الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول في الفروع التي تحدث عن الأصول التي ذكرنا أنه لا يسع أحداً الجهل بها من معرفة توحيد الله وأسمائه وصفاته
22-
قال أبو جعفر:
قد دللنا فيما مضى قبل من كتابنا هذا أنه لا يسع أحداً بلغ حد التكليف الجهل بأن الله –جل ذكره- عالمٌ له علمٌ، وقادرٌ له قدرة، ومتكلمٌ له كلامٌ، وعزيزٌ له عزةٌ، وأنه خالقٌ. وأنه لا محدثٌ إلا مصنوعٌ مخلوقٌ.
وقلنا: من جهل ذلك فهو بالله كافرٌ؛ فإذا كان ذلك صحيحاً بالذي به استشهدنا، فلا شك أن من زعم أن الله محدثٌ، وأنه قد كان لا عالماً، وأن كلامه مخلوقٌ، وأنه قد كان ولا كلام له، فإنه أولى بالكفر وبزوال اسم الإيمان عنه.
وكذلك من زعم أن فعله محدثٌ، وأنه غير مخلوقٍ، فمثله لا
شك أنه أولى باسم الكفر من الزاعم أنه لم يزل عالماً لا علم له؛ إذ كان قائل ذلك أوجب أن يكون في سلطان الله ما لا يقدر عليه ولا يريده، وأن يكون مريداً أمراً فيكون غيره، ولا يكون الذي يريده.
ذلك لا شك صفة العجزة، لا صفة أهل القدرة.
فإذا كان ذلك كذلك؛ فلا شك أن من يزعم أن كلام الله يتحول بتلاوته إذا تلاه، وبحفظه إذا حفظه، أو بكتابه إذ كتبه محدثاً مخلوقاً؛ فبالله –تعالى ذكره- كافرٌ.
وكذلك القول فيه إن شك أنه غير مخلوق: مقروءاً كان، أو محفوظاً، أو مكتوباً، كما لو قال قائلٌ: إن بارئ الأشياء يتحول بذكره، أو بمعرفته، أو بكتابته مصنوعاً لا صانعاً؛ كان لا شك في كفره.
وكذلك القول فيه لو شك في أنه يتحول عما هو به من صفاته بذكر ذاكر له، أو علم عالم له، أو كتابة كاتبٍ واسمه؛ كان كافراً.
23-
وكذلك القول أن صفةً من صفاته تتحول عما هي به بذكر ذاكرٍ، أو معرفة عارف بها، أو كتابة كاتبٍ؛ أو شك في أنه لا يجوز تحولها أو تبديلها أو تغيرها عما لم يزل الله تعالى ذكره بها موصوفاً.
كما كان غير جائزٍ أن يتحول كلام الله –عز وجل مخلوقاً بقراءة قارئٍ، أو كتابة كاتبٍ، أو حفظ حافظٍ. أو يتحول الصانع مصنوعاً، أو القديم محدثاً بذكر محدثٍ مصنوعٍ إياه؛ فكذلك غير جائزٍ أن
تتحول قراءة قارئ، أو تلاوته، أو حفظه القرآن قرآناً أو كلام الله –تعالى ذكره-؛ بل القرآن هو الذي يقرأ ويكتب ويحفظ، كما الرب –جل جلاله هو الذي يعبد ويذكر.
وشكر العبد ربه عبادته إياه، وذكره له غيره، والشاك في ذلك لا شك في كفره.
وكما كان ذلك كذلك، فكذلك القول في الزاعم أن شيئاً من أفعال العباد أو غير ذلك من المحدثات غير مخلوقٍ، أو غير كائنٍ بتكوين الله جل ثناؤه – إياه، وإنشائه عينه؛ فبالله كافرٌ.
وسواءٌ كان ذلك ذكر العبد ربه أو ذكره الشيطان إلا أن بعضهم يقصد بزعمه أن ذكره ربه مخلوقٌ إلى أن ربه مخلوقٌ؛ فيكون بذلك كافراً حلال الدم والمال.
24-
وكذلك القول في قائل لو قال: ((قراءتي القرآن مخلوقةً)) . وزعم أنه يريد بذلك القرآن مخلوقٌ: فكافرٌ لا شك فيه عندنا، ولا أحسب أحداً أعطي شيئاً من الفهم والعقل يزعم ذلك أو يقوله.
فأما إن قال: أعني بقول ((قراءتي)) : فعلي الذي يأجرني الله عليه والذي حدث مني بعد أن لم يكن موجوداً، لا القرآن الذي هو كلام الله –تعالى ذكره- الذي لم يزل صفةً قبل كون الخلق جميعاً، ولا يزال بعد فنائهم الذي هو غير مخلوقٍ. فإن القول فيه نظير القول في الزاعم أن ذكره الله –جل ثناؤه- بلسانه مخلوقٌ، يعني بذلك فعله لا ربه الذي خلقه وخلق فعله.
قال أبو جعفر:
قد قلنا في تبصير المستهدي إلى صواب القول فيما تنازعت فيه أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد فراقه إياهم من توحيد الله تعالى ذكره
وأسمائه وصفاته وعدله، وفيما يسع الجهل به من ذلك ولا يسع ذلك فيه. وفي حكم من جهل منه ما يضيق الجهل به وفي فروع ذلك. وحكم من جهل من فروعه ما وقع التشاجر فيه إلى يومنا هذا، أو فيما عسى أن يحدث بعد، بما فيه الكفاية لمن وفق لفهمه وأعين عليه فهدي لرشده.