الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ: " إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ " وَمَا كَانَ مِنْ أَبِي بَكْرَةَ مِنْ خِطَابِهِ لِلْأَحْنَفِ بِذَلِكَ لِمَا خَاطَبَهُ بِهِ مِنْ أَجْلِهِ
4085 -
حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، وَيُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِأَسْيَافِهِمَا، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ "
4086 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" إِذَا حَمَلَ الْمُسْلِمَانِ السِّلَاحَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، فَهُمَا عَلَى حَرْفِ النَّارِ، فَإِنْ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ دَخَلَاهَا جَمِيعًا " فَطَلَبْنَا الْمَعْنَى الَّذِي جَاءَ بِهِ أَبُو بَكْرَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَجْلِهِ
4087 -
فَوَجَدْنَا إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي دَاوُدَ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُقَدَّمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، وَيُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ:" أَخَذْتُ سِلَاحِي وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَنْصُرَ ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أَنْصُرُ ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: أَفَلَا أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: بَلَى، قَلْتُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا، فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَهُمَا فِي النَّارِ " قِيلَ: يَا
⦗ص: 277⦘
رَسُولَ اللهِ هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ:" إِنَّهُ قَدْ أَرَادَ يَقْتُلُ صَاحِبَهُ " فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ رضي الله عنه لَمَّا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمَ أَنَّهُ يُقَاتِلُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ كَمَا قَاتَلَ هُوَ صلى الله عليه وسلم عَلَى تَنْزِيلِهِ، عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ خَلِيفَةٌ
⦗ص: 278⦘
لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ، فَطَلَبَ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي يَلْحَقُ بِهَا قِتَالَ مَنْ وَعَدَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يُقَاتِلُهُ، وَأَنْ يَكُونَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ رضي الله عنهما لَمْ يَكُونَا وَقَفَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ رضي الله عنه، وَأَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمَا أَوْلَى بِوِلَايَةِ أَمْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَعَلِمَا أَنَّهُمَا لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِمَّنْ يَتَوَلَّى أُمُورَهُمْ لِيُقَاتِلَ عَدُوَّهُمْ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَيَقُومَ بِمَا لَا يَقُومُ بِهِ إِلَّا أَئِمَّتُهُمْ مِنْ صَلَوَاتِهِمْ، وَمِنْ وَضْعِ زَكَوَاتِهِمْ فِيمَا يَجِبُ وَضْعُهَا فِيهِ، وَمِنَ الْحَجِّ بِهِمْ، وَمِنْ قَسْمِ فَيْئِهِمْ بَيْنَهُمْ، وَمِنْ إِقَامَةِ الْأَشْيَاءِ سِوَى ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ دِينِهِمْ مِمَّا لَا يَقُومُ بِهِ إِلَّا أَئِمَّتُهُمْ، فَقَاتَلَاهُ لِذَلِكَ، وَكَانَ مَعَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوْقِيفٌ فِي ذَلِكَ أَوْلَى مِمَّنْ لَيْسَ مَعَهُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا مَعَهُ مَا يُؤَدِّيهِ إِلَيْهِ تَحَرِّيهِ وَاجْتِهَادُهُ، وَإِنَّمَا كَانَا هُمَا الْمَفْرُوضَانِ عَلَيْهِمَا فِيمَا كَانَا بِسَبِيلِهِ، فَقَاتَلَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَمِنْهُمَا رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا لَهُ الْقِتَالُ عَلَيْهِ وَكَانَ مَنْ قَاتَلَ مَعَ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ ذَيْنِكَ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى مَا يُقَاتِلُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْفَرِيقُ غَيْرَ مَلُومٍ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ هُوَ مَحْمُودٌ عَلَيْهِ، وَكَانَ الَّذِي كَانَ مِنْ أَبِي بَكْرَةَ إِلَى الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ لَا عَلَى سَبِيلِ النَّهْيِ لَهُ عَمَّا هُمْ بِهِ، وَلَكِنَّهُ نَبَّهَهُ عَلَى أَنَّ مَا يُرِيدُهُ مِمَّا أَدَّاهُ اجْتِهَادُ الَّذِي قَصَدَ إِلَى الْقِتَالِ مَعَهُ إِلَيْهِ بِغَيْرِ وُقُوفٍ مِنْهُ عَلَى مَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه مِمَّا دَعَا النَّاسَ إِلَيْهِ وَقَاتَلَهُمْ عَلَيْهِ مِمَّا هُوَ فَوْقَ الِاجْتِهَادِ وَالتَّحَرِّي، وَكَانَ مَنْ قَاتَلَ عَلَى الِاجْتِهَادِ وَالتَّحَرِّي، فَقَدْ تُدْرِكُهُ الْبَصِيرَةُ بِمَا يَقْطَعُهُ عَنِ الْقِتَالِ، وَيُوجِبُ عَلَيْهِ تَرْكَهُ فَخَافَ عَلَيْهِ أَنْ يُدْرِكَهُ ذَلِكَ، وَتَقْطَعُهُ الْحَمِيَّةُ الَّتِي قَدْ دَخَلَتْهُ بِالْقِتَالِ، فَيَتَمَادَى فِي قِتَالِهِ، فَيَدْخُلُ فِي الْجِنْسِ الَّذِي حَدَّثَهُ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
⦗ص: 279⦘
وَالْعَرَبُ قَدْ تَسْتَعْمِلُ هَذَا، وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ جَاءَ بِهِ كِتَابُ اللهِ عز وجل مِنْ قَوْلِ أَحَدِ ابْنَيْ آدَمَ لِصَاحِبِهِ:{لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ، إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة: 28] ، وَقَدْ كَانَ لَهُ مَدُّهُ يَدَهُ إِلَيْهِ لِيَدْفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ لَمَّا أَرَادَ قَتْلَهُ، وَلَكِنَّهُ خَافَ أَنْ يَرْجِعَ صَاحِبُهُ عَمَّا كَانَ هَمَّ بِهِ، وَيَتَمَادَى هُوَ فِي الدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ حَتَّى يَكُونَ فِي ذَلِكَ تَلَفُ صَاحِبِهِ بِمَا يَفْعَلُهُ بِهِ، فَخَافَ اللهَ عز وجل مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" اللهُمَّ هَذِهِ قِسْمَتِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ " مَعَ عِلْمِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ اللهَ عز وجل لَا يُؤَاخِذُهُ بِمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَكِنْ عَلَى التَّوَقِّي مِنَ الزِّيَادَةِ فِيمَا لَا يَمْلِكُ حَتَّى يَدْخُلَ بِهِ فِيمَا يَمْلِكُ وَمِنْ ذَلِكَ تَعْلِيمُهُ لِحُصَيْنٍ الْخُزَاعِيِّ أَنْ يَكُونَ مِنْ دُعَائِهِ:" اغْفِرْ لِي مَا أَخْطَأْتُ وَمَا عَمَدْتُ " وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ اللهَ لَا يُؤَاخِذُهُ بِمَا أَخْطَأَ؛ لِأَنَّهُ
⦗ص: 280⦘
قَدْ قَالَ عز وجل فِي كِتَابِهِ: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] فَكَانَ الَّذِي كَانَ مِنْ أَبِي بَكْرَةَ لِلْأَحْنَفِ تَنْبِيهًا مِنْهُ إِيَّاهُ عَلَى مَا هُوَ مَخُوفٌ عَلَيْهِ، وَكَانَ انْصِرَافُ الْأَحْنَفِ عَلَى الْإِشْفَاقِ مِنْهُ لَعِلْمِهِ بِنَفْسِهِ وَبِأَخْلَاقِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا وَاللهَ عز وجل نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ