الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[قال أبو نعيم: سئل أبو على الروذبارى عمن يسمع الملاهي ويقول إنه وصل إلى منزلة لا يؤثر فيه اختلاف الأحوال. فقال: نعم وصل، ولكن إلى سقر. وقال: الإشارة الابانة، لما تضمنه الوجد من المشار إليه لا غير، وفي الحقيقة أن الإشارة تصححها العلل، والعلل بعيدة من غير الحقائق. وقال:
من الاغترار أن تسيء فيحسن إليك، فتترك الانابة والتوبة توهما أنك تسامح في الهفوات، وترى أن ذلك من بسط الحق لك. وقال تشوقت القلوب إلى مشاهدة ذات الحق فألقيت إليها الأسامي، فركنت إليها مشغوفة بها عن الذات إلى أوان التجلي، فذلك قوله (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها) 7: 180 فوقفوا معها عن إدراك الحقائق، فأظهر الأسامي وأبداها للخلق، لتسكين شوق المحبين إليه، وتأنيس قلوب العارفين به. وقال: لا رضى لمن لا يصبر، ولا كمال لمن لا يشكر. وباللَّه وصل العارفون إلى محبته وشكروه على نعمته. وقال: إن المشتاقين إلى الله يجدون حلاوة الشوق عند ورود المكاشف لهم عن روح الوصال إلى قربه أحلى من الشهد. وقال: من رزق ثلاثة أشياء فقد سلم من الآفات: بطن جائع معه قلب قانع، وفقر دائم معه زهد حاضر، وصبر كامل معه قناعة دائمة. وقال: في اكتساب الدنيا مذلة النفوس، وفي اكتساب الآخرة عزها، فيا عجبا لمن يختار المذلة في طلب ما يفنى على العز في طلب ما يبقى] [1] ومن شعره
لو مَضَى الْكُلُّ مِنِّي لَمْ يَكُنْ عَجَبًا
…
وَإِنَّمَا عَجَبِي فِي الْبَعْضِ كَيْفَ بَقِي
أَدْرِكْ بَقِيَّةَ رُوحٍ مَنْكَ قَدْ تَلِفَتْ
…
قَبْلَ الْفِرَاقِ فَهَذَا آخِرُ الرَّمَقِ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
الْمَعْرُوفُ بِخَيْرٍ النَّسَّاجِ أَبُو الْحَسَنِ الصُّوفِيُّ، مِنْ كِبَارِ الْمَشَايِخِ ذَوِي الْأَحْوَالِ الصَّالِحَةِ، وَالْكَرَامَاتِ الْمَشْهُورَةِ. أَدْرَكَ سَرِيًّا السَّقَطِيَّ وَغَيْرَهُ مِنْ مَشَايِخِ الْقَوْمِ، وَعَاشَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً. وَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ نَظَرَ إِلَى زَاوِيَةِ الْبَيْتِ فَقَالَ: قِفْ رَحِمَكَ اللَّهُ، فَإِنَّكَ عَبْدٌ مَأْمُورٌ وَأَنَا عَبْدٌ مَأْمُورٌ، وَمَا أُمِرْتَ بِهِ لَا يَفُوتُ وَمَا أُمِرْتُ بِهِ يَفُوتُ. ثم قام وتوضأ وصلى وتمدد ومات رحمه الله. وَقَدْ رَآهُ بَعْضُهُمْ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ لَهُ:
مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ فَقَالَ استرحنا من دنيا كم الوخيمة.
ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة
فيها أحضر ابن شنبوذ المقري فأنكر عليه جماعة من الفقهاء والقراء حُرُوفًا انْفَرَدَ بِهَا فَاعْتَرَفَ بِبَعْضِهَا وَأَنْكَرَ بَعْضَهَا، فاستتيب من ذلك واستكتب خطه بِالرُّجُوعِ عَمَّا نُقِمَ عَلَيْهِ، وَضُرِبَ سَبْعَ دُرَرٍ بِإِشَارَةِ الْوَزِيرِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ مُقْلَةَ، وَنُفِيَ إلى البصرة. فَدَعَا عَلَى الْوَزِيرِ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ وَيُشَتَّتَ شمله، فكان ذلك عما قريب. وفي جمادى الآخرة نادى ابن الحرسي صاحب الشرطة في الجانبين من بغداد
[1] سقط من المصرية.
أَنْ لَا يَجْتَمِعُ اثْنَانِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي محمد البربهاري الواعظ الحنبلي. وحبس من أصحابه جماعة، واستتر ابن الْبَرْبَهَارِيُّ فَلَمْ يَظْهَرْ مُدَّةً. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُنْتَظَمِ: وَفِي شَهْرِ أَيَّارَ تَكَاثَفَتِ الْغُيُومُ وَاشْتَدَّ الْحَرُّ جِدًّا، فَلَمَّا كَانَ آخِرُ يَوْمٍ منه- وهو الخامس والعشرين من جمادى الآخرة منها- هاجت ريح شديدة جدا وأظلمت الأرض وَاسْوَدَّتْ إِلَى بَعْدِ الْعَصْرِ، ثُمَّ خَفَّتْ ثُمَّ عَادَتْ إِلَى بَعْدِ عَشَاءِ الْآخِرَةِ.
وَفِيهَا اسْتَبْطَأَ الْأَجْنَادُ أَرْزَاقَهُمْ فَقَصَدُوا دَارَ الْوَزِيرِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ مُقْلَةَ فَنَقَبُوهَا وَأَخَذُوا مَا فِيهَا وَوَقَعَ حريق عظيم في طريق الموازين، فاحترق للناس شيء كثير، فعوض عليهم الراضي بَعْضَ مَا كَانَ ذَهَبَ لَهُمْ. وَفِي رَمَضَانَ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ عَلَى بَيْعَةِ جَعْفَرِ بن المكتفي، فظهر الْوَزِيرُ عَلَى أَمْرِهِمْ فَحَبَسَ جَعْفَرًا وَنُهِبَتْ دَارُهُ، وَحَبَسَ جَمَاعَةً مِمَّنْ كَانَ بَايَعَهُ، وَانْطَفَأَتْ نَارُهُ. وخرج الحجاج في غفارة الأمير لؤلؤ فاعترضهم أبو طاهر القرمطى فَقَتَلَ أَكْثَرَهُمْ وَرَجَعَ مَنِ انْهَزَمَ مِنْهُمْ إِلَى بَغْدَادَ، وَبَطَلَ الْحَجُّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنْ طريق العراق. قال ابن الجوزي: وفيها تساقطت كواكب كثيرة ببغداد والكوفة على صورة لم ير مثلها، ولا ما يقاربها، وَغَلَا السِّعْرُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ حَتَّى بِيعَ الْكُرُّ مِنَ الْحِنْطَةِ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا. وَفِيهَا على الصحيح كان مقتل مرداويج بن زياد الديلميّ، وكان قبحه الله سيء السِّيرَةِ وَالسَّرِيرَةِ، يَزْعُمُ أَنَّ رُوحَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ حَلَّتْ فِيهِ، وَلَهُ سَرِيرٌ مِنْ ذَهَبٍ يَجْلِسُ عَلَيْهِ وَالْأَتْرَاكُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُمُ الْجِنُّ الَّذِينَ سُخِّرُوا لِسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، وَكَانَ يسيء المعاملة لجنده وَيَحْتَقِرُهُمْ غَايَةَ الِاحْتِقَارِ، فَمَا زَالَ ذَلِكَ دَأْبُهُ حتى أمكنهم الله منه فقتلوه شر قتلة فِي حَمَّامٍ، وَكَانَ الَّذِي مَالَأَ عَلَى قَتْلِهِ غلامه بحكم التركي، وَكَانَ رُكْنُ الدَّوْلَةِ بْنُ بُوَيْهِ رَهِينَةً عِنْدَهُ فأطلق لما قتل، فَذَهَبَ إِلَى أَخِيهِ عِمَادِ الدَّوْلَةِ، وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْأَتْرَاكِ مَعَهُ إِلَى أَخِيهِ، وَالْتَفَّتْ طَائِفَةٌ منهم عَلَى بَجْكَمَ فَسَارَ بِهِمْ إِلَى بَغْدَادَ بِإِذْنِ الْخَلِيفَةِ لَهُ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ صُرِفُوا إِلَى الْبَصْرَةِ فَكَانُوا بِهَا. وَأَمَّا الدَّيْلَمُ فَإِنَّهُمْ بَعَثُوا إِلَى أَخِي مَرْدَاوِيجَ وَهُوَ وُشْمَكِيرُ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِمْ تَلَقَّوْهُ إِلَى أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ حُفَاةً مُشَاةً فملكوه عليهم لئلا يذهب ملكهم، فانتدب إلى محاربته الملك السَّعِيدُ نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّامَانِيُّ نَائِبُ خُرَاسَانَ وما وراء النهر، وَمَا وَالَاهَا مِنْ تِلْكَ الْبِلَادِ وَالْأَقَالِيمِ، فَانْتَزَعَ مِنْهُ بُلْدَانًا هَائِلَةً. وَفِيهَا بَعَثَ الْقَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ الْفَاطِمِيُّ جَيْشًا مِنْ إِفْرِيقِيَّةَ فِي الْبَحْرِ إِلَى نَاحِيَةِ الْفِرِنْجِ فَافْتَتَحُوا مَدِينَةَ جَنَوَةَ وَغَنِمُوا غَنَائِمَ كَثِيرَةً وَثَرْوَةً. وَرَجَعُوا سَالِمِينَ غَانِمِينَ. وَفِيهَا بعث عماد الدَّوْلَةِ إِلَى أَصْبَهَانَ فَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا وَعَلَى بِلَادِ الجبل واتسعت مملكته جدا. وفيها كان غلاء شديد بخراسان، ووقع بها فناء كثير، بحيث كان بهمهم أَمْرُ دَفْنِ الْمَوْتَى. وَفِيهَا قَتَلَ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ أبو الحسن بْنِ حَمْدَانَ نَائِبُ الْمَوْصِلِ عَمَّهُ أَبَا الْعَلَاءِ سَعِيدَ بْنَ حَمْدَانَ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهَا مِنْهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْخَلِيفَةُ وَزِيرَهُ أَبَا عَلِيِّ بْنَ مُقْلَةَ فِي جُيُوشٍ، فَهَرَبَ مِنْهُ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ، فَلَمَّا طَالَ مُقَامُ ابْنِ مُقْلَةَ بِالْمَوْصِلِ ولم يقدر على ناصر الدولة رَجَعَ إِلَى بَغْدَادَ، فَاسْتَقَرَّتْ