المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله - التبصير في معالم الدين للطبري

[ابن جرير الطبري]

الفصل: ‌بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله

‌بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله

1-

الحمد لله الذي تتابعت على خلقه نعمه، وترادفت لديهم مننه، وتكاملت فيهم حججه، بواضح البيان، وبين البرهان، ومحكم آي الفرقان؛ {ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب} .

وصلى الله على سيد الأصفياء، وخاتم الأنبياء محمد وآله وسلم كثيراً.

قال أبو جعفر: ثم أما بعد: ذلكم معاشر حملة الآثار ونقلة سنن الأخبار من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان، من أهل آمل طبرستان فإنكم سألتموني تبصيركم سبل الرشاد في القول فيما تنازعت فيه أمة نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم من بعد فراقه إياهم، واختلفت فيه بعده من أمر دينهم، مع اجتماع كلمة جميعهم على أن ربهم تعالى ذكره واحدٌ، ونبيهم محمدٌ صلى الله عليه وسلم صادقٌ، وقبلتهم واحدةٌ.

ص: 103

وقلتم. قد كثرت الأهواء، وتشتت الآراء، وتنابز الناس بالألقاب، وتعادوا فتباغضوا وافترقوا، وقد أمرهم الله تعالى ذكره بالألفة، ونهاهم عن الفرقة، فقال جل ذكره في محكم كتابه:{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون. ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون. ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم} .

وقال تعالى ذكره: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} .

2-

وقلتم: هذا كتاب الله المنزل وتنزيله المحكم، يأمر بالائتلاف، وينهى عن الاختلاف، وقد خالف ذلك من قد علمتم من الأمة؛ فكفر بعضهم بعضاً، وتبرأ بعضٌ من بعضٍ، وكل حزبٍ يدلي بحجة لما يظهر من اعتقاده؛ فيلعن –على القول بخلافه فيه-

ص: 104

من خالفه، ولا سيما في زماننا هذا وبلدتنا هذه، فإن المصدور عن قوله فيهم، والمأخوذ معالم الدين عنه منهم الأجهل، والمقنوع برأيه وعلمه في نوازل الحلال والحرام وشرائع الإسلام عندهم الأسفه الأرذل.

فالمسترشد منهم حائرٌ تزيده الليالي والأيام على طول استرشاده إياهم حيرةً، والمستهدي منهم إلى الحق فيهم تائهٌ، يتردد على كر الدهور باستهدائه إياهم في ظلمةٍ لا يتبين حقاً من باطلٍ، ولا صواباً من خطأٍ.

3-

وسألتموني إيضاح قصد السبيل، وتبيين هدي الطريق لكم في ذلك بواضح من القول وجيز، وبين من البرهان بليغ؛ ليكون ذلك لكم إماماً في القول فيما اشتجر فيه الماضون تأتمون به، وعماداً تعتمدون عليه فيما تبتغونه من معرفة صحة القول في الحوادث والنوائب فيما يختلف فيه الغابرون.

وإن مسألتكم إياي صادفت مني فيكم تحريا، ووافقت مني

ص: 105

لكم احتساباً؛ لما صح عندي، وتقرر لدي من خصوص عظيم البلاء ببلدكم دون بلاد الناس سواكم من ترؤس الرويبضة فيكم، واستعلاء أعلام الفجرة عليكم وإعلانهم صريح الكفر جهرةً بينكم، وإصغاء عوامكم لهم، وترك وزعتكم إلحاقهم بنظائرهم بقتلهم ثم صلبهم والتمثيل بهم، حتى لقد بلغني عن جماعة منهم أن

ص: 106

الأمنية بينكم بلغت بهم، والجرأة عليكم حملتهم على إظهار نوعٍ من الكفر لا يعلم أنه دان به يهوديٌ، ولا نصرانيٌ، ولا مجوسيٌ، ولا وثنيٌ، ولا زنديقٌ ولا ثنويٌ، ولا جنسٌ من

ص: 107

أجناس أهل الكفر سواهم، وهو أن أحدهم –فيما ذكر لي- يخط بيده في التراب بسم الله، ويكتب بيده نحوه على اللوح، أو ينطق بلسانه، ثم يقول:((قولي هذا الذي قلته ربي الذي أعبده، وكتاب هذا الذي كتبته: خالقي الذي خلقني)) .

ويزعم أن علته في صحة القول بذلك أن أبا زرعة وأبا حاتم الرازيين قالا: ((الاسم هو المسمى)) .

4-

فلا هو يعقل الاسم ولا يعرف المسمى، ولا هو يدري ما مراد القائل: الاسم هو المسمى، ولا مراد القائل: الاسم غير المسمى، ولا مراد القائل: لا هو المسمى ولا غير المسمى، بلادة وعمى،

ص: 108

فسبحان الله لقد عظمت مزلة هؤلاء القوم الذين وصفت صفتهم، الزاعمين أنهم يعملون ربهم بأيديهم، ويحدثونه بألسنتهم كلما شاءوا، ويفنونه بعد إحداثهموه كلما أحبوا، لقد خابوا وخسروا، وضلوا بفريتهم هذه على الله ضلالاً بعيداً، وقالوا على الله قولاً عظيماً.

ص: 109

وغير بديع –رحمكم الله- أن يصغى إلى مثل هذا العظيم من الكفر العجيب فيتقبله من كان قد أخذ عن آبائه الدينونة بنبوة السندي الرشنيق، ويقبل منهم عنه تحليل الزنا، وإباحة فروج

ص: 110

النساء بغير نكاح ولا شراء، ومن كان دايناً بإمامة من رأى أن المآثم تزول عن الزاني بامرأة رجلٍ بإحلال زوجها له ذلك.

5-

وإن بلدةً وجد فيها أشكال من ذكرنا على جهله وعمى قلبه اتباعاً، وسلم فيها من سفك دمه جهاراً، لحريٌ أن تكون الأقلام عن أهلها مرفوعةً، وأن يكون الإثم عنهم موضوعاً وجديرون أن يتركوا في طغيانهم يعمهون، وفي دجى الظلماء يترددون، غير أني تحريث بياني ما بينت، وإيضاحي ما أوضحت في كتابي هذا لذوي الأفهام والألباب منكم، ليكون ذلك ذكرى لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد.

فليدبر كل من قرأ –منكم ومن سائر الناس غيركم- كتابي هذا بإشعار نفسه نصحها، وطلبه حضها، وتركه تقليد الرؤوس الجهال، ودعاة الضلال؛ فإني لم آل نفسي فيه وإياكم والمسلمين نصحاً. فإلى الله أرغب في حسن التوفيق، وإصابة القول في توحيده وعدله وشرائع دينه، والعون على ما يقرب من محابه، إنه سميعٌ قريب، وصلى الله على محمدٍ النبي وسلم تسليماً.

ص: 111