الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي اهْتِزَازِ الْعَرْشِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ
4167 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ يَعْنِي الْأَعْمَشَ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ "
⦗ص: 363⦘
4168 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي دَاوُدَ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ
⦗ص: 364⦘
أَبِي سُفْيَانَ، وَعَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ
4169 -
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ
4170 -
وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ،
⦗ص: 365⦘
عَنِ امْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ، قَالَ: لَمَّا أُخْرِجَتْ جَنَازَةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ بَكَتْ أُمُّهُ وَصَاحَتْ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" أَلَا يَرْقَأُ دَمْعُكِ، وَيَذْهَبُ حُزْنُكِ، فَإِنَّ وَلَدَكِ أَوَّلُ مَنْ ضَحِكَ اللهُ عز وجل لَهُ، وَاهْتَزَّ لَهُ الْعَرْشُ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَفِي هَذِهِ الْآثَارِ إِعْلَامُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ بِاهْتِزَازِ الْعَرْشِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَلَيْسَ فِيهَا تِبْيَانُهُ لَهُمْ ذَلِكَ الْعَرْشَ، أَيُّ الْعُرُوشِ هُوَ؟ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ
فَوَجَدْنَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ، قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِحُبِّ لِقَاءِ اللهِ سَعْدًا " قَالَ: ثُمَّ قَالُوا: وَمَا الْعَرْشُ؟ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، لَقَدْ تَفَسَّخَتْ أَعْوَادُهُ، أَوْ عَوَارِضُهُ، وَإِنَّهُ عَلَى رِقَابِنَا
⦗ص: 366⦘
وَأَكْتَافِنَا، وَكَانَ آخِرُ مَنْ خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" إِنَّ سَعْدًا ضُغِطَ فِي قَبْرِهِ ضَغْطَةً، فَسَأَلْتُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُخَفِّفَ عَنْهُ " وَقَرَأَ: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100] قَالَ: السَّرِيرُ "
4171 -
وَوَجَدْنَا فَهْدَ بْنَ سُلَيْمَانَ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ، وَابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ
⦗ص: 367⦘
السَّائِبِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِحُبِّ لِقَاءِ اللهِ سَعْدًا " ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ ذَلِكَ الْعَرْشَ هُوَ السَّرِيرُ الَّذِي حُمِلَ عَلَيْهِ سَعْدٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
4172 -
وَوَجَدْنَا بَكَّارَ بْنَ قُتَيْبَةَ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الضَّرِيرُ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، فَنَزَلَ ذَا الْحُلَيْفَةِ، خَرَجَ الصِّبْيَانُ، فَيُخْبِرُونَهُمْ عَنْ أَهْلِيهِمْ، وَأُخْبِرَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ بِمَوْتِ امْرَأَتِهِ، فَبَكَى، فَقِيلَ لَهُ: أَتَبْكِي؟ فَقَالَ: وَمَا لِي لَا أَبْكِي وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " إِنَّ الْعَرْشَ اهْتَزَّتْ أَعْوَادُهُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ " قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَمَّا مَاتَ سَعْدٌ بَكَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما، حَتَّى عَرَفْتُ بُكَاءَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ بُكَاءِ عُمَرَ، وَبُكَاءَ عُمَرَ مِنْ بُكَاءِ أَبِي بَكْرٍ "
⦗ص: 368⦘
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَكَانَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ الْعَرْشَ الْمُرَادَ فِي الْأَحَادِيثِ الْأُوَلِ هُوَ السَّرِيرُ الَّذِي حُمِلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ، وَهَلْ خُولِفَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ فِيمَا قَالَهُ مِنْهُ أَمْ لَا؟
4173 -
فَوَجَدْنَا مُحَمَّدَ بْنَ خُزَيْمَةَ، وَفَهْدَ بْنَ سُلَيْمَانَ جَمِيعًا قَدْ حَدَّثَانَا، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: مَنْ هَذَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الَّذِي مَاتَ؟ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتَحَرَّكَ لَهُ الْعَرْشُ، قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَبْرِهِ وَهُوَ يُدْفَنُ، فَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ إِذْ قَالَ:" سُبْحَانَ اللهِ " مَرَّتَيْنِ، فَسَبَّحَ الْقَوْمُ، ثُمَّ قَالَ:" اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ " فَكَبَّرَ الْقَوْمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" لَهَذَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ شَدَّدَ اللهُ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ حَتَّى كَانَ هَذَا حِينَ فُرِّجَ عَنْهُ "
⦗ص: 369⦘
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَرْشَ الْمَذْكُورَ فِي الْأَحَادِيثِ الْأُوَلِ لَيْسَ هُوَ السَّرِيرَ الَّذِي حُمِلَ عَلَيْهِ سَعْدٌ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ سُؤَالَ جِبْرِيلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْعَبْدِ الصَّالِحِ الَّذِي مَاتَ، فَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتَحَرَّكَ لَهُ الْعَرْشُ، وَخُرُوجُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ مِنْ هُوَ حَتَّى عَلِمَ أَنَّهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَرْشَ الْمَذْكُورَ فِي الْأَحَادِيثِ الْأُوَلِ هُوَ غَيْرُ السَّرِيرِ الَّذِي حُمِلَ عَلَيْهِ سَعْدٌ إِذْ كَانَ سَعْدٌ رضي الله عنه لَمْ يَكُنْ حُمِلَ عَلَى السَّرِيرِ الَّذِي حُمِلَ عَلَيْهِ إِلَى قَبْرِهِ إِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا حُمِلَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ
4174 -
وَوَجَدْنَا أَبَا أُمَيَّةَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ التَّمَّارُ، وَمَعْنُ بْنُ عِيسَى، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ، قَالَ لِأُمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَهِيَ تَبْكِي عَلَيْهِ: انْظُرِي مَا تَقُولِينَ يَا أُمَّ سَعْدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" دَعْهَا يَا عُمَرُ، كُلُّ نَائِحَةٍ مُكَذَّبَةٌ إِلَّا أُمَّ سَعْدٍ، مَا قَالَتْ مِنْ خَيْرٍ، فَلَنْ تَكْذِبَ " ثُمَّ احْتُمِلَ فَوُضِعَ
⦗ص: 370⦘
فِي قَبْرِهِ، فَتَغَيَّرَ لَوْنُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ كُنْتَ لَتَقْطَعُنَا، يَعْنُونَ فِي السُّرْعَةِ، قَالَ:" خَشِيتُ أَنْ تَسْبِقَنَا الْمَلَائِكَةُ إِلَى غُسْلِهِ كَمَا سَبَقَتْنَا إِلَى غُسْلِ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، رَأَيْنَا لَوْنَكَ قَدْ تَغَيَّرَ حِينَ قَعَدْتَ عَلَى الْقَبْرِ، قَالَ:" ضُمَّ سَعْدٌ فِي الْقَبْرِ ضَمَّةً، وَلَوْ أُعْفِيَ مِنْهَا أَحَدٌ، أُعْفِيَ مِنْهَا سَعْدٌ " وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " نَزَلَ الْأَرْضَ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لِشُهُودِ سَعْدٍ، مَا نَزَلُوهَا قَطُّ، وَاسْتَبْشَرَ بِهِ جَمِيعُ أَهْلِ السَّمَاءِ، وَاهْتَزَّ لَهُ الْعَرْشُ "، قَالَ صَالِحٌ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ: قَالَ أَبِي: قَالَ رَجُلٌ لِسَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ: إِنَّ الْعَرْشَ تَدَعُوهُ الْعَرَبُ السَّرِيرَ، وَإِنَّمَا يَعْنِي سَرِيرَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَقَالَ سَعْدٌ: مَا بَلَغَ سَرِيرُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أَنْ يَذْكُرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم
⦗ص: 371⦘
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِخْبَارُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ دَفْنِهِ سَعْدًا بِاهْتِزَازِ الْعَرْشِ لَهُ، فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْعَرْشُ هُوَ الْعَرْشُ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَأُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ هُوَ خِلَافَهُ
⦗ص: 372⦘
فَقَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ يَكُونُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ إِخْبَارٌ عَنْ سَرِيرٍ لَا نَفَسَ لَهُ، وَلَا يَكُونُ مِنْ مِثْلِهِ الِاهْتِزَازُ الَّذِي ذَكَرَاهُ عَنْهُ؟ فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ السَّرِيرَ إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأُسَيْدٌ، فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عز وجل فَهَّمَهُ بَعْدَ أَنْ حُمِلَ عَلَيْهِ سَعْدٌ مَكَانَهُ مِنَ اللهِ عز وجل وَمَنْزِلَتَهُ مِنْهُ، فَصَارَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ، فَاهْتَزَّ لَهُ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ عُمَرَ وَأُسَيْدٌ مِنَ اهْتِزَازِهِ، كَمَا أَلْهَمَ اللهُ عز وجل الْخَشَبَةَ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ النَّاسَ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَ الْمِنْبَرَ، فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ، وَتَحَوَّلَ إِلَيْهِ عَنْهَا، كَانَ مِنْهَا الْحَنِينُ الْمَرْوِيُّ فِي ذَلِكَ كَمَا سَنْذُكُرُهُ فِيمَا بَعْدُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ عز وجل، وَكَانَ ذَلِكَ عَلَمًا عَظِيمًا مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ، وَفَضْلًا جَلِيلًا فَضَّلَ اللهُ بِهِ رَسُولَهُ، وَشَرَفًا كَبِيرًا شَرَّفَهُ بِهِ، وَأَلْهَمَهُ مَنْ أَلْهَمَهُ مِنْ جَلَالَةِ مَوْضِعِهِ مِنْهُ مَا أَلْهَمَهُ إِيَّاهُ مِمَّا ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْعَرْشَ الَّذِي كَانَ اهْتَزَّ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ كَانَ غَيْرَ السَّرِيرِ الَّذِي حُمِلَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ كَانَ عَرْشَ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ
4175 -
كَمَا حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، أَوْ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ جَدَّتِهِ رُمَيْثَةَ ح وَكَمَا حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأُوَيْسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ،
⦗ص: 373⦘
عَنْ جَدَّتِهِ رُمَيْثَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ أَشَاءُ أَنْ أُقَبِّلَ الْخَاتَمَ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِنْ قُرْبِي لَفَعَلْتُ - وَهُوَ يَقُولُ حِينَ مَاتَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: " لَقَدِ اهْتَزَّ لَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ عز وجل " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِعْلَامُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ أَنَّ الْعَرْشَ الْمَرْوِيَّ فِي اهْتِزَازِهِ لِمَوْتِ سَعْدٍ هُوَ عَرْشُ الرَّحْمَنِ عز وجل، وَوَجَدْنَا الْأَوْسَ لَمَّا فَاخَرَتِ الْخَزْرَجَ، فَاخَرَتْهُمْ بِذَلِكَ، وَذَكَرَتْ فِي مُفَاخَرَتِهَا إِيَّاهُمْ أَنَّ الْعَرْشَ الَّذِي اهْتَزَّ لِمَوْتِ صَاحِبِهِمْ هُوَ عَرْشُ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ
كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زُبَالَةَ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ:" افْتَخَرَ الْحَيَّانِ: الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، فَقَالَتِ الْأُولَى: مِنَّا غِسِّيلُ الْمَلَائِكَةِ حَنْظَلَةُ بْنُ الرَّاهِبِ، وَمِنَّا مَنِ اهْتَزَّ لَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنَّا مَنْ حَمَتْهُ الدَّبْرُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْأَقْلَحِ، وَمِنَّا مَنْ أُجِيزَتْ شَهَادَتُهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّونَ: مِنَّا أَرْبَعَةٌ جَمَعُوا الْقُرْآنَ وَلَمْ يَجْمَعْهُ أَحَدٌ غَيْرَهُمْ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَبُو زَيْدٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْعَرْشَانِ جَمِيعًا الْمَذْكُورَانِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَفِي حَدِيثَيِ ابْنِ عُمَرَ وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ قَدْ كَانَ ذَلِكَ
⦗ص: 375⦘
مِنْهُمَا جَمِيعًا وَاللهُ أَعْلَمُ غَيْرَ أَنَّا نُصَدِّقُ بِمَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ وَنُؤْمِنُ بِهِ، وَقَدْ كَانَ أَهْلُ اللُّغَةِ يَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّ الِاهْتِزَازَ هُوَ الِارْتِيَاحُ وَالسُّرُورُ، كَمَا يُقَالَ: فُلَانٌ إِذَا سُئِلَ اهْتَزَّ، أَيِ: اسْتَشْرَفَ لِذَلِكَ وَسُرَّ بِهِ، فَيَكُونُ اللهُ تَعَالَى أَلْهَمَ الْعَرْشَيْنِ مَوْضِعَ سَعْدٍ مِنْهُ، فَكَانَ مِنْهُمَا مَا كَانَ مِمَّا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ غَيْرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ الِاهْتِزَازَ الْمُضَافَ إِلَى الْعَرْشِ إِنَّمَا كَانَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يَحْمِلُونَهُ وَيَحُفُّونَ بِهِ، وَأُضِيفَ ذَلِكَ إِلَى الْعَرْشِ، وَإِنْ كَانُوا هُمُ الْمُرَادِينَ بِهِ، وَيَجْعَلُونَ ذَلِكَ كَمِثْلِ قَوْلِهِ عز وجل:{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} [الدخان: 29]، يَعْنِي: مَا بَكَى عَلَيْهِمْ أَهْلُ السَّمَاءِ وَلَا أَهْلُ الْأَرْضِ، وَكَمَا قَالَ فِيمَا حُكِيَ لَنَا عَمَّنْ حَكَى مِنْ عِبَادِهِ، قَوْلُهُ:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} [يوسف: 82]
وَكَمَا قَالَ النَّبِيُّ عليه السلام فِي أُحُدٍ: " هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ "، كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ عَنْ عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ بِمَعْنَى يُحِبُّنَا أَهْلُهُ، يَعْنِي الْأَنْصَارَ وَنُحِبُّهُمْ، وَاللهُ أَعْلَمُ مَا أَرَادَ رَسُولُهُ بِمَا كَانَ قَالَهُ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ حَكَيْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَمِنْ مَا سِوَاهُ، مِنْ مَا قَصَرَ عِلْمُنَا عَنْهُ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ