الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما هذا لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَتِهِ غَلَطٌ فَحَارَ فِي تَفْسِيرِهِ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي صَوْتِهِ صَحَلٌ وَهُوَ بُحَّةٌ يَسِيرَةٌ وَهِيَ أَحْلَى فِي الصَّوْتِ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَادًّا، قَالَ أبو عبيد: وبالصحل يوصف الظِّبَاءُ، قَالَ: وَمَنْ رَوَى فِي صَوْتِهِ صَهَلٌ فَقَدْ غَلِطَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْخَيْلِ وَلَا يَكُونُ فِي الْإِنْسَانِ، قُلْتُ:
وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ. قَالَ وَيُرْوَى صَحَلٌ، وَالصَّوَابُ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَمَّا قَوْلُهَا:
أَحْوَرُ فَمُسْتَغْرَبٌ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وهو قبل في العين يزينها لا يَشِينُهَا كَالْحَوَلِ، وَقَوْلُهَا: أَكْحَلُ، قَدْ تَقَدَّمَ لَهُ شَاهِدٌ، وَقَوْلُهَا: أَزُجُّ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ الْمُتَقَوِّسُ الْحَاجِبَيْنِ، قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهَا: أَقْرَنُ فَهُوَ الْتِقَاءُ الْحَاجِبَيْنِ بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ قَالَ: وَلَا يُعْرَفُ هَذَا فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: وَالْمَعْرُوفُ في صفته عليه السلام أَنَّهُ أَبْلَجُ الْحَاجِبَيْنِ، فِي عُنُقِهِ سَطَعٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَيْ طُولٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: نُورٌ قُلْتُ: وَالْجَمْعُ مُمْكِنٌ بَلْ مُتَعَيِّنٌ، وَقَوْلُهَا إِذَا صَمَتَ فَعَلَيْهِ الْوَقَارُ، أَيِ الْهَيْبَةُ عَلَيْهِ فِي حَالِ صَمْتِهِ وَسُكُوتِهِ وَإِذَا تَكَلَّمَ سَمَا أَيْ عَلَا عَلَى النَّاسِ وَعَلَاهُ الْبَهَاءُ أَيْ فِي حَالِ كَلَامِهِ حُلْوُ الْمَنْطِقِ فَصْلٌ أَيْ فَصِيحٌ بَلِيغٌ يَفْصِلُ الْكَلَامَ وَيُبَيِّنُهُ، لَا نَزْرٌ وَلَا هَذْرٌ، أَيْ لَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، كَأَنَّ منطقه خرزات نظم، يعنى الّذي مِنْ حُسْنِهِ وَبَلَاغَتِهِ وَفَصَاحَتِهِ وَبَيَانِهِ وَحَلَاوَةِ لِسَانِهِ، أَبْهَى النَّاسِ وَأَجْمَلُهُ مِنْ بَعِيدٍ وَأَحْلَاهُ وَأَحْسَنُهُ مِنْ قَرِيبٍ، أَيْ هُوَ مَلِيحٌ مِنْ بَعِيدٍ وَمِنْ قَرِيبٍ، وَذَكَرَتْ أَنَّهُ لَا طَوِيلَ وَلَا قَصِيرَ بَلْ هُوَ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا وَمِنْ هذا، وذكرت أن أصحابه يعظمونه ويخدمونه ويبادرون إلى طاعته وما ذلك إِلَّا لِجَلَالَتِهِ عِنْدَهُمْ وَعَظْمَتِهِ فِي نُفُوسِهِمْ وَمَحَبَّتِهِمْ لَهُ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِعَابِسٍ أَيْ لَيْسَ يَعْبِسُ، وَلَا يُفَنِّدُ أَحَدًا أَيْ يُهَجِّنُهُ وَيَسْتَقِلُّ عَقْلَهُ بَلْ جَمِيلُ الْمُعَاشَرَةِ حَسَنُ الصُّحْبَةِ صَاحِبُهُ كَرِيمٌ عَلَيْهِ وَهُوَ حَبِيبٌ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
حديث هند بن أبى هالة فِي ذَلِكَ
وَهِنْدٌ هَذَا هُوَ رَبِيبُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُمُّهُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَأَبُوهُ أَبُو هَالَةَ كَمَا قَدَّمْنَا بيانه. قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ الْحَافِظُ رحمه الله: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ الْمِصْرِيُّ وأبو غسان مالك ابن إسماعيل الهندي قَالَا: ثَنَا جُمَيْعُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ بِمَكَّةَ عَنِ ابْنٍ لِأَبِي هَالَةَ التَّمِيمِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: سَأَلْتُ خَالِيَ هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ- وَكَانَ وَصَّافًا- عَنْ حِلْيَةِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَشْتَهِي أَنْ يَصِفَ لِي مِنْهَا شَيْئًا أَتَعَلَّقُ بِهِ- فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فحما مُفَخَّمًا يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ تَلَأْلُؤَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ أَطْوَلَ مِنَ الْمَرْبُوعِ وَأَقْصَرَ مِنَ الْمُشَذَّبِ عَظِيمَ الْهَامَةِ رَجِلَ الشَّعْرِ إِذَا تَفَرَّقَتْ عَقِيصَتُهُ فَرَقَ والا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه، ذا وَفَّرَهُ أَزْهَرَ اللَّوْنِ وَاسِعَ الْجَبِينِ أَزَجَّ الْحَوَاجِبِ سَوَابِغَ فِي غَيْرِ قَرَنٍ بَيْنَهُمَا عِرْقٌ يُدِرُّهُ الْغَضَبُ أَقْنَى الْعِرْنِينِ لَهُ نُورٌ يَعْلُوهُ يَحْسَبُهُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ كَثَّ اللِّحْيَةِ أَدْعَجَ سهل الخدين ضليع الفم أشنب مفلج الأسنان دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيدُ دُمْيَةٍ فِي صفاء- يعنى الفضة- معتدل الخلق بَادِنٌ مُتَمَاسِكٌ سَوَاءُ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ عَرِيضُ الصَّدْرِ بَعِيدُ مَا بَيْنَ
الْمَنْكِبَيْنِ ضَخْمُ الْكَرَادِيسِ أَنْوَرُ الْمُتَجَرَّدِ مَوْصُولُ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالسُّرَّةِ بِشَعْرٍ يَجْرِي كَالْخَطِّ عَارِي الثَّدْيَيْنِ وَالْبَطْنِ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ أَشَعَرُ الذِّرَاعَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ وَأَعَالِي الصَّدْرِ طَوِيلُ الزَّنْدَيْنِ رَحْبُ الرَّاحَةِ سبط الغضب شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ سَابِلُ الْأَطْرَافِ خَمْصَانُ الْأَخَمَصَيْنِ مَسِيحُ الْقَدَمَيْنِ يَنْبُو عَنْهُمَا الْمَاءُ إِذَا زَالَ زَالَ قَلْعًا يَخْطُو تَكَفِّيًا وَيَمْشِيَ هَوْنًا ذَرِيعُ الْمِشْيَةِ إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا خَافِضُ الطَّرْفِ نَظَرُهُ إِلَى الْأَرْضِ أَطْوَلُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلَاحَظَةُ يَسُوقُ أَصْحَابَهُ يَبْدَأُ مَنْ لَقِيَهُ بِالسَّلَامِ قُلْتُ: صِفْ لِي مَنْطِقَهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ دَائِمَ الْفِكْرَةِ لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ لَا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَّةٍ طَوِيلَ السُّكُوتِ يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه يتكلم بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، فَصْلٌ لَا فُضُولٌ وَلَا تَقْصِيرٌ دَمِثٌ لَيْسَ بِالْجَافِي وَلَا الْمُهِينِ يُعَظِّمُ النِّعْمَةَ وَإِنْ دَقَّتْ لَا يَذُمُّ مِنْهَا شَيْئًا وَلَا يَمْدَحُهُ وَلَا يَقُومُ لِغَضَبِهِ إِذَا تَعَرَّضَ لِلْحَقِّ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ:
لَا تُغْضِبُهُ الدُّنْيَا وَمَا كَانَ لَهَا فَإِذَا تَعَرَّضَ لِلْحَقِّ لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ وَلَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ لَا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَنْتَصِرُ لَهَا إِذَا أَشَارَ أَشَارَ بِكَفِّهِ كُلِّهَا، وَإِذَا تَعَجَّبَ قَلَبَهَا وَإِذَا تَحَدَّثَ يَصِلُ بِهَا يَضْرِبُ بِرَاحَتِهِ الْيُمْنَى بَاطِنَ إِبْهَامِهِ الْيُسْرَى، وَإِذَا غَضِبَ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ، وَإِذَا فَرِحَ غَضَّ طَرْفَهُ، جُلُّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمُ وَيَفْتَرُّ عَنْ مِثْلِ حب الغمام قال الحسن فكتمتها الحسن بْنَ عَلِيٍّ زَمَانًا ثُمَّ حَدَّثْتُهُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ وَوَجَدْتُهُ قَدْ سَأَلَ أَبَاهُ عَنْ مَدْخَلِهِ وَمَخْرَجِهِ وَمَجْلِسِهِ وشكله فلم يدع منه شيئا قال الحسن: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ دُخُولِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: كَانَ دُخُولُهُ لِنَفْسِهِ مَأْذُونٌ لَهُ فِي ذَلِكَ وَكَانَ إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ دُخُولَهُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ: جُزْءًا للَّه وَجُزْءًا لِأَهْلِهِ، وَجُزْءًا لِنَفْسِهِ، ثُمَّ جَزَّأَ جزأه بين النَّاسِ فَرَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ لَا يَدَّخِرُ عَنْهُمْ شَيْئًا، وَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي جُزْءِ الْأُمَّةِ إِيثَارُ أَهْلِ الْفَضْلِ بِأَدَبِهِ وَقَسْمِهِ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ، فَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَوَائِجِ فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ وَيُشْغِلُهُمْ فِيمَا أَصْلَحَهُمْ وَالْأُمَّةَ مِنْ مَسْأَلَتِهِ عَنْهُمْ وَإِخْبَارِهِمْ بِالَّذِي يَنْبَغِي وَيَقُولُ: لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، وَأَبْلِغُونِي حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغِي حَاجَتَهُ، فَإِنَّهُ مَنْ بَلَّغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا إِيَّاهُ ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يُذْكَرُ عِنْدَهُ إِلَّا ذَلِكَ وَلَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرَهُ يَدْخُلُونَ عليه زوارا ولا يَفْتَرِقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوَاقٍ وَفِي رِوَايَةٍ وَلَا يَتَفَرَّقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوْقٍ، وَيَخْرُجُونَ أَدِلَّةً يَعْنِي فُقَهَاءَ. قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ مَخْرَجِهِ كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْزُنُ لِسَانَهُ إِلَّا بِمَا يَعْنِيهِمْ وَيُؤَلِّفُهُمْ وَلَا يُنَفِّرُهُمْ، وَيُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ، وَيَحْذَرُ النَّاسَ، وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِيَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ بشره ولا خاتمه، يَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي النَّاسِ، وَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ وَيُقَوِّيهِ، وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَيُوَهِّيهِ، مُعْتَدِلَ الْأَمْرِ غَيْرَ مُخْتَلِفٍ لَا يَغْفُلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلُوا أَوْ يَمِيلُوا لِكُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ لَا يَقْصُرُ عَنِ الْحَقِّ وَلَا يَجُوزُهُ، الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنَ النَّاسِ خِيَارُهُمْ، أَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ أَعَمُّهُمْ
نَصِيحَةً، وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاةً وَمُؤَازَرَةً. قَالَ: فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَجْلِسِهِ كَيْفَ كَانَ فَقَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَجْلِسُ وَلَا يَقُومُ إِلَّا عَلَى ذِكْرٍ، وَلَا يُوطِنُ الْأَمَاكِنَ وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ، وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ، يُعْطِي كُلَّ جُلَسَائِهِ نَصِيبَهُ لَا يَحْسَبُ جَلِيسُهُ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ، مَنْ جَالَسَهُ أَوْ قَاوَمَهُ فِي حَاجَةٍ صَابَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفَ، وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَرُدَّهُ إِلَّا بِهَا أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ، قَدْ وَسِعَ النَّاسَ مِنْهُ بَسْطُهُ وَخُلُقُهُ فَصَارَ لَهُمْ أَبًا وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً، مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِكَمٍ وَحَيَاءٍ وَصَبْرٍ وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤمن فِيهِ الْحُرَمُ، وَلَا تُنْثَى فَلَتَاتُهُ، مُتَعَادِلِينَ يَتَفَاضَلُونَ فِيهِ بِالتَّقْوَى، مُتَوَاضِعِينَ يُوَقِّرُونَ فِيهِ الْكَبِيرَ وَيَرْحَمُونَ الصَّغِيرَ يُؤْثِرُونَ ذَا الْحَاجَةِ، وَيَحْفَظُونَ الْغَرِيبَ. قَالَ: فَسَأَلْتُهُ عَنْ سِيرَتِهِ فِي جُلَسَائِهِ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَائِمَ الْبِشْرِ سَهْلَ الْخُلُقِ لَيِّنَ الْجَانِبِ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ وَلَا فَحَاشٍ وَلَا عَيَّابٍ وَلَا مَزَّاحٍ يَتَغَافَلُ عَمَّا لَا يَشْتَهِي وَلَا يُؤْيِسُ مِنْهُ [رَاجِيَهُ][1] وَلَا يُخَيِّبُ فِيهِ قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلَاثٍ: الْمِرَاءِ، وَالْإِكْثَارِ وَمَا لَا يَعْنِيهِ وَتَرَكَ النَّاسَ مِنْ ثَلَاثٍ: كَانَ لَا يَذُمُّ أَحَدًا، وَلَا يُعَيِّرُهُ، وَلَا يَطْلُبُ عَوْرَتَهُ وَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا فِيمَا يَرْجُو ثَوَابَهُ، إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رءوسهم الطَّيْرُ، فَإِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا وَلَا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ، يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ، وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ فِي مَنْطِقِهِ ومسألته حتى ان كان أصحابه يستحلونه [2] فِي الْمَنْطِقِ وَيَقُولُ: إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ حَاجَةٍ فَارْفِدُوهُ، وَلَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلَّا مِنْ مُكَافِئٍ وَلَا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى يَجُوزَ فَيَقْطَعُهُ بِانْتِهَاءٍ أَوْ قِيَامٍ. قَالَ فَسَأَلْتُهُ كَيْفَ كَانَ سُكُوتُهُ؟ قَالَ: كَانَ سُكُوتُهُ عَلَى أَرْبَعٍ: الْحِلْمِ وَالْحَذَرِ وَالتَّقْدِيرِ وَالتَّفَكُّرِ. فَأَمَّا تَقْدِيرُهُ فَفِي تَسْوِيَتِهِ النَّظَرُ وَالِاسْتِمَاعُ بَيْنَ النَّاسِ وَأَمَّا تَذَكُّرُهُ أَوْ قَالَ تَفَكُّرُهُ فَفِيمَا يَبْقَى وَيَفْنَى، وَجُمِعَ لَهُ صلى الله عليه وسلم الْحِلْمُ وَالصَّبْرُ فَكَانَ لَا يُغْضِبُهُ شَيْءٌ وَلَا يَسْتَفِزُّهُ، وَجُمِعَ لَهُ الْحَذَرُ فِي أَرْبَعٍ: أَخْذِهِ بِالْحُسْنَى، وَالْقِيَامِ لهم فيما جمع لهم الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِطُولِهِ الْحَافِظُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ رحمه الله فِي كِتَابِ شَمَائِلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ عَنْ جُمَيْعِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العجلي حدثني رجل مَنْ وَلَدِ أَبِي هَالَةَ زَوْجِ خَدِيجَةَ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سَمَّاهُ غَيْرُهُ يَزِيدَ بْنَ عُمَرَ عَنِ ابْنٍ لِأَبِي هَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: سَأَلْتُ خَالِي فَذَكَرَهُ وَفِيهِ حَدِيثُهُ عَنْ أَخِيهِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمِ النَّيْسَابُورِيِّ لَفْظًا وَقِرَاءَةً عَلَيْهِ: أَنَا أبو محمد الحسن [3] مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْحَسَنِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ القعنبي صَاحِبُ كِتَابِ النَّسَبِ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَبُو مُحَمَّدٍ بالمدينة سنة ست وستين ومائتين، حدثني على
[1] هذه الزيادة من الشمائل.
[2]
في التيمورية «يستحلونه» .
[3]
كذا.