الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غَدَاةَ سَعَى أَبُو بَكْرٍ إِلَيْهِمْ
…
كَمَا يَسْعَى لموتته حلال
أَرَاحَ عَلَى نَوَاهِقِهَا عَلِيًّا
…
وَمَجَّ لَهُنَّ مُهْجَتَهُ حِبَالُ
وَقَالَ أَيْضًا:
أَقَمْنَا لَهُمْ عُرْضَ الشِّمَالِ فَكُبْكِبُوا
…
كَكَبْكَبَةِ الْغُزَّى أَنَاخُوا عَلَى الْوَفْرِ
فَمَا صَبَرُوا لِلْحَرْبِ عِنْدَ قِيَامِهَا
…
صَبِيحَةَ يَسْمُو بِالرِّجَالِ أَبُو بَكْرِ
طَرَقْنَا بَنِي عَبْسٍ بِأَدْنَى نِبَاجِهَا
…
وَذُبْيَانَ نَهْنَهْنَا بِقَاصِمَةِ الظَّهْرِ
فَكَانَتْ هَذِهِ الْوَقْعَةُ مِنْ أَكْبَرِ الْعَوْنِ عَلَى نَصْرِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ عَزَّ الْمُسْلِمُونَ فِي كُلِّ قَبِيلَةٍ، وَذَلَّ الْكُفَّارُ فِي كُلِّ قَبِيلَةٍ، وَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى الْمَدِينَةِ مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا، سَالِمًا غَانِمًا، وَطَرَقَتِ الْمَدِينَةُ فِي اللَّيْلِ صَدَقَاتُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، وَصَفْوَانَ وَالزِّبْرِقَانِ، إِحْدَاهَا فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَالثَّانِيَةُ فِي أَوْسَطِهِ وَالثَّالِثَةُ فِي آخِرِهِ، وَقَدِمَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بَشِيرٌ مِنْ أُمَرَاءِ الْأَنْقَابِ، فكان الّذي بشر بصفوان سعد ابن أَبِي وَقَّاصٍ، وَالَّذِي بَشَّرَ بِالزِّبْرِقَانِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَالَّذِي بَشَّرَ بِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عبد الله ابن مَسْعُودٍ، وَيُقَالُ: أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ رضي الله عنه وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ لَيْلَةً مِنْ مُتَوَفَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَدِمَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِلَيَالٍ، فَاسْتَخْلَفَهُ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُرِيحُوا ظَهْرَهُمْ، ثُمَّ رَكِبَ أَبُو بَكْرٍ فِي الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ، فِي الْوَقْعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، إِلَى ذِي الْقَصَّةِ، فَقَالَ لَهُ الْمُسْلِمُونَ: لَوْ رَجَعْتَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَرْسَلْتَ رَجُلًا، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ، وَلَأُوَاسِيَنَّكُمْ بِنَفْسِي، فَخَرَجَ فِي تَعْبِئَتِهِ، إِلَى ذِي حُسًى وَذِي الْقَصَّةِ، وَالنُّعْمَانُ وَعَبْدُ اللَّهِ وَسُوَيْدٌ بَنُو مُقَرِّنٍ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ، حَتَّى نَزَلَ عَلَى أَهْلِ الرَّبَذَة بِالْأَبْرَقِ وَهُنَاكَ جَمَاعَةٌ مِنْ بَنِي عَبْسٍ وَذُبْيَانَ، وَطَائِفَةٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، فَاقْتَتَلُوا فَهَزَمَ اللَّهُ الْحَارِثَ وعوفا وأخذ الْحُطَيْئَةُ أَسِيرًا فَطَارَتْ بَنُو عَبْسٍ وَبَنُو بَكْرٍ، وَأَقَامَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْأَبْرَقِ أَيَّامًا وَقَدْ غلب بنى ذبيان على البلاد، وقال: حَرَامٌ عَلَى بَنِي ذُبْيَانَ أَنْ يَتَمَلَّكُوا هَذِهِ الْبِلَادَ، إِذْ غَنَّمَنَاهَا اللَّهُ وَحَمَى الْأَبْرَقَ بِخُيُولِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَرْعَى سَائِرَ بِلَادِ الرَّبَذَة. وَلَمَّا فَرَّتْ عبس وذبيان صاروا إلى مؤازرة طلحة وَهُوَ نَازِلٌ عَلَى بُزَاخَةَ، وَقَدْ قَالَ فِي يَوْمِ الْأَبْرَقِ زِيَادُ بْنُ حَنْظَلَةَ:
وَيَوْمٍ بِالْأَبَارِقِ قَدْ شَهِدْنَا
…
عَلَى ذُبْيَانَ يَلْتَهِبُ الْتِهَابَا
أَتَيْنَاهُمْ بِدَاهِيَةٍ نَسُوفٍ
…
مَعَ الصِّدِّيقِ إِذْ تَرَكَ الْعِتَابَا
ذِكْرُ خُرُوجِهِ إِلَى ذِي الْقَصَّةِ حِينَ عَقَدَ أَلْوِيَةَ الْأُمَرَاءِ الْأَحَدَ عَشَرَ عَلَى مَا سَيَأْتِي
وَذَلِكَ بَعْدَ مَا جَمَّ جَيْشُ أُسَامَةَ وَاسْتَرَاحُوا، رَكِبَ الصِّدِّيقُ أَيْضًا فِي الْجُيُوشِ الْإِسْلَامِيَّةِ شَاهِرًا سَيْفَهُ مَسْلُولًا، مَنَ الْمَدِينَةِ إِلَى ذِي الْقَصَّةِ، وَهِيَ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى مَرْحَلَةٍ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَقُودُ بِرَاحِلَةِ الصِّدِّيقِ رضي الله عنهما، كَمَا سَيَأْتِي، فَسَأَلَهُ الصَّحَابَةُ، مِنْهُمْ عَلِيٌّ وَغَيْرُهُ، وَأَلَحُّوا عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ
إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَنْ يَبْعَثَ لِقِتَالِ الْأَعْرَابِ غَيْرَهُ مِمَّنْ يُؤَمِّرُهُ مِنَ الشُّجْعَانِ الْأَبْطَالِ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذلك، وعقد لهم الألوية لِأَحَدَ عَشَرَ أَمِيرًا، عَلَى مَا سَنُفَصِّلُهُ قَرِيبًا إن شاء الله وقد روى الدار قطنى مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مُوسَى الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا برز أبو بكر إلى الْقَصَّةِ وَاسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ، أَخَذَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِزِمَامِهَا وَقَالَ: إِلَى أَيْنَ يَا خليفة رسول الله؟ أَقُولُ لَكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يوم أحد: لم سَيَفَكَ وَلَا تَفْجَعْنَا بِنَفْسِكَ، وَارْجِعْ إِلَى الْمَدِينَةِ، فو الله لَئِنْ فُجِعْنَا بِكَ لَا يَكُونُ لِلْإِسْلَامِ نِظَامٌ أَبَدًا، فَرَجَعَ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَقَدْ رَوَاهُ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ [و] الزُّهْرِيِّ أَيْضًا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجَ أَبِي شَاهِرًا سَيْفَهُ رَاكِبًا عَلَى رَاحِلَتِهِ إِلَى وَادِي الْقَصَّةِ، فَجَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَأَخَذَ بِزِمَامِ رَاحِلَتِهِ فَقَالَ: إِلَى أَيْنَ يا خليفة رسول الله؟ أقول لك ما قال رسول الله يوم أحد: لم سيفك ولا تفجعنا بنفسك فو الله لئن أصبنا بك لا يكون للإسلام بعدك نِظَامٌ أَبَدًا، فَرَجَعَ وَأَمْضَى الْجَيْشَ وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ عَنْ سَهْلِ بْنِ يُوسُفَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: لَمَّا اسْتَرَاحَ أُسَامَةُ وَجُنْدُهُ، وَقَدْ جَاءَتْ صَدَقَاتٌ كَثِيرَةٌ تَفْضُلُ عَنْهُمْ، قَطَعَ أَبُو بَكْرٍ الْبُعُوثَ، وَعَقَدَ الْأَلْوِيَةَ: فَعَقَدَ أَحَدَ عَشَرَ لِوَاءً، عَقَدَ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَأَمَرَهُ بطليحة ابن خُوَيْلِدٍ، فَإِذَا فَرَغَ سَارَ إِلَى مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةٍ بِالْبِطَاحِ إِنْ أَقَامَ لَهُ. وَلِعِكْرِمَةَ بْنِ أبى جهل، وأمره بمسيلمة. وبعث شرحبيل بن حَسَنَةَ فِي أَثَرِهِ إِلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، ثُمَّ إِلَى بَنِي قُضَاعَةَ. وَلِلْمُهَاجِرِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، وَأَمَرَهُ بِجُنُودِ الْعَنْسِيِّ وَمَعُونَةِ الْأَبْنَاءِ عَلَى قَيْسِ بْنِ مَكْشُوحٍ قُلْتُ: وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ نَزَعَ يَدَهُ مِنَ الطَّاعَةِ، عَلَى مَا سَيَأْتِي. قَالَ: وَلِخَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ إِلَى مَشَارِفِ الشَّامِ. وَلِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إِلَى جِمَاعِ قُضَاعَةَ وَوَدِيعَةَ وَالْحَارِثِ. وَلِحُذَيْفَةَ بْنِ مِحْصَنٍ الْغَطَفَانِيِّ وأمره بأهل دبا وبعرفجة وهرثمة وغير ذلك. ولطرفة بن حاجب وَأَمَرَهُ بِبَنِي سُلَيْمٍ وَمَنْ مَعَهُمْ مِنْ هَوَازِنَ. وَلِسُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، وَأَمَرَهُ بِتِهَامَةِ الْيَمَنِ. وَلِلْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، وَأَمَرَهُ بِالْبَحْرَيْنِ رضي الله عنهم وَقَدْ كَتَبَ لِكُلِّ أَمِيرٍ كِتَابَ عَهْدِهِ عَلَى حِدَتِهِ، فَفَصَلَ كُلُّ أَمِيرٍ بِجُنْدِهِ مِنْ ذِي الْقَصَّةِ، وَرَجَعَ الصِّدِّيقُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَدْ كَتَبَ معهم الصديق كتابا الى الرَّبَذَة وَهَذِهِ نُسْخَتُهُ «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مِنْ أَبِي بَكْرٍ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي هَذَا، مِنْ عَامَّةٍ وَخَاصَّةٍ، أَقَامَ عَلَى إِسْلَامِهِ أَوْ رَجَعَ عَنْهُ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، وَلَمْ يَرْجِعْ بَعْدَ الْهُدَى إِلَى الضَّلَالَةِ وَالْهَوَى، فَإِنِّي أَحْمَدُ اللَّهَ إِلَيْكُمُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، نُقِرُّ بِمَا جَاءَ بِهِ، وَنُكَفِّرُ مَنْ أَبَى ذَلِكَ وَنُجَاهِدُهُ. أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الله أرسل بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِهِ، إِلَى خَلْقِهِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ، فَهَدَى اللَّهُ بِالْحَقِّ مَنْ