المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الشعر على طول الدروب إلى خراسان: - شعر الفتوح الإسلامية في صدر الإسلام

[النعمان عبد المتعال القاضي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌تقديم

- ‌مقدمة:

- ‌تمهيد:

- ‌الباب الأول: الشعر الإسلامي في الفتوح

- ‌الفصل الأول: الفتوح في صدر الإسلام

- ‌ دواعي الفتوح "الجهاد

- ‌ فتوح الشرق:

- ‌ فتوح الشام:

- ‌ فتوح مصر وإفريقية:

- ‌الفصل الثاني: الشعر في الفتوح الشرقية

- ‌ كثرة الشعر على ألسنة الفاتحين:

- ‌ الشعر في العراق:

- ‌ الشعر على طول الدروب إلى خراسان:

- ‌الفصل الثالث: الشعر في فتوح الشام ومصر وإفريقية

- ‌ قلة الشعر على ألسنة الفاتحين:

- ‌ الشعر في الشام:

- ‌ الشعر في مصر وإفريقية:

- ‌الباب الثاني: شعراء الفتوح

- ‌الفصل الأول: شعراء متنوعون

- ‌ الفتوح تُذْكِي جذوة الشعر العربي:

- ‌ شعراء قدماء:

- ‌ شعراء أنطقتهم الفتوح:

- ‌ حياته وإسلامه وخروجه للجهاد:

- ‌ شعره في الجاهلية:

- ‌ شعره في الفتوح:

- ‌ القعقاع بن عمرو التميمي

- ‌ حياته وخروجه للجهاد:

- ‌ القعقاع فارس الفتوح:

- ‌ القعقاع شاعر الفتوح:

- ‌الباب الثالث: مقومات شعر الفتوح وطوابعه

- ‌الفصل الأول: شعر الفتوح أنواعه وموضوعاته

- ‌ قصيد ورجز:

- ‌ موضوعات قديمة متطورة:

- ‌ موضوعات جديدة:

- ‌الفصل الثاني: الطوابع الإسلامية في شعر الفتوح

- ‌ صدور الشعر عن روح الإسلام:

- ‌ أحاسيس ومشاعر دينية:

- ‌ معاني إسلامية خالصة:

- ‌الفصل الثالث: الطوابع الشعبية

- ‌ أحاديث البطولة بين الواقع والأسطورة:

- ‌ قصص الفرسان في الفتوح:

- ‌ أشعار مجهولة القائل:

- ‌الفصل الرابع: الطوابع الفنية في شعر الفتوح

- ‌ الأثر الإسلامي في الصياغة:

- ‌ القصر والإيجاز:

- ‌ العفوية والبساطة:

- ‌خاتمة:

- ‌ خلاصة البحث:

- ‌ ثمار البحث:

- ‌ثبت المصادر:

- ‌محتويات الكتاب:

الفصل: ‌ الشعر على طول الدروب إلى خراسان:

إن التي وضعت بيتًا مهاجرة

بكوفة الجند قد غالت بها غول1

وكان من أول مجهودات هذين المعسكرين إخضاع الجزيرة التي كانت بمثابة قاعدة حربية لحلفاء الروم من نصارى العرب، فنفس ذلك عن المجاهدين في الشام، وقد أشار إلى هذا عياض بن غنم فقال:

من مبلغ الأقوام أن جموعنا

حوت الجزيرة يوم ذات زحام

إن الأعزة والأكارم معشر

فضوا الجزيرة عن فراخ الهام

جمعوا الجزيرة والغياث فنفسوا

عمن بحمص غيابة القدام

غلبوا الملوك على الجزيرة فانتهوا

من غزو من يأوي بلاد الشام2

وبفتح الجزيرة استتب للمسلمين أمر العراق.

1 ياقوت ج4، ص322.

2 ياقوت ج2، ص74.

ص: 125

3-

‌ الشعر على طول الدروب إلى خراسان:

وتتابعت فتوح أهل الكوفة وأهل البصرة والجيش الضارب الذي فتح العراق على طول الدروب إلى خراسان، ووصف الشعراء هذه المناطق البعيدة التي وطئوها لأول مرة، ورأوها تختلف في جوها وطبيعتها ومظاهر حياتها اختلافًا بينًا عما عهدوا في جزيرتهم، وفي مراحل الفتح الأولى في العراق، فصوروا إعجابهم تارة وعجبهم تارة أخرى، وعبروا عن أحاسيسهم بالرضا أو السخط بهذه البلاد، وهذا نافع بن الأسود يصف إعجابه بريف الري فيقول:

رضينا بريف الري والري بلدة

لها زينة من عيشها المتواتر

لها نشز في كل آخر ليلة

تذكر أعراس الملوك الأكابر1

هذا بينما يشكو سراقة بن عمرو الذي وكل إليه أبو موسى الأشعري فتح الدربند حياته المضطربة هناك فيقول:

1 ياقوت ج2، ص895.

ص: 125

ومن يك سائلًا عني فإني

بأرض لا يواتيها القرار

بباب الترك ذي الأبواب دار

لها في كل ناحية مغار

نذود جموعهم عما حوينا

ونقتلهم إذا باح السرار1

وفي فتوح هذه المناطق البعيدة وجد شعر يحن فيه المجاهدون إلى وطنهم، ويتشوقون إلى أهليهم، ويذمون اغترابهم ووحشة هذه المناطق، يقول أحد المجاهدين في الحنين إلى نجد:

أكرر طرفي نحو نجد وإنني

برغمي وإن لم يدرك الطرف أنظر

حنينًا إلى أرض كأن ترابها

إذا أمطرت عود ومسك وعنبر

بلاد كأن الأقحوان بروضة

ونور الأقاحي وشيء برد مخبر

أحن إلى أرض الحجاز وحاجتي

خيام بنجد دونها الطرف يقصر

وما نظري من نحو نجد بنافع

أجل -لا- ولكني إلى ذاك أنظر

أفي كل يوم نظرة ثم عبرة

لعينك مجرى مائها يتحدر

متى يستريح القلب إما مجاوز

بحرب وإما نازح يتذكر2

ويغلب على شعر الحنين هذا في مجموعه حزن رفيق ولوعة رقيقة.

وفي الوقت الذي كان جند الكوفة والبصرة يفتحون فيه هذه المناطق كان سعد بن أبي وقاص بعد فراغه من المدائن يقضي على الفتن التي أثارها يزدجرد بإمداده للفرس من حلوان، واستطاع هاشم والقعقاع إحباط هذه الفتن، والقضاء على تجمعات الفرس في جلولاء، ففر جند الفرس عن المدينة، ويصور أحد الرجاز الذين شهدوا جلولاء ضراوة القتال فيها فيقول:

يارب مهر حسن مطهم

يحمل أثقال الغلام المسلم

ينجو إلى الرحمن من جهنم

يوم جلولاء ويوم رستم

1 ياقوت ج1، ص437.

2 ياقوت ج4، ص747.

ص: 126

ويوم زحف الكوفة المقدم

ويوم لاقى ضيعة مهزم

شين أصداغي فهن هرم

مثل ثغام البلد المحرم

وخر دين الكافرين للفم1

ثم طارد القعقاع فل جلولاء إلى حلوان فاحتلها، بعد أن فر يزدجرد إلى الري فقال القعقاع:

فنحن الأولى فزنا بحلوان بعدما

أرنت على كسرى الإما والحلائل2

ووجه سعد بضرار بن الخطاب إلى ماسبذان شرقي حلوان؛ حيث كان آذين أحد عظماء الفرس قد جمع جموعًا عظيمة من الفرس والعرب، وخرج بهم إلى السهل، فقتله ضرار واستولى على الناحية فقال:

ويوم حبسنا قوم آذين جنده

وقطرته عند اختلاف العوامل

وزود وآذينا وفهدًا وجمعهم

غداة الوغى بالمرهفات الصواقل

فجاءوا إلينا بعد غب لقائنا

بماسبذان بعد تلك الزلازل3

وأرسل سعد عمرو بن مالك إلى هيت وقرقيسيا، فاضطر أهلها إلى النزول على الجزية، ويبدو أنهم لم يقروا بها إلا بعد عناد وغدر، حتى ليذكر عمرو أنهم قتلوهم بعدما دانوا بالجزية فيقول:

ونحن جمعنا جمعهم في حفيرهم

بهيت ولم نحفل لأهل الحفائر

وسرنا على عمد نريد مدينة

بقرقيسيا سير الكماة المساعر

فجئناهم في دراهم بغتة ضحا

فطاروا وخلوا أهل تلك المحاجر

فنادوا إلينا من بعيد بأننا

ندين بدين الجزية المتواتر

قتلنا ولم نردد عليهم جزاءهم

وحطناهم بعد الجزا بالبواتر4

1 الطبري ج5، ص2472.

2 ياقوت ج2، ص317.

3 ياقوت ج4، ص393.

4 ياقوت ج4، ص65.

ص: 127

وراح المجاهدون يتتبعون يزدجرد، الذي كان يمثل للفرس رمز بلادهم السلبية فتتجمع حوله الفلول، وتثور تاثرة الفتنة من حين لآخر، وكان قد فر -من جلولاء إلى حلوان، ومنها إلى الري، فقرميسين، ثم إلى نهاوند- أمام جنود المسلمين حيث راح يحشد الحشود لآخر معركة تستهدف إنقاذ ما يمكن إنقاذه حتى اجتمع فيها مائة وخمسون ألفًا بقيادة الفيرزان1.

وكان اهتمام المسلمين بها عظيمًا أيضًا، حتى لقد هم عمر بالخروج إليها بنفسه، وقد انتصر المسلمون فيها بفضل الخطة البارعة التي وضعها فرسان المسلمين، ونفذها القعقاع الذي يصور بلاء المسلمين في قوله:

ونحن حبسنا في نهاوند خيلنا

لشر ليال أنتجت للأعاجم

ملأنا شعابًا في نهاوند منهم

رجالًا وخيلًا أضرمت بالضرائم

وراكضهن الفيرزان على الصفا

فلم ينجه منها انفساح المخارم2

انتهت مقاومة الفرس الرسمية بوقعة نهاوند، التي تعرف بفتح الفتوح؛ لأنه لم يكن بعدها حرب خطيرة، وشغل المسلمون بتعقب يزدجرد حتى يقضوا على الشغب الذي يثيره، وكان هذا العمل داخلًا في مهمة الأحنف بن قيس، الذي عقد له لواء خراسان. وكان عمر قد عقد لرؤساء الجند ليفتحوا بلدان الأطراف، فوجه عثمان بن أبي العاص إلى أصطخر وسار ابن زنيم إلى فساودراخرد، وسهيل بن عدي إلى كرمان، وعاصم بن عمرو إلى سجستان، والحكم التغلبي إلى مكران. وكان يزدجرد قد فر من نهاوند إلى أصفهان، فتقدم جند الأحنف إليها، ففر إلى أصطخر، ولكنه لم يأمن إزاء ألوية المسلمين، التي كانت تستبرئ الأهوار وخوزستان، فغادر المنطقة بأسرها إلى المقاطعات العليا من طبرستان، يلبي دعوة جاءته من مرزبانها3.

1 الطبري ج5، ص2608.

2 ياقوت ج4، ص838.

3 بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية ص126.

ص: 128

وتقدمت قوات الأحنف تتساقط أمامها مدن خراسان، فاحتلت الطبسين وهراة، ومرو ونيسابور، وتطارد يزدجرد حتى تلجئه إلى الهرب إلى خاقان -ملك الترك في ما وراء النهر1.

وقد صور الشعر هذه الوثبات الجريئة لجند الأحنف في خراسان، فقال ربعي بن عامر أحد جنده البواسل:

ونحن وردنا من هراة مناهلا

رواء من المروين إن كنت جاهلا

وبلخ ونيسابور قد شقيت لنا

وطوس ومرو قد أزرن القنابلا

أنخنا عليها كورة بعد كورة

نفضهم حتى احتوينا المناهلا

فلله عينا من رأي مثلنا معا

غداة أزرنا الخيل تركا وكابلا2

وأيقن أمراء المقاطعات بانتهاء سلطان يزدجرد فتخلوا عنه. وبعد سلسلة التنقلات التي قام بها قتل في مرو، فسقطت أسرة آل ساسان، وصور أبو بجيد -أحد الفاتحين- هذه النهاية بقوله:

ونحن قتلنا يزدجرد ببعجة

من الرعب إذ ولى الفرار وغارا

غداة لقيناهم بمور تخالهم

نمورًا على تلك الجبال ونارا

قتلناهم في حربة طحنت بهم

غداة الرزيق إذا أراد جوارا

ضممنا عليهم جانبيهم بصادق

من الطعن ما دام النهار نهارا

فوالله لولا الله لا شيء غيره

لغادت عليهم بالرزيق بوارا3

وكان المسلمون قد بلغوا في تعقبهم ليزدجرد إلى حدود النهر، ولم يكن عمر يرى الانسياح فيما وراءه، كما كان شأنه يوم أراد الاكتفاء بالعراق، وتمنى لو أن يبين السواد والجبل سدا يفصل بين العرب والفرس، حتى أقنعه الأحنف بتأمين تخوم العراق والسواد4.

1 ياقوت ج1، ص409.

2 ياقوت ج2، ص411.

3 ياقوت ج2، ص777.

4 الطبري ج5 ص2561.

ص: 129

وهم المجاهدون بعبور النهر، ولكن عمر لم يرَ رأيهم، فاكتفوا بالانسياح في سواحل كرمان، وتقدموا إلى مكران، ثم حاز الحكم التغلبي كرمان ذاتها ولم يتقدم، وقال في ذلك مشيرًا إلى أوامر عمر:

غداة أدفع الأوباش دفعًا

إلى السند العريضه والمداني

فلولا ما نهى عنه أميري

قطعناه إلى البلد الزواني1

ويكاد يكون عهد عثمان بن عفان تأكيدًا للفتح، وقضاء على الانتفاض، فلم يحدث في هذا الميدان لعهده غير فتح طبرستان، وغدا ذلك شغل أمراء الجند باستعادة أذربيجان ومناطق فارس وخراسان، التي قتل أهلها أميرهم عبيد الله بن معمر، فسير إليهم الخليفة عبد الله بن عامر فاستردها، وقال أحد جنده أسيد بن المتشمس في ذلك:

ألا أبلغا عثمان عني رسالة

لقد لقيت عنا خراسان ناطحا

رميناهم بالخيل من كل جانب

فولوا صراعًا واستعادوا النوابحا

غداة رأوا الخيل العراب مغيرة

تقرب منهم أسدهن الكوالحا

تنادوا إلينا واستجاروا بعهدنا

وعادوا كلابا في الديار نوابحا2

وهكذا رافق الشعر موكب الفاتحين شرقًا خطوة خطوة، وواكب المد المنطلق إلى غايته طوال الطريق، لم يغادر حادثة إلا سجلها، ولم يترك وقعة إلا صورها.

وهذا ما يجعل شعر الفتوح الشرقية سجلًّا هامًّا ووثيقة تاريخية، ومرجعًا وجدانيًّا بالغ القيمة في الكشف عن عواطف الفاتحين وظروف حياتهم في الميدان، وما كان يضطرب في أعماقهم من مشاعر وأحاسيس، صورها الشعر تصويرًا واضحًا شاملًا.

1 الطبري ج5، ص2708.

2 ياقوت ج2، ص412.

ص: 130