الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَجَابَ إِلَيْهِ، وَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ أَدْبَرَ عَنْهُ، حَتَّى صَارَ إلى الإسلام طوعا أو كرها، ثم توفى الله رسوله، وَقَدْ نَفَذَ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَنَصَحَ لِأُمَّتِهِ، وَقَضَى الَّذِي عَلَيْهِ، وَكَانَ اللَّهُ قَدْ بَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ، وَلِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ فقال إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ 39: 30 وَقَالَ: وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ 21: 34 وَقَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ، وَمن يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ 3: 144 فَمَنْ كَانَ إِنَّمَا يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كان إنما يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، وَلَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ، حَافِظٌ لِأَمْرِهِ، مُنْتَقِمٌ مِنْ عَدُّوِهِ. وَإِنِّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وحظكم ونصيبكم وَمَا جَاءَكُمْ بِهِ نَبِيُّكُمْ صلى الله عليه وسلم، وَأَنْ تَهْتَدُوا بِهُدَاهُ، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِدِينِ اللَّهِ، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يَهْدِهِ اللَّهُ ضال، وَكُلَّ مَنْ لَمْ يُعِنْهُ اللَّهُ مَخْذُولٌ، وَمَنْ هداه غير الله كَانَ ضَالًّا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمن يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً 18: 17 ولن يقبل له في الدنيا عمل [عبد] حتى يقربه، وَلَمْ يُقْبَلْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ، وَقَدْ بَلَغَنِي رُجُوعُ مَنْ رَجَعَ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ أَقَرَّ بِالْإِسْلَامِ، وَعَمِلَ بِهِ، اغْتِرَارًا باللَّه وَجَهْلًا بِأَمْرِهِ، وَإِجَابَةً لِلشَّيْطَانِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا 18: 50 وَقَالَ: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا من أَصْحابِ السَّعِيرِ 35: 6 وإني بعثت إليكم فِي جَيْشٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالتَّابِعَيْنِ بِإِحْسَانٍ، وَأَمَرْتُهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا الْإِيمَانَ باللَّه، وَلَا يَقْتُلُهُ حَتَّى يَدْعُوَهُ إِلَى اللَّهِ عز وجل، فَإِنْ أَجَابَ وَأَقَرَّ وَعَمِلَ صَالَحَا قَبِلَ مِنْهُ، وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَبَى حَارَبَهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، ثُمَّ لَا يُبْقِي عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَحْرِقَهُمْ بِالنَّارِ وَأَنْ يَقْتُلَهُمْ كُلَّ قِتْلَةٍ، وَأَنْ يَسْبِيَ النِّسَاءَ وَالذَّرَارِيَّ وَلَا يَقْبَلَ مَنْ أَحَدٍ غَيْرَ الْإِسْلَامِ، فَمَنِ اتَّبَعَهُ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَمَنْ تَرَكَهُ فَلَنْ يُعْجِزَ اللَّهَ، وَقَدْ أَمَرْتُ رَسُولِي أَنْ يَقْرَأَ كِتَابَهُ فِي كُلِّ مَجْمَعٍ لَكُمْ، وَالدَّاعِيَةُ الْأَذَانُ فَإِذَا أَذَّنَ المسلمون فكفوا عنهم، وإن لم يؤذنوا فَسَلُوهُمْ مَا عَلَيْهِمْ، فَإِنْ أَبَوْا عَاجِلُوهُمْ، وَإِنْ أقروا حمل منهم عَلَى مَا يَنْبَغِي لَهُمْ رَوَاهُ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ.
فصل في مسير الْأُمَرَاءَ مِنْ ذِي الْقَصَّةِ عَلَى مَا عُوهِدُوا عليه
وكان سيد الأمراء ورأس الشجعان الصَّنَادِيدِ أَبُو سُلَيْمَانَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ وَحْشِيِّ بْنِ حَرْبٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقِ لَمَّا عَقَدَ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: نِعْمَ عَبْدُ اللَّهِ وَأَخُو الْعَشِيرَةِ، خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ
سله الله عَلَى الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ، وَلَمَّا تَوَجَّهَ خَالِدٌ مِنْ ذِي الْقَصَّةِ وَفَارَقَهُ الصِّدِّيقُ، وَاعَدَهُ أَنَّهُ سَيَلْقَاهُ مِنْ نَاحِيَةِ خَيْبَرَ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْأُمَرَاءِ- وَأَظْهَرُوا ذَلِكَ لِيُرْعِبُوا الْأَعْرَابَ- وَأَمَرَهُ أَنْ يَذْهَبَ أَوَّلًا إِلَى طُلَيْحَةَ الْأَسَدِيِّ، ثُمَّ يَذْهَبَ بَعْدَهُ إِلَى بَنِي تَمِيمٍ، وَكَانَ طُلَيْحَةُ بْنُ خُوَيْلِدٍ فِي قَوْمِهِ بَنِي أَسَدٍ، وَفِي غَطَفَانَ، وَانْضَمَّ إِلَيْهِمْ بَنُو عَبْسٍ وَذُبْيَانُ، وَبَعَثَ إِلَى بَنِي جَدِيلَةَ وَالْغَوْثِ وطيِّئ يَسْتَدْعِيهِمْ إِلَيْهِ، فَبَعَثُوا أَقْوَامًا منهم بين أيديهم، ليلحقوهم على أثرهم سريعا، وَكَانَ الصِّدِّيقُ قَدْ بَعَثَ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ قَبْلَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَقَالَ لَهُ: أَدْرِكْ قَوْمَكُ لَا يَلْحَقُوا بِطُلَيْحَةَ فَيَكُونَ دَمَارُهُمْ، فَذَهَبَ عَدِيٌّ إِلَى قَوْمِهِ بَنِي طيِّئ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُبَايِعُوا الصِّدِّيقَ، وَأَنْ يُرَاجِعُوا أَمْرَ اللَّهِ، فَقَالُوا: لا نبايع أبا الفضل أَبَدًا- يَعْنُونَ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه فَقَالَ: وَاللَّهِ لِيَأْتِيَنَّكُمْ جَيْشٌ فَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنَّهُ أَبُو الْفَحْلِ الْأَكْبَرِ، وَلَمْ يَزَلْ عَدِيٌّ يَفْتِلُ لَهُمْ فِي الذِّرْوَةِ وَالْغَارِبِ حَتَّى لَانُوا، وَجَاءَ خَالِدٌ فِي الْجُنُودِ وَعَلَى مُقَدِّمَةِ الْأَنْصَارِ الَّذِينَ مَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَبَعَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ ثَابِتَ بْنَ أَقْرَمَ، وَعُكَّاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ طَلِيعَةً، فَتَلَقَّاهُمَا طُلَيْحَةُ وَأَخُوهُ سَلَمَةُ فِيمَنْ مَعَهُمَا، فَلَمَّا وَجَدَا ثَابِتًا وعكاشة تبارزوا فقتل عكاشة جبال بن طليحة، وقيل: بل كان قتل جبالا قَبْلَ ذَلِكَ وَأَخَذَ مَا مَعَهُ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ طُلَيْحَةُ فَقَتَلَهُ وَقَتَلَ هُوَ وَأَخُوهُ سَلَمَةُ، ثَابِتَ بْنَ أَقْرَمَ، وَجَاءَ خَالِدٌ بِمَنْ مَعَهُ فَوَجَدُوهُمَا صريعين، فشق ذلك على المسلمين وَقَدْ قَالَ طُلَيْحَةُ فِي ذَلِكَ:
عَشِيَّةَ غَادَرْتُ ابن أقرم ثاويا
…
وعكاشة العمى تَحْتَ مَجَالِ
أَقَمْتُ لَهُ صَدْرَ الْحَمَالَةِ إِنَّهَا
…
معودة قبل الكماة نزال
فيوم تراها في الجلال مصونة
…
ويوم تراها في ظلال عوالي
وإن يك أولاد أُصِبْنَ وَنِسْوَةٌ
…
فَلَمْ يَذْهَبُوا فِرْغًا بِقَتْلِ حِبَالِ
وَمَالَ خَالِدٌ إِلَى بَنِي طَيِّئٍ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ فَقَالَ: أَنْظِرْنِي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّهُمْ قَدِ اسْتَنْظَرُونِي حَتَّى يَبْعَثُوا إِلَى مَنْ تَعَجَّلَ مِنْهُمْ إِلَى طُلَيْحَةَ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَيْهِمْ، فَإِنَّهُمْ يَخْشَوْنَ إِنْ تَابَعُوكَ أَنْ يَقْتُلَ طُلَيْحَةُ مَنْ سَارَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ، وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ أَنْ يُعْجِّلَهُمْ إِلَى النَّارِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلَاثٍ جَاءَهُ عَدِيٌّ فِي خَمْسِمِائَةِ مُقَاتِلٍ مِمَّنْ رَاجَعَ الْحَقَّ، فَانْضَافُوا إِلَى جَيْشِ خَالِدٍ وقصد خالد بنى جديلة فقال له: يا خالد، أَجِّلْنِي أَيَّامًا حَتَّى آتِيَهُمْ فَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُنْقِذَهُمْ كَمَا أَنْقَذَ طيِّئا، فَأَتَاهُمْ عَدِيٌّ فَلَمْ يزل بهم حتى تابعوه، فَجَاءَ خَالِدًا بِإِسْلَامِهِمْ، وَلَحِقَ بِالْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ أَلْفُ رَاكِبٍ، فَكَانَ عَدِيٌّ خَيْرَ مَوْلُودٍ وَأَعْظَمَهُ بَرَكَةً على قومه، رضى الله عنهم، قَالُوا: ثُمَّ سَارَ خَالِدٌ حَتَّى نَزَلَ بِأَجَأٍ وسلمى، وعبى جَيْشَهُ هُنَالِكَ وَالْتَقَى مَعَ طُلَيْحَةَ الْأَسَدِيِّ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ: بُزَاخَةُ، وَوَقَفَتْ أَحْيَاءٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْأَعْرَابِ يَنْظُرُونَ عَلَى مَنْ تَكُونُ الدَّائِرَةُ، وَجَاءَ طُلَيْحَةُ فِيمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ وَمَنِ الْتَفَّ مَعَهُمْ وَانْضَافَ إِلَيْهِمْ، وَقَدْ حَضَرَ
مَعَهُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ فِي سَبْعِمِائَةٍ مِنْ قَوْمِهِ، بَنِي فَزَارَةَ، وَاصْطَفَّ النَّاسُ، وَجَلَسَ طُلَيْحَةُ مُلْتَفًّا فِي كِسَاءٍ لَهُ يَتَنَبَّأُ لَهُمْ يَنْظُرُ مَا يُوحَى إِلَيْهِ فِيمَا يَزْعُمُ، وَجَعَلَ عُيَيْنَةُ يُقَاتِلُ مَا يُقَاتِلُ، حَتَّى إِذَا ضَجِرَ مِنَ الْقِتَالِ يَجِيءُ إِلَى طُلَيْحَةَ وَهُوَ مُلْتَفٌّ فِي كِسَائِهِ فَيَقُولُ: أَجَاءَكَ جِبْرِيلُ؟ فَيَقُولُ: لَا، فَيَرْجِعُ فَيُقَاتِلُ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ قَالَ لَهُ: هَلْ جَاءَكَ جِبْرِيلُ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: فَمَا قَالُ لَكَ؟ قَالَ: قَالَ لي إن لك رحاء كَرَحَاهُ، وَحَدِيثًا لَا تَنْسَاهُ، قَالَ يَقُولُ عُيَيْنَةُ:
أَظُنُّ أَنْ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ سَيَكُونُ لَكَ حَدِيثٌ لَا تَنْسَاهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا بَنِي فَزَارَةَ انْصَرِفُوا، وَانْهَزَمَ وَانْهَزَمَ النَّاسُ عَنْ طُلَيْحَةَ، فَلَمَّا جَاءَهُ الْمُسْلِمُونَ رَكِبَ عَلَى فَرَسٍ كَانَ قَدْ أَعَدَّهَا لَهُ، وَأَرْكَبَ امْرَأَتَهُ النَّوَارَ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ، ثُمَّ انْهَزَمَ بِهَا إِلَى الشَّامِ وَتَفَرَّقَ جَمْعُهُ، وَقَدْ قَتَلَ اللَّهُ طَائِفَةً مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ، فَلَمَّا أَوْقَعَ اللَّهُ بِطُلَيْحَةَ وَفَزَارَةَ مَا أَوْقَعَ، قَالَتْ بَنُو عَامِرٍ وَسُلَيْمٍ وَهَوَازِنُ: نَدْخُلُ فِيمَا خَرَجْنَا مِنْهُ، وَنُؤْمِنُ باللَّه وَرَسُولِهِ، وَنُسَلِّمُ لِحُكْمِهِ فِي أَمْوَالِنَا وَأَنْفُسِنَا قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ طُلَيْحَةُ الْأَسَدِيُّ ارْتَدَّ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا مَاتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ بِمُؤَازَرَتِهِ عيينة بن حصن من بَدْرٍ، وَارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ لِقَوْمِهِ: وَاللَّهِ لِنَبِيٌّ مِنْ بَنِي أَسَدٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَبِيٍّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَقَدْ مَاتَ مُحَمَّدٌ وهذا طليحة فاتبعوه، فوافق قَوْمُهُ بَنُو فَزَارَةَ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا كَسَرَهُمَا خَالِدٌ هَرَبَ طُلَيْحَةُ بِامْرَأَتِهِ إِلَى الشَّامِ، فَنَزَلَ عَلَى بَنِي كَلْبٍ، وَأَسَرَ خَالِدٌ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ، وَبَعَثَ بِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، فَدَخَلَ الْمَدِينَةَ وَهُوَ كَذَلِكَ فَجَعَلَ الْوِلْدَانُ وَالْغِلْمَانُ يَطْعَنُونَهُ بِأَيْدِيهِمْ، وَيَقُولُونَ: أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ، ارْتَدَدْتَ عَنِ الْإِسْلَامِ؟ فَيَقُولُ:
وَاللَّهِ مَا كُنْتُ آمَنْتُ قَطُّ، فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيِ الصِّدِّيقِ اسْتَتَابَهُ وَحَقَنَ دَمَهُ، ثُمَّ حَسُنَ إِسْلَامُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَنَّ عَلَى قُرَّةَ بْنِ هُبَيْرَةَ، وَكَانَ أَحَدَ الْأُمَرَاءِ مَعَ طُلَيْحَةَ، فَأَسَرَهُ مَعَ عُيَيْنَةَ، وَأَمَّا طُلَيْحَةُ فَإِنَّهُ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْضًا، وَذَهَبَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا أيام الصديق، واستحيى أَنْ يُوَاجِهَهُ مُدَّةَ حَيَّاتِهِ، وَقَدْ رَجَعَ فَشَهِدَ الْقِتَالَ مَعَ خَالِدٍ، وَكَتَبَ الصِّدِّيقُ إِلَى خَالِدٍ: أَنِ اسْتَشِرْهُ فِي الْحَرْبِ وَلَا تُؤَمِّرْهُ- يَعْنِي مُعَامَلَتَهُ لَهُ بِنَقِيضِ مَا كَانَ قَصَدَهُ مِنَ الرئاسة في الباطن- وَهَذَا مِنْ فِقْهِ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ، وَقَدْ قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ لِبَعْضِ أَصْحَابِ طُلَيْحَةَ مِمَّنْ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ: أَخْبِرْنَا عَمَّا كَانَ يَقُولُ لَكُمْ طُلَيْحَةُ مِنَ الْوَحْيِ، فقال: إنه كان يقول: الحمام واليمام والصرد والصوام، قَدْ صُمْنَ قَبْلَكُمْ بِأَعْوَامٍ لَيَبْلُغَنَّ مُلْكُنَا الْعِرَاقَ وَالشَّامَ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْخُرَافَاتِ وَالْهَذَيَانَاتِ السَّمِجَةِ وَقَدْ كَتَبَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ حِينَ جَاءَهُ أَنَّهُ كَسَرَ طُلَيْحَةَ وَمَنْ كَانَ فِي صَفِّهِ وَقَامَ بِنَصْرِهِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ: لِيَزِدْكَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا وَاتَّقِ اللَّهَ فِي أَمْرِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ، جِدَّ في أمرك ولا تلن وَلَا تَظْفَرْ بِأَحَدٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتَلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا نَكَّلَتَ بِهِ، وَمَنْ أَخَذْتَ مِمَّنْ حَادَّ اللَّهَ أَوْ ضَادَّهُ مِمَّنْ يَرَى أَنَّ في ذلك صلاحا فأقتله فأقام خالد بنراخة شهرا،