الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6. بكاء استشعار مقام النبي صلى الله عليه وسلم
حين يستشعر المؤمن عظم مقام النبي صلى الله عليه وسلم ومكانته بين الرسل وبين خلق الله كلهم، ويستشعر جهاده وحرصه على أمته وما بذله في سبيل انقاذ الأمة مما هي فيه من الضلال يجد الإجلال والتعظيم والمهابة لاسيما من عايشه وخالطه، لذا فإن صحابته يبكون حينما يشعرون بالتقصير في حقه مع ما يعرفون من علو منزلته، كما ورد عن سعيد بن جبير سمع بن عباس رضي الله عنهما يقول يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى بل دمعه الحصى قلت يا أبا عباس ما يوم الخميس قال اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا ما له أهجر استفهموه فقال ذروني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه فأمرهم بثلاث قال أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم والثالثة خير إما أن سكت عنها وإما أن قالها فنسيتها قال سفيان هذا من قول سليمان) (1)
(1) أخرجه البخاري في باب إخراج اليهود من جزيرة العرب وقال عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أقركم ما أقركم الله به ج3/ص1155،، ومسلم باب الوصية لمن ليس له شيء يوصي به 3/1257،، وأبو عوانة في باب الخبر الدال على أن الموصي إذا لم ينصب وصيا 3/ 477، وباب منع المريض من ماله أن يتصدق منه3/478،، والبيهقي في باب لا يسكن أرض الحجاز مشرك 9/207
ومع مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم العظيم إلا أنه كان يتحاشى ما يعلم أنه يسوء أصحابه فلا يضع نفسه موضع الريبة ولا يخالفهم إلى ما ينهاهم عنه ولذا فقد قدر غيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع أنه كان في المنام كما يشهد بذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر قلت لمن هذا القصر قالوا لعمر بن الخطاب فذكرت غيرته فوليت مدبرا قال أبو هريرة فبكى عمر بن الخطاب ثم قال أعليك بأبي أنت وأمي يا رسول الله أغار)(1)
ويزداد المرء إجلالا لمقام النبي صلى الله عليه وسلم حين يقف موقفا وقفه صلى الله عليه وسلم ويتذكر موعظة وعظ بها كما ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (أنه كان واقفا بعرفات فنظر إلى الشمس حين تدلت مثل الترس للغروب فبكى واشتد بكاؤه وتلا قول الله عز وجل ((اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ)) إلى ((الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ)) فقال له عبده يا أبا عبد الرحمن قد وقفت معك مرارا لم تصنع هذا فقال ذكرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بمكاني هذا فقال أيها الناس لم يبق من دنياكم هذه فيما مضى إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه) (2)
(1) أخرجه البخاري كتاب التعبير باب القصر في المنام ج6/ص2576،،كتاب
…
بدء الخلق/ باب ماجاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة3003،، المناقب 3404،،كتاب النكاح /باب الغيرة4826،، وأخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة4409 / فضائل عمر رضي الله تعالى عنه،، وابن ماجة في المقدمة104،، وأحمد في باقي مسند المكثرين 8115
(2)
أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين كتاب التفسير/ في تفسير سورة حم عسق ج2/ص 481، قال الحاكم:" حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"،،
وحين يقارن المرء نفسه وعمله وما بذل بالأنبياء وما عملوا وما بذلوا يستعظم مقامهم ويستصغر نفسه، وحينما يأتي الثناء عليهم ممن يجلون ويعظمون يزدرون أنفسهم فلا يملكون دموعهم إجلالا وإعظاما، وهذا الذي حدث لأبي بكر الصديق حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقته وبذله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر قال فبكى أبو بكر وقال يا رسول الله هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله)(1)
(1) أخرجه النسائي في الكبرى كتاب المناقب / باب في فضل أبي بكر رضي الله عنه 7/293،، والترمذي كتاب المناقب/ باب في مناقب أبي بكر 5/609وابن ماجة في المقدمة ج1/ص36 واللفظ له،، وابن حبان في باب ذكر البيان بأن المصطفى صلى الله عليه وسلم ما انتفع بمال أحد ما انتفع بمال أبي بكر رضوان الله عليه،ج15/ص273،، وأحمد 2/253، 266،،وابن أبي شيبة كتاب الفضائل / باب ما ذكر في أبي بكر الصديق 6/351،، وعبد الرزاق في باب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم11/228 وأبو يعلى في مسند عائشة 7/391، 8/308،، وإسحاق في المسند 2/258،، والحميدي في باب أحاديث عائشة رضي الله عنها8/308،، قال الترمذي:" هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه" قال البصيري في مصباح الزجاجة " هذا إسناد رجاله ثقات"1/16،، قلت: رواته ثقات، لكن فيه عنعنة الأعمش وهو من الطبقة الثانية ممن احتمل الأئمة تدليسهم لإمامتهم..ويشهد له حديث أبي سعيد الخدري قال:" خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله فبكى أبو بكر رضي الله عنه فقلت في نفسي ما يبكي هذا الشيخ إن يكن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العبد وكان أبو بكر أعلمنا قال يا أبا بكر لا تبك إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ومودته لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر" أخرجه البخاري في الصلاة باب الخيمة في المسجد للمرضى وغيرهم ج1/ص177،، ومسلم في فضائل الصحابة 44390 مختصرا
ومن إجلال النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيم مقامه تذكره وتذكر العهد الذي كان بينهم وبينه من الزهد والورع، وحين استشعار عدم البقاء على العهد فإن الدموع تترى، يصور ذلك ما صح عن عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت فبكى طويلا وحول وجهه إلى الجدار فجعل ابنه يقول يا أبتاه أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا قال فأقبل بوجهه فقال:(إن أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إني قد كنت على أطباق ثلاث لقد رأيتني وما أحد أشد بغضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني ولا أحب إلي أن أكون قد استمكنت منه فقتلته فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت ابسط يمينك فلأبايعك فبسط يمينه قال فقبضت يدي قال مالك يا عمرو قال قلت أردت أن أشترط قال تشترط بماذا قلت أن يغفر لي قال أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجل في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة ثم ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار فإذا دفنتموني فشنوا علي التراب شنا ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي)(1)
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان / باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج 2/136،،وابن خزيمة في كتاب المناسك/ باب ذكر البيان أن الحج يهدم ما كان قبله من الذنوب والخطايا 4/131،، وأبو نعيم في المسند المستخرج على صحيح مسلم باب من أحسن في الإسلام ولم يؤاخذ 1/190،، وأبو عوانة في المسند1/70،، والبيهقي في كتاب الجنائز/ باب ما يقال بعد الدفن 4/56،، وأحمد 21620، 21705،21653
ومن تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم كراهية سماع من يسبه أو يقول فيه ما يؤذيه والاضطراب لذلك لدرجة البكاء مهما كانت منزلة القائل ومهما كان قربه من السامع، قد يثير البكاء سببان معا تعظيم مقام - النبي صلى الله علية وسلم- والرحمة والشفقة بالقريب الذي لا يقدر الرسول صلى الله عليه وسلم قدره فيكون متعرضا لسخط الله تعالى كما دل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:(كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي قلت يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اهد أم أبي هريرة فخرجت مستبشرا بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف فسمعت أمي خشف قدمي فقالت مكانك يا أبا هريرة وسمعت خضخضة الماء قال فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثم قالت يا أبا هريرة اشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا عبده ورسوله قال فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته وأنا أبكي من الفرح قال قلت يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرا قال قلت يا رسول الله ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم حبب عبيدك هذا يعني أبا هريرة وأمه إلى عبادك المؤمنين وحبب إليهم المؤمنين فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني)(1)
(1) أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم / باب من فضائل أبي هريرة الدوسي رضي الله عنه 16/ 52،، والحاكم في كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين / باب ذكر أخبار سيد المرسلين 2/600، وأحمد 7911