الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3-
شعره في الفتوح:
وشعر عمرو في الفتوح قليل جدًّا، لا يتجاوز عدة مقطعات قصيرة، وهذه ظاهرة عامة ينضوي تحتها شعر الشعراء القدامى، الذين اشتركوا في الفتوح جميعها، في قلة ما خلفوا من آثار في شعر الفتح، وينضوي تحتها شعر الفتح كله في قلة عدد الأبيات التي تحتويها المقطوعة.
ولا يطالع الدارس قصيدة واحدة في شعر الفتح طال نفسها أو تعددت أغراضها -كقصائد الجاهلية- فلا ظروف القتال من جانب، ولا نفسية المقاتل من جانب آخر تتيحان امتداد نفس الشاعر، فتحولت القصائد من ثم إلى مقطعات لاهثة، يصب فيها الشاعر عواطف اللحظة ومشاعرها في سرعة خاطفة، كتلك التي صب فيها عمرو خبر قتله لرستم في ثلاثة أبيات، اشتملت على: تزويد صاحبه بإقراء سلمى صاحبته تحيته، وأن يذكره عندها، ويذكر حبه لها، وأن ينقل إليها خبر قتله رستم، وقصر هذا الشرف عليه وحده دون غيره. ثم يصف الطريقة التي فتك بها بهذا القائد. كل هذا في تلك الأبيات القليلة التي تقول:
ألمم بسلمى قبل أن تظعنا
…
إن لنا من حبها ديدينا
قد علمت سلمى وجاراتها
…
ما قطر الفارس إلا أنا
شككت بالرمح حيازيمه
…
والخيل تعدو زيما بيننا1
ولا ريب في أن القارئ لهذه الأبيات يستشعر حرارة الشاعر وصدقه، هذه الخاصية التي انتقلت معه من شعره الجاهلي إلى شعره الإسلامي.
ولم يقتصر ذلك على الشعر فحسب، وإنما نجد صدقه هذا وحرارة تعبيره في أبيات الرجز المفردة. وكان علج في القادسية قد رماه بنشابة وقعت بين كتفيه فلم تنفذ من درعه الحصينة، فأخذ به يعتنقه، فسقطا معًا على الأرض، وقتله عمرو وسلبه، ثم أخذ يعمل سيفه في الفرس، في حرارة تشبه حرارته في تعبيره، عندما رأى الأعداء يتساقطون تحت وقع ضرباته، فصاح مغتبطًا:
1 الأغاني ج14، ص28.
أنا أبو ثور وسيفي ذو النون
…
أضربهم ضرب غلام مجنون
آل زبيد إنهم يموتون1
ويبلغ صدقه في عواطفه حد الصراحة الساخرة التي واجه بها سعد بن أبي وقاص لما رفض أن يجعل له نصيبًا بين حملة القرآن، فقال له معرضًا بما بين القحطانية وقريش، متهمًا قائده بمحاباة القرشيين، إذ قال له:
إذا قتلنا ولا يبكي لنا أحد
…
قالت قريش ألا تلك المقادير
نعطي السوية من طعن له نفذ
…
ولا سوية إذ تعطى الدنانير2
وغير هذه الأبيات القليلة، وما أشرنا إليه من أبياته في القادسية، التي أضيفت إلى نونيته لا نعرف له شعرًا في الفتوح، برغم شهوده المعارك المهمة في تاريخها، فقد شهد اليرموك والجسر، ولكننا لا نجد له شعرًا فيهما، وكذلك لا نجد له شعرًا في نهاوند.
ويلاحظ الدارس أن عمرًا وغيره من الشعراء القدامى كانوا أبعد الشعراء الذين اشتركوا في الفتوح عن التأثر بأية خصائص إسلامية في شعرهم، إذا ما قارنا شعرهم بشعر غيرهم من الشعراء الذين أنطقتهم الفتوح، فتغنوا بالمثل الإسلامية، وكان شعرهم معرضًا للخصائص التي اكتسبها الشعر من الإسلام.
وهكذا يمكننا القول: بأن شعر عمرو لم يكتسب خصائص إسلامية من واقع الحياة التي عاشها في الفتوح، وبرغم ضياع شعره فيما نعتقده فإنه لجلي أن شعره الإسلامي في الفتوح لو كان وجد بتمامه لما افترق في شيء عن شعره الجاهلي، وإنما هو استبدل بأيام زبيد أيامًا إسلامية، عبر فيها نفس التعبير الذي كان يعبر به عن غزوات قومه في الجاهلية. ولم يتأثر شعره بالإسلام ولا بالفتوحات، كما لم تتأثر حياته ذاتها إلا بهذه التأثيرات العامة، التي تعرض لها كل شعر الفتوح، من انكماش القصيد وسرعته، وتدفقه في إيجاز وحرارة، فضلًا عن صدقه الشعوري، وحرارة تعبيره، التي لازمت شعره في الفتوح.
1 الأغاني ج14، ص28.
2 الأغاني ج14، ص11.