الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ السَّبَبِ الَّذِي أَخَّرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ الَّتِي نَامَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ عَنْهَا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي أَخَّرَهَا إِلَيْهِ مَا هُوَ قَدْ ذَكَرْنَا فِي الْآثَارِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا فِي الْبَابِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِيهِ نَوْمَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ عَنْ هَذِهِ الصَّلَاةِ حَتَّى
طَلَعَتْ عَلَيْهِمُ الشَّمْسُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَخَّرَهَا حَتَّى اسْتَعْلَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، فَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّ تَأْخِيرَهُ إِيَّاهَا كَانَ لِيَخْرُجَ عَنْهُ الْوَقْتُ الَّذِي لَا يَحِلُّ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَيَدْخُلَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ الَّذِي تَحِلُّ فِيهِ الصَّلَاةُ وَهُمْ: أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ مُخَالِفُونَ، مِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ، فَقَالُوا: إِنَّمَا كَانَ سَبَبُ تَأْخِيرِهِ إِيَّاهَا لِحُضُورِ الشَّيْطَانِ كَانَ إِيَّاهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَادِي، لِيَخْرُجُوا عَنْهُ إِلَى مَا سِوَاهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ ذَلِكَ الشَّيْطَانُ، وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ
3988 -
مَا حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:" عَرَّسَ بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرْجِعَهُ مِنْ خَيْبَرَ، فَقَالَ: " مَنْ يَحْفَظُ عَلَيْنَا صَلَاتَنَا؟ " فَقَالَ بِلَالٌ: أَنَا، فَنَامُوا، فَمَا اسْتَيْقَظُوا
⦗ص: 155⦘
إِلَّا بِالشَّمْسِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" تَحَوَّلُوا عَنْ هَذَا الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَتْكُمْ فِيهِ الْغَفْلَةُ " ثُمَّ قَالَ: " يَا بِلَالُ أَنِمْتَ؟ " قَالَ: أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِأَنْفُسِكُمْ ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ، وَأَقَامَ وَصَلَّى، ثُمَّ قَالَ:" مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا " ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ اللهَ عز وجل قَالَ: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] "
3989 -
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ:" عَرَّسْنَا لَيْلَةً مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ "
⦗ص: 156⦘
فَأَخَذَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنَّا بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا نَزَلْنَا، صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم "
3990 -
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ:" ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى الْغَدَاةَ "
3991 -
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه:" أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَرَّسَ ذَاتَ لَيْلَةٍ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى ضَرَبَتْهُمُ الشَّمْسُ، فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: " هَذَا مَنْزِلٌ بِهِ شَيْطَانٌ " فَاقْتَادَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَاقْتَادَ أَصْحَابُهُ حَتَّى ارْتَفَعَ الضُّحَى، ثُمَّ أَنَاخَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، فَأَمَّهُمْ، فَصَلَّى الصُّبْحَ "
⦗ص: 157⦘
قَالُوا: فَإِنَّمَا كَانَ تَأْخِيرُهُ الصَّلَاةَ لِمَكَانِ الشَّيْطَانِ الَّذِي كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، لَا لِأَنَّهُ فِي وَقْتٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْضِيَهَا فِيهِ، وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ، نَظَرْنَا فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْهُ، فَوَجَدْنَا حُضُورَ الشَّيْطَانِ مِمَّا لَا يَمْنَعُ مِنَ الصَّلَاةِ، إِذْ كَانَ قَدْ عَرَضَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا لِذَلِكَ، وَكَانَ مِنْهُ إِلَيْهِ فِيهَا، وَمِنَ اسْتِتْمَامِهِ إِيَّاهَا حَتَّى فَرَغَ مِنْهُمَا
3992 -
مَا قَدْ حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ ح وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ:" قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ: " أَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ " ثُمَّ قَالَ: " أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللهِ " ثَلَاثًا، ثُمَّ بَسَطَ يَدَهُ كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ سَمِعْنَاكَ تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ شَيْئًا لَمْ نَسْمَعْكَ تَقُولُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَرَأَيْنَاكَ بَسَطْتَ يَدَكَ، قَالَ: " إِنَّ عَدُوَّ اللهِ إِبْلِيسَ جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي، فَقُلْتُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ، ثُمَّ قُلْتُهَا، فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ، ثُمَّ قُلْتُ ذَلِكَ، فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ، ثُمَّ قُلْتُ: أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللهِ التَّامَّةِ، فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ، ثُمَّ قُلْتُهَا، فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ، ثُمَّ قُلْتُ ذَلِكَ فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ، ثُمَّ أَرَدْتُ أَخْذَهُ، وَلَوْلَا دَعْوَةُ أَخِينَا سُلَيْمَانَ، لَأَصْبَحَ مُوَثَّقًا يَلْعَبُ بِهِ وَلَدَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ "
⦗ص: 158⦘
فَاسْتَحَالَ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كَانَ تَرْكُهُ صلى الله عليه وسلم لِلصَّلَاةِ كَانَ لِذَلِكَ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو قَتَادَةَ وَعِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ فِي حَدِيثَيْهِمَا اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي ذَلِكَ الْبَابِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَخَّرَ الصَّلَاةَ إِلَى أَنِ ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّاهَا، فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ تَأْخِيرَهُ إِيَّاهَا كَانَ عِنْدَهُمَا إِلَى ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ، لَا لِمَا سِوَى ذَلِكَ فَقَالَ الْآخَرُونَ: فَإِنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ خَرَجَ الْوَقْتُ الْمَنْهِيُّ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ رُوَاتِهِ: فَمَا أَيْقَظَهُمْ إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ فَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى ارْتِفَاعِهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَيْقِظُوا مِنْ نَوْمِهِمْ فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عز وجل وَعَوْنِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الشَّمْسُ طَلَعَتْ بِحَرَارَتِهَا كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ بِالْحِجَازِ فِي حَرِّهَا إِلَى الْآنَ، وَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ كَذَلِكَ، لَمَا كَانَ لِذِكْرِ أَبِي قَتَادَةَ وَعِمْرَانَ لِارْتِفَاعِهَا مَعْنًى وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي ذَلِكَ الْبَابِ مِمَّا يُوجِبُهُ النَّظَرُ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِمَّا نَحْنُ مُسْتَغْنُونَ بِهِ عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا وَاللهَ عز وجل نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ جَوَابِهِ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ لَمَّا تَلَا صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46]، فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ بِقَوْلِهِ لَهُ: " وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ "
3993 -
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ:" {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] ، فَقُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الثَّانِيَةَ: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] ، فَقُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ فَقَالَ الثَّالِثَةَ: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] ، فَقُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: " وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي الدَّرْدَاءِ "
⦗ص: 160⦘
فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ لِنَقِفَ عَلَى الْمُرَادِ بِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَوَجَدْنَا خَوْفَ مَقَامِ الرَّبِّ عز وجل مَرْتَبَةً جَلِيلَةً، وَوَجَدْنَا ثَوَابَهَا عِنْدَهُ عز وجل ثَوَابًا عَظِيمًا، وَوَجَدْنَاهَا تَمْنَعُ مِنْ صَغِيرِ مَعَاصِي اللهِ عز وجل وَمِنْ كَبِيرِهَا، وَكَمَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللهِ عز وجل:{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46]، قَالَ: إِذَا هَمَّ بِمَعْصِيَةٍ فَذَكَرَ مَقَامَ اللهِ عز وجل عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، تَرَكَهَا
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ الصَّائِغُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ:{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46]، قَالَ: " الرَّجُلُ يَهُمُّ
⦗ص: 161⦘
بِالْمَعْصِيَةِ، فَيَذْكُرُ اللهَ عز وجل فَيَدَعُهَا " وَكَانَ مُحَالًا أَنْ يُخَالِطَ ذَلِكَ الْخَوْفُ مِنْ مَقَامِ اللهِ عز وجل مَنْ يَرْكَبُ الزِّنَى وَالسَّرِقَةَ، فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الزِّنَى وَالسَّرِقَةَ اللَّذَيْنِ أُرِيدَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّمَا هُمَا زِنًى وَسَرِقَةٌ قَدْ كَانَا فِي حَالٍ مِمَّنْ كَانَا مِنْهُ، ثُمَّ زَالَ عَنْ ذَلِكَ الْحَالِ إِلَى خَوْفِ مَقَامِ رَبِّهِ عز وجل الْخَوْفُ الَّذِي يَمْنَعُهُ مِنَ الْوُقُوعِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمَّا كَانَتْ هَاتَانِ الْحَالِانِ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ضِدُّ الْأُخْرَى، عَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كَانَتْ فِي حَالِ عَدَمِ الْأُخْرَى، فَكَانَتِ الْحَالُ الْمَذْمُومَةُ فِي الْبَدْءِ، ثُمَّ تَلِيهَا الْحَالُ الْمَحْمُودَةُ، فَصَارَ صَاحِبُهَا فِيهَا إِلَى خَوْفِ مَقَامِ رَبِّهِ، وَرَدَّ السَّرِقَةَ عَلَى مَنْ سَرَقَهَا مِنْهُ، وَطَلَبَ وَعْدَ رَبِّهِ، وَخَافَ وَعِيدَهُ، وَكَانَ بِذَلِكَ مِنْ أَهْلِ مَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ زَنَى، وَقَدْ سَرَقَ فِي حَالٍ قَدْ نَزَعَ عَنْهَا إِلَى حَالٍ مَحْمُودَةٍ صَارَ إِلَيْهَا وَقَدْ وَجَدْنَا فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ عز وجل مَا قَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِيهِ:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [الفرقان: 69] ، فَأَعْلَمَنَا عَزَّ
⦗ص: 162⦘
وَجَلَّ أَنَّ مَنَ كَانَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ كَانَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْوَعِيدِ، ثُمَّ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عز وجل:{إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: 70] ، فَكَانَ مَنْ صَارَ إِلَى هَذِهِ الْحَالِ صَارَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْوَعْدِ، وَخَرَجَ مِنْ أَهْلِ الْوَعِيدِ، فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ أَحْوَالَ الزِّنَى وَالسَّرِقَةِ غَيْرُ أَحْوَالِ خَوْفِ مَقَامِ اللهِ عز وجل، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْحَالَيْنِ كَانَتْ، وَالْحَالَةُ الْأُخْرَى مِنْهُمَا مَعْدُومَةٌ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا بَيَانٌ لِمَا وَصَفْنَا وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ