الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4. البكاء عند العجز عن تحصيل شيء من مراضي الله
عندما تتطلع النفوس العالية إلى القمة وترغب في الوصول إلى مرضاة من تحب تزيل كل عقبة في طريقها؛ لكن حينما تكون العقبة عائقة والوصول متعذر تنقطق النفوس إثرها وتخفق القلوب ويفارق العين الكرى فيبيت المؤمن في ألم وحسرة تدمع من شدتها عيون الرجال، كما يصور القرآن هذا المشهد الرائع في سورة التوبة
(وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ)(1)
(1) تفسير ابن كثير ج2/ص383
وكما يبكي الصالحون على فوات فضل أو منزلة عند الله، فقد بكى قبلهم من هو خير منهم من الأنبياء والمرسلين كبكاء موسى صلى الله عليه وسلم لما فاته من كثرة التابعين الذين رآهم مع محمد صلى الله عليه وسلم، روى في الصحيح عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رضي الله عنهما أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به بينما أنا في الحطيم وربما قال في الحجر مضطجعا إذ أتاني آت فقد قال وسمعته يقول فشق ما بين هذه إلى هذه فقلت للجارود وهو إلى جنبي ما يعني به قال من ثغرة نحره إلى شعرته وسمعته يقول من قصه إلى شعرته فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض فقال له الجارود هو البراق يا أبا حمزة قال أنس نعم يضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا الخالة قال هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما فسلمت فردا ثم قالا مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت إذا يوسف قال هذا يوسف فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل أو قد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم
المجيء جاء ففتح فلما خلصت إلى إدريس قال هذا إدريس فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى الله عليه وسلم قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء فلما خلصت فإذا هارون قال هذا هارون فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل من معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قال مرحبا به فنعم المجيء جاء فلما خلصت فإذا موسى قال هذا موسى فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح فلما تجاوزت بكى قيل له ما يبكيك قال أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي ثم صعد بي إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال نعم قال مرحبا به فنعم المجيء جاء فلما خلصت فإذا إبراهيم قال هذا أبوك فسلم عليه قال فسلمت عليه فرد السلام قال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح ثم رفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا ورقها مثل آذان الفيلة قال هذه سدرة المنتهى وإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران فقلت ما هذان يا جبريل قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات ثم رفع لي البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل فأخذت اللبن فقال هي الفطرة أنت عليها وأمتك ثم فرضت علي الصلوات خمسين صلاة كل يوم فرجعت فمررت على موسى فقال بم أمرت قال أمرت بخمسين صلاة كل يوم قال أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم وإني والله قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى
فقال مثله فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم فرجعت فقال مثله فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال بما أمرت قلت أمرت بخمس صلوات كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال سألت ربي حتى استحييت ولكن أرضى وأسلم قال فلما جاوزت نادى مناد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي) (1)
(1) أخرجه البخاري باب المعراج ج:3 ص: 1410،،ومسلم في الإيمان باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم 1/150،، وأبو نعيم في المستخرج 1/233،، وأبو عوانة باب كراهية الألحان في القرآن 1/108 وابن حبان في باب ذكر وصف الإسراء1/238،، والترمذي في تفسير القرآن 3269وأحمد4/209،، والطبراني في الكبير19/224
وكما بكى سعد بن أبي وقاص خوفا من الموت في أرض غير التي هاجر إليها فعن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن ثلاثة من ولد سعد كلهم يحدثه عن أبيه (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على سعد يعوده بمكة فبكى قال ما يبكيك فقال قد خشيت أن أموت بالأرض التي هاجرت منها كما مات سعد بن خولة فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اشف سعدا اللهم اشف سعدا ثلاث مرار قال يا رسول الله إن لي مالا كثيرا وإنما يرثني ابنتي أفأوصي بمالي كله قال لا قال فبالثلثين قال لا قال فالنصف قال لا قال فالثلث قال الثلث والثلث كثير إن صدقتك من مالك صدقة وإن نفقتك على عيالك صدقة وإن ما تأكل امرأتك من مالك صدقة وإنك أن تدع أهلك بخير أو قال بعيش خير من أن تدعهم يتكففون الناس وقال بيده)(1)
(1) أخرجه مسلم في باب الوصية بالثلث 3/1252 بهذا اللفظ،،وأخرجه البخاري باب رثى النبي سعد بن خولة 1/435،،وباب قول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم أمض لأصحابي هجرتهم 3/1431،، باب حجة الوداع 4/1600،، باب الدعاء برفع الوباء والوجع 5/2343،، وباب قول النبي صلى الله عليه وسلم من ترك مالا فلأهله6/2476،، وابن خزيمة باب ذكرالدلائل الأخرى 4/61
وقد يكون المانع من تحصيل ما حصله الآخرون من الأجر لا إراديا كأن تحيض المرأة في أيام فاضلة يصومها الناس كيوم عرفة أو عاشوراء أو تريد التمتع بالحج فلا تتمكن من ذلك لأجل الحيض فحينئذ تستشرف النفس ويحال بينها وبين ما تشتهي فتندفع العين بالدمع سحا، كما كان من شأن عائشة رضي الله عنها قالت:(خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشهر الحج وليالي الحج وحرم الحج فنزلنا بسرف قالت فخرج إلى أصحابه فقال من لم يكن منكم معه هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل ومن كان معه الهدي فلا قالت فالآخذ بها والتارك لها من أصحابه قالت فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجال من أصحابه فكانوا أهل قوة وكان معهم الهدي فلم يقدروا على العمرة قالت فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال ما يبكيك يا هنتاه قلت سمعت قولك لأصحابك فمنعت العمرة قال وما شأنك قلت لا أصلي قال فلا يضيرك إنما أنت امرأة من بنات آدم كتب الله عليك ما كتب عليهن فكوني في حجتك فعسى الله أن يرزقكيها قالت فخرجنا في حجته حتى قدمنا منى فطهرت ثم خرجت من منى فأفضت بالبيت قالت ثم خرجت معه في النفر الآخر حتى نزل المحصب ونزلنا معه فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال اخرج بأختك من الحرم فلتهل بعمرة ثم افرغا ثم ائتيا ها هنا فإني أنظركما حتى تأتياني قالت فخرجنا حتى إذا فرغت وفرغت من الطواف ثم جئته بسحر فقال هل فرغتم فقلت نعم فآذن بالرحيل في أصحابه فارتحل الناس فمر متوجها إلى المدينة)(1)
(1) أخرجه البخاري في الحج باب قول الله تعالى الحج أشهر معلومات فمن فرض 2/565،،وفي الحيض285، 294، 305، 306، 308،، وفي الجهاد والسير2733، 2762، 2763، وفي المغازي 4044، 4056، وفي الأضاحي 5122، 5133، وفي التمني 6688، ومسلم في الحج 2108، 2109، 2110، 2111، 2112، 2113، 2114، 2115، 2116، 2117، 2118، 2119، 2120، 2121، 2122، 2123، 2124، 2125، 2126، 2353، 2354، 2355، 2356، 2357،،وابن حبان باب ذكر البيان بأن الأخبار الثلاثة التي ذكرناها9/105،باب الموضع الذي أمرهم المصطفى 226 وأخرجه الترمذي في الحج 856، 867،، والنسائي في الظهارة288،،وفي الحيض صحيح مسلم ج1/ص263
وفي الاستحاضة346،،وفي مناسك الحج2691، 2713، 2753،، وأبو داود في المناسك 1518، 1704،، وابن ماجة في الناسك 2954، 2990،، وأحمد 22972، 23030، 23419، 23730، 23785، 24143، 24269، 24654، 24891، 24958، 25097، 25139،، والدارمي في المناسك 1788
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبس أمته جمعا لئلا يفوت زوجته فضل ذهب الناس به، وحرمت منه وبقي قلبها متعلقا به فيا له من خلق عظيم وتقدير كريم تتقاصر دونه كل هامات العالم الزاعم كفالة حقوق المرأة.
ومثل هذا ما روته عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن أم حبيبة بنت جحش ختنه (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحت عبد الرحمن بن عوف استحيضت سبع سنين فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذه ليست بالحيضة ولكن هذا عرق فاغتسلي وصلي قالت عائشة فكانت تغتسل في مركن في حجرة أختها زينب بنت جحش حتى تعلو حمرة الدم الماء قال بن شهاب فحدثت بذلك أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقال يرحم الله هندا لو سمعت بهذه الفتيا والله إن كانت لتبكي لأنها كانت لا تصلي) (2) يعني أنها كانت تبكي لأنها كانت تشعر بالعجز عن تحصيل مرضاة الله بالصلاة لكثرة ما كانت تستحاض فتدع الصلاة ظنا منها أن سائر خروج الدم مهما طال يمنع المرأة من الصلاة.
(1) الختن أبوالمرأة والختنة أمها، والمخاتنة: المصاهرة. المصباح المنير164
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الحيض حديث رقم (503) 1/263