المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القول في الاختلاف في الرؤية - التبصير في معالم الدين للطبري

[ابن جرير الطبري]

الفصل: ‌القول في الاختلاف في الرؤية

‌القول في الاختلاف في الرؤية

49-

قال أبو جعفر:

اختلف أهل القبلة في جواز رؤية العباد صانعهم:

(أ) فقال جماعة القائلين بقولهم جهم: لا تجوز الرؤية على الله –تعالى ذكره- ومن أجاز الرؤية عليه فقد حده، ومن حده فقد كفر.

ص: 215

(ب) وقال ضرار بن عمرو: الرؤية جائزةٌ على الله تعالى ذكره، ولكنه يرى في القيامة بحاسةٍ سادسة.

(ج) وقال هشامٌ وأصحابه وأبو مالك.. .... .... ....

ص: 216

.... ....النخعي ومقاتل بن سليمان: الرؤية على الله –جل ثناؤه- جائزةٌ بالأبصار التي هي أبصار العيون.

(د) وقال جماعةٌ متصوفةٌ، ومن ذكر ذلك عنه مثل بكر بن

ص: 217

أخت عبد الواحد: الله –جل وعز- يرى في الدنيا والآخرة، وزعموا أنهم قد رأوه، وأنهم يرونه كلما شاءوا – إلا أنهم زعموا أنه يراه أولياؤه دون أعدائه.

ص: 218

ومنهم من يقول: يراه الولي والعدو في الآخرة، إلا أن الولي يثبته إذا هو رآه؛ لأنه يتراءى في صورةٍ إذا رآه بها عرفه، وأن العدو لا يثبته إذا رآه.

(هـ) وقال بعض أهل الأثر: يراه المؤمنون يوم القيامة بأبصارهم، ويدركونه عياناً ولا يحيطون به.

وقال آخرون منهم: يراه المؤمنون بأبصارهم ولا يدركونه.

قالوا: وإنما زعمنا أنهم لا يدركونه؛ لأنه قد نفى الإدراك عن

ص: 219

نفسه بقوله: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} .

فهذه جملة أقاويلهم.

50-

واعتل الذين نفوا الرؤية عنه بأن قالوا: إن كل من رأى شيئاً فلن يخلو في حال رؤيته إياه من أن يكون يراه مبايناً لبصره أو ملاصقاً.

قالوا: وغير جائزٍ أن يرى الرائي، ويبصر المبصر ما لاصق بصره؛ لأن ذلك لو كان جائزاً لوجب أن يرى الرائي عين نفسه.

فلما كان ذلك غير جائز في الدنيا، كان كذلك غير جائز في الآخرة، لأن ذلك إن جاز في الآخرة وهو غير جائز في الدنيا جاز أن يرى بسمعه في الآخرة ويسمع ببصره، فإذا كان ذلك في الدنيا

ص: 220

محالاً، وكان ذلك غير جائزٍ كان كذلك رؤية البصر ما لاصقه في الآخرة محالاً كما كان في الدنيا محالاً.

قالوا: وإذا فسد ذلك لم يبق إلا أن يقال: إن العبد في الآخرة يرى ربه مبايناً ببصره؛ إذ كانت الأبصار في الدنيا لا ترى إلا ما باينها، فكذلك الواجب في الآخرة مثلها في الدنيا لا ترى إلا ما باينها؛ وجب أن يكون العبد إذا رآه في الآخرة مبايناً ببصره أن يكون بينه وبينه فضاءٌ.

وإذا كان ذلك كذلك كان معلوماً أن ذلك الفضاء لو كان الصانع فيه كان أعظم مما مر به، وليس هو فيه. قالوا: وفي وجوب ذلك كذلك وجوب حد له.

والقول بأنه يحد لو توهم بأكثر من ذلك الحد كان أعظم مما هو به. قالوا: وذلك صفةٌ لله عز وجل باللطف والصغر، وإيجاب الحدود له، وذلك عندهم خروجٌ من الإسلام.

قالوا وبعد: بعض من يخالفنا من أهل هذه المقالات ينفون الحدود عنه ويوافقوننا على ذلك.

ص: 221

قالوا: وفي نفيهم ذلك عنه –مع إجازتهم الرؤية عليه- نقضٌ منهم لقولهم: إذا أثبتوه مرئياً على المباينة التي وصفنا، نقضوا قولهم بذلك أنه غير محدودٍ.

وفي قولهم: إنه غير محدود نقضٌ منهم لقولهم: إنه يرى؛ لأنه إذا كان مرئياً لم يكن مرئياً إلا على المباينة التي وصفنا، وذلك إيجاب حد لله تعالى ذكره.

قالوا: فكل قولٍ من ذلك ناقضٌ لصاحبه، ولن يسلم مخالفنا من المناقضة.

قالوا: وفي تناقض القولين الدلالة الواضحة على فساد قول مخالفنا القائل: برؤية الصانع، وصحة قولنا.

ص: 222