المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر قس بن ساعدة الإيادي - البداية والنهاية - ت شيري - جـ ٢

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌ ج 2

- ‌قِصَّةُ حِزْقِيلَ

- ‌قِصَّةُ الْيَسَعَ عليه السلام

- ‌فَصْلٌ

- ‌قصة شمويل عليه السلام

- ‌قصة داود وَمَا كَانَ فِي أَيَّامِهِ [

- ‌شِعْيَا بْنُ أَمْصِيَا

- ‌وَمِنْهُمْ أَرْمِيَا بْنُ حَلْقِيَا

- ‌وَهَذِهِ قِصَّةُ الْعُزَيْرِ

- ‌فَصْلُ

- ‌قصة زكريا ويحيى عليهما السلام

- ‌بَيَانُ سَبَبِ قَتْلِ يَحْيَى عليه السلام

- ‌قِصَّةُ عِيسَى بْنِ مريم [

- ‌ميلاد العبد الرسول عيسى بن مريم [

- ‌بَابُ بَيَانِ أَنَّ اللَّهَ تعالى منزه عن الولد [تعالى الله عمَّا يقول الظالمون علوا كبير] (3) قَالَ تَعَالَى فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً) أَيْ شَيْئًا عَظِيمًا وَمُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا (تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً

- ‌بَيَانُ نُزُولِ الْكُتُبِ الْأَرْبَعَةِ وَمَوَاقِيتِهَ

- ‌ذِكْرُ خَبَرِ الْمَائِدَةِ

- ‌فصل

- ‌ ذِكْرُ مَا وَرَدَ فِي الْآثَارِ فِي صِفَةِ رَفْعِهِ إِلَى السَّمَاءِ:

- ‌فَصْلُ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الْمَسِيحِ عليه السلام بَعْدَ رفعه إلى السماء عَلَى أَقْوَالٍ

- ‌بَيَانُ بِنَاءِ بَيْتِ لَحْمٍ وَالْقُمَامَةِ

- ‌كِتَابُ أَخْبَارِ الْمَاضِينَ

- ‌خَبَرُ ذِي الْقَرْنَيْنِ

- ‌بَيَانُ طَلَبِ ذِي الْقَرْنَيْنِ عَيْنَ الْحَيَاةِ

- ‌ذِكْرُ أُمَّتَيْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَصِفَاتِهِمْ

- ‌قِصَّةُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ

- ‌قِصَّةُ الرَّجلين الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ

- ‌قِصَّةُ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ

- ‌قِصَّةُ أَصْحَابِ أَيْلَةَ الَّذِينَ اعْتَدَوْا فِي سَبْتِهِمْ

- ‌قصة أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ

- ‌قِصَّةُ لُقْمَانَ

- ‌قِصَّةُ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ

- ‌قِصَّةُ جُرَيْجٍ أَحَدِ عُبَّادِ بَنِي إِسْرَائِيلَ

- ‌قِصَّةُ بَرْصِيصَا

- ‌قصة الثلاثة الذين أووا إلى الغار

- ‌خَبَرُ الثَّلَاثَةِ الْأَعْمَى وَالْأَبْرَصِ وَالْأَقْرَعِ

- ‌قصَّة أُخْرَى شَبِيهَةٌ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ فِي الصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ

- ‌ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا

- ‌ينما رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً

- ‌يْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ

- ‌ عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا

- ‌ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ امْرَأَةٌ قَصِيرَةٌ

- ‌ إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى

- ‌ بَيْنَمَا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ لَهُ فِي السَّلَفِ الْخَالِي

- ‌قِصَّةُ الْمَلِكَيْنِ التَّائِبَيْنِ

- ‌ إِنَّ رَجُلًا كَانَ قَبْلَكُمْ رَغَسَهُ اللَّهُ مَالًا

- ‌ كَانَ رَجُلٌ يُدَايِنُ النَّاسَ

- ‌ الطَّاعُونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إسرائيل

- ‌ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ

- ‌ كِلَاكُمَا مُحْسِنٌ

- ‌ إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبِغُونَ فَخَالِفُوهُمْ

- ‌ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا

- ‌فَصْلٌ وَأَخْبَارُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَثِيرَةٌ جِدًّا فِي الكتاب والسنة النَّبَوِيَّ

- ‌وأما الأخبار الإسرائيلية

- ‌كِتَابُ الْجَامِعِ لِأَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ

- ‌ذكر أخبار العرب

- ‌قِصَّةُ سَبَأٍ

- ‌فَصْلٌ وَلَيْسَ جَمِيعُ سَبَأٍ خَرَجُوا مِنَ الْيَمَنِ

- ‌ذكر بني إسماعيل وما كان من أمور الْجَاهِلِيَّةِ إِلَى زَمَانِ الْبَعْثَةِ

- ‌بَابُ جَهْلِ الْعَرَبِ حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ (3) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عبَّاس [رضي الله عنهما] قَالَ إِذَا سَرَّكَ أَنْ تَعْلَمَ جَهْلَ الْعَرَبِ فَاقْرَأْ مَا فَوْقَ الثَّلَاثِينَ وَمِائَةٍ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) وَقَدْ ذَكَرْنَا تَفْسِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا كَانُوا ابْتَدَعُوهُ مِنَ الشَّرَائِعِ الْبَاطِلَةِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي ظَنَّهَا كَبِيرُهُمْ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ قَبَّحَهُ اللَّهُ مَصْلَحَةً وَرَحْمَةً بِالدَّوَابِّ وَالْبَهَائِمِ وَهُوَ كَاذِبٌ مُفْتَرٍ فِي ذَلِكَ وَمَعَ هَذَا الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ اتَّبَعَهُ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةُ الطَّغَامُ فِيهِ بَلْ قَدْ تَابَعُوهُ فِيمَا هُوَ أَطَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَأَعْظَمُ بِكَثِيرٍ وَهُوَ عبادة الأوثان مع الله عزوجل وَبَدَّلُوا مَا كَانَ اللَّهُ بَعَثَ بِهِ ابْرَاهِيمَ خَلِيلَهُ مِنَ الدِّينِ الْقَوِيمِ وَالصِّرَاطِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ذِكْرُ جُمَلٍ من الأحداث في الْجَاهِلِيَّةِ

- ‌ذكر قس بن ساعدة الإيادي

- ‌كِتَابُ سِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ مَوْلِدِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وُلِدَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ

- ‌صِفَةُ مَوْلِدِهِ الشَّرِيفِ عليه الصلاة والسلام

- ‌فَصْلٌ فِيمَا وَقَعَ مِنَ الْآيَاتِ لَيْلَةَ مَوْلِدِهِ عليه الصلاة والسلام

- ‌ذِكْرُ ارْتِجَاسِ إِيوَانِ كِسْرَى وَسُقُوطِ الشُّرُفَاتِ وَخُمُودِ النِّيرَانِ وَرُؤْيَا الْمُوبِذَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الدَّلَالَاتِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي خُرُوجِهِ عليه الصلاة والسلام مَعَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ وَقِصَّتِهِ مَعَ بَحِيرَى الرَّاهِبِ

- ‌قصة بحيرا

- ‌فَصْلٌ فِي مَنْشَئِهِ عليه الصلاة والسلام وَمُرَبَّاهُ وَكِفَايَةِ اللَّهِ لَهُ، وَحِيَاطَتِهِ، وَكَيْفَ كَانَ يَتِيمًا فَآوَاهُ وَعَائِلًا فَأَغْنَاهُ

- ‌شُهُودِهِ عليه الصلاة والسلام حَرْبَ الْفِجَارِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌تَزْوِيجُهُ عليه الصلاة والسلام خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ

- ‌بَابُ مَا كَانَ يَشْتَغِلُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ خَدِيجَةَ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي تَجْدِيدِ قُرَيْشٍ بِنَاءَ الْكَعْبَةِ

- ‌ فَصْلٍ

- ‌مبعث رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَسْلِيمًا كثيرا

- ‌فَصْلٌ

- ‌إِسْلَامَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ

- ‌ذِكْرُ أَخْبَارٍ غَرِيبَةٍ فِي ذَلِكَ

- ‌قِصَّةُ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجُهَنِيِّ

- ‌قِصَّةُ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ وبشارته بالنبي

- ‌باب في هواتف الجان

الفصل: ‌ذكر قس بن ساعدة الإيادي

وَإِذَا الْمُقِلُّ أَقَامَ وَسْطَ رِحَالِهِمْ * رَدُّوهُ رَبَّ صَوَاهِلٍ وَقِيَانِ وَإِذَا دَعَوْتَهُمُ لِكُلِّ مُلِمَّةٍ * سَدُّوا شماع الشَّمْسِ بِالْفُرْسَانِ آخِرُ تَرْجَمَةِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصلت.

بحيرا الرَّاهِبُ الَّذِي تَوَسَّمَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النُّبُوَّةَ وَهُوَ مَعَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ حِينَ قَدِمَ الشَّامَ فِي تُجَّارٍ من أهل مكة وعمره إذا ذاك اثنتي (1) عَشْرَةَ سَنَةً فَرَأَى الْغَمَامَةَ تُظِلُّهُ مِنْ بَيْنِهِمْ.

فَصَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا ضِيَافَةً وَاسْتَدْعَاهُمْ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي السِّيرة وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي ذَلِكَ حَدِيثًا بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ هُنَالِكَ وَقَدْ أَوْرَدَ لَهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ شَوَاهِدَ وسائغات في ترجمة بحيرا وَلَمْ يُورِدْ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَهَذَا عَجَبٌ وذكر ابن عساكر أن بحيرا كَانَ يَسْكُنُ قَرْيَةً يُقَالَ لَهَا الْكَفْرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بُصْرَى سِتَّةُ أَمْيَالٍ وَهِيَ الَّتِي يُقَالَ لها (دير بحيرا) قَالَ وَيُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ يَسْكُنُ قَرْيَةً يُقَالَ لَهَا مَنْفَعَةُ بِالْبَلْقَاءِ وَرَاءَ زَيْرَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌ذكر قس بن ساعدة الإيادي

قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سَهْلٍ الْخَرَائِطِيُّ فِي كِتَابِ " هَوَاتِفِ الْجَانِّ ": حَدَّثَنَا دَاوُدُ الْقَنْطَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حدَّثني أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَشْرِقِيُّ، عَنْ أَبِي الْحَارِثِ الْوَرَّاقِ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ.

قَالَ: لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ إِيَادٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " يَا مَعْشَرَ وَفْدِ إِيَادٍ مَا فَعَلَ قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ الْإِيَادِيُّ ".

قَالُوا: هَلَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.

قَالَ: " لَقَدْ شَهِدْتُهُ يَوْمًا بِسُوقِ عُكَاظٍ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ مُعْجِبٍ مُونِقٍ لَا أَجِدُنِي أَحْفَظُهُ ".

فَقَامَ إِلَيْهِ أَعْرَابِيٌّ مِنْ أَقَاصِي الْقَوْمِ فقال: أنا أحفظه يارسول اللَّهِ.

قَالَ: فسرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ قَالَ: " فَكَانَ بِسُوقِ عُكَاظٍ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ وَهُوَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ النَّاسِ اجتمعوا فكل من فات فات، وكل شئ آتٍ آتٍ، لَيْلٌ دَاجٍ، وَسَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ، وَبَحْرٌ عَجَّاجٌ، نُجُومٌ تَزْهَرُ، وَجِبَالٌ مَرْسِيَّةٌ، وَأَنْهَارٌ مَجْرِيَّةٌ، إِنَّ فِي السَّمَاءِ لَخَبَرًا، وَإِنَّ فِي الارض لعبرا، مالي أَرَى

النَّاسَ يَذْهَبُونَ فَلَا يَرْجِعُونَ، أَرَضُوا بِالْإِقَامَةِ فَأَقَامُوا، أَمْ تُرِكُوا فَنَامُوا.

أَقْسَمَ قُسٌّ بِاللَّهِ قَسَمًا لَا رَيْبَ فِيهِ.

إِنَّ لِلَّهِ دِينًا هُوَ أَرْضَى مِنْ دِينِكُمْ هَذَا ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: فِي الذَّاهِبِينَ الْأَوَّلِي * نَ مِنَ الْقُرُونِ لَنَا بَصَائِرْ لَمَّا رَأَيْتُ مَوَارِدًا * لِلْمَوْتِ لَيْسَ لها مصادر ورأيت قومي نحوها * يمضي الأصاغر والأكابر لا من مضى يأتي الي * ك وَلَا مِنَ الْبَاقِينَ غَابِرْ أَيْقَنْتُ أَنِّي لَا محا * لة حَيْثُ صَارَ الْقَوْمُ صَائِرْ وَهَذَا إِسْنَادٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وجه آخر فقال في كتابه " المعجم

(1) في الاصل اثني وهو خطأ.

[*]

ص: 289

الْكَبِيرِ ": حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ السَّرِيِّ بْنِ مِهْرَانَ بْنِ النَّاقِدِ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ السهمي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " أَيُّكُمْ يَعْرِفُ الْقُسَّ بْنَ سَاعِدَةَ الْإِيَادِيَّ ".

قَالُوا: كُلُّنَا يَعْرِفُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ.

قَالَ: " فَمَا فَعَلَ "؟ قَالُوا: هَلَكَ، قَالَ: فَمَا أَنْسَاهُ بِعُكَاظٍ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اجْتَمِعُوا وَاسْتَمِعُوا وَعُوا، مَنْ عَاشَ مَاتَ، وَمَنْ مَاتَ فَاتَ، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتٍ.

إِنَّ فِي السَّمَاءِ لَخَبَرًا، وَإِنَّ فِي الْأَرْضِ لَعِبَرًا، مِهَادٌ مَوْضُوعٌ، وَسَقْفٌ مَرْفُوعٌ، وَنُجُومٌ تَمُورُ، وَبِحَارٌ لَا تَغُورُ.

وَأَقْسَمَ قُسٌّ قَسَمًا حَقًّا لَئِنْ كَانَ فِي الْأَمْرِ رضى ليكون بَعْدَهُ سُخْطٌ.

إِنَّ لِلَّهِ لَدِينًا هُوَ أَحَبُّ إليه من دينكم الذي أنتم عليه.

مالي أَرَى النَّاسَ يَذْهَبُونَ وَلَا يَرْجِعُونَ.

أَرَضُوا بِالْمُقَامِ فَأَقَامُوا.

أَمْ تُرِكُوا فَنَامُوا.

ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَفَيَكِمُ مَنْ يَرْوِي شِعْرَهُ؟ فَأَنْشَدَهُ بَعْضُهُمْ: فِي الذَّاهِبِينَ الْأَوَّلِي * - نَ مِنَ الْقُرُونِ لَنَا بَصَائِرْ لَمَّا رَأَيْتُ مواردا * للموت ليس ما مَصَادِرْ

وَرأَيْتُ قَوْمِي نَحْوَهَا * يَسْعَى الْأَصَاغِرُ وَالْأَكَابِرْ لَا يَرْجِعُ الْمَاضِي إِلَيَّ * وَلَا مِنَ الْبَاقِينَ غابر أيقنت أني لا محا * لة حَيْثُ صَارَ الْقَوْمُ صَائِرْ وَهَكَذَا أَوْرَدَهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ مِنْ طَرِيقِ محمد بن حسان السلمي بِهِ.

وَهَكَذَا رَوَيْنَاهُ فِي الْجُزْءِ الَّذِي جَمَعَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دَرَسْتَوَيْهِ فِي أَخْبَارِ قُسٍّ قَالَ حَدَّثَنَا عبد الكريم بن الهيثم الدير عاقولي عَنْ سَعِيدِ بْنِ شَبِيبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْوَاسِطِيِّ نَزِيلِ بَغْدَادَ، وَيُعْرَفُ بصاحب الفريسة.

وَقَدْ كَذَّبَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ والدَّارَقُطْنِيُّ وَاتَّهَمَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمُ ابْنُ عَدِيٍّ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ.

وَقَدْ رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَأَبُو نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ هَذَا وَرَوَاهُ ابْنُ دَرَسْتَوَيْهِ وَأَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابن عباس، وَهَذِهِ الطَّرِيقُ أَمْثَلُ مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا وَفِيهِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ هُوَ الَّذِي أَوْرَدَ الْقِصَّةَ بِكَمَالِهَا نَظْمَهَا وَنَثْرَهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى بْنِ إِسْحَاقَ الْحَطَمِيِّ.

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَخْزُومِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.

قَالَ قَدِمَ وَفْدُ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُمْ: " مَا فَعَلَ حَلِيفٌ لَكُمْ يُقَالَ لَهُ قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ الْأَيَادِيُّ " وَذَكَرَ الْقِصَّةَ مُطَوَّلَةً.

وَأَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْمُسْنِدُ الرُّحْلَةُ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْحَجَّارُ إِجَازَةً إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَاعًا قَالَ أَجَازَ لَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْهَمْدَانِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ السِّلَفِيُّ سَمَاعًا وَقَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا الْحَافِظِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْخَلَّالُ سَمَاعًا قَالَ أَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَلِيٍّ سَمَاعًا قَالَ أَنَا السِّلَفِيُّ سَمَاعًا

ص: 290

أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّازِيُّ أنَّا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بن أحمد بن عِيسَى السَّعْدِيُّ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ درستويه النَّحْوِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ السَّعْدِيُّ - قَاضِي فَارِسَ - حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ

سُلَيْمَانُ بْنُ سَيْفِ بْنِ يَحْيَى بْنِ دِرْهَمٍ الطَّائِيُّ مِنْ أَهْلِ حَرَّانَ حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو سعيد بن يربع عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الْجَارُودُ بْنُ الْمُعَلَّى بْنِ حَنَشِ بْنِ مُعَلَّى الْعَبْدِيُّ نَصْرَانِيًّا حَسَنَ الْمَعْرِفَةِ بِتَفْسِيرِ الْكُتُبِ وَتَأْوِيلِهَا عَالِمًا بِسِيَرِ الْفُرْسِ وَأَقَاوِيلِهَا بَصِيرًا بِالْفَلْسَفَةِ وَالطِّبِّ ظَاهِرَ الدَّهَاءِ وَالْأَدَبِ كَامِلَ الْجَمَالِ ذَا ثَرْوَةٍ وَمَالٍ وَإِنَّهُ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَافِدًا فِي رِجَالٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ ذَوِي آرَاءٍ وَأَسْنَانٍ وَفَصَاحَةٍ وَبَيَانٍ وَحُجَجٍ وَبُرْهَانٍ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَشَارَ إِلَيْهِ وَأَنْشَأَ يَقُولُ: يَا نَبِيَّ الْهُدَى أَتَتْكَ رِجَالٌ * قَطَعَتْ فَدْفَدًا وَآلًا فَآلَا وَطَوَتْ نَحْوَكَ الصَّحَاصِحَ تَهْوِي * لَا تَعُدُّ الْكَلَالَ فِيكَ كَلَالَا كلُّ بَهْمَاءَ قَصَّرَ الطَّرْفُ عَنْهَا * أَرْقَلَتْهَا قِلَاصُنَا إِرْقَالَا وَطَوَتْهَا الْعِتَاقُ يجمح فِيهَا * بِكُمَاةٍ كَأَنْجُمٍ تَتَلَالَا تَبْتَغِي دَفْعَ بَأْسِ يَوْمٍ عَظِيمٍ * هَائِلٍ أَوْجَعَ الْقُلُوبَ وَهَالَا وَمَزَادًا لِمَحْشَرِ الْخَلْقِ طُرًّا * وَفِرَاقًا لِمَنْ تَمَادَى ضَلَالَا نَحْوَ نُورٍ مِنَ الْإِلَهِ وَبُرْهَا * نٍ وَبِرٍّ ونعمة أن تنالا خصك الله يا بن آمنة الخ * - ير بِهَا إِذْ أَتَتْ سِجَالًا سِجَالَا فَاجْعَلِ الْحَظَّ منك يا حجة الل * هـ جزيلا لاحظ خُلْفٍ أَحَالَا قَالَ فَأَدْنَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَرَّبَ مَجْلِسَهُ وَقَالَ لَهُ.

يَا جَارُودُ لَقَدْ تَأَخَّرَ الْمَوْعُودُ بِكَ وَبِقَوْمِكَ.

فَقَالَ الْجَارُودُ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي أَمَّا مَنْ تَأَخَّرَ عَنْكَ فَقَدْ فَاتَهُ حَظُّهُ وَتِلْكَ أَعْظَمُ حُوبَةٍ وَأَغْلَظُ عُقُوبَةٍ وَمَا كُنْتَ فِيمَنْ رَآكَ أَوْ سَمِعَ بِكَ فَعَدَاكَ وَاتَّبَعَ سِوَاكَ وَإِنِّي الْآنَ عَلَى دِينٍ قَدْ عَلِمْتُ بِهِ قَدْ جِئْتُكَ وَهَا أَنَا تَارِكُهُ لِدِينِكَ أَفَذَلِكَ مِمَّا يُمَحِّصُ الذُّنُوبَ وَالْمَآثِمَ وَالْحُوبَ؟ وَيُرْضِي الرَّبَّ عَنِ الْمَرْبُوبِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَا ضَامِنٌ لَكَ ذَلِكَ وَأَخْلِصِ الْآنَ لله بالوحدانية ودع عنك دين النصرانية.

فنال الْجَارُودُ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي مُدَّ يَدَكَ فَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّكَ مُحَمَّدٌ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

قَالَ: فَأَسْلَمَ وَأَسْلَمَ مَعَهُ أُنَاسٌ مِنْ قَوْمِهِ فَسُرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِإِسْلَامِهِمْ، وَأَظْهَرَ مِنْ

إِكْرَامِهِمْ مَا سُرُّوا بِهِ وَابْتَهَجُوا بِهِ.

ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَفَيَكِمْ مَنْ يَعْرِفُ قُسَّ بْنَ سَاعِدَةَ الْإِيَادِيَّ فَقَالَ الْجَارُودُ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي كُلُّنَا نَعْرِفُهُ وَإِنِّي مِنْ بَيْنِهِمْ لَعَالِمٌ بِخَبَرِهِ وَاقِفٌ عَلَى أَمْرِهِ كَانَ قس يارسول اللَّهِ سِبْطًا مِنْ أَسْبَاطِ الْعَرَبِ عُمِّرَ سِتَّمِائَةِ سنة تقفز مِنْهَا خَمْسَةَ أَعْمَارٍ فِي الْبَرَارِيِّ وَالْقِفَارِ يَضِجُّ بِالتَّسْبِيحِ عَلَى مِثَالِ الْمَسِيحِ لَا يُقِرُّهُ قَرَارٌ وَلَا تَكُنُّهُ دَارٌ وَلَا يَسْتَمْتِعُ بِهِ جَارٌ.

كَانَ يَلْبَسُ الْأَمْسَاحَ وَيَفُوقُ السُّيَّاحَ، وَلَا يَفْتُرُ مِنْ رَهْبَانِيَّتِهِ يَتَحَسَّى فِي سِيَاحَتِهِ بَيْضَ النَّعَامِ ويأنس بالهوام،

ص: 291

ويستمتع بالظلام، يبصر فيعتبر، ويفكر فيختبر، فَصَارَ لِذَلِكَ وَاحِدًا تُضْرَبُ بِحِكْمَتِهِ الْأَمْثَالُ، وَتُكْشَفُ بِهِ الْأَهْوَالُ.

أَدْرَكَ رَأْسَ الْحَوَارِيِّينَ سَمْعَانَ، وَهُوَ أَوَّلُ رَجُلٍ تَأَلَّهَ مِنَ الَعَرَبِ وَوَحَّدَ، وَأَقَرَّ وَتَعَبَّدَ، وَأَيْقَنَ بِالْبَعْثِ وَالْحِسَابِ، وَحَذِرَ سُوءَ الْمَآبِ، وَأَمَرَ بِالْعَمَلِ قَبْلَ الْفَوْتِ، وَوَعَظَ بِالْمَوْتِ وَسَلَّمَ بالقضاء، عَلَى السُّخْطِ وَالرِّضَا، وَزَارَ الْقُبُورَ، وَذَكَرَ النُّشُورَ، وَنَدَبَ بِالْأَشْعَارِ، وَفَكَّرَ فِي الْأَقْدَارِ، وَأَنْبَأَ عَنِ السَّمَاءِ وَالنَّمَاءِ، وَذَكَرَ النُّجُومَ وَكَشَفَ الْمَاءَ، وَوَصَفَ الْبِحَارَ، وَعَرَفَ الْآثَارَ، وَخَطَبَ رَاكِبًا، وَوَعَظَ دَائِبًا، وَحَذَّرَ مِنَ الَكَرْبِ، وَمِنْ شَدَّةِ الْغَضَبِ، وَرَسَّلَ الرَّسَائِلَ، وَذَكَرَ كُلَّ هَائِلٍ، وَأَرْغَمَ فِي خُطَبِهِ، وَبَيَّنَ فِي كُتُبِهِ، وَخَوَّفَ الدَّهْرَ، وَحَذَّرَ الْأَزْرَ، وَعَظَّمَ الْأَمْرَ، وَجَنَّبَ الْكُفْرَ، وَشَوَّقَ إِلَى الْحَنِيفِيَّةِ، وَدَعَا إِلَى اللَّاهُوتِيَّةِ.

وَهُوَ الْقَائِلُ فِي يَوْمِ عُكَاظٍ.

شَرْقٌ وَغَرْبٌ، وَيُتْمٌ وَحِزْبٌ، وَسِلْمٌ وَحَرْبٌ، وَيَابِسٌ وَرَطْبٌ، وَأُجَاجٌ وَعَذْبٌ، وَشُمُوسٌ وَأَقْمَارٌ، وَرِيَاحٌ وأمطار، وليل ونهار، وإناث وذكور، وبرار وبحور، وَحَبٌّ وَنَبَاتٌ، وَآبَاءٌ وَأُمَّهَاتٌ، وَجَمْعٌ وَأَشْتَاتٌ، وَآيَاتٌ فِي إِثْرِهَا آيَاتٌ، وَنُورٌ وَظَلَامٌ، وَيُسْرٌ وَإِعْدَامٌ، ورب وأصنام، لقد ضل الأنام، نشوّ مَوْلُودٍ، وَوَأْدُ مَفْقُودٍ، وَتَرْبِيَةُ مَحْصُودٍ، وَفَقِيرٌ وَغَنِيٌّ، ومحسن ومسئ، تَبًّا لِأَرْبَابِ الْغَفْلَةِ، لَيُصْلِحَنَّ الْعَامِلُ عَمَلَهُ، وَلَيَفْقِدَنَّ الْآمِلُ أَمَلَهُ، كَلَّا بَلْ هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ، لَيْسَ بِمَوْلُودٍ وَلَا وَالِدٍ، أَعَادَ وَأَبْدَى، وَأَمَاتَ وَأَحْيَا، وَخَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، رَبُّ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى.

أَمَّا بَعْدُ: فَيَا مَعْشَرَ إِيَادٍ، أَيْنَ ثَمُودُ وَعَادٌ؟ وَأَيْنَ الْآبَاءُ وَالْأَجْدَادُ؟ وَأَيْنَ الْعَلِيلُ وَالْعُوَّادُ؟ كُلٌّ لَهُ مُعَادٌ يُقْسِمُ قُسٌّ بِرَبِّ الْعِبَادِ، وَسَاطِحِ الْمِهَادِ، لَتُحْشَرُنَّ عَلَى الِانْفِرَادِ، فِي يَوْمِ التَّنَادِ، إِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ، وَنُقِرَ فِي

النَّاقُورِ، وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ، وَوَعَظَ الْوَاعِظُ، فَانْتَبَذَ الْقَانِطُ وَأَبْصَرَ اللَّاحِظُ، فَوَيْلٌ لِمَنْ صَدَفَ عَنِ الْحَقِّ الْأَشْهَرِ، وَالنُّورِ الْأَزْهَرِ، وَالْعَرْضِ الْأَكْبَرِ، فِي يَوْمِ الْفَصْلِ، وَمِيزَانِ الْعَدْلِ، إِذَا حَكَمَ الْقَدِيرُ، وَشَهِدَ النَّذِيرُ، وَبَعُدَ النَّصِيرُ، وَظَهَرَ التَّقْصِيرُ، فَفَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ.

وَهُوَ الْقَائِلُ: ذَكَّرَ القلب من جواه ادكار * وليال خلالهن نهار وسجال هو اطل مِنْ غَمَامٍ * ثُرْنَ مَاءً وَفِي جَوَاهُنَّ نَارُ ضوءها يطمس العيون وأرعا * دشداد في الخافقين تطار وقصور مشيدة حوت الخ * - ير وَأُخْرَى خَلَتْ بِهِنَّ قِفَارُ وَجِبَالٌ شَوَامِخُ رَاسِيَاتٌ * وَبِحَارٌ مِيَاهُهُنَّ غِزِارُ وَنُجُومٌ تُلُوحُ فِي ظُلَمِ اللَّيْ * - لِ نَرَاهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ تُدَارُ ثُمَّ شَمْسٌ يَحُثُّهَا قَمَرُ اللَّيْ * - لِ وَكُلٌّ مُتَابِعٌ مَوَّارُ وَصَغِيرٌ وَأَشْمَطٌ وَكَبِيرٌ * كُلُّهُمْ فِي الصعيد يوما مزار وكبير مِمَّا يُقَصِّرُ عَنْهُ * حَدْسُهُ الْخَاطِرُ الَّذِي لَا يَحَارُ فَالَّذِي قَدْ ذَكَرْتُ دَلَّ عَلَى اللَّ * هِـ نُفُوسًا لَهَا هُدًى وَاعْتِبَارُ

ص: 292

قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَهْمَا نَسِيتُ فَلَسْتُ أَنْسَاهُ بِسُوقِ عُكَاظٍ، وَاقِفًا عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ يَخْطُبُ النَّاسَ: اجْتَمِعُوا فَاسْمَعُوا، وَإِذَا سَمِعْتُمْ فَعُوا، وَإِذَا وَعَيْتُمْ فَانْتَفِعُوا، وَقُولُوا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاصْدُقُوا، مَنْ عَاشَ مَاتَ، ومن مات فات، ولك مَا هُوَ آتٍ آتٍ، مَطَرٌ وَنَبَاتٌ، وَأَحْيَاءٌ وَأَمْوَاتٌ، لَيْلٌ دَاجٍ، وَسَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ، وَنُجُومٌ تَزْهَرُ، وَبِحَارُ تَزْخَرُ، وَضَوْءٌ وَظَلَامٌ، وَلَيْلٌ وَأَيَّامٌ، وَبِرٌّ وَآثَامٌ، إِنَّ فِي السَّمَاءِ خَبَرًا، وَإِنَّ فِي الْأَرْضِ عِبَرًا، يَحَارُ فِيهِنَّ الْبُصَرَا، مِهَادٌ مَوْضُوعٌ، وَسَقْفٌ مَرْفُوعٌ، وَنُجُومٌ تَغُورُ، وَبِحَارٌ لَا تَفُورُ، وَمَنَايَا دَوَانٍ، وَدَهْرٌ خَوَّانٌ، كَحَدِّ النِّسْطَاسِ، وَوَزْنِ الْقِسْطَاسِ.

أَقْسَمَ قُسٌّ قَسَمًا، لَا كَاذِبًا فِيهِ وَلَا آثِمًا، لَئِنْ كَانَ فِي هَذَا الْأَمْرِ

رِضًى، لَيَكُونَنَّ سَخَطٌ.

ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ لِلَّهِ دِينًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ دِينِكُمْ هَذَا الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَهَذَا زمانه وأوانه.

ثم قال مالي أَرَى النَّاسَ يَذْهَبُونَ فَلَا يَرْجِعُونَ، أَرَضُوا بِالْمُقَامِ فَأَقَامُوا؟ أَمْ تُرِكُوا فَنَامُوا.

وَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَرْوِي شِعْرَهُ لَنَا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي أَنَا شَاهِدٌ لَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ حَيْثُ يَقُولُ: فِي الذَّاهِبِينَ الْأَوَّلِي * - نَ مِنَ الْقُرُونِ لَنَا بَصَائِرْ لَمَّا رَأَيْتُ مَوَارِدًا * لِلْمَوْتِ لَيْسَ لَهَا مَصَادِرْ ورأيت قومي نحوها * يمضي الأصاغر والأكابر لا يرجع الماض إلي * ي وَلَا مِنَ الْبَاقِينَ غَابِرْ أَيْقَنْتُ أَنِّي لَا محا * لة حَيْثُ صَارَ الْقَوْمُ صَائِرْ قَالَ: فَقَامَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْخٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ عَظِيمُ الْهَامَةِ، طَوِيلُ الْقَامَةِ، بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ فَقَالَ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي وَأَنَا رَأَيْتُ مِنْ قُسٍّ عَجَبًا.

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا الَّذِي رَأَيْتَ يَا أَخَا بَنِي عَبْدِ الْقَيْسِ؟ فَقَالَ: خَرَجْتُ فِي شَبِيبَتِي أَرْبَعُ بَعِيرًا لي فدعني أَقْفُو أَثَرَهُ فِي تَنَائِفَ قَفَافٍ ذَاتِ ضَغَابِيسَ وَعَرَصَاتِ جَثْجَاثٍ بَيْنَ صُدُورِ جُذْعَانَ، وَغَمِيرِ حَوْذَانٍ، ومهمه ظلمان، ورصيع ليهقان، فبينا أنا في تلك القلوات أَجُولُ بِسَبْسَبِهَا وَأَرْنُقُ فَدْفَدَهَا إِذَا أَنَا بِهَضَبَةٍ فِي نَشَزَاتِهَا أَرَاكٌ كَبَاثٌ مُخْضَوْضِلَةٌ وَأَغْصَانُهَا مُتَهَدِّلَةٌ كَأَنَّ بَرِيرَهَا حَبُّ الْفُلْفُلِ وَبَوَاسِقُ أُقْحُوَانٍ، وَإِذَا بِعَيْنٍ خَرَّارَةٍ وَرَوْضَةٍ مُدْهَامَّةٍ، وَشَجَرَةٍ عَارِمَةٍ، وَإِذَا أَنَا بِقُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ فِي أَصْلِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ وَبِيَدِهِ قَضِيبٌ.

فَدَنَوْتُ مِنْهُ وَقُلْتُ لَهُ: أَنْعِمْ صَبَاحًا! فَقَالَ: وَأَنْتَ فَنَعِمَ صَبَاحُكَ! وَقَدْ وَرَدَتِ الْعَيْنَ سِبَاعٌ كَثِيرَةٌ فَكَانَ كُلَّمَا ذَهَبَ سَبْعٌ مِنْهَا يَشْرَبُ مِنَ الَعَيْنِ قَبْلَ صَاحِبِهِ ضَرَبَهُ قُسُّ بِالْقَضِيبِ الَّذِي بِيَدِهِ.

وَقَالَ: اصْبِرْ حَتَّى يَشْرَبَ الَّذِي قَبْلَكَ فَذُعِرْتُ مِنْ ذَلِكَ ذُعْرًا شَدِيدًا، وَنَظَرَ إِلَيَّ فَقَالَ لَا تَخَفْ.

وَإِذَا بِقَبْرَيْنِ بَيْنَهُمَا مَسْجِدٌ فَقُلْتُ مَا هَذَانِ؟ القبران؟ قال قبر أَخَوَيْنِ كَانَا يَعْبُدَانِ اللَّهَ عز وجل بِهَذَا الموضع فأنا مقيم بين قبريهما عبد اللَّهَ حَتَّى أَلْحَقَ بِهِمَا.

فَقُلْتُ لَهُ: أَفَلَا تلحق بقومك فتكون معهم في خيرهم وتبيانهم على شرهم؟ فقال لي: ثكلتك أمك أو ما عَلِمْتَ أَنَّ وَلَدَ

إِسْمَاعِيلَ تَرَكُوا دِينَ أَبِيهِمْ وَاتَّبَعُوا الْأَضْدَادَ وَعَظَّمُوا الْأَنْدَادَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْقَبْرَيْنِ وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

ص: 293

خليلي هبَّا طالما قد رقدتما * أجد كما لَا تَقْضِيَانِ كَرَاكُمَا أَرَى النَّوْمَ بَيْنَ الْجِلْدِ وَالْعَظْمِ مِنْكُمَا * كَأَنَّ الَّذِي يَسْقِي الْعُقَارَ سَقَاكُمَا أَمِنْ طُولِ نَوْمٍ لَا تُجِيبَانِ دَاعِيًا * كَأَنَّ الَّذِي يَسْقِي الْعُقَارَ سَقَاكُمَا أَلَمْ تَعْلَمَا أَنِّي بنجران مفرداً * ومالي فِيهِ مِنْ حَبِيبٍ سِوَاكُمَا مُقِيمٌ عَلَى قَبْرَيْكُمَا لَسْتُ بَارِحًا * إِيَابَ اللَّيَالِي أَوْ يُجِيبَ صَدَاكُمَا أَأَبْكِيكُمَا طُولَ الْحَيَاةِ وَمَا الَّذِي * يَرُدُّ عَلَى ذِي لَوْعَةٍ أَنْ بَكَاكُمَا فُلَوْ جُعِلَتْ نَفْسٌ لِنَفْسِ امْرِئٍ فِدًى * لَجُدْتُ بِنَفْسِي أَنْ تَكُونَ فِدَاكُمَا كَأَنَّكُمَا وَالْمَوْتُ أَقْرَبُ غَايَةٍ * بِرُوحِيَ فِي قَبْرَيْكُمَا قَدْ أَتَاكُمَا قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: رَحِمَ اللَّهُ قُسًّا أَمَا إِنَّهُ سَيُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَاحِدَةً.

وَهَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ جِدًّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ مُرْسَلٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَسَنُ سَمِعَهُ مِنَ الْجَارُودِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ: والحافظ أبو القاسم بن عَسَاكِرَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بن عيسى ابن مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْقُرَشِيِّ الْأَخْبَارِيِّ ثَنَا أَبِي ثنا علي بن سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عبَّاس رضي الله عنهما.

قَالَ: قَدِمَ الْجَارُودُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَ مِثْلَهُ أَوْ نَحْوَهُ مُطَوَّلًا بِزِيَادَاتٍ كَثِيرَةٍ فِي نَظْمِهِ وَنَثْرِهِ، وَفِيهِ مَا ذَكَرَهُ عَنِ الَّذِي ضَلَّ بِعِيرُهُ فَذَهَبَ فِي طَلَبِهِ قَالَ فَبِتُّ فِي وَادٍ لَا آمَنُ فِيهِ حتفي، ولا أركن إلى غير سيفي، أَرْقُبُ الْكَوْكَبَ، وَأَرْمُقُ الْغَيْهَبَ، حَتَّى إِذَا اللَّيْلُ عَسْعَسَ، وَكَادَ الصُّبْحُ أَنْ يَتَنَفَّسَ، هَتَفَ بِيَ هَاتِفٌ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا الرَّاقِدُ فِي اللَّيْلِ الْأَجَمْ * قَدْ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا فِي الْحَرَمْ من هاشم أهل الوفاء والكرم * يجلو دجيات الدَّيَاجِي وَالْبُهَمْ قَالَ فَأَدَرْتُ طَرْفِي فَمَا رَأَيْتُ لَهُ شَخْصًا وَلَا سَمِعْتُ لَهُ فَحْصًا، قَالَ فَأَنْشَأْتُ أَقُولُ: يا أَيُّهَا الْهَاتِفُ فِي دَاجِي الظُّلم * أَهْلًا وَسَهْلًا بِكَ مِنْ طَيْفٍ أَلَمْ

بَيِّنْ هَدَاكَ اللَّهُ فِي لَحْنِ الْكَلِمْ * مَاذَا الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ يُغْتَنَمْ قَالَ فَإِذَا أَنَا بنحنحة وقائلاً يَقُولُ: ظَهَرَ النُّورُ، وَبَطَلَ الزُّورُ، وَبَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا بِالْحُبُورِ صَاحِبَ النَّجِيبِ الْأَحْمَرِ، وَالتَّاجِ وَالْمِغْفَرِ، وَالْوَجْهِ الْأَزْهَرِ، وَالْحَاجِبِ الْأَقْمَرِ، وَالطَّرْفِ الْأَحْوَرِ، صَاحِبَ قَوْلِ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَذَلِكَ مُحَمَّدٌ الْمَبْعُوثُ إِلَى الْأَسْوَدِ وَالْأَبْيَضِ أَهْلِ الْمَدَرِ وَالْوَبَرِ ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي * لَمْ يَخْلُقِ الْخَلْقَ عَبَثْ لَمْ يُخْلِنَا يَوْمًا سُدًى * مِنْ بَعْدِ عِيسى وَاكْتَرَثْ أَرْسَلَ فِينَا أَحْمَدًا * خَيْرَ نَبِيٍّ قَدْ بُعِثْ صَلَّى عَلَيهِ اللَّهُ مَا * حَجَّ لَهُ رَكْبٌ وَحَثَّ

ص: 294

وَفِيهِ مِنْ إِنْشَاءِ قُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ: يَا نَاعِيَ الْمَوْتِ وَالْمَلْحُودُ فِي جَدَثٍ * عَلَيْهِمُ مِنْ بَقَايَا قَوْلِهِمْ خِرَق دَعْهُمْ فَإِنَّ لَهُمْ يَوْمًا يُصَاحُ بِهِمْ * فَهُمْ إِذَا انْتَبَهُوا مِنْ نَوْمِهِمْ أَرِقُوا حَتَّى يَعُودُوا بِحَالٍ غَيْرِ حَالِهِمُ * خَلْقًا جَدِيدًا كَمَا مِنْ قَبْلِهِ خُلِقُوا مِنْهُمْ عُرَاةٌ وَمِنْهُمْ فِي ثِيَابِهِمُ * مِنْهَا الْجَدِيدُ وَمِنْهَا الْمُنْهَجُ الخلق ثم رواه البيهقي عن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيِّ.

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ فَرْضَخٍ الْإِخْمِيمِيُّ بِمَكَّةَ ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَهْدِيٍّ ثَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

فذكر القصة وذكر الإنشاد قال فوجد واعبد رَأْسِهِ صَحِيفَةً فِيهَا: يَا نَاعِيَ الْمَوْتِ وَالْأَمْوَاتُ فِي جَدَثٍ * عَلَيْهِمُ مِنْ بَقَايَا نَوْمِهِمْ خِرَقُ دَعْهُمْ فَإِنَّ لَهُمْ يَوْمًا يُصَاحُ بِهِمْ * كَمَا تنبه مِنْ نَوْمَاتِهِ الصَّعِقُ مِنْهُمْ عُرَاةٌ وَمَوْتَى فِي ثِيَابِهِمُ * مِنْهَا الْجَدِيدُ وَمِنْهَا الْأَزْرَقُ الْخَلَقُ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَقَدْ آمَنَ قُسٌّ بِالْبَعْثِ.

وَأَصْلُهُ مَشْهُورٌ وَهَذِهِ الطُّرُقُ عَلَى ضَعْفِهَا كَالْمُتَعَاضِدَةِ عَلَى إِثْبَاتِ أَصْلِ الْقِصَّةِ وَقَدْ تكلَّم أَبُو مُحَمَّدِ بن درستويه على غريب ما وقع في هذا الحديث وأكثره ظاهر إن شاء الله تعالى وَمَا كَانَ فيه غرابة شديدة نبهنا عليه في الحواشي.

وقال البيهقي: أنا أبو سعيد بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الشُّعَيْثِيُّ ثَنَا أَبُو عمرو بن أبي طاهر المحمدي آباذي لَفْظًا ثَنَا أَبُو لُبَابَةَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَهْدِيِّ الأموردي ثَنَا أَبِي ثَنَا سَعِيدُ بْنُ هُبَيْرَةَ ثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَدِمَ وَفْدُ إِيَادٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا فَعَلَ قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ! قَالُوا هَلَكَ.

قَالَ أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ مِنْهُ كَلَامًا أَرَى أَنِّي أَحْفَظُهُ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ نَحْنُ نَحْفَظُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هَاتُوا: فَقَالَ قَائِلُهُمْ إِنِّي وَاقِفٌ بِسُوقِ عُكَاظٍ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اسْتَمِعُوا وَاسْمَعُوا وَعُوا، كُلُّ مَنْ عَاشَ مَاتَ، وَكُلُّ مَنْ مَاتَ فَاتَ، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتٍ، لَيْلٌ دَاجٍ، وَسَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وجبال مرسية وأنها مَجْرِيَّةٌ إِنَّ فِي السَّمَاءِ لَخَبَرًا، وَإِنَّ فِي الْأَرْضِ لَعِبَرًا، أَرَى النَّاسَ يَمُوتُونَ وَلَا يَرْجِعُونَ أَرَضُوا بِالْإِقَامَةِ فَأَقَامُوا، أَمْ تُرِكُوا فَنَامُوا، أَقْسَمَ قُسٌّ قَسَمًا بِاللَّهِ لَا إِثْمَ فِيهِ، إِنَّ لِلَّهِ دِينًا هُوَ أَرْضَى مِمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ ثمَّ أنشأ يقول: في الذاهبين الاول * ين من القرون لنا بصائر لما رأيت مصارعاً * للقوم ليس لها مصادر ورأيت قومي نحوها * يمضي الأكابر والأصاغر أيقنت أني لا محا * لة حَيْثُ صَارَ الْقَوْمُ صَائِرْ [*]

ص: 295

ثمَّ سَاقَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ قَدْ نَبَّهْنَا عَلَيْهَا فِيمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس بِزِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ.

وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مُنْقَطِعًا وَرُوِيَ مُخْتَصَرًا مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ.

قُلْتُ: وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ كَمَا تَقَدَّمَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ كَمَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ الدَّلَائِلِ عَنْ

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْوَاسِطِيِّ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ طَرِيفِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ مَوْلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِالْمَوْصِلِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيِّ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَذَكَرَهُ.

وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ أَيْضًا حَدِيثَ عُبَادَةَ الْمُتَقَدِّمَ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَاصٍّ.

ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَإِذَا رُوِىَ الْحَدِيثُ مَنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا ضَعِيفًا دلَّ عَلَى أنَّ لِلْحَدِيثِ أَصْلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ رضي الله عنه هُوَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ رِيَاحِ بن عبد الله بن قرظ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيُّ.

وَكَانَ الْخَطَّابُ وَالِدُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَمَّهُ وَأَخَاهُ لِأُمِّهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ نُفَيْلٍ كَانَ قَدْ خَلَفَ عَلَى امْرَأَةِ أَبِيهِ بَعْدَ أَبِيهِ، وَكَانَ لَهَا مِنْ نُفَيْلٍ أَخُوهُ الْخَطَّابُ قَالَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ ومُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ.

وَكَانَ زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو قَدْ تَرَكَ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ وَفَارَقَ دِينَهُمْ وَكَانَ لا بأكل إِلَّا مَا ذُبِحَ عَلَى اسْمِ اللَّهِ وَحْدَهُ.

قَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ وَالَّذِي نَفْسُ زَيْدٍ بِيَدِهِ مَا أَصْبَحَ أَحَدٌ مِنْكُمْ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي.

ثمَّ يَقُولُ: اللَّهم إِنِّي لَوْ أَعْلَمُ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيْكَ عَبَدْتُكَ بِهِ وَلَكِنِّي لَا أَعْلَمُ ثُمَّ يَسْجُدُ عَلَى رَاحِلَتِهِ.

وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ بِهِ وَزَادَ وَكَانَ يُصَلِّي إِلَى الْكَعْبَةِ وَيَقُولُ إِلَهِي إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ، وَدِينِي دِينُ إِبْرَاهِيمَ.

وكان يحيي الموؤودة وَيَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ لَا تَقْتُلْهَا ادْفَعْهَا إِلَيَّ أَكْفُلْهَا فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ فإن شِئْتَ فَخُذْهَا وَإِنْ شِئْتَ فَادْفَعْهَا.

أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فَقَالَ: وقال الليث كتب إلى هشام بن عروة عَنْ أَبِيهِ بِهِ وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ وَوَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى وَعُثْمَانُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عبد العزى وعبد اللَّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِيِابِ بْنِ يَعْمَرَ بن صبرة بن برة بْنِ كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أسعد بْنِ أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ.

وَأُمُّهُ أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.

وَأُخْتُهُ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ الَّتِي تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مَوْلَاهُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ كَمَا

سَيَأْتِي بَيَانُهُ.

حَضَرُوا قُرَيْشًا عِنْدَ وَثَنٍ لَهُمْ كَانُوا يَذْبَحُونَ عِنْدَهُ لِعِيدٍ مِنْ أَعْيَادِهِمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا خَلَا بَعْضُ أُولَئِكَ النَّفَرِ إِلَى بَعْضٍ وَقَالُوا تَصَادَقُوا وَلْيَكْتُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ.

فَقَالَ قَائِلُهُمْ تعلمن والله ما قومكم على شئ لقد أخطأوا دِينَ إِبْرَاهِيمَ وَخَالَفُوهُ مَا وَثَنٌ يُعْبَدُ؟ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ فَابْتَغُوا لِأَنْفُسِكُمْ فَخَرَجُوا يَطْلُبُونَ وَيَسِيرُونَ فِي الْأَرْضِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ كِتَابٍ مِنَ اليهود والنَّصارى والملل

ص: 296

كلها.

الحنيفية دين إبراهيم، فلما وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ فَتَنَصَّرَ وَاسْتَحْكَمَ فِي النَّصْرَانِيَّةِ وَابْتَغَى الْكُتُبَ مِنْ أَهْلِهَا حَتَّى عَلِمَ عِلْمًا كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أعدل أمراً وأعدل ثباتاً مِنْ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ اعْتَزَلَ الْأَوْثَانَ وَفَارَقَ الْأَدْيَانَ مِنَ الْيَهُودِ والنَّصارى وَالْمِلَلِ كُلِّهَا إِلَّا دِينَ الْحَنِيفِيَّةِ دِينَ إِبْرَاهِيمَ يُوَحِّدُ اللَّهَ وَيَخْلَعُ مَنْ دُونَهُ وَلَا يَأْكُلُ ذَبَائِحَ قومه فإذا هم بِالْفِرَاقِ لِمَا هُمْ فِيهِ.

قَالَ: وَكَانَ الْخَطَّابُ قَدْ آذَاهُ أَذًى كَثِيرًا حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ إِلَى أَعْلَى مَكَّةَ وَوَكَّلَ بِهِ الْخَطَّابُ شَبَابًا مِنْ قُرَيْشٍ وَسُفَهَاءَ مِنْ سُفَهَائِهِمْ فَقَالَ لَا تتركوه يدخل فَكَانَ لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا سِرًّا مِنْهُمْ فَإِذَا عَلِمُوا بِهِ أَخْرَجُوهُ وَآذَوْهُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ أَوْ يُتَابِعَهُ أَحَدٌ إِلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ.

وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ سَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى يُحَدِّثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ كَانَ يَعِيبُ عَلَى قُرَيْشٍ ذَبَائِحَهُمْ وَيَقُولُ الشَّاةُ خَلَقَهَا اللَّهُ وَأَنْزَلَ لَهَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً وَأَنْبَتَ لَهَا مِنَ الَأَرْضِ لِمَ تَذْبَحُوهَا عَلَى غَيْرِ اسْمِ اللَّهِ.

إِنْكَارًا لِذَلِكَ وَإِعْظَامًا لَهُ؟ وَقَالَ يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَقَدْ كَانَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قد عزم على الخروج من مكة فضرب فِي الْأَرْضِ يَطْلُبُ الْحَنِيفِيَّةَ دِينَ إِبْرَاهِيمَ وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ الْحَضْرَمِيِّ كُلَّمَا أَبْصَرَتْهُ قَدْ نهض للخروج وأراده آدنت الْخَطَّابَ بْنَ نُفَيْلٍ فَخَرَجَ زَيْدٌ إِلَى الشَّامِ يَلْتَمِسُ وَيَطْلُبُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ دِينَ إِبْرَاهِيمَ وَيَسْأَلُ عَنْهُ وَلَمْ يَزَلْ فِي ذَلِكَ فِيمَا يَزْعُمُونَ حَتَّى أَتَى الْمَوْصِلَ وَالْجَزِيرَةَ كُلَّهَا ثمَّ أَقْبَلَ حَتَّى أَتَى الشَّامَ فَجَالَ فِيهَا حَتَّى أَتَى رَاهِبًا بِبَيْعَةٍ مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ كَانَ يَنْتَهِي إِلَيْهِ عِلْمُ النَّصْرَانِيَّةِ فِيمَا يَزْعُمُونَ فَسَأَلَهُ عَنِ الْحَنِيفِيَّةِ دِينِ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ إِنَّكَ لَتَسْأَلُ عَنْ دِينٍ مَا أَنْتَ بِوَاجِدٍ مَنْ يَحْمِلُكُ عَلَيْهِ الْيَوْمَ، لَقَدْ دَرَسَ مِنْ عَلِمَهُ وَذَهَبَ مَنْ كَانَ يَعْرِفُهُ، وَلَكِنَّهُ قد أظل خُرُوجُ نَبِيٍّ وَهَذَا زَمَانُهُ.

وَقَدْ كَانَ شَامَ الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ فَلَمْ يَرْضَ شَيْئًا مِنْهَا فَخَرَجَ سَرِيعًا حِينَ قَالَ لَهُ الرَّاهِبُ مَا

قَالَ يُرِيدُ مَكَّةَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِأَرْضِ لَخْمٍ عَدَوْا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ فَقَالَ وَرَقَةُ يَرْثِيهِ: رَشَدْتَ وأنعمت ابن عمرو وإنما * تجنبت تنورا من النَّارِ حَامِيًا بِدِينِكَ رَبًّا لَيْسَ رَبٌّ كَمِثْلِهِ * وتركك أوثان الطواغي كماهيا وَقَدْ تُدْرِكُ الْإِنْسَانَ رَحْمَةُ رَبِّهِ * وَلَوْ كَانَ تحت الأرض ستينا وَادِيًا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ طَارِقٍ الْوَابِشِيُّ ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أَنَّهُ كَانَ يَتَأَلَّهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ لَهُ أُحِبُّ أَنْ تُدْخِلَنِي مَعَكَ فِي دِينِكَ.

فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ لَا أُدْخِلُكَ فِي دِينِي حَتَّى تَبُوءَ بِنَصِيبِكَ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ.

فَقَالَ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ أَفِرُّ.

فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى نَصْرَانِيًّا فَقَالَ لَهُ أُحِبُّ أَنْ تُدْخِلَنِي مَعَكَ فِي دِينِكَ، فَقَالَ لَسْتُ أُدْخِلُكَ فِي دِينِي حَتَّى تَبُوءَ بِنَصِيبِكَ مِنَ الَضَّلَالَةِ.

فَقَالَ مِنَ الَضَّلَالَةِ أَفِرُّ.

قَالَ لَهُ النَّصْرَانِيُّ فَإِنِّي أَدُلُّكَ عَلَى دِينٍ إن تبعته اهْتَدَيْتَ.

قَالَ أَيُّ دِينٍ؟ قَالَ دِينُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ فَقَالَ اللَّهم إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنِّي عَلَى دين إبراهيم عليه أحيى وَعَلَيْهِ أَمُوتُ.

قَالَ فَذُكِرَ شَأْنُهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: هُوَ أُمَّةٌ وَحْدَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وَقَدْ رَوَى مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَ هَذَا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَيْفٍ الْقُرَشِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُجَالِدٍ

ص: 297

عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بن الخطَّاب قل قَالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: شَامَمْتُ اليهودية والنصرانية فكرهتهما فكنت بالشام وما والاها حَتَّى أَتَيْتُ رَاهِبًا فِي صَوْمَعَةٍ فَذَكَرْتُ لَهُ اغْتِرَابِي عَنْ قَوْمِي وَكَرَاهَتِي عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ وَالْيَهُودِيَّةَ والنصرانية.

فقال له: أَرَاكَ تُرِيدُ دَيْنَ إِبْرَاهِيمَ يَا أَخَا أَهْلِ مَكَّةَ إِنَّكَ لَتَطْلُبُ دِينًا مَا يُوجَدُ الْيَوْمَ (أَحَدٌ يَدِينُ) بِهِ وَهُوَ دِينُ أَبِيكَ إِبْرَاهِيمَ كَانَ حَنِيفًا لَمْ يَكُنْ يَهُودِيّاً وَلَا نَصْرَانِيّاً كَانَ يُصَلِّي وَيَسْجُدُ إِلَى هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي بِبِلَادِكَ فَالْحَقْ بِبَلَدِكَ فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مِنْ قَوْمِكَ فِي بَلَدِكَ مَنْ يَأْتِي بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ الْحَنِيفِيَّةِ وَهُوَ أَكْرَمُ الْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ.

وقَالَ يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي بَعْضُ آلِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: إِنَّ زَيْدًا كَانَ إِذَا دَخَلَ الْكَعْبَةَ قَالَ لَبَّيْكَ حَقًّا حَقًّا، تَعَبُّدًا وَرِقًّا، عُذْتُ بِمَا عَاذَ بِهِ إبراهيم وهو قائم، إذ قال إلهي أنفي لك عَانٍ رَاغِمُ، مَهْمَا

تُجَشِّمْنِي فَإِنِّي جَاشِمُ، الْبِرَّ أبغي لا أنحال، لَيْسَ مُهَجِّرٌ كَمَنْ قَالَ.

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيالسيّ: حدَّثنا الْمَسْعُودِيُّ.

عَنْ نُفَيْلِ بْنِ هِشَامِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ الْعَدَوِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو وَوَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ خَرَجًا يَلْتَمِسَانِ الدِّينَ حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى رَاهِبٍ بِالْمَوْصِلِ، فَقَالَ لِزَيْدِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ يَا صَاحِبَ الْبَعِيرِ؟ فَقَالَ مِنْ بَنِيَّةِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ وَمَا تَلْتَمِسُ قَالَ أَلْتَمِسُ الدِّينَ قَالَ ارْجِعْ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يُظْهِرَ فِي أَرْضِكَ.

قَالَ: فَأَمَّا وَرَقَةُ فَتَنَصَّرَ وَأَمَّا أَنَا فَعَزَمْتُ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ فَلَمْ يُوَافِقْنِي فَرَجَعَ وَهُوَ يَقُولُ: لَبَّيْكَ حَقًّا حَقًّا * تَعَبُّدًا وَرِقًّا الْبِرَّ أَبْغِي لا أنحال * فَهَلْ مُهَجِّرٌ كَمَنْ قَالَ آمَنْتُ بِمَا آمَنَ به إبراهيم وهو يقول: أنفي لك عَانٍ رَاغِمُ، مَهْمَا تُجَشِّمْنِي فَإِنِّي جَاشِمُ، ثُمَّ يَخِرُّ فَيَسْجُدُ قَالَ وَجَاءَ ابْنُهُ يَعْنِي سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ أَحَدَ الْعَشْرَةِ رضي الله عنه فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِي كَمَا رَأَيْتَ وَكَمَا بَلَغَكَ فَاسْتَغْفِرْ لَهُ، قَالَ نَعَمْ فإنه يبعث يوم القيامة أمة واحدة.

قَالَ وَأَتَى زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَهُمَا يَأْكُلَانِ مِنْ سُفْرَةٍ لَهُمَا، فَدَعَوَاهُ لِطَعَامِهِمَا فَقَالَ زَيْدُ بْنُ عمرو: يا بن أَخِي أَنَا لَا آكُلُ مِمَّا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ.

وقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عمرو حدثني أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِيِ سَبْرَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْسَرَةَ عَنِ ابن أبي مليكة عن حجر بْنِ أَبِيِ إِهَابٍ.

قَالَ: رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو وَأَنَا عِنْدَ صَنَمِ بُوَانَةَ بَعْدَمَا رَجَعَ مِنَ الشَّامِ وَهُوَ يُرَاقِبُ الشَّمْسَ فَإِذَا زَالَتِ استقبل للكعبة فَصَلَّى رَكْعَةً سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ هَذِهِ قُبْلَةُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ لَا أَعْبُدُ حَجَرًا وَلَا أُصَلِّي لَهُ وَلَا آكُلُ مَا ذُبِحَ لَهُ وَلَا استقسم الازلام وإنا أصلي لهذا الْبَيْتِ حَتَّى أَمُوتَ.

وَكَانَ يَحُجُّ فَيَقِفُ بِعَرَفَةَ، وَكَانَ يُلَبِّي فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ ولا ند لك ثم يدفعه مِنْ عَرَفَةَ مَاشِيًا وَهُوَ يَقُولُ لَبَّيْكَ مُتَعَبِّدًا مَرْقُوقًا.

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْحَكَمِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ سمعت زيد ابن عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ يَقُولُ: أَنَا أَنْتَظِرُ نَبِيًّا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ ثُمَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ المطلب ولا أراني أدركه وأنا أو من بِهِ وأصدِّقه وَأَشْهَدُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَإِنْ طَالَتْ بِكَ مُدَّةٌ فَرَأَيْتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلام وَسَأُخْبِرُكَ

ص: 298

مَا نَعْتُهُ حَتَّى لَا يَخْفَى عَلَيْكَ قُلْتُ: هَلُمَّ! قَالَ: هُوَ رَجُلٌ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ وَلَا بِكَثِيرِ الشَّعر وَلَا بِقَلِيلِهِ وَلَيْسَتْ تُفَارِقُ عَيْنَهُ حُمْرَةٌ وَخَاتَمُ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَاسْمُهُ أَحْمَدُ وَهَذَا الْبَلَدُ مَوْلِدُهُ وَمَبْعَثُهُ ثُمَّ يُخْرِجُهُ قَوْمُهُ مِنْهَا وَيَكْرَهُونَ مَا جَاءَ بِهِ حَتَّى يُهَاجِرَ إِلَى يَثْرِبَ فَيَظْهَرُ أَمْرُهُ، فَإِيَّاكَ أَنْ تُخْدَعَ عَنْهُ فَإِنِّي طُفْتُ الْبِلَادَ كُلَّهَا أَطْلُبُ دِينَ إِبْرَاهِيمَ فَكَانَ مَنْ أَسْأَلُ مِنَ الْيَهُودِ والنَّصارى وَالْمَجُوسِ يَقُولُونَ هَذَا الدِّينُ وَرَاءَكَ وَيَنْعَتُونَهُ مِثْلَ مَا نَعَتُّهُ لَكَ وَيَقُولُونَ لَمْ يَبْقَ نَبِيٌّ غَيْرُهُ.

قَالَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ: فَلَمَّا أَسْلَمْتُ أَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلَ زَيْدِ بْنِ عمرو وإقرائه مِنْهُ السَّلام فردَّ عليه السلام وَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ وَقَالَ قَدْ رَأَيْتُهُ فِي الجنَّة يَسْحَبُ ذُيُولًا.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: ذِكْرُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَقِيَ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ بِأَسْفَلِ بَلْدَحَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْوَحْيُ فَقُدِّمَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سُفْرَةٌ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا.

ثُمَّ قَالَ زَيْدٌ إِنِّي لَسْتُ آكُلَ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنَصَابِكُمْ وَلَا آكُلُ إِلَّا مَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وإن زيد بن عمرو يَعِيبُ عَلَى قُرَيْشٍ ذَبَائِحَهُمْ وَيَقُولُ الشَّاةُ خَلَقَهَا اللَّهُ وَأَنْزَلَ لَهَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً وَأَنْبَتَ لَهَا مِنَ الَأَرْضِ ثُمَّ يَذْبَحُونَهَا عَلَى غَيْرِ اسْمِ اللَّهِ إِنْكَارًا لِذَلِكَ وَإِعْظَامًا لَهُ.

قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَحَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا يُحَدِّثُ بِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ يَسْأَلُ عَنِ الدِّينِ وَيَتْبَعُهُ فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ الْيَهُودِ فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِمْ فَقَالَ إِنِّي لَعَلِّي أَنْ أَدِينَ دِينَكُمْ فَأَخْبِرْنِي، فَقَالَ إِنَّكَ لَا تَكُونُ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ نَصِيبَكَ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ قَالَ زَيْدٌ وَمَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ غَضَبِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا أَحْمِلُ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ شَيْئًا وَلَا أَسْتَطِيعُهُ فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ؟ قَالَ مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ حَنِيفًا قَالَ زَيْدٌ وَمَا الْحَنِيفُ؟ قَالَ دِينُ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام لَمْ يَكُنْ يَهُودِيّاً وَلَا نَصْرَانِيّاً وَلَا يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ فَخَرَجَ زَيْدٌ فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ النَّصَارَى فَذَكَرَ مِثْلَهُ فَقَالَ لَنْ تَكُونَ على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من عَلَى غَيْرِهِ قَالَ مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ حَنِيفًا قَالَ وَمَا الْحَنِيفُ؟ قَالَ دِينُ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيّاً وَلَا نَصْرَانِيّاً وَلَا يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ فَلَمَّا رَأَى زَيْدٌ قَوْلَهُمْ فِي

إِبْرَاهِيمَ خَرَجَ فَلَمَّا بَرَزَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنِّي عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ.

قَالَ وَقَالَ اللَّيْثُ: كَتَبَ إِلَيَّ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ يَقُولُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ على دين إبراهيم غيري وكان يحيي الموؤودة يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ لَا تَقْتُلْهَا أَنَا أَكْفِيكَ مُؤْنَتَهَا فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قَالَ لِأَبِيهَا إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مُؤْنَتَهَا انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ.

وَهَذَا الْحَدِيثُ الْأَخِيرُ قَدْ أَسْنَدَهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ عِيسَى بْنِ حَمَّادٍ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ وَهُوَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إِلَى

ص: 299

الْكَعْبَةِ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِيَّاكُمْ وَالزِّنَا فَإِنَّهُ يُورِثُ الْفَقْرَ.

وَقَدْ سَاقَ ابْنُ عَسَاكِرَ هَاهُنَا أَحَادِيثَ غَرِيبَةً جِدًّا وَفِي بَعْضِهَا نَكَارَةٌ شَدِيدَةٌ.

ثمَّ أَوْرَدَ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنه قال: يبعث يوم القيامة أمة واحدة.

فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يوسف بن يعوقب الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ سُئل رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَيَقُولُ إِلَهِي إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ وَدِينِي دِينُ إِبْرَاهِيمَ وَيَسْجُدُ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحْشَرُ ذَاكَ أمة وحده بيني وبين عيسى بن مَرْيَمَ.

إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ حَسَنٌ.

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ شَيْبَةَ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَذْكُرُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فَقَالَ تُوُفِّيَ وَقُرَيْشٌ تَبْنِي الْكَعْبَةَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ الْوَحْيُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَمْسِ سِنِينَ، وَلَقَدْ نَزَلَ بِهِ وَإِنَّهُ لَيَقُولُ أَنَا عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ فَأَسْلَمَ ابْنُهُ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ وَاتَّبَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَتَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فَقَالَ: غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَرَحِمَهُ فَإِنَّهُ مَاتَ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا يَذْكُرُهُ ذَاكِرٌ مِنْهُمْ إِلَّا تَرَحَّمَ عَلَيْهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ، ثُمَّ يَقُولُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ رحمه الله وَغَفَرَ لَهُ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّعْدِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ مَاتَ

زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ بِمَكَّةَ وَدُفِنَ بِأَصْلِ حِرَاءَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ مَاتَ بِأَرْضِ الْبَلْقَاءِ مِنَ الشَّام لَمَّا عَدَا عَلَيْهِ قَوْمٌ مِنْ بَنِي لَخْمٍ فَقَتَلُوهُ بِمَكَانٍ يُقَالَ لَهُ مَيْفَعَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ الْبَاغَنْدِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَشَجِّ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ لِزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ دَوْحَتَيْنِ.

وَهَذَا إِسْنَادٌ جيد وليس هو في شئ مِنَ الَكُتُبِ.

وَمِنْ شِعْرِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ رحمه الله مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ تِلْكَ الْقَصِيدَةِ: إِلَى اللَّهِ أَهْدِي مِدْحَتِي وَثَنَائِيَا * وَقَوْلًا رَضِيًّا لَا يَنِي الدَّهْرَ بَاقِيًا إِلَى الْمَلِكِ الْأَعْلَى الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ * إِلَهٌ وَلَا رَبٌّ يَكُونُ مُدَانِيَا وَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا لِأُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمِنْ شِعْرِهِ فِي التَّوْحِيدِ مَا حَكَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَالزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ وَغَيْرُهُمَا: وَأَسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ * لَهُ الْأَرْضُ تَحْمِلُ صَخْرًا ثِقَالًا دَحَاهَا فَلَمَّا اسْتَوتْ شَدَّهَا * سَوَاءً وَأَرْسَى عَلَيْهَا الْجِبَالَا وَأَسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ * لَهُ الْمُزْنُ تَحْمِلُ عَذْبًا زُلَالَا إِذَا هِيَ سِيقَتْ إِلَى بَلْدَةٍ * أَطَاعَتْ فَصَبَّتْ عَلَيْهَا سِجَالَا وَأَسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ * لَهُ الرِّيحُ تُصْرَفُ حَالًا فَحَالَا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ رَوَى أَبِي أَنَّ زيد بن عمرو قال:

ص: 300

أرب واحد أم ألف رب * أدين إذا تقسمت الأمور عَزَلْتُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى جَمِيعًا * كَذَلِكَ يَفْعَلُ الْجَلْدُ الصَّبُورُ فَلَا الْعُزَّى أَدِينُ وَلَا ابْنَتَيْهَا * وَلَا صنمي بني عمرو أزور وَلَا غُنْمًا أَدِينُ وَكَانَ رَبًّا * لَنَا فِي الدَّهْرِ إِذْ حِلْمِي يَسِيرُ عَجِبْتُ وَفِي اللَّيَالِي مُعْجِبَاتٌ * وَفِي الْأَيَّامِ يَعْرِفُهَا الْبَصِيرُ

بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْنَى رِجَالًا * كَثِيرًا كَانَ شَأْنَهُمُ الْفُجُورُ وَأَبْقَى آخَرِينَ بِبِرِّ قَوْمٍ * فَيَرْبِلُ مِنْهُمُ الطِّفْلُ الصَّغِيرُ وَبَيْنَا الْمَرْءُ يَعْثُرُ ثَابَ يَوْمًا * كَمَا يتروح الغصن النضير وَلَكِنْ أَعْبُدُ الرَّحْمَنَ رَبِّي * لِيَغْفِرَ ذَنْبِيَ الرَّبُّ الْغَفُورُ فَتَقْوَى اللَّهِ رَبِّكُمُ احْفَظُوهَا * مَتَى مَا تَحْفَظُوهَا لَا تَبُورُوا تَرَى الْأَبْرَارَ دَارُهُمُ جِنَانٌ * وَلِلْكُفَّارِ حَامِيَةٌ سَعِيرُ وَخِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ وَإِنْ يَمُوتُوا * يُلَاقُوا مَا تَضِيقُ بِهِ الصُّدُورُ هَذَا تَمَامُ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ مِنْ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ.

وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ قَالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: عَزَلْتُ الْجِنَّ وَالْجِنَّانَ عَنِّي * كَذَلِكَ يَفْعَلُ الْجَلْدُ الصَّبُورُ فَلَا الْعُزَّى أَدِينُ وَلَا ابْنَتَيْهَا * وَلَا صَنَمَيْ بَنِي طَسْمٍ أُدِيرُ وَلَا غُنْمًا أَدِينُ وَكَانَ رَبًّا * لَنَا فِي الدَّهْرِ إِذْ حِلْمِي صَغِيرُ أَرَبًّا وَاحِدًا أَمْ أَلْفَ رَبٍّ * أَدِينُ إِذَا تُقُسِّمَتِ الْأُمُورُ أَلَمْ تَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ أَفْنَى * رِجَالًا كَانَ شَأْنَهُمُ الْفُجُورُ وَأَبْقَى آخَرِينَ بِبِرِّ قَوْمٍ * فَيَرْبُو مِنْهُمُ الطِّفْلُ الصَّغِيرُ وَبَيْنَا الْمَرْءُ يَعْثُرُ ثَابَ يَوْمًا * كَمَا يَتَرَوَّحُ الْغُصْنُ النَّضِيرُ قَالَتْ فَقَالَ وَرَقَةُ بْنُ نُوفَلٍ: رَشَدْتَ وَأَنْعَمْتَ ابْنَ عَمْرٍو وَإِنَّمَا * تَجَنَّبْتَ تَنُّورًا مِنَ النَّارِ حاميا لدينك ربا ليس ربا كَمِثْلِهِ * وَتَرْكِكَ جِنَانَ الْجِبَالِ كَمَا هِيَا أَقُولُ إِذَا أُهْبِطْتُ أَرْضًا مَخُوفَةً * حَنَانَيْكَ لَا تُظْهِرْ عَلَىَّ الْأَعَادِيَا حَنَانَيْكَ إِنَّ الْجِنَّ كَانَتْ رَجَاءَهُمْ * وَأَنْتَ إِلَهِي رَبَّنَا وَرَجَائِيَا

لَتَدَّرِكَنَّ الْمَرْءَ رَحْمَةُ رَبِّهِ * وَإِنْ كَانَ تَحْتَ الْأَرْضِ سَبْعِينَ وَادِيًا أَدِينُ لِرَبٍّ يَسْتَجِيبُ وَلَا أَرَى * أَدِينُ لِمَنْ لا يسمع الدهر واعيا أَقُولُ إِذَا صَلَّيْتُ فِي كُلِّ بَيْعَةٍ * تَبَارَكْتَ قَدْ أَكْثَرْتُ بِاسْمِكَ دَاعِيًا

ص: 301

تَقَدَّمَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ هُوَ وَوَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ وَعُثْمَانُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ فَتَنَصَّرُوا إِلَّا زَيْدًا فَإِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي شئ مِنَ الَأَدْيَانِ بَلْ بَقِيَ عَلَى فِطْرَتِهِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ مُتَّبِعًا مَا أَمْكَنَهُ مِنْ دِينِ إِبْرَاهِيمَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.

وَأَمَّا وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ فَسَيَأْتِي خَبَرُهُ فِي أَوَّلِ الْمَبْعَثِ.

وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ فَأَقَامَ بِالشَّامِ حَتَّى مَاتَ فِيهَا عِنْدَ قَيْصَرَ.

وَلَهُ خَبَرٌ عَجِيبٌ ذَكَرُهُ الْأُمَوِيُّ وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ عَلَى قَيْصَرَ فَشَكَى إِلَيْهِ مَا لَقِيَ مِنْ قَوْمِهِ كَتَبَ لَهُ إِلَى ابْنِ جَفْنَةَ مَلِكِ عَرَبِ الشَّامِ لِيُجَهِّزَ مَعَهُ جَيْشًا لحرب قريش فعزم على ذلك فكتب إِلَيْهِ الْأَعْرَابُ تَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ لِمَا رَأَوْا مِنْ عَظَمَةِ مَكَّةَ وَكَيْفَ فَعَلَ اللَّهُ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ، فَكَسَاهُ ابْنُ جَفْنَةَ قَمِيصًا مَصْبُوغًا مَسْمُومًا فَمَاتَ مِنْ سُمِّهِ فَرَثَاهُ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ بِشِعْرٍ ذَكَرَهُ الْأُمَوِيُّ تَرَكْنَاهُ اخْتِصَارًا وَكَانَتْ وَفَاتُهُ قَبْلَ الْمَبْعَثِ بِثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ نحوها والله سبحانه وتعالى أعلم.

شئ مِنَ الَحَوَادِثِ فِي زَمَنِ الْفَتْرَةِ فَمِنْ ذَلِكَ بُنْيَانُ الْكَعْبَةِ وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ بَنَاهُ آدَمُ وَجَاءَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَفِي سَنَدِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَأَقْوَى الْأَقْوَالِ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ بَنَاهُ الْخَلِيلُ عليه السلام.

كَمَا تَقَدَّمَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ عَرْعَرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: ثُمَّ تَهَدَّمَ فَبَنَتْهُ الْعَمَالِقَةُ ثُمَّ تَهَدَّمَ فَبَنَتْهُ جُرْهُمٌ ثُمَّ تَهَدَّمَ فَبَنَتْهُ قُرَيْشٌ.

قُلْتُ: سَيَأْتِي بِنَاءُ قُرَيْشٍ لَهُ وَذَلِكَ قَبْلَ الْمَبْعَثِ بِخَمْسِ سِنِينَ وَقِيلَ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَقَالَ الزُّهْرِيُّ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ بَلَغَ الْحُلُمَ.

وَسَيَأْتِي ذَلِكَ كُلُّهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَبِهِ الثِّقَةُ.

كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ

رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زَبَالَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ التَّيْمِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ.

قَالَ: كَانَ كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ يَجْمَعُ قَوْمَهُ يَوْمَ الجمعة وكانت قريش تسميه الْعَرُوبَةَ فَيَخْطُبُهُمْ فَيَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ فَاسْمَعُوا وَتَعَلَّمُوا، وَافْهَمُوا وَاعْلَمُوا، لَيْلٌ سَاجٍ، وَنَهَارٌ ضَاحٍ، وَالْأَرْضُ مِهَادٌ، وَالسَّمَاءُ بِنَاءٌ، وَالْجِبَالُ أَوْتَادٌ، وَالنُّجُومُ أَعْلَامٌ، وَالْأَوَّلُونَ كَالْآخِرِينَ، وَالْأُنْثَى وَالذَّكَرُ وَالرُّوحُ وَمَا يَهِيجُ إِلَى بِلًى فَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، وَاحْفَظُوا أَصْهَارَكُمْ، وَثَمِّرُوا أَمْوَالَكُمْ.

فَهَلْ رَأَيْتُمْ مِنْ هَالِكٍ رَجَعَ؟ أَوْ مَيِّتٍ نُشِرَ؟ الدَّارُ أَمَامَكُمْ، وَالظَّنُّ غَيْرُ مَا تَقُولُونَ، حَرَمُكُمْ زَيِّنُوهُ وَعَظِّمُوهُ، وَتَمَسَّكُوا بِهِ فَسَيَأْتِي لَهُ نَبَأٌ عَظِيمٌ ; وَسَيَخْرُجُ مِنْهُ نَبِيٌّ كَرِيمٌ، ثُمَّ يَقُولُ: نَهَارٌ وَلَيْلٌ كُلَّ يَوْمٍ بِحَادِثٍ * سواء علينا ليلها ونهارها يؤوبان بِالْأَحْدَاثِ حَتَّى تَأَوَّبَا * وَبِالنِّعَمِ الضَّافِي عَلَيْنَا سُتُورُهَا عَلَى غَفْلَةٍ يَأْتِي النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ * فَيُخْبِرُ أَخْبَارًا صدوق خَبِيرُهَا ثُمَّ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَوْ كُنْتُ فِيهَا ذَا سَمْعٍ وَبَصَرٍ، وَيَدٍ وَرِجْلٍ، لَتَنَصَّبْتُ فِيهَا تنصب الجمل،

ص: 302

وَلَأَرْقَلْتُ بِهَا إِرْقَالَ الْعِجْلِ.

ثُمَّ يَقُولُ: يَا ليتني شاهدا نَجْوَاءَ دَعْوَتِهِ * حِينَ الْعَشِيرةُ تَبْغِي الْحَقَّ خِذْلَانًا قَالَ وَكَانَ بَيْنَ مَوْتِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ وَمَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَمْسَمِائَةِ عام وستون سنة.

تَجْدِيدِ حَفْرِ زَمْزَمَ عَلَى يَدَيْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ الَّتِي كَانَ قَدْ دَرَسَ رَسْمُهَا بَعْدَ طَمِّ جُرْهُمٍ لَهَا إِلَى زَمَانِهِ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بينما هو نائم في الحجر وكان أول ما ابتدى بِهِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ مِنْ حَفْرِهَا كَمَا حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ الْمِصْرِيُّ عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن رزين الْغَافِقِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يُحَدِّثُ حَدِيثَ زَمْزَمَ حِينَ أُمِرَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِحَفْرِهَا.

قَالَ قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِنِّي لَنَائِمٌ فِي الْحِجْرِ إِذْ أَتَانِي آتٍ فَقَالَ لِي احفر طببة.

قَالَ قُلْتُ وَمَا طِيبَةُ؟ قَالَ ثُمَّ ذَهَبَ عني قال فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ رَجَعْتُ إِلَى مَضْجَعِي فَنِمْتُ فَجَاءَنِي فَقَالَ احْفِرْ بَرَّةَ.

قَالَ قُلْتُ وَمَا بَرَّةُ؟ قَالَ ثُمَّ ذَهَبَ عَنِّي فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ رَجَعْتُ إِلَى مَضْجَعِي فَنِمْتُ فَجَاءَنِي فَقَالَ احْفِرِ الْمَضْنُونَةَ قَالَ قُلْتُ وَمَا الْمَضْنُونَةُ؟ قَالَ ثُمَّ ذَهَبَ عَنِّي فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ رَجَعْتُ إِلَى مَضْجَعِي فَنِمْتُ فِيهِ فَجَاءَنِي قَالَ احْفِرْ زَمْزَمَ.

قَالَ قُلْتُ وَمَا زَمْزَمُ؟ قَالَ: لَا تنزف أبداً ولا تزم، تَسْقِي الْحَجِيجَ الْأَعْظَمَ، وَهِيَ بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدَّمِ، عِنْدَ نُقْرَةِ الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ، عِنْدَ قَرْيَةِ النَّمْلِ.

قَالَ: فَلَمَّا بَيَّنَ لِي شَأْنَهَا وَدَلَّ عَلَى موضعها وعزف أَنَّهُ قَدْ صُدِقَ غَدًا بِمِعْوَلِهِ وَمَعَهُ ابْنُهُ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَلَيْسَ لَهُ يَوْمئِذٍ وَلَدٌ غَيْرُهُ فَحَفَرَ فَلَمَّا بَدَا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ الطمي كبَّر فَعَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ حَاجَتَهُ.

فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ إِنَّهَا بِئْرُ أَبِينَا إِسْمَاعِيلَ وَإِنَّ لَنَا فِيهَا حَقًّا فَأَشْرِكْنَا مَعَكَ فِيهَا.

قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ قَدْ خُصِصْتُ بِهِ دُونَكُمْ وَأُعْطِيتُهُ مِنْ بَيْنِكُمْ قَالُوا لَهُ فَأَنْصِفْنَا فَإِنَّا غَيْرُ تَارِكِيكَ حَتَّى نُخَاصِمَكَ فِيهَا.

قَالَ: فَاجْعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مَنْ شِئْتُمْ أُحَاكِمْكُمْ إِلَيْهِ قَالُوا كَاهِنَةُ بَنِي سَعْدِ بْنِ هُذَيْمٍ قَالَ: نَعَمْ وَكَانَتْ بِأَشْرَافِ الشَّامِ فَرَكِبَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنَ بَنِي أُمَيَّةَ وَرَكِبَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ نَفَرٌ فَخَرَجُوا وَالْأَرْضُ إِذْ ذَاكَ مَفَاوِزُ حتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِهَا نَفَدَ مَاءُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَصْحَابُهُ فَعَطِشُوا حَتَّى اسْتَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ فَاسْتَسْقَوْا مَنْ مَعَهُمْ فَأَبَوْا عَلَيْهِمْ وَقَالُوا إِنَّا بِمَفَازَةٍ وَإِنَّا نَخْشَى عَلَى أَنْفُسِنَا مِثْلَ مَا أَصَابَكُمْ فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِنِّي أَرَى أَنْ يَحْفِرَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ حُفْرَتَهُ لِنَفْسِهِ بما لكم الْآنَ مِنَ الَقُوَّةِ فَكُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ دَفَعَهُ أَصْحَابُهُ فِي حُفْرَتِهِ ثُمَّ وَارَوْهُ حَتَّى يَكُونَ آخِرُهُمْ رَجُلًا وَاحِدًا فَضَيْعَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَيْسَرُ من ضيعة ركب جميعه.

فقالوا: نعما أَمَرْتَ بِهِ فَحَفَرَ كُلُّ رَجُلٍ لِنَفْسِهِ حُفْرَةً ثُمَّ قَعَدُوا يَنْتَظِرُونَ الْمَوْتَ عَطْشَى ثُمَّ إِنَّ عبد المطلب قال لأصحابه ألقينا بِأَيْدِينَا هَكَذَا لِلْمَوْتِ لَا نَضْرِبُ فِي الْأَرْضِ لا نبتغي لأنفسنا لعجز فعسى أن يزرقنا مَاءً بِبَعْضِ الْبِلَادِ فَارْتَحَلُوا حَتَّى إِذَا بَعَثَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ رَاحِلَتَهُ انْفَجَرَتْ مِنْ تَحْتِ خُفِّهَا عَيْنُ مَاءٍ عَذْبٍ فَكَبَّرَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَكَبَّرَ أصحابه ثم نزل فشرب وشرب أصحابه واستسقوا حتى ملاوا أَسْقِيَتَهُمْ ثُمَّ دَعَا قَبَائِلَ قُرَيْشٍ وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ فَقَالَ هَلُمُّوا إلى الماء فقد سقانا الله فجاؤوا فشربوا واستقوا

ص: 303

كلهم ثم قالوا قَدْ وَاللَّهِ قُضِيَ لَكَ عَلَيْنَا وَاللَّهِ مَا نُخَاصِمُكَ فِي زَمْزَمَ أَبَدًا إِنَّ الَّذِي سَقَاكَ هذا الماء بهذه

الفلاة هو الَّذِي سَقَاكَ زَمْزَمَ فَارْجِعْ إِلَى سِقَايَتِكَ رَاشِدًا فَرَجَعَ وَرَجَعُوا مَعَهُ وَلَمْ يَصِلُوا إِلَى الْكَاهِنَةِ وَخَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَمْزَمَ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَهَذَا مَا بَلَغَنِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي زَمْزَمَ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَقَدْ سَمِعْتُ مَنْ يحدِّث عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ حِينَ أُمِرَ بِحَفْرِ زَمْزَمَ: ثُمَّ ادْعُ بِالْمَاءِ الرِّوَى غَيْرِ الْكَدِرْ * يَسْقِي حَجِيجَ اللَّهِ فِي كُلِّ مَبَرْ لَيْسَ يَخَافُ مِنْهُ شئ ما عمر قال فحرج عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حِينَ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ تَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَحْفِرَ زَمْزَمَ قَالُوا فَهَلْ بُيِّنَ لَكَ أَيْنَ هِيَ؟ قَالَ: لَا! قَالُوا فَارْجِعْ إِلَى مَضْجَعِكَ الَّذِي رَأَيْتَ فِيهِ مَا رَأَيْتَ فَإِنْ يَكْ حَقًّا مِنَ اللَّهِ يُبَيِّنْ لَكَ وَإِنْ يَكُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَلَنْ يَعُودَ إِلَيْكَ فَرَجَعَ وَنَامَ فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: احْفِرْ زَمْزَمْ.

إِنَّكَ إِنْ حَفَرْتَهَا لَنْ تَنْدَمْ.

وَهِيَ تُرَاثٌ مِنْ أَبِيكَ الأعظم.

لا تنزف أبداً ولا تزم.

تسقي الحجيج الأعظم.

مثل نعام جافل لم يقسم.

ينذر فيها ناذر بمنعم.

تكون ميراثاً وعقداً محكم.

ليست لبعض مَا قَدْ تَعْلَمْ.

وَهِيَ بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدَّمْ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَزَعَمُوا أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ حنى قِيلَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ وَأَيْنَ هِيَ؟ قِيلَ لَهُ عِنْدَ قَرْيَةِ النَّمْلِ حَيْثُ يَنْقُرُ الْغُرَابُ غَدًا.

فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ.

قَالَ فغلبا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَمَعَهُ ابْنُهُ الْحَارِثُ وَلَيْسَ لَهُ يَوْمئِذٍ وَلَدٌ غَيْرُهُ.

زَادَ الْأُمَوِيُّ وَمَوْلَاهُ أَصْرَمُ فَوَجَدَ قَرْيَةَ النَّمْلِ وَوَجَدَ الْغُرَابَ يَنْقُرُ عِنْدَهَا بَيْنَ الْوَثَنَيْنِ إِسَافٍ وَنَائِلَةَ اللَّذَيْنِ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَنْحَرُ عِنْدَهُمَا فَجَاءَ بِالْمِعْوَلِ وَقَامَ لِيَحْفِرَ حَيْثُ أمر فقامت إليه قريش وقالت والله لا نتركنك تَحْفِرُ بَيْنَ وَثَنَيْنَا اللَّذَيْنِ نَنْحَرُ عِنْدَهُمَا فَقَالَ عبد المطلب لابنه الحارث: زد عَنِّي حَتَّى أَحْفِرَ فَوَاللَّهِ لَأَمْضِيَنَّ لِمَا أُمِرْتُ بِهِ فَلَمَّا عَرَفُوا أَنَّهُ غَيْرُ نَازِعٍ خَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَفْرِ وَكَفُّوا عَنْهُ فَلَمْ يَحْفِرْ إلا يسيراً حتى بدا له الطمي فَكَبَّرَ وَعَرَفَ أَنَّهُ قَدْ صُدِقَ فَلَمَّا تَمَادَى بِهِ الْحَفْرُ وَجَدَ فِيهَا غَزَالَتَيْنِ مَنْ ذَهَبٍ اللَّتَيْنِ كَانَتْ جُرْهُمٌ قَدْ دَفَنَتْهُمَا وَوَجَدَ فِيهَا أسيافاً قلعية وأدرعاً.

فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ لَنَا مَعَكَ فِي هَذَا شِرْكٌ وَحَقٌّ قَالَ لَا وَلَكِنْ هَلُمَّ إِلَى أَمْرٍ نِصْفٍ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ نَضْرِبُ عَلَيْهَا بِالْقِدَاحِ قَالُوا وَكَيْفَ نَصْنَعُ قَالَ أَجْعَلُ لِلْكَعْبَةِ قَدَحَيْنِ وَلِي قَدَحَيْنِ وَلَكُمْ قَدَحَيْنِ فمن

خرج قدحاه على شئ كان له ومن تخلف قدحاه فلا شئ لَهُ.

قَالُوا: أَنْصَفْتَ فَجَعَلَ لِلْكَعْبَةِ قَدَحَيْنِ أَصْفَرَيْنِ وَلَهُ أَسْوَدَيْنِ وَلَهُمْ أَبْيَضَيْنِ ثُمَّ أَعْطَوُا الْقِدَاحَ لِلَّذِي يَضْرِبُ عِنْدَ هُبَلَ وَهُبَلُ أَكْبَرُ أَصْنَامِهِمْ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمَ أُحُدٍ: اعْلُ هُبَلُ.

يَعْنِي هَذَا الصَّنَمَ.

وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ.

وَذَكَرَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ جَعَلَ يقول: اللهم أنت الملك المحمود * ربي أنت الْمُبْدِئُ الْمُعيِدْ وَمُمْسِكُ الرَّاسِيَةِ الْجُلْمُودْ * مِنْ عَنْدِكَ الطارف والتليد

ص: 304

إِنْ شِئْتَ أَلْهَمْتَ كَمَا تُرِيدْ * لِمَوْضِعِ الْحِلْيَةِ وَالْحَدِيدْ فَبَيِّنِ الْيَوْمَ لِمَا تُرِيدْ * إِنِّي نَذَرْتُ العاهد المعهودا أجعله رب لي فَلَا أَعُودْ قَالَ وَضَرَبَ صَاحِبُ الْقِدَاحِ فَخَرَجَ الأصفران على الغزالين لِلْكَعْبَةِ، وَخَرَجَ الْأَسْوَدَانِ عَلَى الْأَسْيَافِ وَالْأَدْرَاعِ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَتَخَلَّفَ قَدَحَا قُرَيْشٍ.

فَضَرَبَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ الأسياف باباً للكعبة، وضرب في الباب الغزالين من ذهب فكان أول ذهب حلية للكعبة فيما يزعون.

ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ أَقَامَ سِقَايَةَ زَمْزَمَ لِلْحَاجِّ وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ أَنَّ مَكَّةَ كَانَ فِيهَا أَبْيَارٌ كَثِيرَةٌ قَبْلَ ظُهُورِ زَمْزَمَ فِي زَمَنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ثُمَّ عَدَّدَهَا ابْنُ إِسْحَاقَ وَسَمَّاهَا وَذَكَرَ أَمَاكِنَهَا مِنْ مَكَّةَ وَحَافِرِيهَا إِلَى أَنْ قَالَ فَعَفَتْ زَمْزَمُ عَلَى الْبِئَارِ كُلِّهَا وَانْصَرَفَ النَّاسُ كُلُّهُمْ إِلَيْهَا لِمَكَانِهَا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلِفَضْلِهَا عَلَى مَا سِوَاهَا مِنَ الْمِيَاهِ وَلِأَنَّهَا بِئْرُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَافْتَخَرَتْ بِهَا بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى قُرَيْشٍ كُلِّهَا وَعَلَى سَائِرِ الْعَرَبِ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال فِي زَمْزَمَ: إِنَّهَا لَطَعَامُ طُعْمٍ.

وَشِفَاءُ سُقْمٍ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ماء زمزم لما شرب منه.

وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ وَقَدْ تكلَّموا فِيهِ وَلَفْظُهُ مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ.

وَرَوَاهُ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عن عبد الرحمن بن أبي الموالي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ

النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ.

وَلَكِنْ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ ضَعِيفٌ وَالْمَحْفُوظُ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ كَمَا تقدَّم وَقَدْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَهَكَذَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا وَالْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ إِذَا شَرِبْتَ مِنْ زَمْزَمَ فَاسْتَقْبِلِ الْكَعْبَةَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ وَتَنَفَّسْ ثَلَاثًا وَتَضَلَّعْ مِنْهَا فَإِذَا فَرَغْتَ فَاحْمَدِ اللَّهَ فإنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ آيَةَ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ لَا يَتَضَلَّعُونَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ.

وَقَدْ ذُكر عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أُحِلُّهَا لِمُغْتَسِلٍ وَهِيَ لِشَارِبٍ حِلٌّ وَبِلٌّ.

وَقَدْ ذَكَرَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَنِ العبَّاس بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي جَدَّدَ حَفْرَ زَمْزَمَ كَمَا قَدَّمْنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ قَالَ الْأُمَوِيُّ فِي مَغَازِيهِ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يُحَدِّثُ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ هَاشِمٍ حِينَ احْتَفَرَ زَمْزَمَ.

قَالَ: لَا أُحِلُّهَا لِمُغْتَسِلٍ وَهِيَ لِشَارِبٍ حِلٌّ وَبِلٌّ.

وَذَلِكَ أَنَّهُ جَعَلَ لَهَا حَوْضَيْنِ حَوْضًا لِلشُّرْبِ، وَحَوْضًا لِلْوُضُوءِ.

فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ: لَا أُحِلُّهَا لِمُغْتَسِلٍ لِيُنَزِّهَ الْمَسْجِدَ عَنْ أَنْ يُغْتَسَلَ فِيهِ.

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: قَوْلُهُ وَبِلٌّ إِتْبَاعٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْإِتْبَاعُ لَا يَكُونُ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَإِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ إِنَّ بِلَّ بِلُغَةِ حِمْيَرَ مُبَاحٌ ثُمَّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النجود أنه سمع زرا أَنَّهُ سَمِعَ الْعَبَّاسَ يَقُولُ: لَا أُحِلُّهَا لِمُغْتَسِلٍ وَهِيَ لِشَارِبٍ حِلٌّ وَبِلٌّ.

وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ

ص: 305

يقول ذلك وهذا صحيح إليهما، وكأنهما يَقُولَانِ ذَلِكَ فِي أَيَّامِهِمَا عَلَى سَبِيلِ التَّبْلِيغِ وَالْإِعْلَامِ بِمَا اشْتَرَطَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ حَفْرِهِ لَهَا فَلَا يُنَافِي مَا تقدَّم وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ كَانَتِ السِّقَايَةُ إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَيَّامَ حَيَاتِهِ ثُمَّ صَارَتْ إِلَى ابْنِهِ أَبِي طَالِبٍ مُدَّةً ثُمَّ اتُّفِقَ أَنَّهُ أَمْلَقَ فِي بَعْضِ السِّنِينَ فَاسْتَدَانَ مِنْ أَخِيهِ الْعَبَّاسِ عَشَرَةَ آلَافٍ إِلَى الْمَوْسِمِ الْآخَرِ وَصَرَفَهَا أَبُو طَالِبٍ فِي الْحَجِيجِ فِي عَامِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالسِّقَايَةِ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ لَمْ يَكُنْ مَعَ أَبِي طالب شئ فَقَالَ لِأَخِيهِ الْعَبَّاسِ أَسْلِفْنِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا أَيْضًا إِلَى الْعَامِ الْمُقْبِلِ أُعْطِيكَ جَمِيعَ مَالِكَ فَقَالَ لَهُ العبَّاس: بِشَرْطِ إِنْ لَمْ تُعْطِنِي تَتْرُكِ السِّقَايَةَ لِي أَكْفِكَهَا

فَقَالَ: نَعَمْ فلمَّا جَاءَ الْعَامُ الْآخَرُ لَمْ يَكُنْ مَعَ أَبِي طَالِبٍ مَا يُعْطِي الْعَبَّاسَ فَتَرَكَ لَهُ السِّقَايَةَ فَصَارَتْ إِلَيْهِ ثمَّ مِنْ بَعْدِهِ صَارَتْ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ وَلَدِهِ ثُمَّ إِلَى عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ثُمَّ إِلَى دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ ثُمَّ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ ثُمَّ إِلَى عِيسَى بْنِ عَلِيٍّ ثُمَّ أَخَذَهَا الْمَنْصُورُ وَاسْتَنَابَ عَلَيْهَا مَوْلَاهُ أَبَا رَزِينٍ ذَكَرَهُ الأموي.

نذر عبد المطلب ذبح وَلَدِهِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِيمَا يَزْعُمُونَ نَذَرَ حِينَ لَقِيَ مِنْ قُرَيْشٍ مَا لَقِيَ عِنْدَ حَفْرِ زَمْزَمَ لَئِنْ وُلِدَ لَهُ عَشَرَةُ نَفَرٍ ثُمَّ بَلَغُوا مَعَهُ حَتَّى يمنعوه ليذبحن أَحَدَهُمْ لِلَّهِ عِنْدِ الْكَعْبَةِ.

فَلَمَّا تَكَامَلَ بَنُوهُ عَشَرَةً وَعَرَفَ أَنَّهُمْ سَيَمْنَعُونَهُ وَهُمُ: الْحَارِثُ.

وَالزُّبَيْرُ.

وَحَجْلٌ.

وَضِرَارٌ.

وَالْمُقَوَّمُ.

وَأَبُو لَهَبٍ.

وَالْعَبَّاسُ.

وَحَمْزَةُ.

وَأَبُو طَالِبٍ.

وَعَبْدُ اللَّهِ.

جَمَعَهُمْ ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بنذره ودعاهم إلى الوفاء لله عزوجل بِذَلِكَ فَأَطَاعُوهُ وَقَالُوا كَيْفَ نَصْنَعُ؟ قَالَ لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ قِدْحًا ثُمَّ يَكْتُبُ فِيهِ اسْمَهُ ثُمَّ ائْتُونِي فَفَعَلُوا ثُمَّ أَتَوْهُ، فَدَخَلَ بهم على هبل فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ وَكَانَتْ تِلْكَ الْبِئْرُ هِيَ الَّتِي يُجْمَعُ فِيهَا مَا يُهْدَى لِلْكَعْبَةِ، وَكَانَ عِنْدَ هُبَلَ قِدَاحٌ سَبْعَةٌ وَهِيَ الْأَزْلَامُ الَّتِي يَتَحَاكَمُونَ إِلَيْهَا إِذَا أَعْضَلَ عَلَيْهِمْ أَمْرٌ مِنْ عَقْلٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ جاؤوه فَاسْتَقْسَمُوا بِهَا فَمَا أَمَرَتْهُمْ بِهِ أَوْ نَهَتْهُمْ عَنْهُ امْتَثَلُوهُ.

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ لَمَّا جَاءَ يَسْتَقْسِمُ بِالْقِدَاحِ عِنْدَ هُبَلَ خَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَكَانَ أَصْغَرَ وَلَدِهِ وَأَحَبَّهُمْ إِلَيْهِ، فَأَخَذَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِيَدِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَخَذَ الشَّفْرَةَ ثُمَّ أَقْبَلَ بِهِ إِلَى إِسَافٍ وَنَائِلَةَ لِيَذْبَحَهُ فَقَامَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ مِنْ أَنْدِيَتِهَا فَقَالُوا: مَا تُرِيدُ يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ؟ قَالَ أَذْبَحُهُ فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ وَبَنُوهُ أخوه عبد الله وَاللَّهِ لَا تَذْبَحُهُ أَبَدًا حَتَّى تُعْذِرَ فِيهِ لئن فعلت هذا لا يزال الرجل يجئ بِابْنِهِ حَتَّى يَذْبَحَهُ فَمَا بَقَاءُ النَّاسِ عَلَى هَذَا.

وَذَكَرَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ الْعَبَّاسَ هُوَ الَّذِي اجْتَذَبَ عَبْدَ اللَّهِ مِنْ تَحْتِ رِجْلِ أَبِيهِ حِينَ وَضَعَهَا عَلَيْهِ لِيَذْبَحَهُ فَيُقَالَ إِنَّهُ شَجَّ وَجْهَهُ شَجَّا لَمْ يَزَلْ فِي وَجْهِهِ إِلَى أَنْ مَاتَ ثُمَّ أَشَارَتْ قُرَيْشٌ عَلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْحِجَازِ فَإِنَّ بِهَا عَرَّافَةً لَهَا تَابِعٌ فَيَسْأَلُهَا عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ أَنْتَ عَلَى رَأْسِ أَمْرِكَ إِنْ أَمَرَتْكَ بِذَبْحِهِ فَاذْبَحْهُ وَإِنْ أَمَرَتْكَ بِأَمْرٍ لَكَ وَلَهُ فِيهِ مَخْرَجٌ قَبِلْتَهُ فَانْطَلَقُوا حَتَّى أَتَوُا الْمَدِينَةَ فَوَجَدُوا الْعَرَّافَةَ وَهِيَ سَجَاحُ فِيمَا ذَكَرَهُ

يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابن إسحاق بخيبر فركبوا حتى جاؤوها فَسَأَلُوهَا وَقَصَّ عَلَيْهَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ خَبَرَهُ وَخَبَرَ ابْنِهِ فَقَالَتْ لَهُمُ ارْجِعُوا عَنِّي الْيَوْمَ حَتَّى يَأْتِيَنِي تَابِعِي فَأَسْأَلُهُ فَرَجَعُوا مِنْ عِنْدِهَا فَلَمَّا خرجوا قام

ص: 306

عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ ثُمَّ غَدَوْا عَلَيْهَا فَقَالَتْ لَهُمْ قَدْ جَاءَنِي الْخَبَرُ، كَمِ الدِّيَةُ فِيكُمْ؟ قَالُوا عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ وَكَانَتْ كَذَلِكَ قَالَتْ فَارْجِعُوا إِلَى بِلَادِكُمْ ثُمَّ قَرِّبُوا صَاحِبَكُمْ وَقَرِّبُوا عَشْرًا مِنَ الْإِبِلِ ثُمَّ اضْرِبُوا عَلَيْهَا وَعَلَيْهِ بِالْقِدَاحِ فَإِنْ خَرَجَتْ عَلَى صَاحِبِكُمْ فَزِيدُوا مِنَ الْإِبِلِ حَتَّى يَرْضَى رَبُّكُمْ وَإِنْ خَرَجَتْ عَلَى الْإِبِلِ فَانْحَرُوهَا عَنْهُ فَقَدْ رَضِيَ رَبُّكُمْ وَنَجَا صَاحِبُكُمْ فَخَرَجُوا حَتَّى قَدِمُوا مَكَّةَ فَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ قَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ ثُمَّ قَرَّبُوا عَبْدَ اللَّهِ وَعَشْرًا مِنَ الْإِبِلِ ثُمَّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَزَادُوا عَشْرًا ثُمَّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَزَادُوا عَشْرًا فَلَمْ يَزَالُوا يَزِيدُونَ عَشْرًا عَشْرًا وَيَخْرُجُ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ حَتَّى بَلَغَتِ الْإِبِلُ مِائَةً.

ثُمَّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى الْإِبِلِ فَقَالَتْ عِنْدَ ذَلِكَ قُرَيْشٌ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ قَائِمٌ عِنْدَ هُبَلَ يَدْعُو اللَّهَ قَدِ انْتَهَى رِضَى رَبِّكَ يا عبد المطلب.

فعندها زعموا أَنَّهُ قَالَ لَا حَتَّى أَضْرِبَ عَلَيْهَا بِالْقِدَاحِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَضَرَبُوا ثَلَاثًا وَيَقَعُ الْقِدْحُ فِيهَا عَلَى الْإِبِلِ فَنُحِرَتْ ثُمَّ تُرِكَتْ لَا يُصَدُّ عَنْهَا إِنْسَانٌ وَلَا يُمْنَعُ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ويقال ولا سبع وقد روي إِنَّهُ لَمَّا بَلَغَتِ الْإِبِلُ مِائَةً خَرَجَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ أَيْضًا فَزَادُوا مِائَةً أُخْرَى حَتَّى بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَزَادُوا مِائَةً أُخْرَى فَصَارَتِ الْإِبِلُ ثَلَاثَمِائَةٍ.

ثُمَّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى الْإِبِلِ فَنَحَرَهَا عِنْدَ ذَلِكَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ والصَّحيح الأوَّل وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الزُّهري عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سَأَلَتْهُ امْرَأَةٌ أَنَّهَا نَذَرَتْ ذَبْحَ وَلَدِهَا عِنْدَ الْكَعْبَةِ فَأَمَرَهَا بِذَبْحِ مِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ وَذَكَرَ لَهَا هَذِهِ الْقِصَّةَ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.

وَسَأَلَتْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عمر فلم يفتها بشئ بَلْ تَوَقَّفَ.

فَبَلَغَ ذَلِكَ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ إِنَّهُمَا لَمْ يُصِيبَا الْفُتْيَا ثُمَّ أَمَرَ الْمَرْأَةَ أَنْ تَعْمَلَ ما استطاعت من خير وَنَهَاهَا عَنْ ذَبْحِ وَلَدِهَا وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِذَبْحِ الْإِبِلِ، وَأَخَذَ النَّاسُ بِقَوْلِ مَرْوَانَ بِذَلِكَ وَاللَّهُ أعلم.

تَزْوِيجِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ مِنْ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ الزُّهْرِيَّةِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ انْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ آخِذًا بِيَدِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ فَمَرَّ بِهِ - فِيمَا يَزْعُمُونَ - عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ وهي أم قتال أُخْتُ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ وَهِيَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فَنَظَرَتْ إِلَى وَجْهِهِ فَقَالَتْ أَيْنَ تَذْهَبُ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ قَالَ مَعَ أَبِي قَالَتْ لَكَ مِثْلُ الْإِبِلِ الَّتِي نُحِرَتْ عَنْكَ وَقَعْ عَلَيَّ الْآنَ.

قَالَ أَنَا مَعَ أَبِي وَلَا أَسْتَطِيعُ خِلَافَهُ وَلَا فِرَاقَهُ فَخَرَجَ بِهِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حَتَّى أَتَى وَهْبَ بْنَ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهرة بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ بَنِي زُهْرَةَ سِنًّا وَشَرَفًا فَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدَةُ نِسَاءِ قَوْمِهَا فَزَعَمُوا أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهَا حِينَ أُمْلِكَهَا مَكَانَهُ فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَحَمَلَتْ مِنْهُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا فَأَتَى الْمَرْأَةَ الَّتِي عَرَضَتْ عَلَيْهِ ما عرضت فقال لها مالك لَا تَعْرِضِينَ عَلَيَّ الْيَوْمَ مَا كُنْتِ عَرَضْتِ بِالْأَمْسِ؟ قَالَتْ لَهُ فَارَقَكَ النُّورُ الَّذِي كَانَ معك بالأمس فليس لي بك حاجة.

وكانت تَسْمَعُ مِنْ أَخِيهَا وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ - وَكَانَ قَدْ تَنَصَّرَ وَاتَّبَعَ الْكُتُبَ - أَنَّهُ كَائِنٌ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ نَبِيٌّ

ص: 307

فَطَمِعَتْ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا فَجَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَشْرَفِ عُنْصُرٍ وَأَكْرَمِ مَحْتَدٍ وَأَطْيَبِ أَصْلٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رسالاته) وسنذكر المولد مفصلاً ومما قالت أم قتال بِنْتُ نَوْفَلٍ مِنَ الشِّعْرِ تَتَأَسَّفُ عَلَى مَا فَاتَهَا مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي رَامَتْهُ وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ رحمه الله: عَلَيْكَ بَآلِ زُهْرَةَ حَيْثُ كَانُوا * وَآمِنَةَ الَّتِي حَمَلَتْ غُلَامَا تَرَى الْمَهْدِيَّ حِينَ نَزَا عَلَيْهَا * وَنُورًا قَدْ تَقَدَّمَهُ أَمَامَا إِلَى أَنْ قَالَتْ: فَكُلُّ الْخَلْقِ يَرْجُوهُ جَمِيعًا * يَسُودُ النَّاسَ مُهْتَدِيًا إِمَامَا يراه الله من نور صفاه * فَأَذْهَبَ نُورُهُ عَنَّا الظَّلَامَا وَذَلِكَ صُنْعُ رَبِّكَ إِذْ حَبَاهُ * إِذَا مَا سَارَ يَوْمًا أَوْ أَقَامَا

فَيَهْدِي أَهْلَ مَكَّةَ بَعْدَ كُفْرٍ * وَيَفْرِضُ بَعْدَ ذَلِكُمُ الصِّيَامَا وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سَهْلٍ الْخَرَائِطِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الْقُرَشِيُّ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ حدَّثنا ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا انْطَلَقَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ لِيُزَوِّجَهُ مَرَّ بِهِ عَلَى كَاهِنَةٍ مِنْ أَهْلِ تَبَالَةَ مُتَهَوِّدَةٍ قَدْ قَرَأَتِ الْكُتُبَ، يُقَالَ لَهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ مُرٍّ الْخَثْعَمِيَّةُ فَرَأَتْ نُورَ النُّبُوَّةِ فِي وَجْهِ عَبْدِ اللَّهِ فقالت يافتى هل لك أن تفع عَلَيَّ الْآنَ وَأُعْطِيكَ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَمَّا الْحَرَامُ فَالْمَمَاتُ دُونَهْ * وَالْحِلُّ لَا حِلٌّ فَأَسْتَبِينَهْ فَكَيْفَ بِالْأَمْرِ الَّذِي تَبْغِينَهْ * يَحْمِي الْكَرِيمُ عِرْضَهُ وَدِينَهْ ثُمَّ مَضَى مَعَ أَبِيهِ فَزَوَّجَهُ آمِنَةَ بَنْتَ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهرة فَأَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا.

ثُمَّ إِنَّ نَفْسَهُ دَعَتْهُ إِلَى مَا دَعَتْهُ إِلَيْهِ الْكَاهِنَةُ فَأَتَاهَا فَقَالَتْ: مَا صَنَعْتَ بَعْدِي؟ فَأَخْبَرَهَا.

فَقَالَتْ وَاللَّهِ مَا أَنَا بِصَاحِبَةِ رِيبَةٍ وَلَكِنِّي رَأَيْتُ فِي وَجْهِكَ نُورًا فَأَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ فِيَّ.

وَأَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ حَيْثُ أَرَادَ.

ثُمَّ أَنْشَأَتْ فَاطِمَةُ تَقُولُ: إِنِّي رَأَيْتُ مُخِيلَةً لَمَعَتْ * فَتَلَأْلَأَتْ بِحَنَاتِمِ الْقَطْرِ فَلَمَأْتُهَا نُورًا يضئ لَهُ * مَا حَوْلَهُ كَإِضَاءَةِ الْبَدْرِ وَرَجَوْتُهَا فَخْرًا أَبُوءُ بِهِ * مَا كُلُّ قَادِحِ زَنْدِهِ يُورِي لَلَّهِ مَا زُهْرِيَّةٌ سَلَبَتْ * ثَوْبَيْكَ مَا اسْتَلَبَتْ وَمَا تَدْرِي وَقَالَتْ فَاطِمَةُ أَيْضًا: بَنِي هَاشِمٍ قَدْ غَادَرَتْ مِنْ أَخِيكُمْ * أَمِينَةُ إِذْ لِلْبَاهِ يَعْتَرِكَانِ كَمَا غَادَرَ الْمِصْبَاحَ عِنْدَ خُمُودِهِ * فَتَائِلُ قَدْ مِيثَتْ لَهُ بِدِهَانِ

ص: 308