الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني: البكاء المذموم
كما امتدح الله تعالى الذين يبكون من خشيته أو عند تلاوة كتابه مما أشرت إليه في الباب السابق مفصلا فقد ذم الله جل وعلا وذم رسوله صلى الله عليه وسلم أقواما يبكون لغير مراد مشروع، وقد جاءت صور لذلك البكاء المذموم في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
1- بكاء النياحة
حينما تصيب المؤمن مصيبة من فقد مال أو ولد أو والد أو قريب أو حبيب يأتي الشيطان محزنا فيضيق على العبد دنياه وكأنه يفنى إلى الأبد ولا لقاء في دار أخرى فتنقطع نياط القلب ويجد المصاب في قلبه حسرة ولجوفه زفرة ويحسن له الشيطان إظهار حزنه بالصراخ والعويل وشق الجيب ولطم الخد ويظن أن ذلك يخفف من ألمه أو ينفس عنه، والشيطان لا يزيده بذلك إلا ألما، لذا جاء النهي عن النياحة كما في حديث أبي مالك الأشعري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة وقال النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب)(1)
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز/ باب تحريم النياحة 6/236
وفي ذلك روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (لما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف فيه الحزن قالت وأنا أنظر من صائر الباب شق الباب فأتاه رجل فقال يا رسول الله إن نساء جعفر وذكر بكاءهن فأمره أن يذهب فينهاهن فذهب فأتاه فذكر أنهن لم يطعنه فأمره الثانية أن يذهب فينهاهن فذهب ثم أتاه فقال والله لقد غلبننا يا رسول الله قالت فزعمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اذهب فاحث في أفواههن من التراب قالت عائشة فقلت أرغم الله أنفك والله ما تفعل ما أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم وما تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم من العناء)(1)
وبوب البخاري قال: (باب ما يكره من النياحة على الميت وقال عمر رضي الله عنه دعهن يبكين على أبي سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة والنقع التراب على الرأس واللقلقة الصوت) وذكر فيه حديث المغيرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن كذبا علي ليس ككذب على أحد من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من نيح عليه يعذب بما نيح عليه)(2)
وأخرج فيه حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (جيء بأبي يوم أحد قد مثل به حتى وضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سجي ثوبا فذهبت أريد أن أكشف عنه فنهاني قومي ثم ذهبت أكشف عنه فنهاني قومي فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع فسمع صوت صائحة فقال من هذه فقالوا ابنة عمرو أو أخت عمرو قال فلم تبكي أو لا تبكي فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع)(3)
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز/ باب تحريم النياحة 6/236
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الجنائز/باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه /6/234
…
(3)
ج1/ص434
والمقصود يالنياحة هنا التصويت بالجزع وتكلف البكاء لأجل التحزين، وكان العرب يسمون المشاركة في النياحة إسعادا ويرون واجبا عليهم أن ينوحوا مع من ناح عليهم،كما في حديث أم عطية رضي الله عنها قالت:(بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا أن لا يشركن بالله شيئا ونهانا عن النياحة فقبضت امرأة يدها فقالت أسعدتني فلانة أريد أن أجزيها فما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فانطلقت ورجعت فبايعها)(1)
وفي هذه العادة الجاهلية مناقضة لما جاء به الإسلام من الحث على الصبر والاحتساب لذا جاء النهي عنها والتغليظ والتشديد في النهي كما سبق، ولا يفهم من ترك النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة لتذهب للمشاركة في النياحة أن ذلك إقرار لها، بل هو من عدم قبول بيعتها، وإنما تركها لتعمل عمل الجاهلية لبقائها عليها فلما أنهت علاقتها بالجاهلية وعملها بايعها.
ومما يدل على إنكار النبي صلى الله عليه وسلم للنياحة والإسعاد فيها حديث
أم سلمة قالت: (لما مات أبو سلمة قلت غريب وفي أرض غربة لأبكينه بكاء يتحدث عنه فكنت قد تهيأت للبكاء عليه إذ أقبلت امرأة من الصعيد تريد أن تسعدني فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أتريدين أن تدخلي الشيطان بيتا أخرجه الله منه مرتين فكففت عن البكاء فلم أبك)(2)
(1) أخرجه البخاري في باب إذا جاءكم المؤمنات 4/1856
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الجنائز/ باب البكاء على الميت ج2/ص635،،وأحمد في باقي مسند الأنصار 25267،، وابن أبي شيبة في باب في التعذيب في البكاء على الميت 3/62
وكل ما صاحب البكاء عند المصيبة من شق جيب ولطم خد وتصويت وتلفظ بما يدل على الجزع والسخط يعد من النياحة سواء كان ذلك من المبتلى أو من المساعد له من قرابته، وبعضهم يستأجر من ينوح له ويبكي ميته، وهذا داخل في النهي فعن عبد الله رضي الله عنه قال:(قال النبي صلى الله عليه وسلم ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية)(1)
لذا وعظ النبي صلى الله عليه وسلم المرأة التي تبكي بجزع وأراد عزاءها فلم تستجب حتى لامها من بحضرتها لسوء ردها على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء بذلك الخبر عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال اتقي الله واصبري قالت إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه فقيل لها إنه النبي صلى الله عليه وسلم فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين فقالت لم أعرفك فقال إنما الصبر عند الصدمة الأولى)(2)
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز/ باب ليس منا من شق الجيوب ج1/ص435
(2)
أخرجه البخاري في الأحكام باب ما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له بواب ج6/ص2615،،
وفي الجنائز باب زيارة القبورج1/ص430،وباب قول الرجل للمرأة عند القبر واصبري1/422،، ومسلم في الجنائز باب في الصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى 2/637،، والترمذي في الجنائز 909،، والنسائي في الجنائز1846،،وفي الكبرى باب ما يقول إذا أصابته مصيبة 6/263،، وأبو داود في الجنائز باب الجلوس عند المصيبة3/192 (2717) ،، وابن ماجة في ما جاء في الجنائز1585،وأبو نعيم في المستخرج على صحيح مسلم 3/12،، وأحمد في باقي مسند المكثرين 11868، 12003، 12796،، والبيهقي باب الرغبة في أن يتعزى بما أمر الله تعالى 4/65،،وفي الصغرى باب زيارة القبور3/124،،وأبو يعلى 6/176، 222،، وابن الجعد 1/208