد من اليمن حلفاء بني الديل بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ وَفِي أَبِيهَا يَقُولُ الشَّاعِرُ: مَا نَرَى فِي النَّاسِ شَخْصًا وَاحِدًا * مَنْ عَلِمْنَاهُ كَسَعْدِ بْنِ سَيَلْ فَارِسًا أَضْبَطَ فِيهِ عُسْرَةٌ * وَإِذَا مَا وَاقَفَ القِرن نَزَلْ (4) فَارِسًا يَسْتَدْرِجُ الْخَيْلَ كَمَا اس * تدرج الْحُرُّ الْقَطَامِيُّ الْحَجَلْ (5) قَالَ السُّهَيْلِيُّ: سَيَلُ اسْمُهُ خير بن جمالة (6) وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ طُلِيَتْ لَهُ السُّيُوفُ بِالذَّهَبِ والفضة.
قال ابن إسحاق: وإنما سمو الْجَدَرَةَ، لِأَنَّ عَامِرَ بْنَ عَمْرِو بْنِ خُزَيْمَةَ (7) بْنِ جُعْثُمَةَ تَزَوَّجَ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضٍ الْجُرْهُمِيِّ وَكَانَتْ جُرْهُمٌ إِذْ ذَاكَ وُلَاةَ الْبَيْتِ.
فَبَنَى لِلْكَعْبَةِ جِدَارًا فَسُمِّيَ عَامِرٌ بِذَلِكَ الْجَادِرُ فقيل لولده الجدرة لذلك.
(1) رواه البخاري عن أبي بكرة بن أبي شيبة في 64 كتاب المغازي 77 باب حجة الوداع.
ومسلم في 28 كتاب القسامة (9) باب تغليط الدماء ج 29 ص 3 / 1305.
(2)
في الطبري أم كلاب هند بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث بن فهر بن مالك من بني كنانة.
وتيم ويقظة أمهما كما ذكر ابن الكلبي: اسماء بنت عدي بن حارثة وأما ابن إسحاق فقال أمهما: هند بنت حارثة البارقية.
(3)
قصي اسمه زيد مات أبوه وهو فطيم فخرجت امه وتزوجت في بني ربيعة فسمى زيد قصيا لبعده عن دار قومه (راجع الطبري) .
(4)
الاضبط الذي يعمل بكلتا يديه.
والقرن: الذي يقاوم بصلابة في الحرب.
(5)
الحر القطامي: هنا - يعني الصقر.
(6)
وفي الطبري: خير بن حمالة بن عوف بن غنم بن عامر الجادر بن عمرو بن جعثمة.
(7)
في الطبري والروض الانف: عمرو بن جعثمة، باسقاط خزيمة.
[*]
خبر قصي بن كلاب وارتجاعه وِلَايَةَ الْبَيْتِ إِلَى قُرَيْشٍ وَانْتِزَاعِهِ ذَلِكَ مِنْ خزاعة وَذَلِكَ أنَّه لَمَّا مَاتَ أَبُوهُ كِلَابٌ تَزَوَّجَ أُمَّهُ رَبِيعَةُ بْنُ حَرَامٍ مِنْ عُذْرَةَ وَخَرَجَ بِهَا وَبِهِ إِلَى بِلَادِهِ ثُمَّ قَدِمَ قُصَيٌّ مَكَّةَ وَهُوَ شَابٌّ فَتَزَوَّجَ حُبَّى ابْنَةَ رَئِيسِ خزاعة حليل بن حبشية (1) .
فأما خزاعة فزعم أَنَّ حَلِيلًا أَوْصَى إِلَى قُصَيٍّ بِوِلَايَةِ الْبَيْتِ لِمَا رَأَى مِنْ كَثْرَةِ نَسْلِهِ مِنِ ابْنَتِهِ وَقَالَ أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنِّي.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمْ نَسْمَعْ ذَلِكَ إِلَّا مِنْهُمْ وَأَمَّا غيرهم فإنهم يزعمون أنه استغاث بِإِخْوَتِهِ مِنْ أُمِّهِ وَكَانَ رَئِيسُهُمْ رِزَاحَ بْنَ ربيعة وأخوته وَبَنِي كِنَانَةَ وَقُضَاعَةَ وَمَنْ حَوْلَ مَكَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ فَأَجْلَاهُمْ عَنِ الْبَيْتِ وَاسْتَقَلَّ هُوَ بولاية البيت لأن إِجَازَةَ الْحَجِيجِ كَانَتْ إِلَى صُوفَةَ (2) وَهُمْ بَنُو الْغَوْثِ بْنِ مُرِّ بْنِ أُدِّ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ فَكَانَ النَّاسُ لَا يَرْمُونَ الْجِمَارَ حَتَّى يَرْمُوا وَلَا يَنْفِرُونَ مِنْ مِنًى حَتَّى يَنْفِرُوا فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ فِيهِمْ حَتَّى انْقَرَضُوا فَوَرِثَهُمْ ذَلِكَ بالقُعْدَد بَنُو سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ فَكَانَ أَوَّلُهُمْ صَفْوَانُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ شِجْنَةَ بْنِ عُطَارِدَ بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ وَكَانَ ذَلِكَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى قَامَ عَلَى آخِرِهِمُ الْإِسْلَامُ وَهُوَ كَرِبُ بْنِ صَفْوَانَ.
وَكَانَتِ الْإِجَازَةُ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي عَدْوَانَ حَتَّى قَامَ الْإِسْلَامُ عَلَى آخِرِهِمْ وَهُوَ أَبُو سَيَّارَةَ عُمَيْلَةُ بْنُ الْأَعْزَلِ وَقِيلَ اسمه العاص واسم الأعزل خَالِدٍ وَكَانَ يُجِيزُ بِالنَّاسِ عَلَى أَتَانٍ لَهُ عَوْرَاءَ مَكَثَ يَدْفَعُ عَلَيْهَا فِي الْمَوْقِفِ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ جَعَلَ الدِّيَةَ مِائَةً وَأَوَّلُ مَنْ كَانَ يَقُولُ أَشْرِقْ ثَبِيرُ كَيْمَا نغير حكاه السهيلي.
(1) والسبب في عودته إلى مكة كما يرويه الطبري وابن إسحاق ; هو تعييره بنسبه لانه ادعى في بني ربيعة، ومرة تساب مع آخر فعيره وقال له: لست منا..فأخبرته أمه بنسبه وشرفه فعاد إلى مكة في حاج قضاعة.
وفي مكة تزوج حبى بنت حليل.
وأقام قصي في مكة مع حليل وولدت له حبى عبد الدار وعبد مناف وعبد العزى فلما انتشر ماله وعظم شرفه هلك حليل فرأى قصي أنه أولى بالكعبة وأمر مكة من خزاعة وبني بكر.
فكلم رجالاً من قريش وبني كنانة لمساعدته، وكتب إلى أخيه في بني ربيعة..فاقتتلوا بمفضى مأزمي منى وكثرت القتلى في الحرم ودخلت قبائل العرب بينهم واصطلحوا على أن يحكموا بينهم يعمر بن عوف..فحكم إلى قصي بحجابة الكعبة وولاية البيت.
وقيل إن حليل كان ربما أعطى المفاتيح إلى ابنته حبى لما كبر وضعف، وربما كان قصي أخذها في بعض الأحيان ففتح البيت للناس وأغلقه ولما هلك حليل أوصى بولاية البيت لقصي فرفضت خزاعة فهاجت الحرب بينها وبينه.
ويذكر أيضا أن حليل لما كبر وضعف اعطى أبا غبشان المفاتيح وهو من خزاعة فابتاعها منه قصي بزق خمر.
وصارت ولاية البيت له.
(راجع الطبري - ابن هشام - الروض الانف - ابن الاثير - الازرقي) .
(2)
صوفة وهم الغوث وولده وسمي صوفة لان أمه حين جعلته ربيطا في الكعبة علقت برأسه صوفة ; وقيل ألبسته ثوبا من الصوف.
ويقال: إن من ولى من البيت شيئا من غير أهله أو قام بخدمة في البيت يقال لهم صوفة وصوفان.
[*]
وَكَانَ عَامِرُ بْنُ الظَّرِبِ الْعَدْوَانِيُّ لَا يَكُونُ بَيْنَ الْعَرَبِ نَائِرَةٌ (1) إِلَّا تَحَاكَمُوا إِلَيْهِ فَيَرْضَوْنَ بِمَا يَقْضِي بِهِ فَتَحَاكَمُوا إِلَيْهِ مَرَّةً فِي مِيرَاثِ خُنْثَى فَبَاتَ لَيْلَتَهُ سَاهِرًا يَتَرَوَّى مَاذَا يَحْكُمُ بِهِ فَرَأَتْهُ جَارِيَةٌ لَهُ كَانَتْ تَرْعَى عليه غنمه اسمها سخيلة، فقالت له مالك لَا أَبَالَكَ؟ اللَّيْلَةَ سَاهِرًا؟ فَذَكَرَ لَهَا مَا هُوَ - مُفَكِّرٌ فِيهِ، وَقَالَ لَعَلَّهَا يَكُونُ عِنْدَهَا في ذلك شئ فَقَالَتْ أَتْبِعِ الْقَضَاءَ الْمَبَالَ (2) فَقَالَ فَرَّجْتِهَا وَاللَّهِ يَا سُخَيْلَةُ وَحَكَمَ بِذَلِكَ.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَهَذَا الْحُكْمُ مِنْ بَابِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْأَمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ وَلَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ)[يوسف: 18] حَيْثُ لَا أَثَرَ لِأَنْيَابِ الذِّئْبِ فِيهِ.
وَقَالَ تَعَالَى: (إِنَّ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ)[يوسف: 26 - 27] .
وَفِي الْحَدِيثِ: " أَنِظْرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ جَعْدًا جمالياً فهو للذي رميت به ".
قال ابن إسحاق: وكان النسئ فِي بَنِي فُقَيْمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَامِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ نَسَأَ الشُّهُورَ عَلَى الْعَرَبِ، القَلمَّسْ (3) وَهُوَ حُذَيْفَةُ بْنُ عَبْدِ بْنِ فُقَيْمِ بْنِ عَدِيٍّ ثُمَّ قَامَ بَعْدَهُ ابْنُهُ عَبَّادٌ ثُمَّ
قَلَعُ بْنُ عَبَّادٍ ثُمَّ أُمَيَّةُ بْنُ قَلَعٍ ثُمَّ عَوْفُ بْنُ أُمَيَّةَ ثُمَّ كَانَ آخِرَهُمْ أَبُو ثُمَامَةَ جُنَادَةُ بْنُ عَوْفِ بْنِ قَلَعِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ حُذَيْفَةَ وَهُوَ الْقَلَمَّسُ فَعَلَى أَبِي ثُمَامَةَ قَامَ الْإِسْلَامُ (4) وَكَانَتِ الْعَرَبُ إِذَا فَرَغَتْ مِنْ حَجِّهَا اجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ فَخَطَبَهُمْ فَحَرَّمَ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُحِلَّ مِنْهَا شَيْئًا أَحَلَّ الْمُحَرَّمَ وَجَعَلَ مَكَانَهُ صَفَرًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيَقُولُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَحْلَلْتُ أَحَدَ الصَّفَرَيْنِ الصَّفَرَ الْأَوَّلَ وَأَنْسَأْتُ الْآخَرَ لِلْعَامِ الْمُقْبِلِ) فَتَتَّبِعُهُ الْعَرَبُ فِي ذَلِكَ فَفِي ذَلِكَ يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ قَيْسٍ أَحَدُ بَنِي فِرَاسِ بن غنم [بن ثعلبة] بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ وَيُعْرَفُ عُمَيْرُ بْنُ قيس هذا بجدل الطِّعَانِ (5) : لَقَدْ عَلِمَتْ مَعَدٌّ أَنَّ قَوْمِي * كِرَامُ الناس أن لهم كراما
(1) النائرة: الكائنة الشنيعة تكون بين القوم.
(2)
أي دعه يقعد، كما في ابن إسحاق، فإن بال من حيث يبول الرجل فهو رجل، وإن بال من حيث تبول المرأة فهي امرأة.
(3)
القلمس: سمي به لجوده إذ القلمس من أسماء البحار.
(4)
قال السهيلي: وجدت له خبرا يدل على أنه أسلم فإنه حضر الحج في زمن عمر فرأى الناس يزدحمون على الحجر الاسود فقال: أَيُّهَا النَّاسُ: إِنِّي قد أجرته منكم فخفقه عمر بالدرة.
وقال ويحك إن الله قد أبطل أمر الجاهلية.
الاصابة ج 1 / 247.
(5)
في ابن هشام جذل الطعان سمي بذلك لثباته في الحرب كأنه جذل شجرة واقف.
وقال أبو عبيدة جذل الطعان هو علقمة بن فراس بن غنم بن ثعلبة بن مالك بن كنانة انظر (سيرة ابن هشام - الروض الانف - شرح السيرة لابي ذر) .
[*]
فَأَيُّ النَّاسِ فَاتُونَا بِوِتْرٍ * وَأَيُّ النَّاسِ لَمْ نَعْلِكْ لِجَامَا (1) أَلَسْنَا النَّاسِئِينَ عَلَى مَعَدٍّ * شُهُورَ الْحِلِّ نَجْعَلُهَا حَرَامَا وَكَانَ قُصَيٌّ فِي قَوْمِهِ سَيِّدًا رَئِيسًا مُطَاعًا مُعَظَّمًا وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ جَمَعَ قُرَيْشًا مِنْ مُتَفَرِّقَاتِ مَوَاضِعِهِمْ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَاسْتَعَانَ بِمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى حَرْبِ خُزَاعَةَ وَإِجْلَائِهِمْ عَنِ الْبَيْتِ
وَتَسْلِيمِهِ إِلَى قصي فكان بينهم قتال (2) كثيرة وَدِمَاءٌ غَزِيرَةٌ ثُمَّ تَدَاعَوْا إِلَى التَّحْكِيمِ فَتَحَاكَمُوا إِلَى يَعْمَرَ بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ فَحَكَمَ بِأَنَّ قُصَيًّا أَوْلَى بِالْبَيْتِ مِنْ خُزَاعَةَ وَأَنَّ كُلَّ دَمٍ أَصَابَهُ قصي من خزاعة وبني بكر موضوع بشدخه تَحْتَ قَدَمَيْهِ وَأَنَّ مَا أَصَابَتْهُ خُزَاعَةُ وَبَنُو بَكْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ وَقُضَاعَةَ فَفِيهِ الدِّيَةُ مُؤَدَّاةٌ وَأَنْ يُخَلَّى بَيْنَ قُصَيٍّ وَبَيْنَ مَكَّةَ وَالْكَعْبَةِ فَسُمِّيَ يَعْمَرُ يَوْمَئِذٍ الشَّدَّاخَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَوَلِيَ قُصَيٌّ الْبَيْتَ وَأَمْرَ مَكَّةَ، وَجَمَعَ قَوْمَهُ مِنْ مَنَازِلِهِمْ إِلَى مَكَّةَ، وَتَمَلَّكَ عَلَى قَوْمِهِ وَأَهْلِ مَكَّةَ فَمَلَّكُوهُ، إِلَّا أَنَّهُ أَقَرَّ الْعَرَبَ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يَرَى ذَلِكَ دِينًا فِي نَفْسِهِ لَا يَنْبَغِي تَغْيِيرُهُ فَأَقَرَّ آلَ صَفْوَانَ وَعَدْوَانَ وَالنَّسَأَةَ وَمُرَّةَ بْنَ عَوْفٍ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ، حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَامُ فَهَدَمَ اللَّهُ بِهِ ذَلِكَ كُلَّهُ، قَالَ [ابن إسحاق] فَكَانَ قُصَيٌّ أَوَّلَ بَنِي كَعْبٍ أَصَابَ مُلْكًا أطاع له به قومه وكانت إِلَيْهِ الْحِجَابَةُ وَالسِّقَايَةُ وَالرِّفَادَةُ وَالنَّدْوَةُ وَاللِّوَاءُ (3) .
، فَحَازَ شَرَفَ مَكَّةَ كُلَّهُ.
وَقَطَّعَ مَكَّةَ رِبَاعًا بَيْنَ قَوْمِهِ، فَأَنْزَلَ كُلَّ قَوْمٍ مِنْ قُرَيْشٍ مَنَازِلَهُمْ مِنْ مَكَّةَ.
قُلْتُ: فَرَجَعَ الحقُّ إِلَى نِصَابِهِ، وَرُدَّ شَارِدُ الْعَدْلِ بَعْدَ إِيَابِهِ، وَاسْتَقَرَّتْ بِقُرَيْشٍ الدَّارُ، وَقَضَتْ مِنْ خُزَاعَةَ الْمُرَادَ وَالْأَوْطَارَ، وَتَسَلَّمَتْ بَيْتَهُمُ الْعَتِيقَ الْقَدِيمَ لَكِنْ بِمَا أَحْدَثَتْ خُزَاعَةُ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَنَصْبِهَا إِيَّاهَا حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَنَحْرِهِمْ لَهَا وَتَضَرُّعِهِمْ عِنْدَهَا وَاسْتِنْصَارِهِمْ بِهَا وَطَلَبِهِمُ الرِّزْقَ مِنْهَا.
وَأَنْزَلَ قُصَيٌّ قَبَائِلَ قُرَيْشٍ أَبَاطِحَ مَكَّةَ، وَأَنْزَلَ طَائِفَةً مِنْهُمْ ظَوَاهِرَهَا، فَكَانَ يُقَالَ قريش البطاح، وفريش الظَّوَاهِرِ.
فَكَانَتْ لِقُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ جَمِيعُ الرِّئَاسَةِ مِنْ حِجَابَةِ الْبَيْتِ وَسِدَانَتِهِ وَاللِّوَاءِ وَبَنَى دَارًا لِإِزَاحَةِ الظُّلُمَاتِ وَفَصْلِ الْخُصُومَاتِ سَمَّاهَا دَارَ النَّدْوَةِ إذا أعضلت قضية
(1) الوتر: طلب الثأر.
(2)
اقتتلوا عند مفضى مأزمي منى.
فسمي المكان المفجر لما فجر فيه وسفك فيه من الدماء وانتهك من حرمته (الازرقي 1 / 106) .
(3)
زاد الازرقي: القيادة.
والحجابة: أن تكون مفاتيح البيت عنده لا يدخله أحد إلا بإذنه.
السقاية: يعني سقاية زمزم.
الرفادة: طعام تجمعه قريش كل عام لاهل الموسم.
الندوة: دار تخذها قصي للاجتماع بأهل المشورة والرأي.
[*]
اجْتَمَعَ الرُّؤَسَاءُ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ فَاشْتَوَرُوا فِيهَا وَفَصَلُوهَا وَلَا يُعْقَدُ عَقْدُ لِوَاءٍ وَلَا عَقْدُ نِكَاحٍ إِلَّا بِهَا وَلَا تَبْلُغُ جَارِيَةٌ أَنْ تَدَّرِعَ فَتَدَّرِعَ إِلَّا بِهَا وَكَانَ بَابُ هَذِهِ الدَّارِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
ثُمَّ صَارَتْ هَذِهِ الدَّارُ فِيمَا بَعْدُ إِلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ (1) بَعْدَ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ فَبَاعَهَا فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَامَهُ عَلَى بَيْعِهَا معاوية، وقال بعت شرف قومك بِمِائَةِ أَلْفٍ؟ فَقَالَ إِنَّمَا الشَّرَفُ الْيَوْمَ بِالتَّقْوَى وَاللَّهِ لَقَدِ ابْتَعْتُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِزِقِّ خَمْرٍ وَهَا أَنَا قَدْ بِعْتُهَا بِمِائَةِ أَلْفٍ وَأُشْهِدُكُمْ أَنَّ ثَمَنَهَا صَدَقَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَيُّنَا الْمَغْبُونُ.
ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي أَسْمَاءِ رِجَالِ الْمُوَطَّأِ وكانت إليه سِقَايَةُ الْحَجِيجِ فَلَا يَشْرَبُونَ إِلَّا مِنْ مَاءِ حِيَاضِهِ وَكَانَتْ زَمْزَمُ إِذْ ذَاكَ مَطْمُوسَةً مِنْ زَمَنِ جُرْهُمٍ قَدْ تَنَاسَوْا أَمْرَهَا مِنْ تَقَادُمِ عَهْدِهَا وَلَا يَهْتَدُونَ إِلَى مَوْضِعِهَا قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَانَ قُصَيٌّ أَوَّلَ مَنْ أَحْدَثَ وَقِيدَ النَّارِ بِالْمُزْدَلِفَةِ لِيَهْتَدِيَ إِلَيْهَا مَنْ يَأْتِي مِنْ عَرَفَاتٍ.
والرفادة وَهِيَ إِطْعَامُ الْحَجِيجِ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ إِلَى أَنْ يَخْرُجُوا رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادِهِمْ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وذلك أن قصياً فرضه عليهم فَقَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّكُمْ جِيرَانُ الله وأهل مكة وأهل الحرم، وأن الحجاج ضَيْفُ اللَّهِ وَزُوَّارُ بَيْتِهِ، وَهُمْ أَحَقُّ بِالضِّيَافَةِ، فَاجْعَلُوا لَهُمْ طَعَامًا وَشَرَابًا أَيَّامَ الْحَجِّ، حَتَّى يَصْدُرُوا عَنْكُمْ.
فَفَعَلُوا فَكَانُوا يُخْرِجُونَ لِذَلِكَ فِي كُلِّ عَامٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ خَرْجًا فَيَدْفَعُونَهُ إِلَيْهِ، فَيَصْنَعُهُ طَعَامًا لِلنَّاسِ أَيَّامَ مِنًى.
فَجَرَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ حتَّى قَامَ الْإِسْلَامُ، ثُمَّ جَرَى فِي الْإِسْلَامِ إِلَى يَوْمِكَ هَذَا.
فَهُوَ الطَّعَامُ الَّذِي يَصْنَعُهُ السُّلْطَانُ كُلَّ عَامٍ بِمِنًى لِلنَّاسِ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْحَجُّ.
قُلْتُ: ثُمَّ انْقَطَعَ هَذَا بَعْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ ثُمَّ أمَرَ بِاخْرَاجِ طَائِفَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَيُصْرَفُ فِي حَمْلِ زَادٍ وَمَاءٍ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ الْقَاصِدِينَ إِلَى الْحَجِّ وَهَذَا صَنِيعٌ حَسَنٌ مِنْ وُجُوهٍ يَطُولُ ذِكْرُهَا، وَلَكِنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ خالص بيت المال، من أحل مَا فِيهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ جَوَّالِي الذِّمَّةَ
لِأَنَّهُمْ لَا يَحُجُّونَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: " مَنِ اسْتَطَاعَ الْحَجَّ فَلَمْ يَحُجَّ فَلْيَمُتْ إِنْ شَاءَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا "(2) .
وَقَالَ قَائِلُهُمْ (3) فِي مَدْحِ قُصَيٍّ وَشَرَفِهِ فِي قَوْمِهِ: قُصَيٌّ لَعَمْرِي كَانَ يُدْعَى مُجْمِّعًا * بِهِ جمع الله القبائل من فهر
(1) هو حَكِيمَ بْنَ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قصي.
وفي ابن الاثير ج 2 / 23: أن عِكْرِمَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدار باعها من معاوية فجعلها دار الامارة بمكة.
وفي جمهرة ابن حزم أن عكرمة كانت له الندوة وباعها من حكيم بن حزام في الجاهلية ولعله الصواب إذ أن حكيم الذي باعها زمن معاوية.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
هو حذافة بن غانم الجمحي كما في الازرقي: وفيه: أبوهم قصي.
[*]
هموا ملاوا الْبَطْحَاءَ مَجْدًا وَسُؤْدَدًا * وَهُمْ طَرَدُوا عَنَّا غُوَاةَ بَنِي بَكْرٍ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا فَرَغَ قُصَيٌّ مِنْ حَرْبِهِ انْصَرَفَ أَخُوهُ رِزَاحُ بْنُ رَبِيعَةَ إِلَى بِلَادِهِ بِمَنْ مَعَهُ وَإِخْوَتِهِ مِنْ أَبِيهِ الثَّلَاثَةِ وَهُمْ حُنٌّ وَمَحْمُودٌ وَجُلْهُمَةُ (1) .
قَالَ رِزَاحٌ فِي إِجَابَتِهِ قُصَيًّا: وَلَمَّا أَتَى مِنْ قُصَيٍّ رَسُولٌ * فَقَالَ الرَّسُولُ أَجِيبُوا الْخَلِيلَا نَهَضْنَا إليه نقود الجيا * د وَنَطْرَحُ عَنَّا الْمَلُولَ الثَّقِيلَا نَسِيرُ بِهَا اللَّيْلَ حتى الصبا * ح وَنَكْمِي النَّهَارَ لِئَلَّا نَزُولَا (2) فَهُنَّ سِرَاعٌ كَوِرْدِ القصا * يُجِبْنَ بِنَا مِنْ قُصَيٍّ رَسُولًا جَمَعْنَا مِنَ السِّرِّ مِنْ أَشْمِذَيْنِ * وَمِنْ كُلِّ حَيٍّ جَمَعْنَا قبيلا (3) فيا لك حُلْبَةُ مَا لَيْلَةٌ * تَزِيدُ عَلَى الْأَلْفِ سَيْبًا رَسِيلًا فَلَمَّا مَرَرْنَ عَلَى عَسْجَرٍ * وَأَسْهَلْنَ مِنْ مستناخ سبيلا (4)
وجاوزن بالركن من ورقا * ن وجاوزن بالعرج حياً حلولا (5) مررن على الحلي مَا ذُقْنَهُ * وَعَالَجْنَ مَنْ مَرَّ لَيْلًا طَوِيلًا (6) نُدَنِّي مِنَ الْعُوذِ أَفْلَاءَهَا * إِرَادَةَ أَنْ يَسْتَرِقْنَ الصَّهِيلَا (7) فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى مَكَّةَ * أَبَحْنَا الرِّجَالَ قبيلا قبيلا نعاورهم ثم حد السيو * ف وَفِي كُلِّ أَوْبٍ خَلَسْنَا الْعُقُولَا نُخَبِّزُهُمْ بِصِلَابِ النسو * ر خَبْزَ الْقَوِيِّ الْعَزِيزِ الذَّلِيلَا (8) قَتَلْنَا خُزَاعَةَ فِي دَارِهَا * وبَكرا قَتَلْنَا وَجِيلًا فَجِيلَا نَفَيْنَاهُمْ مِنْ بلاد الملي * ك كَمَا لَا يَحِلُّونَ أَرْضًا سُهُولَا فَأَصْبَحَ سَيْبُهُمْ في الحدي * د وَمِنْ كُلِّ حَيٍّ شَفَيْنَا الْغَلِيلَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا رَجَعَ رِزَاحُ إِلَى بِلَادِهِ نَشَرَهُ اللَّهُ وَنَشَرَ حُنًّا، فَهُمَا قَبِيلَا عُذْرَةَ إِلَى الْيَوْمِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ فِي ذَلِكَ: أَنَا ابْنُ الْعَاصِمِينَ بَنِي لؤي * بمكة منزلي وبها ربيت
(1) في الطبري هؤلاء ليس بأخوته بل أولاد ربيعة بن حرام من امرأة أخرى غير أم قصي.
(2)
نكمي: نكمن.
(3)
الاشمذين، قيل قبيلتان.
وقيل جبلان بين المدينة وخيبر.
(4)
في ابن هشام عسجد وكلاهما موضع بعينه (انظر معجم البلدان) .
(5)
ورقان والعرج موضعان: جبل وواد.
(معجم البلدان ومعجم ما استعجم) .
(6)
في ابن هشام: الحل - (7) العوذ: جمع عائذ: وهي النَّاقة التي لها أولاد.
(8)
نخبزهم: نسوقهم سوقا شديدا.
[*]