الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لئلا يكلفه الركوب إليه. وفيها قبض على القهرمانة أم موسى ومن ينسب إليها، وكان حَاصِلُ مَا حُمِلَ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ مِنْ جِهَتِهَا أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ. وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ منها لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ وَلَّى الْمُقْتَدِرُ مَنْصِبَ الْقَضَاءِ أَبَا الْحُسَيْنِ عُمَرَ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الشَّيْبَانِيَّ الْمَعْرُوفَ بِابْنِ الْأُشْنَانِيِّ- وَكَانَ مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ وَفُقَهَاءِ النَّاسِ- وَلَكِنَّهُ عُزِلَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْتَسِبًا بِبَغْدَادَ.
وَفِيهَا عُزِلَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ عنْ شُرْطَةِ بَغْدَادَ وَوَلِيَهَا نَازُوكُ وَخُلِعَ عَلَيْهِ. وفيها في جمادى الآخرة منها ظهر كوكب له ذنب طوله ذراعان في برج السنبلة. وفي شَعْبَانَ مِنْهَا وَصَلَتْ هَدَايَا نَائِبِ مِصْرَ وَهُوَ الحسين بن المارداني، وفي جملتها بَغْلَةٌ مَعَهَا فُلُوُّهَا، وَغُلَامٌ يَصِلُ لِسَانُهُ إِلَى طرف أنفه. وفيها قُرِئَتِ الْكُتُبُ عَلَى الْمَنَابِرِ بِمَا كَانَ مِنَ الفتوح على المسلمين ببلاد الروم. وفيها وَرَدَ الْخَبَرُ بِأَنَّهُ انْشَقَّ بِأَرْضِ وَاسِطَ فُلُوعٌ في الأرض في سَبْعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا أَكْبَرُهَا طُولُهُ أَلْفُ ذِرَاعٍ، وَأَقَلُّهَا مِائَتَا ذِرَاعٍ، وَأَنَّهُ غَرِقَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْقُرَى أَلْفٌ وَثَلَاثُمِائَةِ قَرْيَةٍ. وَحَجَّ بِالنَّاسِ إِسْحَاقُ بن عبد الملك الهاشمي.
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ
أَبُو بِشْرٍ الدولابي
محمد بن أحمد بن حماد أبو سَعِيدٍ أَبُو بِشْرٍ الدُّولَابِيُّ، مَوْلَى الْأَنْصَارِ، وَيُعْرَفُ بالوراق، أحد الأئمة من حُفَّاظِ الْحَدِيثِ، وَلَهُ تَصَانِيفُ حَسَنَةٌ فِي التَّارِيخِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَرَوَى عَنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ.
قَالَ ابن يونس: كان يصعق، توفى وهو قاصد الْحَجِّ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ بِالْعَرْجِ فِي ذِي القعدة. وفيها توفى
أبو جعفر بن جرير الطبري
مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ كَثِيرِ بن غالب الامام أبو جعفر الطبري، كان مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَكَانَ أسمر أعين مليح الوجه مَدِيدَ الْقَامَةِ فَصِيحَ اللِّسَانِ، رَوَى الْكَثِيرَ عَنِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ، وَرَحَلَ إِلَى الْآفَاقِ فِي طَلَبِ الحديث، وصنف التاريخ الحافل، وله التفسير الكامل الّذي لا يوجد له نظير، وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْمُصَنَّفَاتِ النَّافِعَةِ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ. ومن أحسن ذلك تهذيب الآثار ولو كمل لما احتيج معه إلى شيء، ولكان فيه الكفاية لكنه لَمْ يُتِمَّهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ مَكَثَ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَكْتُبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَرْبَعِينَ ورقة. قال الخطيب البغدادي: اسْتَوْطَنَ ابْنُ جَرِيرٍ بَغْدَادَ وَأَقَامَ بِهَا إِلَى حين وفاته، وكان من أكابر أئمة العلماء، ويحكم بقوله ويرجع إلى معرفته وَفَضْلِهِ، وَكَانَ قَدْ جَمَعَ مِنَ الْعُلُومِ مَا لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ، وكان حافظا لكتاب الله، عارفا بالقراءات كلها، بَصِيرًا بِالْمَعَانِي، فَقِيهًا فِي الْأَحْكَامِ، عَالِمًا بِالسُّنَنِ وَطُرُقِهَا، وَصَحِيحِهَا وَسَقِيمِهَا، وَنَاسِخِهَا وَمَنْسُوخِهَا، عَارِفًا بِأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، عَارِفًا بِأَيَّامِ النَّاسِ وَأَخْبَارِهِمْ. وَلَهُ الْكِتَابُ الْمَشْهُورُ فِي تَارِيخِ الْأُمَمِ وَالْمُلُوكِ، وَكِتَابٌ فِي التَّفْسِيرِ لَمْ يُصَنِّفْ أَحَدٌ مِثْلَهُ. وَكِتَابٌ سَمَّاهُ تَهْذِيبَ الْآثَارِ لَمْ أَرَ سِوَاهُ فِي مَعْنَاهُ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُتِمَّهُ. وَلَهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَفُرُوعِهِ كُتُبٌ كَثِيرَةٌ واختيارات،
وَتَفَرَّدَ بِمَسَائِلَ حُفِظَتْ عَنْهُ. قَالَ الْخَطِيبُ: وَبَلَغَنِي عَنِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي طَاهِرٍ الْفَقِيهِ الْإِسْفَرَايِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ سَافَرَ رجل إلى الصين حتى ينظر في كتاب تفسير ابن جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَثِيرًا، أَوْ كما قال. وَرَوَى الْخَطِيبُ عَنْ إِمَامِ الْأَئِمَّةِ أَبِي بَكْرٍ بن خزيمة أنه طالع تفسير محمد بن جَرِيرٍ فِي سِنِينَ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا أَعْلَمُ عَلَى أَدِيمِ الْأَرْضِ أَعْلَمَ مِنِ ابْنِ جَرِيرٍ، وَلَقَدْ ظَلَمَتْهُ الْحَنَابِلَةُ. وقال محمد لِرَجُلٍ رَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ يَكْتُبُ الْحَدِيثَ عَنِ الْمَشَايِخِ- وَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ سَمَاعٌ مِنِ ابْنِ جَرِيرٍ لِأَنَّ الْحَنَابِلَةَ كَانُوا يَمْنَعُونَ أَنْ يَجْتَمِعَ به أحد- فقال ابن خزيمة: لَوْ كَتَبْتَ عَنْهُ لَكَانَ خَيْرًا لَكَ مِنْ كُلِّ مَنْ كَتَبْتَ عَنْهُ. قُلْتُ: وَكَانَ مِنَ الْعِبَادَةِ وَالزَّهَادَةِ وَالْوَرَعِ وَالْقِيَامِ فِي الْحَقِّ لَا تأخذه في ذلك لومة لائم، وكان حسن الصوت بالقراءة مع المعرفة التامة بالقراءات عَلَى أَحْسَنِ الصِّفَاتِ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الصَّالِحِينَ، وهو أحد المحدثين الّذي اجتمعوا في مصر في أيام ابن طُولُونَ، وَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ إمام الأئمة، ومُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الروياني، ومحمد بن جرير الطبري هذا. وقد ذكرناهم فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ، وَكَانَ الّذي قام فصلى هو مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَقِيلَ مُحَمَّدُ بن نصر، فرزقهم الله. وقد أراد الخليفة المقتدر في بعض الأيام أَنْ يَكْتُبَ كِتَابَ وَقْفٍ تَكُونُ شُرُوطُهُ مُتَّفَقًا عليها بين العلماء، فَقِيلَ لَهُ: لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِحْضَارِ ذَلِكَ إلا محمد بن جرير الطبري، فطلب منه ذلك فكتب له، فاستدعاه الخليفة إليه وقرب منزلته عنده. وَقَالَ لَهُ: سَلْ حَاجَتَكَ، فَقَالَ: لَا حَاجَةَ لي. فقال لا بد أن تسألنى حاجة أو شَيْئًا. فَقَالَ: أَسْأَلُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَمْرُهُ إِلَى الشُّرْطَةِ حَتَّى يَمْنَعُوا السُّؤَّالَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْ يَدْخُلُوا إِلَى مَقْصُورَةِ الْجَامِعِ. فَأَمَرَ الْخَلِيفَةُ بِذَلِكَ. وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ مَنْ مَغَلِّ قَرْيَةٍ تَرَكَهَا لَهُ أَبُوهُ بِطَبَرِسْتَانَ. وَمِنْ شِعْرِهِ:
إِذَا أَعْسَرْتُ لَمْ يَعْلَمْ رَفِيقِي
…
وَأَسْتَغْنِي فَيَسْتَغِنِي صَدِيقِي
حَيَائِي حَافِظٌ لِي مَاءَ وجهي
…
ورفقي في مطالبتى رفيقي
ولو أتى سَمَحْتُ بِبَذْلِ وَجْهِي
…
لَكُنْتُ إِلَى الْغِنَى سَهْل الطريق
ومن شعره أيضا
خلقان لا أرى طَرِيقَهُمَا
…
بَطَرُ الْغِنَى وَمَذَلَّةُ الْفَقْرِ
فَإِذَا غَنِيتَ فَلَا تَكُنْ بَطِرًا
…
وَإِذَا افْتَقَرْتَ فَتِهْ عَلَى الدهر
وقد كانت وفاته وقت المغرب عَشِيَّةِ يَوْمِ الْأَحَدِ لِيَوْمَيْنِ بَقِيَا مِنْ شَوَّالٍ مِنْ سَنَةِ عَشْرٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ.
وَقَدْ جَاوَزَ الثَّمَانِينَ بخمس سنين أَوْ سِتِّ سِنِينَ، وَفِي شَعْرِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ سَوَادٌ كَثِيرٌ، وَدُفِنَ فِي دَارِهِ لِأَنَّ بَعْضَ عوام الحنابلة ورعاعهم مَنَعُوا مِنْ دَفَنِهِ نَهَارًا وَنَسَبُوهُ إِلَى الرَّفْضِ، وَمِنَ الْجَهَلَةِ مَنْ رَمَاهُ بِالْإِلْحَادِ، وَحَاشَاهُ مِنْ ذلك كله. بل كان أحد أئمة الإسلام علما وعملا بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَإِنَّمَا تَقَلَّدُوا ذَلِكَ عن أبى بكر محمد بن داود الفقيه الظاهري، حيث كان يتكلم فيه ويرميه بالعظائم