الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استدعى بأخيه القاهر فأجلسه بين يديه واستدعاء إِلَيْهِ، وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ: يَا أَخِي أَنْتَ لَا ذَنْبَ لَكَ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ مكره مقهور. والقاهر يقول: الله الله! نَفْسِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: وَحَقِّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا جَرَى عَلَيْكَ مِنِّي سُوءٌ أَبَدًا. وَعَادَ ابْنُ مُقْلَةَ فكتب إلى الآفاق يعلمهم بعود المقتدر إلى الخلافة، وتراجعت الأمور إلى حالها الأول، وحمل رأس نازوك وأبى الهيجاء ونودي عليهما: هذا رأس مَنْ عَصَى مَوْلَاهُ. وَهَرَبَ أَبُو السَّرَايَا بْنُ حَمْدَانَ إِلَى الْمَوْصِلِ، وَكَانَ ابْنُ نَفِيسٍ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَى الْمُقْتَدِرِ، فَلَمَّا عَادَ إِلَى الْخِلَافَةِ خَرَجَ مِنْ بَغْدَادَ مُتَنَكِّرًا فَدَخَلَ الْمَوْصِلَ، ثم صار إلى أرمينية، ثم لحق بالقسطنطينية فتنصر بها مع أهلها وَأَمَّا مُؤْنِسٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَاطِنِ عَلَى الْمُقْتَدِرِ، وَإِنَّمَا وَافَقَ جَمَاعَةَ الْأُمَرَاءِ مُكْرَهًا، ولهذا لما كان المقتدر في داره لم ينله منه ضيم، بَلْ كَانَ يُطَيِّبُ قَلْبَهُ، وَلَوْ شَاءَ لَقَتَلَهُ لَمَّا طُلِبَ مِنْ دَارِهِ. فَلِهَذَا لَمَّا عَادَ المقتدر إِلَى الْخِلَافَةِ رَجَعَ إِلَى دَارِ مُؤْنِسٍ فَبَاتَ بِهَا عِنْدَهُ، لِثِقَتِهِ بِهِ. وَقَرَّرَ أَبَا عَلِيِّ بْنَ مُقْلَةَ عَلَى الْوِزَارَةِ، وَوَلَّى مُحَمَّدَ بْنَ يوسف قَضَاءَ الْقُضَاةِ، وَجَعَلَ مُحَمَّدًا أَخَاهُ- وَهُوَ الْقَاهِرُ- عند والدته بصفة محبوس عِنْدَهَا، فَكَانَتْ تُحْسِنُ إِلَيْهِ غَايَةَ الْإِحْسَانِ، وَتَشْتَرِي لَهُ السَّرَارِي وَتُكْرِمُهُ غَايَةَ الْإِكْرَامِ.
ذِكْرُ أَخْذِ الْقَرَامِطَةِ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ إِلَى بِلَادِهِمْ، وَمَا كَانَ منهم إلى الحجيج
فِيهَا خَرَجَ رَكْبُ الْعِرَاقِ وَأَمِيرُهُمْ مَنْصُورٌ الدَّيْلَمِيُّ فَوَصَلُوا إِلَى مَكَّةَ سَالِمِينَ، وَتَوَافَتِ الرُّكُوبُ هُنَاكَ من كل مكان وجانب وفج، فَمَا شَعَرُوا إِلَّا بِالْقِرْمِطِيِّ قَدْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فِي جَمَاعَتِهِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، فَانْتَهَبَ أَمْوَالَهُمْ وَاسْتَبَاحَ قتالهم، فقتل في رحاب مكة وشعابها وفي المسجد الحرام وفي جوف الكعبة من الحجاج خلقا كثيرا، وجلس أميرهم أبو طاهر لَعَنَهُ اللَّهُ عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ، وَالرِّجَالُ تُصْرَعُ حوله، والسيوف تعمل في الناس في المسجد الحرام في الشهر الحرام فِي يَوْمِ التَّرْوِيَةِ، الَّذِي هُوَ مِنْ أَشْرَفِ الأيام، وهو يقول: أنا الله وباللَّه، أنا أنا أخلق الخلق وأفنيهم أنا. فكان الناس يفرون منهم فَيَتَعَلَّقُونَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَلَا يُجْدِي ذَلِكَ عَنْهُمْ شَيْئًا. بَلْ يُقْتَلُونَ وَهُمْ كَذَلِكَ، وَيَطُوفُونَ فَيُقْتَلُونَ فِي الطَّوَافِ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَوْمَئِذٍ يَطُوفُ، فَلَمَّا قَضَى طَوَافَهُ أَخَذَتْهُ السُّيُوفُ، فَلَمَّا وَجَبَ أَنْشَدَ وَهُوَ كَذَلِكَ.
تَرَى الْمُحِبِّينَ صَرْعَى فِي دِيَارِهِمُ
…
كَفِتْيَةِ الْكَهْفِ لَا يَدْرُونَ كم لبثوا
فلما قضى القرمطى لعنه الله أمره وفعل ما فعل بالحجيج من الأفاعيل القبيحة، أمر أن تدفن القتلى في بئر زمزم، ودفن كثيرا منهم في أماكنهم من الحرم، وفي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَيَا حَبَّذَا تِلْكَ الْقِتْلَةُ وَتِلْكَ الضجعة، وذلك المدفن والمكان، ومع هذا لم يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُكَفَّنُوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ محرمون شهداء في نفس الأمر. وَهَدَمَ قُبَّةَ زَمْزَمَ وَأَمَرَ بِقَلْعِ بَابِ الْكَعْبَةِ وَنَزَعَ كُسْوَتَهَا عَنْهَا، وَشَقَّقَهَا بَيْنَ
أَصْحَابِهِ، وَأَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَصْعَدَ إِلَى مِيزَابِ الكعبة فيقتلعه، فسقط على أم رأسه فمات إلى النار فعند ذلك انكف الخبيث عَنِ الْمِيزَابِ، ثُمَّ أَمَرَ بِأَنْ يُقْلَعَ الْحَجَرُ الأسود، فجاءه رجل فضربه بِمُثْقَلٍ فِي يَدِهِ وَقَالَ: أَيْنَ الطَّيْرُ الْأَبَابِيلُ، أَيْنَ الْحِجَارَةُ مِنْ سِجِّيلٍ؟ ثُمَّ قَلَعَ الْحَجَرَ الأسود وأخذوه حين راحوا معهم إلى بلادهم، فمكث عِنْدَهُمْ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً حَتَّى رَدُّوهُ، كَمَا سنذكره في سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. 2: 156 وَلَمَّا رَجَعَ الْقِرْمِطِيُّ إلى بلاده ومعه الحجر الأسود وتبعه أَمِيرُ مَكَّةَ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ وَجُنْدُهُ وَسَأَلَهُ وتشفع إليه أن يرد الحجر الأسود لِيُوضَعَ فِي مَكَانِهِ، وَبَذَلَ لَهُ جَمِيعَ مَا عنده من الأموال فلم يلتفت إليه، فَقَاتَلَهُ أَمِيرُ مَكَّةَ فَقَتَلَهُ الْقِرْمِطِيُّ وَقَتَلَ أَكْثَرَ أهل بيته، وأهل مكة وَجُنْدِهِ، وَاسْتَمَرَّ ذَاهِبًا إِلَى بِلَادِهِ وَمَعَهُ الْحَجَرُ وأموال الحجيج. وقد ألحد هذا للعين فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلْحَادًا لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ أَحَدٌ وَلَا يَلْحَقُهُ فِيهِ، وَسَيُجَازِيهِ عَلَى ذَلِكَ الَّذِي لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ، وَلَا يَوْثِقُ وِثَاقَهُ أَحَدٌ. وَإِنَّمَا حَمَلَ هَؤُلَاءِ عَلَى هَذَا الصنيع أنهم كفار زَنَادِقَةً، وَقَدْ كَانُوا مُمَالِئِينِ لِلْفَاطِمِيِّينَ الَّذِينَ نَبَغُوا في هذه السنة بِبِلَادِ إِفْرِيقِيَّةَ مِنْ أَرْضِ الْمَغْرِبِ، وَيُلَقَّبُ أَمِيرُهُمْ بِالْمَهْدِيِّ، وَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبِيدُ اللَّهِ بْنِ ميمون القداح. وقد كان صباغا بسلمية، وكان يهوديا فادعى أنه أسلم ثم سافر من سلمية فدخل بِلَادِ إِفْرِيقِيَّةَ، فَادَّعَى أَنَّهُ شَرِيفٌ فَاطِمِيٌّ، فَصَدَّقَهُ عَلَى ذَلِكَ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْبَرْبَرِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْجَهَلَةِ، وَصَارَتْ لَهُ دَوْلَةٌ، فَمَلَكَ مَدِينَةَ سِجِلْمَاسَةَ، ثُمَّ ابْتَنَى مَدِينَةً وَسَمَّاهَا الْمَهْدِيَّةَ، وَكَانَ قَرَارُ مُلْكِهِ بِهَا، وَكَانَ هَؤُلَاءِ الْقَرَامِطَةُ يُرَاسِلُونَهُ وَيَدْعُونَ إِلَيْهِ، وَيَتَرَامَوْنَ عَلَيْهِ، وَيُقَالُ إِنَّهُمْ إِنَّمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ سِيَاسَةً وَدَوْلَةً لَا حَقِيقَةَ لَهُ.
وَذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ أَنَّ الْمَهْدِيَّ هَذَا كتب إلى أبى طاهر يلومه على ما فعل بمكة حيث سلط الناس على الكلام فيهم، وَانْكَشَفَتْ أَسْرَارُهُمُ الَّتِي كَانُوا يُبْطِنُونَهَا بِمَا ظَهَرَ مِنْ صَنِيعِهِمْ هَذَا الْقَبِيحَ، وَأَمَرَهُ بِرَدِّ مَا أَخَذَهُ مِنْهَا، وَعَوْدِهِ إِلَيْهَا. فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَأَنَّهُ قَدْ قَبِلَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَدْ أُسِرَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي أَيْدِي الْقَرَامِطَةِ، فَمَكَثَ فِي أَيْدِيهِمْ مُدَّةً، ثم فرج الله عنه، وكان يحكى عنهم عجائب من قلة عقولهم وعدم دينهم، وأن الَّذِي أَسَرَهُ كَانَ يَسْتَخْدِمُهُ فِي أَشَقِّ الْخِدْمَةِ وَأَشَدِّهَا وَكَانَ يُعَرْبِدُ عَلَيْهِ إِذَا سَكِرَ. فَقَالَ لِي ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهُوَ سَكْرَانُ: مَا تَقَولُ فِي مُحَمَّدِكُمْ؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي.
فَقَالَ: كَانَ سَائِسًا. ثُمَّ قَالَ: مَا تَقَولُ فِي أَبِي بَكْرٍ؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي. فَقَالَ: كَانَ ضَعِيفًا مَهِينًا. وَكَانَ عُمَرُ فَظًّا غَلِيظًا. وَكَانَ عُثْمَانُ جاهلا أحمق. وكان على ممخرقا ليس كَانَ عِنْدَهُ أَحَدٌ يُعَلِّمُهُ مَا ادَّعَى أَنَّهُ فِي صَدْرِهِ مِنَ الْعِلْمِ، أَمَا كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُعَلِّمَ هَذَا كَلِمَةً وَهَذَا كَلِمَةً؟. ثُمَّ قال: هذا كله مخرقة. فلما كان من الغد قال: لا تخبر بهذا الّذي قلت لك أحدا. ذكره ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مُنْتَظَمِهِ.
وَرَوَى عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَوْمَ التروية في مكان الطواف، فحمل على
رجل كان إلى جانبي فقتله القرمطى، ثم قال: يا حمير، - ورفع صوته بذلك- أَلَيْسَ قُلْتُمْ فِي بَيْتِكُمْ هَذَا (وَمن دَخَلَهُ كانَ آمِناً) 3: 97 فأين الأمن؟ قال: فقلت له: اسمع جوابك. قَالَ نَعَمْ قُلْتُ إِنَّمَا أَرَادَ اللَّهُ:
فَأَمِّنُوهُ. قَالَ فَثَنَى رَأْسَ فَرَسِهِ وَانْصَرَفَ. وَقَدْ سَأَلَ بَعْضُهُمْ هَاهُنَا سُؤَالًا. فَقَالَ: قَدْ أَحَلَّ اللَّهُ سبحانه بأصحاب الفيل- وكانوا نصارى- ما ذكره في كتابه، ولم يفعلوا بمكة شيئا مما فعله هؤلاء، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقَرَامِطَةَ شَرٌّ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى والمجوس، بل ومن عبدة الأصنام، وأنهم فعلوا بمكة ما لم يفعله أحد، فهلا عوجلوا بالعذاب والعقوبة، كَمَا عُوجِلَ أَصْحَابُ الْفِيلِ؟ وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ أَصْحَابَ الْفِيلِ إِنَّمَا عُوقِبُوا إِظْهَارًا لشرف البيت، ولما يراد به من التشريف العظيم بإرسال النبي الكريم، من البلد الّذي فيه البيت الحرام، فلما أرادوا إهانة هذه البقعة التي يراد تشريفها وإرسال الرسول منها أهلكهم سريعا عاجلا، ولم يكن شرائع مقررة تدل على فضله، فلو دخلوه وأخربوه لأنكرت القلوب فضله. وأما هؤلاء القرامطة فإنما فعلوا ما فعلوا بَعْدَ تَقْرِيرِ الشَّرَائِعِ وَتَمْهِيدِ الْقَوَاعِدِ، وَالْعِلْمِ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ اللَّهِ بِشَرَفِ مَكَّةَ وَالْكَعْبَةِ، وَكُلُّ مؤمن يعلم أن هؤلاء قد ألحدوا في الحرم إلحادا بالغا عظيما، وأنهم من أعظم الْمُلْحِدِينَ الْكَافِرِينَ، بِمَا تَبَيَّنَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وسنة رسوله، فَلِهَذَا لَمْ يَحْتَجِ الْحَالُ إِلَى مُعَاجَلَتِهِمْ بِالْعُقُوبَةِ، بل أخرهم الرب تعالى ليوم تشخص فيه الأبصار، والله سبحانه يُمْهِلُ وَيُمْلِي وَيَسْتَدْرِجُ ثُمَّ يَأْخُذُ أَخْذَ عَزِيزٍ مقتدر، كما قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» ثم قرأ قوله تَعَالَى (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ) 14: 42 وقال (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ. مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) 3: 196- 197 وقال: (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ) 31: 24 وَقَالَ: (مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) 10: 70.
وَفِيهَا وَقَعَتْ فِتْنَةٌ بِبَغْدَادَ بَيْنَ أَصْحَابِ أَبِي بكر المروذي الْحَنْبَلِيِّ، وَبَيْنَ طَائِفَةٍ مِنَ الْعَامَّةِ، اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) 17: 79 فَقَالَتِ الْحَنَابِلَةُ: يُجْلِسُهُ مَعَهُ عَلَى الْعَرْشِ. وَقَالَ الْآخَرُونَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى، فَاقْتَتَلُوا بِسَبَبِ ذلك وقتل بينهم قتلى، ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2:156. وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مَقَامُ الشَّفَاعَةِ العظمى، وهي الشفاعة في فصل القضاء بين العباد، وَهُوَ الْمَقَامُ الَّذِي يَرْغَبُ إِلَيْهِ فِيهِ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ، حَتَّى إبراهيم، وَيَغْبِطُهُ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخَرُونَ. وَفِيهَا وَقَعَتْ فِتْنَةٌ بِالْمَوْصِلِ بَيْنَ الْعَامَّةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الْمَعَاشِ، وَانْتَشَرَتْ وَكَثُرَ أَهْلُ الشَّرِّ فِيهَا وَاسْتَظْهَرُوا، وَجَرَتْ بَيْنَهُمْ شُرُورٌ ثُمَّ سَكَنَتْ. وَفِيهَا وَقَعَتْ فِتْنَةٌ ببلاد خراسان بين بنى ساسان وأميرهم نصر بن أحمد الملقب بسعيد، وَخَرَجَ فِي شَعْبَانَ خَارِجِيٌّ بِالْمَوْصِلِ. وَخَرَجَ آخَرُ بالبواريج، فَقَاتَلَهُمْ أَهْلُ تِلْكَ النَّاحِيَةِ حَتَّى سَكَنَ شَرُّهُمْ وَتَفَرَّقَ أَصْحَابُهُمْ. وَفِيهَا الْتَقَى مُفْلِحٌ