المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أقوال العلماء في البكاء على الميت - البكاء في الكتاب والسنة

[رقية المحارب]

الفصل: ‌أقوال العلماء في البكاء على الميت

وفي هذا الحديث بكاء حفصة وبكاء عائشة رضي الله عنهما على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولو كانتا تعلمان نكرا في ذلك لم تفعلاه.

وقد يكون دافع البكاء الخوف على الميت من سوء العاقبة، فإذا علم أهل الميت حسن خاتمته أو رجوا له عملا صالحا طابت نفوسهم لما يعلمون له من الكرامة كما جاء في حديث أنس بن مالك أن أم الربيع بنت البراء وهي أم حارثة بن سراقة (أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غرب فإن كان في الجنة صبرت وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء قال يا أم حارثة إنها جنان في الجنة وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى)(1)

‌أقوال العلماء في البكاء على الميت

قال أبو جعفر الطحاوي "فذهب قوم إلى كراهة البكاء على الميت واحتجوا في ذلك بهذا الحديث وبما قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه"(2)

قال الشيرازي: (ويجوز البكاء على الميت من غير ندب ولا نياحة لما روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا إبراهيم إنا لا نغني عنك من الله شيئا ثم ذرفت عيناه فقال له عبد الرحمن بن عوف يا رسول الله أتبكي أو لم تنه عن البكاء قال لا ولكن نهيت عن النوح ولا يجوز لطم الخدود وشق الجيوب لما روى عبد الله ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية)(3)

(1) أخرجه البخاري في باب من أتاه سهم غرب فقتله ج3/ص1034،، وابن حبان في باب ذكر إيجاب الجنة لمن قتل في الحرب نظارا وإن لم يرد به القتال ولا قاتل ج10/ص520،، والترمذي في التفسير باب ومن سورة المؤمنون 5/327،، وأحمد في باقي مسند المكثرين 11804، 12723، 12773، 13244، 13287، 13368، 13500، 13504،، والنسائي في الكبرى 5/65،، والبيهقي باب من أتاه سهم غرب فقتله ج9/ص167

(2)

شرح معاني الآثار ج4: ص291

(3)

المهذب ج1:ص139

ص: 74

قال النووي: " قال الشافعي والأصحاب البكاء على الميت جائز قبل الموت وبعده ولكن قبله أولى لحديث جابر بن عتيك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب فصاح النسوة وبكين فجعل ابن عتيك يسكتهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعهن فإذا وجب فلا تبكين باكية قالوا وما الوجوب يا رسول الله قال الموت)(1)

(1) أخرجه أبو داود باب فضل من مات في الطاعون ج3/ص188،، والنسائي باب النهي عن البكاء على الميت 4/13،،،،وفي الكبرى باب في النهي عن البكاء على الميت 1/606،، والشافعي في المسند 1/362،والأم 1/318،،والحاكم في الجنائز 1/503،، وابن حبان في ذكر البيان بأن المصطفى لم يرد بقوله الشهداء خمسة 7/461، وباب ذكر الخصال التي تقوم مقام الشهادة7/463،، والبيهقي في باب من رخص في البكاء إلى أن يموت الذي يبكى 4/69، وباب سياق أخبار تدل على جواز البكاء4/70،، من طريق عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك عن عتيك بن الحرث بن عتيك وهو جد عبد الله بن عبد الله أبو أمه أنه أخبره أن عمه جابر بن عتيك أخبره...... قال النووي:" حديث صحيح رواه مالك في الموطأ والشافعي وأحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم بأسانيد صحيحة" وتقدم في المتن.

قلت: إسناد أبي داوود حسن فإن عتيك بن الحارث بن عتيك مقبول كما في التقريب.

وأخرجه النسائي في باب من خان غازيا في أهله 6/51 من طريق جعفر بن عون عن أبي عميس عن عبد الله بن عبد الله بن جبر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد جبرا.. وفي هذه الرواية اختلاف.

ص: 75

حديث صحيح رواه مالك في الموطأ والشافعي وأحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم بأسانيد صحيحة ولفظ الشافعي في الأم:"وأرخص في البكاء قبل الموت فإذا مات أمسكن"(1) قال النووي: "وقال صاحب الشامل وطائفة يكره البكاء بعد الموت لظاهر الحديث في النهي ولم يقل الجمهور ويكره وإنما قالوا الأولى تركه قالوا وهو مراد الحديث ولفظ الشافعي محتمل هذا كله في البكاء بلا ندب ولا نياحة أما الندب والنياحة ولطم الخد وشق الجيب وخمش الوجه ونشر الشعر والدعاء بالويل والثبور فكلها محرمة باتفاق الأصحاب وصرح الجمهور بالتحريم ووقع في كلام بعضهم لفظ الكراهة وكذا وقع لفظ الكراهة في نص الشافعي في الأم وحملها الأصحاب على كراهة التحريم وقد نقل جماعة الإجماع في ذلك قال إمام الحرمين رحمه الله ورفع الصوت بإفراط في معنى شق الجيب قال غيره هذا إذا كان مختارا فإن كان مغلوبا لم يؤاخذ به لأنه غير مكلف"(2)

واختلف العلماء في أحاديث تعذيب الميت بالبكاء فتأولوها على وجوه:

- فتأولها المزني والشافعية وجمهور العلماء على من وصى أن يبكى عليه ويناح بعد موته فنفذت وصيته فهذا يعذب ببكاء أهله عليه ونوحهم لأنه بسببه ومنسوب إليه قالوا فأما من بكى عليه أهله وناحوا من غير وصية منه فلا يعذب ببكائهم ونوحهم لقوله تعالى: ((وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)) (3)

- وقالت طائفة هو محمول على من أوصى بالبكاء والنوح أو لم يوص بتركهما فمن أوصى بهما أو أهمل الوصية بتركهما يعذب بهما لتفريطه بإهماله الوصية بتركهما فأما من أوصى بتركهما فلا يعذب بهما إذ لا صنع له فيهما ولا تفريط وحاصل هذا القول إيجاب الوصية بتركهما فمن أهملها عذب بهما

(1) الأم 1/318

(2)

المجموع 5/272

(3)

سورة الإسراء آية 15

ص: 76

- وقالت طائفة معنى الأحاديث أنهم كانوا ينوحون على الميت ويندبونه بتعديد شمائله ومحاسنه في زعمهم وتلك الشمائل قبائح في الشرع فيعذب بها كما كانوا يقولون يا مرمل النسوان ومؤتم الولدان مخرب العمران ومفرق الأخدان ونحو ذلك مما يرونه شجاعة وفخرا وهو حرام شرعا

- وقالت طائفة معناه أنه يعذب بسماعه بكاء أهله ويرق لهم وإلى هذا ذهب محمد بن جرير وغيره قال القاضي عياض: وهو أولى الأقوال. واحتجوا بحديث فيه "أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر امرأة عن البكاء على أبيها وقال إن أحدكم إذا بكى استعبر له صويحبه فيا عباد الله لا تعذبوا إخوانكم."

- وقالت عائشة رضي الله عنها معنى الحديث أن الكافر وغيره من أصحاب الذنوب يعذب في حال بكاء أهله عليه بذنبه لا ببكائهم

والصحيح من هذه الأقوال ما قدمناه عن الجمهور وأجمعوا كلهم على اختلاف مذاهبهم أن المراد بالبكاء بصوت ونياحة لا مجرد دمع العين والله أعلم (1)

وقال النووي: "والندب حرام وهو أن يعد شمائل الميت فيقال واكهفاه واجبلاه ونحو ذلك، والنياحة حرام والجزع بضرب الخد وشق الثوب ونشر الشعر حرام وإذا فعل أهل الميت شيئا من ذلك لا يعذب الميت والحديث فيه متأول على من أوصى بالنياحة عليه"(2)

قال ابن قدامة: " أما البكاء بمجرده فلا يكره في حال"(3)

(1) ذكرهذه الأقوال جميعا النووي في المجموع ج5/ص272- 275

(2)

روضة الطالبين ج2:ص145

(3)

المغني 3/487

ص: 77

ومن خلال دراستي للأحاديث تبين لي أن البكاء على الميت حزنا دون تسخط ولا جزع ولا ندب جائز بدليل فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كما سبق أن ذكرته ولا فرق في ذلك بين ما كان قبل الموت أو بعده، أما حديث جابر بن عتيك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:(جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب فصاح به رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبه فاسترجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال غلبنا عليك يا أبا الربيع فصاح النسوة وبكين فجعل بن عتيك يسكتهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعهن فإذا وجب فلا تبكين باكية قالوا وما الوجوب يا رسول الله قال الموت قالت ابنته والله إن كنت لأرجو أن تكون شهيدا فإنك كنت قد قضيت جهازك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل قد أوقع أجره على قدر نيته وما تعدون الشهادة قالوا القتل في سبيل الله تعالى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله المطعون شهيد والغرق شهيد وصاحب ذات الجنب شهيد والمبطون شهيد وصاحب الحريق شهيد والذي يموت تحت الهدم شهيد والمرأة تموت بجمع شهيدة)(1)

(1) أخرجه أبو داود باب فضل من مات في الطاعون ج3/ص188،، والنسائي باب النهي عن البكاء على الميت 4/13،،،،وفي الكبرى باب في النهي عن البكاء على الميت 1/606،، والشافعي في المسند 1/362،،والحاكم في الجنائز 1/503،، وابن حبان في ذكر البيان بأن المصطفى لم يرد بقوله الشهداء خمسة 7/461، وباب ذكر الخصال التي تقوم مقام الشهادة7/463،، والبيهقي في باب من رخص في البكاء إلى أن يموت الذي يبكى 4/69، وباب سياق أخبار تدل على جواز البكاء4/70،، من طريق عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك عن عتيك بن الحرث بن عتيك وهو جد عبد الله بن عبد الله أبو أمه أنه أخبره أن عمه جابر بن عتيك أخبره.......قال النووي:" حديث صحيح رواه مالك في الموطأ والشافعي وأحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم بأسانيد صحيحة" وتقدم في المتن.

قلت: إسناد أبي داوود حسن فإن عتيك بن الحارث بن عتيك مقبول كما في التقريب.

وأخرجه النسائي في باب من خان غازيا في أهله 6/51 من طريق جعفر بن عون عن أبي عميس عن عبد الله بن عبد الله بن جبر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد جبرا.. وفي هذه الرواية اختلاف.

ص: 78

والمقصود بالبكاء الذي نهين عنه هنا البكاء بصوت لقوله "فصاح" والصياح هو الصوت مع البكاء (1) ، وبهذا يمكن الجمع بين الأحاديث الدالة على بكاء النبي صلى الله عليه وسلم وإقراره بكاء أصحابه.

أما حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه)(2) فقد أجاب عنه العلماء بأن عائشة رضي الله عنها أجابت عنه بقولها: (يغفر الله لأبي عبد الرحمن أما إنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكى عليها فقال إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها) وذلك في حديث ابن عمر السابق نفسه كما جاء مطولا عند البخاري ومسلم وغيرهما (3)، وروى الطحاوي الحديث من رواية لعائشة رضي الله عنها قالت:(أما والله ما تحدثون هذا الحديث عن الكاذبين ولكن السمع يخطئ وإن لكم في القرآن لما يشفيكم ألا تزر وازرة وزر أخرى ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله عز وجل ليزيد الكافر عذابا ببعض بكاء أهله عليه)(4)

(1) ينظر هامش 4

(2)

أخرجه البخاري في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يعذب الميت 1/432،، ومسلم في باب الميت يعذب2/639، 640، 641، 643،،وأبو داود في النوح على الميت1/609،،والنسائي في النياحة على الميت 4/17،،وفي الكبرى باب النياحة على الميت 1/609،، والترمذي في باب ماجاء في الرخصة في البكاء على الميت 3/382،،والشافعي في المسند 1/182،، وابن حبان في ذكر الأخبار بتعذيب الله موتى الكفرة بما نيح عليهم 7/393،،والحاكم في كتاب العتق 2/234، وفي تفسير سورة النجم 2/511،، وأبو نعيم في المسند المستخرج على صحيح مسلم باب كراهية النياحة على الميت3/12، 13، 14، 15،، والبيهقي في باب سيلق أخبار تدل على أن الميت يعذب بالنياحة4/72، 73،، والربيع في المسند باب في القبور 1/195

(3)

تقدم تخريجه في الهامش السابق

(4)

شرح معاني الآثار ج4:ص292

ص: 79

فلا بأس بالبكاء على الميت إذا كان بكاء لا معصية معه من قول فاحش ولا نياحة دليل ذلك ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (اشتكى سعد بن عبادة شكوى له فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود فلما دخل عليه وجده في غشيته فقال قد قضى فقالوا لا والله يا رسول الله فبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى القوم بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بكوا فقال ألا تسمعون أن الله تعالى لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم)(1)

(1) أخرجه البخاري في باب البكاء عند المريض 1/439،، باب الإشارة في الطلاق 5/2028،، ومسلم في باب البكاء على الميت 2/636،،وابن حبان في ذكر الإخبار بأن المرء مؤاخذ عندما امتحن 7/431،، وأبو نعيم في المسند المستخرج على صحيح مسلم3/10،، والبيهقي في باب سياق أخبار تدل على جواز البكاء على الميت 3/111،، وفي السنن الصغرى في باب البكاء على الميت 3/155

ص: 80

وتحزن المرأة حين يفارقها زوجها أو تشعر بأنها أسخطته، وكلما كانت له أكثر حبا كان حزنها لفراقه أكثر وندمها على إسخاطه أشد وأوجع كما بلغ الحزن من زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم مبلغا عظيما حين أسخطنه وهجرهن، بل اشتد ذلك على أهلهن وذويهن وعامة المسلمين كما أخبر ابن عباس (لبثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت أهابه فنزل يوما منزلا فدخل الأراك فلما خرج سألته فقال عائشة وحفصة ثم قال كنا في الجاهلية لا نعد النساء شيئا فلما جاء الإسلام وذكرهن الله رأينا لهن بذلك علينا حقا من غير أن يدخلهن في شيء من أمورنا وكان بيني وبين امرأتي كلام فأغلظت لي فقلت لها وإنك لهناك قالت تقول هذا لي وابنتك تؤذي النبي صلى الله عليه وسلم فأتيت حفصة فقلت لها إني أحذرك أن تعصي الله ورسوله وتقدمت إليها في أذاه فأتيت أم سلمة فقلت لها فقالت أعجب منك يا عمر قد دخلت في أمورنا فلم يبق إلا أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه فرددت وكان رجل من الأنصار إذا غاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدته أتيته بما يكون وإذا غبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد أتاني بما يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من حول رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقام له فلم يبق إلا ملك غسان بالشام كنا نخاف أن يأتينا فما شعرت إلا بالأنصاري وهو يقول إنه قد حدث أمر قلت له وما هو أجاء الغساني قال أعظم من ذاك طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه فجئت فإذا البكاء من حجرهن كلها وإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد صعد في مشربة له وعلى باب المشربة وصيف فأتيته فقلت استأذن لي فأذن لي فدخلت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم على حصير قد أثر في جنبه وتحت رأسه مرفقة من آدم حشوها ليف وإذا أهب معلقة وقرظ فذكرت الذي قلت لحفصة وأم سلمة والذي ردت علي أم سلمة فضحك رسول الله صلى

ص: 81