المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌ بكاء الجماد

وفرح أبي بن كعب بأمر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يقرأ عليه سورة البينة وتسميته له حتى بكى من الفرح، كما حدث بذلك أنس بن مالك رضي الله عنه قال:(قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي إن الله أمرني أن أقرأ عليك لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب قال وسماني قال نعم فبكى)(1)

وهل من شيء خير للمؤمن من أن يذكره الله تعالى ويخصه بخصوصية ينفرد بها عن غيره.

‌أنواع أخرى من البكاء

-‌

‌ بكاء الشياطين

كما أن البشر يبكون، فالشياطين أيضا تبكي، حدث أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قرأ بن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويله وفي رواية أبي كريب يا ويلي أمر بن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار)(2)

-‌

‌ بكاء الجماد

قال الله تعالى ((فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ)) (3)

(1) أخرجه البخاري باب مناقب أبي بن كعب ج3/ص1385،، وباب تفسير سورة لم يكن البينة 4/1896،، ومسلم في باب استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل.. 1/550،، وفي كتاب فضائل الصحابة/ باب من فضائل أبي بن كعب وجماعة من الأنصار4/1915،، وأبو نعيم في المسند المستخرج عل مسلم 2/390،، والترمذي في باب مناقب معاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبي وأبي عبيدة بن الجراح ج5/ص664،، والنسائي في الكبرى باب سورة البينة 6/520

(2)

أخرجه مسلم في كتاب الإيمان/ باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة ج1/ص87،، وابن خزيمة في باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود 1/276،، وابن حبان في باب سجود التلاوة 6/465،، وأبو نعيم في المسند المستخرج باب إذا قرأ ابن آدم السجدة 1/159،، وابن ماجة في باب سجود التلاوة 1/334،، وأبو عوانة باب التسليم بعد سجدتي السهو2/206،، وسعيد بن منصور في باب قوله تعالى " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم

" 2/553

(3)

سورة الدخان 29

ص: 98

قال ابن كثير:" أي لم تكن لهم أعمال صالحة تصعد في أبواب السماء فتبكي على فقدهم ولا لهم في الأرض بقاع عبدوا الله تعالى فيها فقدتهم فلهذا استحقوا أن لا ينظروا ولا يؤخروا لكفرهم وإجرامهم وعتوهم وعنادهم"(1) وحمل كثير من أهل العلم هذا على الحقيقة قال الطبري: "عن سعيد بن جبير قال أتى بن عباس رجل فقال يا أبا عباس أرأيت قول الله تبارك وتعالى (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ) فهل تبكي السماء والأرض على أحد قال نعم إنه ليس أحد من الخلائق إلا له باب في السماء منه ينزل رزقه وفيه يصعد عمله فإذا مات المؤمن فأغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله وينزل منه رزقه بكى عليه وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها ويذكر الله فيها بكت عليه وإن قوم فرعون لم يكن لهم في الأرض آثار صالحة ولم يكن يصعد إلى السماء منهم خير قال فلم تبك عليهم السماء والأرض" وذكر ذلك عن عدد من التابعين منهم مجاهد وسعيد بن جبير (2) وذهب بعضهم إلى أن ذلك من المجاز قال الشيخ السعدي:" هذا التعبير مجاز عن عدم الاكتراث بهلاكهم والاعتداد بوجودهم وفيه تهكم بهم وبحالهم المنافية لحال من يعظم فقده فيقال عنه بكت عليه السماء والأرض ومنه ما روي أن المؤمن إذا مات ليبكي عليه مصلاه ومحل عبادته ومصاعد عمله ومهابط رزقه وآثاره في الأرض وعن الحسن يبكي عليه أهل السماء والأرض "(3)

(1) تفسير ابن كثير ج4/ص143

(2)

جامع البيان 25/125

(3)

تفسير السعدي ج1/ص552

ص: 99

وقد دلت السنة على أن الجماد يبكي إذا استدعاه حدث للبكاء إلا أن البشر لا يدركون بكاءه كما لا يدركون تسبيحهم، ومن الأدلة على بكاء الجماد بكاء النخلة التي كان صلى الله عليه وسلم يخطب عندها، أخبر جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة فقالت امرأة من الأنصار أو رجل يا رسول الله ألا نجعل لك منبرا قال إن شئتم فجعلوا له منبرا فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر فصاحت النخلة صياح الصبي ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم فضمها إليه تئن أنين الصبي الذي يسكن قال كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها)(1)

قال ابن حجر: " قال البيهقي: قصة حنين الجذع من الأمور الظاهرة التي حملها السلف عن الخلف، ورواية الأخبار الخاصة فيها كالتكلف. وفي الحديث دلالة على أن الجمادات قد يخلق الله لها إدراكا كالحيوان بل كأشرف الحيوان، وفيه تأييد لقول من يحمل (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) (2) على ظاهره. "(3)

(1) أخرجه البخاري في باب علامات النبوة ج3/ص1314،، صحيح ابن خزيمة باب ذكر العلة التي لها حن الجذع عند قيام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وصفة منبر النبي صلى الله عليه وسلم ج3/ص140،، وابن حبان في ذكر حنين الجذع الذي كان يخطب عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم لما فارقه 14/435،، والترمذي في باب ماجاء في الخطبة على المنبر 2/379،، وابن ماجة في باب ما جاء في بدء المنبر 1/455،، والبيهقي في باب مقام الإمام في الخطبة 3/195،، والدارمي في باب ما أكرم النبي صلى الله عليه وسلم بحنين

1/30، وباب مقام الإمام إذا خطب.. 1/442

(2)

سورة الإسراء آية 44

(3)

فتح الباري 6/603

ص: 100