الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ فِي مِقْدَارِ الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه أَقَامَهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْغَارِ الَّذِي كَانَا اسْتَتَرَا فِيهِ مِنَ الزَّمَانِ
4075 -
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو النَّصْرِيِّ، قَالَ:" كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا إِذَا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ إِنْ كَانَ لَهُ عَرِيفٌ، نَزَلَ عَلَى عَرِيفِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَرِيفٌ، نَزَلَ مَعَ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ، وَإِنِّي قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، وَلَمْ يَكُنْ لِي بِهَا عَرِيفٌ، فَنَزَلْتُ مَعَ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ، فَرَافَقْتُ رَجُلًا، فَكَانَ يُخْرَجُ لَنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُدُّ تَمْرٍ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْضَ صَلَوَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ نَادَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ: يَا رَسُولَ اللهِ: أَحْرَقَ التَّمْرُ بُطُونَنَا، وَتَخَرَّقَتِ الْخُنُفُ، فَمَالَ إِلَىَ الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللهَ عز وجل، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَرَ مَا لَقِيَ مِنْ قَوْمِهِ مِنَ الْبَلَاءِ وَالشِّدَّةِ، ثُمَّ قَالَ: " لَقَدْ
⦗ص: 262⦘
كُنْتُ أَنَا وَصَاحِبِي بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَمَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا الْبَرِيرُ حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى إِخْوَانِنَا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَوَاسَوْنَا مِنْ طَعَامِهِمْ، وَطَعَامُهُمْ هَذَا التَّمْرُ، وَإِنِّي وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَوْ أَجِدُ لَكُمُ الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ، لَأَطْعَمْتُكُمُوهُ، وَإِنَّهُ عَلَّهُ أَنْ تُدْرِكُوا زَمَانًا أَوْ مَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ تَلْبَسُونَ فِيهِ مِثْلَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، وَيُغْدَى وَيُرَاحُ عَلَيْكُمْ فِيهِ بِالْجِفَانِ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى: ثَمَرُ الْأَرَاكِ مَرْدٌ، ثُمَّ بَرِيرٌ، ثُمَّ كُبَاثٌ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: كَأَنَّهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ يَعْنِي أَنَّهُ يَكُونُ أَلْوَانًا يَنْتَقِلُ مِنْ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ، فَمَرَّةً يَكُونُ مَرْدًا، وَمَرَّةً يَكُونُ بَرِيرًا، وَمَرَّةً يَكُونُ كُبَاثًا، كَثَمَرِ النَّخْلِ مَرَّةً يَكُونُ بَلَحًا، وَمَرَّةً يَكُونُ بُسْرًا، وَمَرَّةً يَكُونُ رُطَبًا فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِخْبَارُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ أَنَّ إِقَامَتَهُ وَإِقَامَةَ صَاحِبِهِ كَانَتْ مَعَهُ فِي الْغَارِ الَّذِي كَانَا تَوَارَيَا فِيهِ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَكَانَ طَعَامُهُمْ فِيهَا الطَّعَامَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى شِدَّةِ الْجَهْدِ الَّذِي كَانَا لَقِيَاهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَقَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ رُوِّيتُمْ فِي إِقَامَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَإِقَامَةِ صَاحِبِهِ مَعَهُ فِي الْغَارِ إِنَّمَا كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَأَنَّهَا إِنَّمَا كَانَتْ ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَأَنَّهُمَا قَدْ كَانَا يُصِيبَانِ فِيهَا مِنَ الرُّسُلِ مِنْ مِنْحَةٍ
⦗ص: 263⦘
لِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ:
4076 -
مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ ابْتِدَاؤُهُ: " لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ هَذَا الدِّينَ، فِيهِ: قَالَتْ: فَلَحِقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ: ثَوْرٌ، فَمَكَثَا فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ لَقِنٌ ثَقِفٌ، فَيَدَّلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا فِي سَحَرٍ، فَيُصْبِحُ فِي قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلَا يَسْمَعُ أَمْرًا يَكِيدُونَ بِهِ إِلَّا وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً، وَيُرِيحَهَا عَلَيْهِمَا، فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلِ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا حَتَّى يَنْعِقَ بِهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ "
⦗ص: 264⦘
قَالَ: وَقَدْ صَدَّقَ ذَلِكَ حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ الَّذِي تَرْوُونَهُ فِي ذَلِكَ
4077 -
فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ:
⦗ص: 265⦘
حَدَّثَنِي أَبِي وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه، قَالَ:" جَاءَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فَاشْتَرَى مِنْ عَازِبٍ رَحْلًا بِثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَازِبٍ: قُلْ لِلْبَرَاءِ، فَلْيَحْمِلْهُ إِلَى رَحْلِي، فَقَالَ: لَا، حَتَّى تُحَدِّثَنِي كَيْفَ أَنْتَ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ خَرَجْتُمَا وَالْمُشْرِكُونَ يَطْلُبُونَكُمْ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: " خَرَجْنَا مِنْ مَكَّةَ بِلَيْلٍ وَقَدْ أَخَذَ الْقَوْمُ عَلَيْنَا بِالرَّصَدِ، فَاخْتَبَأْنَا يَوْمَنَا وَلَيْلَتَنَا وَيَوْمَنَا حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، فَرَمَيْتُ بِبَصَرِي هَلْ أَرَى مِنْ ظِلٍّ نَأْوِي إِلَيْهِ، فَوَقَعَتْ إِلَيْنَا صَخْرَةٌ، فَانْطَلَقْنَا إِلَيْهَا وَلَهَا شَيْءٌ مِنْ ظِلٍّ، فَنَزَلْنَا فَنَظَرْتُ بَقِيَّةَ ظِلِّهَا فَسَوَّيْتُهُ، وَأَخَذْتُ فَرْوَةً كَانَتْ مَعِي، فَوَطَّأْتُ بِهَا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، اضْطَجِعْ حَتَّى أَنْفُضَ مَا حَوْلَكَ، وَإِذَا غُلَامٌ رَاعٍ قَدْ أَقْبَلَ فِي غَنَمٍ لَهُ يُرِيدُ مِنَ الصَّخْرَةِ مِثْلَ الَّذِي أَرَدْنَا، فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟ فَقَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَسَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ، فَقُلْتُ: فَهَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقُلْتُ: هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لَنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَعْطَيْتُهُ إِنَاءً كَانَ مَعِي، فَأَخَذَ لِيَحْلُبَ، فَقُلْتُ: انْفُضْ ضَرْعَ الشَّاةِ مِنَ الْغُبَارِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ كَفَّيْهِ، فَقَالَ هَكَذَا، وَضَرَبَ إِحْدَى كَفَّيْهِ عَلَى الْأُخْرَى، ثُمَّ حَلَبَ لِي كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، وَقَدْ رَوَيْتُ مَعِي لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ عَلَى فِيهَا خِرْقَةٌ، فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الْإِنَاءِ، فَأَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَوَافَقْتُهُ قَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَشَرِبَ، قَالَ: قُلْتُ: قَدْ آنَ الرَّحِيلُ، فَارْتَحَلْنَا وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَنَا، فَلَمْ يُدْرِكْنَا غَيْرُ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَقُلْتُ: هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ:" لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا " فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ قَيْدَ رُمْحَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، قُلْتُ:
⦗ص: 266⦘
هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا، وَبَكَيْتُ، فَقَالَ:" مَا يُبْكِيكَ؟ " فَقُلْتُ: وَاللهِ مَا عَلَى نَفْسِي أَبْكِي، وَلَكِنِّي إِنَّمَا أَبْكِي عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:" اللهُمَّ اكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ " فَسَاخَتْ فَرَسُهُ فِي الْأَرْضِ إِلَى بَطْنِهَا، فَوَثَبَ عَنْهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا عَمَلُكَ، فَادْعُ اللهَ عز وجل أَنْ يُنَجِّيَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ، فَوَاللهِ لَأُعَمِّيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَائِي مِنَ الطَّلَبِ، وَهَذِهِ كِنَانَتِي، فَخُذْ سَهْمًا مِنْهَا، فَإِنَّكَ سَتَمُرُّ عَلَى غَنَمِي وَإِبِلِي بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَخُذْ مِنْهَا حَاجَتَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" لَا حَاجَةَ لَنَا فِي إِبِلِكَ " وَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَانْطَلَقَ رَاجِعًا إِلَى أَصْحَابِهِ، وَمَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا مَعَهُ "
⦗ص: 267⦘
4078 -
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ فَارِسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ قَالَ هَذَا الْقَائِلُ: وَهَذَا اضْطِرَابٌ شَدِيدٌ، وَاخْتِلَافٌ بَعِيدٌ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عز وجل وَعَوْنِهِ: أَنَّهُ لَا اضْطِرَابَ وَلَا اخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ هَذِهِ الْآثَارَ كُلَّهَا صَحِيحَةٌ لِعَدْلِ رُواتِهَا، وَلِحُسْنِ سِيَاقِهِمْ لَهَا، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو، وَمِنْ عَائِشَةَ، وَمِنَ الْبَرَاءِ أَخْبَرَ عَنْ غَارٍ غَيْرِ الْغَارِ الَّذِي أَخْبَرَ عَنْهُ الْفَرِيقُ الْآخَرُ مِنْهُمَا كَانَتْ إِقَامَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَصَاحِبِهِ رضي الله عنه فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرَ إِقَامَتِهِ فِي الْآخَرِ مِنْهُمَا، وَقَدْ شَدَّ إِقَامَتَهُ مَعَ صَاحِبِهِ فِي أَحَدِهِمَا قَوْلُ اللهِ عز وجل فِي كِتَابِهِ:{إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] ثُمَّ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه فِيمَا كَانَ يَخَافُهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ عَلَى نَفْسِهِ فِي أَحَدِ الْغَارَيْنِ اللَّذَيْنِ كَانَ مَعَهُ فِيهِمَا
⦗ص: 268⦘
مِنْ نَظَرِهِ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَأْسِ ذَلِكَ الْغَارِ، وَمِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ مَا قَالَهُ لَهُ عِنْدَهُ
4079 -
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْعَتَّابِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ جَمِيعًا، قَالَا: حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى
4080 -
وَكَمَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ، وَنَصَّارُ بْنُ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْوَرْدِ بْنِ زَنْجُوَيْهِ الْبَغْدَادِيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْكُوفِيُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ح وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَارِثِ الْبَاغَنْدِيُّ أَيْضًا، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ
4081 -
وَكَمَا حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْعَوَقِيُّ، وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمِنْقَرِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا جَمِيعًا، قَالُوا: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه حَدَّثَهُ، قَالَ:" نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ، وَهُمْ عَلَى رُءُوسِنَا وَنَحْنُ فِي الْغَارِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى تَحْتِ قَدَمِهِ، أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمِهِ، فَقَالَ: " يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ عز وجل ثَالِثُهُمَا "
⦗ص: 269⦘
4082 -
وَكَمَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ، وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَا: حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى شِدَّةِ الْجَهْدِ الَّذِي كَانَا فِيهِ، وَالْخَوْفِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَوِقَايَتِهِ إِيَّاهُ بِنَفْسِهِ مِمَّا كَانَ يَقِيهِ بِهَا عِنْدَ ذَلِكَ حَتَّى أَوْصَلَ اللهُ عز وجل رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم، وَأَوْصَلَهُ مَعَهُ إِلَى دَارِ هِجْرَتِهِ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ عز وجل لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَعْقِلًا، وَلِأَصْحَابِهِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ مُهَاجَرًا، وَاخْتَصَّ أَهْلَهَا مِنْهُ بِالْهِجْرَةِ إِلَيْهِمْ، وَالنُّصْرَةِ مِنْهُمْ لَهُ، وَبِالرَّوْضَةِ الَّتِي جَعَلَهَا بَيْنَ قَبْرِهِ وَبَيْنَ مِنْبَرِهِ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَبِنُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَبِمُخَالَطَتِهِ خِيَارَ مَلَائِكَتِهِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ إِيَّاهُمْ بِنُزُولِهِمْ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ عز وجل بِمَا كَانَ يُرْسِلُهُمْ بِهِ إِلَيْهِ، وَيُنْزِلُهُ عَلَيْهِ مِنْ قُرْآنِهِ، وَمِنْ وَحْيِهِ، فَصَلَوَاتُ اللهِ عز وجل وَرَحْمَتُهُ وَبَرَكَاتُهُ عَلَى رَسُولِهِ خَيْرِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ، ثُمَّ رَحْمَتُهُ وَبَرَكَاتُهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ صَاحِبِهِ رضي الله عنه بِمَا كَانَ مِنْهُ فِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ابْتِغَاءَ وَجْهِهِ، وَطَلَبًا لِمَا عِنْدَهُ حَتَّى شَرَّفَهُ اللهُ عز وجل بِذِكْرِهِ إِيَّاهُ فِي كِتَابِهِ مَعَ رَسُولِ
⦗ص: 270⦘
اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا ذَكَرَهُ بِهِ مَعَهُ فِيهِ، وَمِمَّا أَبَانَهُ بِهِ عَنْ صَحَابَتِهِ سِوَاهُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا مَا يَنْفِي مَا ظَنَّهُ هَذَا الْجَاهِلُ لِنَقْصِ عِلْمِهِ وَفَهْمِهِ مِنِ اضْطِرَابِ آثَارِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاخْتِلَافِهَا، وَدَلِيلُ ائْتِلَافِهَا وَانْتِفَاءِ الِاخْتِلَافِ وَالتَّضَادِّ عَنْهَا وَاللهَ عز وجل نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ