الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَلَا لَيْتَ بِي حُمَّى الْخَلِيفَةِ جَعْفَرٍ
…
فَكَانَتْ بى الحمى وكان له أجرى
كفى بى حزن إِنْ قِيلَ حُمَّ فَلَمْ أَمُتْ
…
مِنَ الْحُزْنِ إني بعد هذا لذو صبري
جعلت فدى للخليفة جعفر
…
وذاك قليل للخليفة من شكري
وَلَمَّا عُوفِيَ دَخَلَتْ عَلَيْهِ فَغَنَّتْهُ مِنْ قِيلِهَا:
شكرا لا نعم مَنْ عَافَاكَ مِنْ سَقَمِ
…
دُمْتَ الْمُعَافَى مِنَ الآلام والسقم
عادت ببرئك لِلْأَيَّامِ بَهْجَتُهَا
…
وَاهْتَزَّ نَبْتُ رِيَاضِ الْجُودِ وَالْكَرَمِ
ما قام للدين بعد اليوم من ملك
…
أعف منك ولا أرعى إلى الذِّمَمِ
فَعَمَّرَ اللَّهُ فِينَا جَعْفَرًا وَنَفَى
…
بِنُورِ وجنته عَنَّا دُجَى الظُّلَمِ
وَلَهَا فِي عَافِيَتِهِ أَيْضًا
حَمِدْنَا الَّذِي عَافَى الْخَلِيفَةَ جَعْفَرًا
…
عَلَى رُغْمِ أَشْيَاخِ الضَّلَالَةِ وَالْكُفْرِ
وَمَا كَانَ إِلَّا مِثْلَ بَدْرٍ أَصَابَهُ
…
كُسُوفٌ قَلِيلٌ ثُمَّ أَجْلَى عَنِ الْبَدْرِ
سَلَامَتُهُ لِلدِّينِ عِزٌّ وَقُوَّةٌ
…
وَعِلَّتُهُ لِلدِّينِ قَاصِمَةُ الظَّهْرِ
مَرِضْتَ فَأَمْرَضْتَ الْبَرِيَّةَ كُلَّهَا
…
وَأَظْلَمَتِ الأمصار من شدة الزعر
فَلَمَّا اسْتَبَانَ النَّاسُ مِنْكَ إِفَاقَةً
…
أَفَاقُوا وَكَانُوا كالنيام على الخمر
سلامة دنيانا سلامة جعفر
…
فدام معافا سالما آخر الدهر
إمام أعم الناس بالفضل والندا
…
قَرِيبًا مِنَ التَّقْوَى بَعِيدًا مِنَ الْوِزْرِ
وَلَهَا أشعار كثيرة رائعة ومولدها في سنة إحدى وثمانين ومائة وماتت في سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ بِسُرَّ مَنْ رَأَى، ولها ست وتسعون سنة.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ
قَالَ ابن الجوزي: في المحرم منها طَلَعَ نَجْمٌ ذُو جُمَّةٍ ثُمَّ صَارَتِ الْجُمَّةُ ذُؤَابَةً. قَالَ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ غَارَ مَاءُ النِّيلِ وَهَذَا شَيْءٌ لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهُ وَلَا بلغنا في الأخبار السالفة. فغلت الأسعار بسبب ذلك جدا. وَفِيهَا خُلِعَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ بالوزارة. وفي المحرم منها قدم الموفق مِنَ الْغَزْوِ فَتَلَقَّاهُ النَّاسُ إِلَى النَّهْرَوَانِ فَدَخَلَ بَغْدَادَ وَهُوَ مَرِيضٌ بِالنِّقْرِسِ فَاسْتَمَرَّ فِي دَارِهِ في أوائل صفر، ومات بعد أيام. قال:
وفيها تحركت القرامطة وَهُمْ فِرْقَةٌ مِنَ الزَّنَادِقَةِ الْمَلَاحِدَةِ أَتْبَاعِ الْفَلَاسِفَةِ من الفرس الذين يعتقدون نبوة زرادشت ومردك، وَكَانَا يُبِيحَانِ الْمُحَرَّمَاتِ. ثُمَّ هُمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ إِلَى بَاطِلٍ، وَأَكْثَرُ مَا يفسدون من جهة الرافضة ويدخلون إلى الباطل من جهتهم، لأنهم أقل الناس عُقُولًا، وَيُقَالُ لَهُمُ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ، لِانْتِسَابِهِمْ إِلَى إِسْمَاعِيلَ الْأَعْرَجِ بْنِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ. وَيُقَالُ لَهُمُ الْقَرَامِطَةُ، قيل نسبة
إِلَى قِرْمِطِ بْنِ الْأَشْعَثِ الْبَقَّارِ، وَقِيلَ إِنَّ رَئِيسَهُمْ كَانَ فِي أَوَّلِ دَعْوَتِهِ يَأْمُرُ مَنِ اتَّبَعَهُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِيَشْغَلَهُمْ بِذَلِكَ عَمَّا يُرِيدُ تَدْبِيرَهُ مِنَ الْمَكِيدَةِ. ثُمَّ اتَّخَذَ نُقَبَاءَ اثْنَيْ عَشَرَ، وَأَسَّسَ لِأَتْبَاعِهِ دعوة ومسلكا يسلكونه ودعا إلى إمام أَهْلِ الْبَيْتِ، وَيُقَالُ لَهُمُ الْبَاطِنِيَّةُ لِأَنَّهُمْ يُظْهِرُونَ الرفض ويبطنون الكفر المحض، والجرمية والبابكية نسبة إلى بابك الجرمي الّذي ظهر في أيام المعتصم وقتل كما تقدم. وَيُقَالُ لَهُمُ الْمُحَمِّرَةُ نِسْبَةً إِلَى صَبْغِ الْحُمْرَةِ شعارا مضاهاة لبني العباس ومخالفة لهم، لأن بنى العباس يلبسون السواد. وَيُقَالُ لَهُمُ التَّعْلِيمِيَّةُ نِسْبَةً إِلَى التَّعَلُّمِ مِنَ الْإِمَامِ الْمَعْصُومِ. وَتَرْكِ الرَّأْيِ وَمُقْتَضَى الْعَقْلِ. وَيُقَالُ لَهُمُ السَّبْعِيَّةُ نِسْبَةً إِلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْكَوَاكِبَ السبعة المتحيزة السائرة مُدَبِّرَةٌ لِهَذَا الْعَالَمِ فِيمَا يَزْعُمُونَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ. وَهِيَ الْقَمَرُ فِي الْأُولَى، وَعُطَارِدُ فِي الثَّانِيَةِ، وَالزُّهْرَةُ فِي الثَّالِثَةِ، وَالشَّمْسُ فِي الرَّابِعَةِ، وَالْمِرِّيخُ فِي الْخَامِسَةِ، وَالْمُشْتَرَى فِي السَّادِسَةِ، وَزُحَلُ فِي السَّابِعَةِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الْبَابَكِيَّةِ جَمَاعَةٌ يُقَالُ إِنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ فِي كُلِّ سَنَةٍ لَيْلَةً هُمْ وَنِسَاؤُهُمْ ثُمَّ يُطْفِئُونَ الْمِصْبَاحَ وينتهبون النساء فمن وقعت يده في امْرَأَةٌ حَلَّتْ لَهُ. وَيَقُولُونَ هَذَا اصْطِيَادٌ مُبَاحٌ لعنهم الله.
وقد ذكر ابن الجوزي تفصيل قولهم وبسطه، وقد سبقه إلى ذلك أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ الْمُتَكَلِّمُ الْمَشْهُورُ فِي كِتَابِهِ «هَتْكُ الْأَسْتَارِ وَكَشْفُ الْأَسْرَارِ» فِي الرَّدِّ عَلَى الْبَاطِنِيَّةِ، وَرَدَّ عَلَى كِتَابِهِمُ الَّذِي جَمَعَهُ بَعْضُ قضاتهم بديار مصرفى أَيَّامِ الْفَاطِمِيِّينَ الَّذِي سَمَّاهُ «الْبَلَاغَ الْأَعْظَمَ وَالنَّامُوسَ الأكبر» وجعله سِتَّ عَشْرَةَ دَرَجَةً أَوَّلُ دَرَجَةٍ أَنْ يَدْعُوَ مَنْ يَجْتَمِعُ بِهِ أَوَّلًا إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ إِلَى الْقَوْلِ بِتَفْضِيلِ عَلِيٍّ عَلَى عثمان بن عفان، ثم ينتقل به إِذَا وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ إِلَى تَفْضِيلِ عَلِيٍّ عَلَى الشَّيْخَيْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، ثُمَّ يَتَرَقَّى به إِلَى سَبِّهِمَا لِأَنَّهُمَا ظَلَمَا عَلِيًّا وَأَهْلَ الْبَيْتِ، ثُمَّ يَتَرَقَّى بِهِ إِلَى تَجْهِيلِ الْأُمَّةِ وَتَخْطِئَتِهَا فِي مُوَافَقَةِ أَكْثَرِهِمْ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ يَشْرَعُ فِي الْقَدْحِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ مِنْ حَيْثُ هُوَ. وَقَدْ ذَكَرَ لِمُخَاطَبَتِهِ لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يُخَاطِبَهُ بِذَلِكَ شُبَهًا وَضَلَالَاتٍ لَا تَرُوجُ إِلَّا عَلَى كُلِّ غَبِيٍّ جَاهِلٍ شَقِيٍّ. كَمَا قَالَ تَعَالَى (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ من أُفِكَ) 51: 7- 9 أي يضل به من هو ضال. وقال (فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ إِلَّا من هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) 37: 161- 163 وقال (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ. وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ) 6: 112- 113 إلى غير ذلك من الآيات التي تتضمن أن الباطل والجهل والضلال والمعاصي لَا يَنْقَادُ لَهَا إِلَّا شِرَارُ النَّاسِ كَمَا قال بعض الشعراء:
إن هو مستحوذ عَلَى أَحَدٍ
…
إِلَّا عَلَى أَضْعَفِ الْمَجَانِينِ
ثُمَّ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ لَهُمْ مَقَامَاتٌ فِي الْكُفْرِ والزندقة والسخافة مما ينبغي لضعيف العقل والدين أن ينزه