المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌أهمية الكتاب يعتبر هذا الكتاب أوسع ما ألَّفه شيخ الإسلام في - شرح عمدة الفقه - ابن تيمية - ط عطاءات العلم - المقدمة

[ابن تيمية]

الفصل: ‌ ‌أهمية الكتاب يعتبر هذا الكتاب أوسع ما ألَّفه شيخ الإسلام في

‌أهمية الكتاب

يعتبر هذا الكتاب أوسع ما ألَّفه شيخ الإسلام في الفقه، حيث اختار متن كتاب «العمدة» وشرحه شرحًا مطولًا. أما بقية مؤلفاته في الفقه ــ عدا التعليقة على المحرر ــ فهي إما فتاوى متفرقة، أو رسائل مستقلة في الكلام على بعض المسائل، أو قواعد فقهية تنبني عليها أبواب العبادات والمعاملات. فالكتاب الذي بين أيدينا موسوعة كبيرة في أحكام العبادات ومسائلها، ولعل القدر الموجود منه الذي يُنشر الآن في خمسة مجلدات ضخام يعتبر نصف الكتاب أو أكثر بقليل، ولم نحصل على بقيته مع كثرة البحث والتنقيب عنها في المكتبات وفهارسها، ونأمل أن تكون ضمن المخطوطات المجهولة العنوان والمؤلف، ويُكشَف عنها في المستقبل بإذن الله.

وإذا قارنّا بين هذا الشرح وغيره من شروح «العمدة» نجد الفرق بينها جليًّا واضحًا، فشرح بهاء الدين المقدسي مختصر جدًّا، لا مقارنة بينه وبين هذا الشرح. أما شروح المعاصرين فأكثرها مأخوذة من شرح شيخ الإسلام ومعتمدة عليه كما صرَّح به مؤلفوها. أما الشروح التي لم تصلنا فقد كانت متوسطة الحجم في نحو مجلدين، ولعلها أيضًا استفادت من هذا الشرح كما استفاد منه المؤلفون الحنابلة مثل شمس الدين ابن مفلح، والزركشي، وبرهان الدين ابن مفلح، وعلاء الدين المرداوي. وهكذا أصبح كتابنا هذا شرحًا فريدًا لكتاب «العمدة» ، وعمدةً للمتأخرين من الحنابلة وغيرهم.

وتميّز هذا الشرح بخصائص قد لا توجد في كثير من كتب الفقه الحنبلي، منها إيراده للأحاديث والآثار الكثيرة المروية في الباب معزوة إلى

ص: 25

مصادرها، مع الكلام عليها أحيانًا تصحيحًا وتضعيفًا، وقد أطال في بعض المواضع بذكر اختلاف الألفاظ والروايات والطرق بما لا نجده في كتابٍ فقهيّ آخر، خاصةً في المسائل التي كثر فيها الخلاف وطال حولها الجدل.

ومنها: اهتمامه بنقل روايات متعددة عن الإمام في كل مسألة، كما رواها عنه تلاميذه، مع بيان ما فيها من خلاف ووفاق. ويزيد عدد هؤلاء الرواة عن أربعين، منهم من نقل عن «مسائله» مباشرة، ومنهم من نقل عنه بواسطة كتاب «التعليقة» أو غيره. وهذه ميزة لا توجد في كتب الفقه المتأخرة، وأغلب من جاء بعد شيخ الإسلام اعتمد على «شرح العمدة» في نقل هذه الروايات.

ومنها: عنايته بذكر القواعد الفقهية والأصولية، وعدم الاقتصار على ذكر الأحكام والمسائل، ومعلوم أن ربطها بالقواعد أدعى إلى ضبطها وفهمها. وقد ذكر الشيخ كثيرًا من قواعد المذهب الحنبلي ومصطلحاته، استنادًا إلى العلماء والمؤلفين السابقين، الذين دوَّنوا المذهب، وخرَّجوا المسائل عليه، وضبطوا أصوله وقواعده، وشرحوا مصطلحاته.

ومنها: استيفاء البحث والمناقشة في المسائل التي اختُلِف فيها في المذهب، حيث يذكر الأدلة من الطرفين، ويذكر ما يرِد عليها، وبعد البحث والمناقشة يرجِّح القول المنصور في المذهب ويحتج له ويطيل في تقرير ذلك، ويردُّ المسائل الضعيفة، وقد يُنكِر صحة نقلها عن الإمام بالاستناد إلى نسخ خطية قديمة متقنة من «مسائل» الإمام بروايات مختلفة.

وقد اهتم المؤلف بشرح الكلمات الغريبة والمصطلحات الشرعية وتوسَّع فيها أحيانًا بذكر الشواهد من الشعر وأقوال أئمة اللغة، وبعض هذه

ص: 26

الشواهد لا توجد في عامة كتب اللغة والفقه. وكأنها كانت من محفوظاته في الصغر. ويتطرَّق في بعض المواضع إلى ذكر مسائل النحو واللغة.

أما أسلوب الشيخ في هذا الكتاب وغيره فهو واضح سهل فصيح يدلُّ على المقصود، لا تعقيد فيه ولا إغلاق ولا تكلُّف كما في بعض كتب الفقه المتأخرة. ويرى الشيخ أن «البلاغة بلوغُ غاية المطلوب أو غاية الممكن من المعاني بأتمِّ ما يكون من البيان، وأما تكلُّف الأسجاع والأوزان والجناس والتطبيق ونحو ذلك مما تكلَّفه متأخِّرو الشعراء والخطباء والمترسّلين والوعّاظ، فهذا لم يكن من دأب خطباء الصحابة والتابعين والفصحاء منهم، ولا كان ذلك مما يهتمُّ به العرب. وغالبُ من يعتمد ذلك يزخرف اللفظ بغير فائدة مطلوبة من المعاني، كالمجاهد الذي يزخرف السلاح وهو جبان»

(1)

.

ويحتوي الكتاب على نقول كثيرة من كتب علماء المذهب الحنبلي التي لم تصلنا، كما يحتفظ بنصوص كثيرة من كتب الحديث والآثار المفقودة، مثل «سنن» سعيد بن منصور (قسم العبادات)، و «تفسير» أبي سعيد الأشج، و «منسك» المرُّوذي عن الإمام أحمد، و «المسند الكبير» لأبي يعلى الموصلي وغيرها، ومجاميع النجّاد وسيأتي ذكرها في موارد المؤلف. وقد أشرنا هناك إلى أن كثيرًا من مسائل الإمام بروايات أصحابه لا توجد في النسخ المطبوعة منها، وأصبح «شرح العمدة» مصدرًا لها، وهذه فائدة جليلة لهذا الكتاب.

ص: 27