الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنوان الكتاب وتوثيق نسبته إلى المؤلف وتاريخ تأليفه
ورد ذكر هذا الكتاب ضمن مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية في عامة المصادر التي ترجمت له باسم «شرح العمدة» ، ووصفَتْه بأنه أربع مجلدات. وأول من ذكره تلميذه ابن رُشَيِّق (749)
(1)
، وتابعه على ذلك ابن عبد الهادي (744) في «العقود الدرية»
(2)
، والصفدي (764) في «أعيان العصر» و «الوافي بالوفيات» ، وابن شاكر الكتبي (764) في «فوات الوفيات» ، وابن رجب (795) في «ذيل طبقات الحنابلة» ، والعُليمي (928) في «المنهج الأحمد» و «الدر المنضّد»
(3)
، وغيرهم.
ويوجد هذا العنوان على جميع النسخ الخطية التي وصلتنا من الكتاب، كما سيأتي في وصفها.
ونقَلَ عن الكتاب جمعٌ من المؤلفين وسمَّوه «شرح العمدة» ، وجميع النصوص المقتبسة منه موجودةٌ في الكتاب الذي بين أيدينا، إلّا ما يتعلق بالقسم الضائع منه. وهذا مما يوثِّق نسبة الكتاب إلى شيخ الإسلام. وسيأتي فيما بعد ذكر مَن نقل عنه.
ويوجد بداخل الكتاب شواهد تدلُّ على أنه من تأليف شيخ الإسلام،
(1)
. في «أسماء مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية» ضمن «الجامع لسيرة شيخ الإسلام» (ص 305). وقد طبعت من قبل منسوبة إلى ابن القيم، وهو خطأ.
(2)
. (ص 58).
(3)
. ذكرنا نصوص هذه المصادر في «الجامع لسيرة شيخ الإسلام» (ص 357، 380، 394، 483، 610، 619).
فقد ذكر جدَّه مجدَ الدين أبا البركات ابن تيمية في عدة مواضع، ونقل عنه أقواله واختياراته. قال في موضع (2/ 531):«اختار جدّي رحمه الله: إن تضرّر بنزول أو لم يكن له من يُنزِله، فإنه يصلّي على الدابة. وإن لم يتضرَّر فهو كالصحيح» . وفي موضع آخر (2/ 608) ذكره بكنيته فقال: «وقال جدي أبو البركات: ما فعل مع الشك كما فعل بغير نية فلا يعتدّ به، ويكون زيادةً في الصلاة
…
». وفي موضع ثالث (4/ 27): «وهذه طريقة القاضي أخيرًا وابن عقيل وجدي وغيرهم» . ونقل عنه في مواضع أخرى في (3/ 22، 157).
أما تاريخ تأليفه ففي الكتاب قرائن تدلُّ على أن شيخ الإسلام ألَّفه في أواخر العشرينيات أو أوائل الثلاثينيات من عمره، وعلى ذلك شواهد التمسناها من داخل الكتاب، فمنها أنه ذكر فيه «منسكًا» برواية المرُّوذي عن الإمام أحمد يحتوي على أدعية كثيرة في مقامات مختلفة من المشاعر، وكان الشيخ قد كتب منسكًا قديمًا ذَكَر فيه مثل هذه الأدعية، فقد قال في «منسكه» الجديد ضمن «مجموع الفتاوى» (26/ 98):«كنتُ قد كتبتُ منسكًا في أوائل عمري، فذكرتُ فيه أدعيةً كثيرةً، وقلَّدتُ في الأحكام مَن اتبعتُه قبلي من العلماء. وكتبتُ في هذا (أي المنسك الجديد) ما تبيَّن لي من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مختصرًا مبيَّنًا» .
وواضحٌ من هذا الكتاب متابعته ما ذكره علماء المذهب الحنبلي الذين يشير إليهم بقوله: «أصحابنا» ، وإيراده للأدعية الكثيرة المرتّبة في كتاب الحج، التي حَذَفَ أكثرها في المنسك الجديد، مما يدلُّ على أنه ألَّف هذا الكتاب أيضًا في زمن متقدم من عمره.
ومما يؤكِّدُ ذلك أنه لم يُشِر فيما وقفنا عليه من الكتاب إلى أيّ كتاب أو
رسالة أو فتوى له سابقة، ولم يذكر أنه بحث هذه المسألة أو تلك في موضع آخر، كما هو دأبه في كتبه التي ألَّفها بمصر (بين 705 - 712) أو بعد رجوعه إلى الشام حيث استقرّ فيها إلى آخر حياته.
ويبدو لنا من خلال بعض القرائن أنه ألَّفه بعد رجوعه من الحج (سنة 692)، فإن فيه ذكر مشاهداتٍ في أماكن الحج، وليست منقولة عن كتاب، بل فيه تسجيل معلومات تخالف ما في الكتب المدوَّنة. وإليك بعض النصوص التي تستوقف القارئ والباحث، وتشهد لما أشرنا إليه:
قال بعدما وصف المسعى بما هو مدوَّن في الكتب: «هكذا في كثير من الكتب المصنَّفة، لأنه كذلك في ذلك الوقت. واليوم هي أربعة أميال: ميلان متقابلان أحمران أو أخضران عليهما كتابة، ثم ميلان أخضران. والدار المذكورة [أي دار العباس] هي اليوم خَرِبة، لكن الأعلام ظاهرة معلَّقة، لا يدرس عَلَمها» . (5/ 194).
وذكر المكان الذي كان يُرى منه الكعبة قديمًا، وعقَّب عليه بقوله:«فأما اليوم فإن البيت لا يُرى إلى أن يدخل الرجل المسجد» . (5/ 146).
ووَصَف الجُحْفة وقال: «وهي قرية قديمة، وهي اليوم خراب، وبها أثر الحمّام التي دخلها ابن عباس وهو محرم. وقد صار الناس لأجل خرابها يُحرِمون قبلها من رابغ، لأجل أن بها الماء للاغتسال» (4/ 187).
وذكر بعض الأمور المخالفة للسنة التي وقع فيها الناس في زمنه فيما يتعلق بالوقوف بعرفة، فقال: «وقد أعرض جمهور الناس في زماننا عن أكثر هذه السنن، فيوافون عرفة من أول النهار، وربما دخلها كثير منهم ليلًا وبات بها وأوقد النيران بها، وهذا بدعة وخلاف للسنة. ويتركون إتيان نمرة
والنزول بها
…
ولا يجمعون الصلاتين ببطن عرنة بالمسجد هناك، ولا يعجلون الوقوف الذي هو الركوب وشدُّ الأحمال، بل يخلطون موضع النزول أول النهار بموضع الصلاة والخطبة بموضع الوقوف. ويتخذون الموقف سوقًا، وإنما كانت الأسواق بين الحرم والموقف
…
» (5/ 227، 228).
هذه النصوص تشير إلى مشاهدات شخصية تدل أن الشيخ ألَّف الكتاب بعد رجوعه من الحج، أي بعد سنة 692.
وأيضًا فإن أسلوبه في ذِكْر روايات الإمام وأقوال الأصحاب يوافق أسلوب ما ألَّفه في هذه المدة من كُتب قبل سنة 700، مثل «الصارم المسلول على شاتم الرسول» و «بيان الدليل على إبطال التحليل» و «المسوَّدة» و «اقتضاء الصراط المستقيم» وغيرها.
ومما يدلُّ على أنه ألَّف هذا الكتاب في المدة المشار إليها: ترجيحه في «الفتاوى» فيما بعد غير ما قرَّره هنا، والأمثلة على ذلك عديدة منها: ترجيحه لعدم وجوب العمرة في «الفتاوى» (26/ 5 - 7) على خلاف ما قرَّره هنا واحتج لوجوبها (4/ 13 وما بعدها).
وقد يقول قائل: إن الشيخ أراد في هذا الكتاب الاحتجاج للمذهب، وخدمة فقه الحنابلة وطلاب المذهب دون ذكر الأقوال الأخرى في المسألة ولا الاحتجاج لها والترجيح، فكونه خالف في كتب أخرى ما قرّره هنا لا يدلّ على رجوعه بقدر ما يدلّ على اختلاف منهج الكتابين، والهدف من تأليفهما
(1)
.
(1)
وهذا الوجه من النظر في الكتاب يفيد في مسألة اختيارات الشيخ، وعدم عدّ ما ذكره في هذا الكتاب اختيارًا قديمًا حتى لو خالفه في كتبه الأخرى المتأخرة؛ لأنه هنا لم يكن إلا مقرّرًا وشارحًا للمذهب لا يخرج عنه.
فنقول: هذا النظر معتبر من هذه الجهة، لكنه مجرد احتمال لو سُلِّم، فإنه لا يجيب عن القرائن الأخرى التي ذكرناها. إضافة إلى أنه لا مانع من هذا الاحتمال إلا أن المدة التي ألف فيها متقدمة وكان الشيخ يميل فيها إلى هذا اللون من التأليف، ثم إنه لما بلغ رتبة الاجتهاد عدل عنه، فلم يعد يدرّس المذهب ولا عاد يلتزمه في فتاويه، وقد عبّر عن ذلك الذهبي رحمه الله فقال:«وبقي عدة سنين يفتي باجتهاده ولا يتقيد بمذهب» . والله أعلم.