الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول في صفة المستحق القتل أنه بالله عارفٌ المعرفة التي يزول بها عنه اسم الكفر
11-
قال أبو جعفر: لن يستحق أحدٌ أن يقال له: إنه بالله [عارفٌ] المعرفة التي إذا قارنها الإقرار والعمل استوجب به اسم الإيمان، وأن يقال له: إنه مؤمنٌ، إلا أن يعلم بأن ربه صانع كل
شيءٍ ومدبره، منفرداً بذلك دون شريكٍ ولا ظهيرٍ، وأنه الصمد الذي ليس كمثله شيءٌ: العالم الذي أحاط بكل شيء علمه، والقادر الذي لا يعجزه شيءٌ أراده، والمتكلم الذي لا يجوز عليه السكوت. وأن يعلم أن له علماً لا يشبهه علوم خلقه، وقدرةً لا تشبهها قدرة عباده، وكلاماً لا يشبهه كلام شيء سواه. وأنه لم يزل له العلم والقدرة والكلام.
12-
فإن قال لنا قائلٌ:
فإنك قد ألزمت هذا الذي بلغ حد التكليف شططاً: أوجبت له الكفر بجهل ما قد عجز عن إدراك صحته من قد عاش من السنين
مائة، ومن العمر طويلاً من المدة، وأنى له السبيل في المدة التي ذكرت مع قصرها إلى معرفة هذه المعاني.
قيل له: إن الذين جهلوا حقيقة ذلك مع مرور الزمان الطويل، لم يجهلوه لعدم الأسباب الممكن معها الوصول إلى علم ذلك في أقصر المدة وأيسر الكلفة؛ ولكنهم تجاهلوا مع ظهور الأدلة الواضحة، والحجج البالغة لحواسهم؛ فأدخلوا اللبس على أنفسهم، والشبهة على عقولهم، حتى أوجب ذلك لهم الحيرة، وأكسبهم الجهل والملالة. ولو أنهم لزموا محجة الهدى، وأعرضوا عما دعاهم إليه دواعي الهوى لوجدوا للحق سبيلاً نهجاً، وطريقاً سهلاً.
وأي أمر أبين، وطريقٍ أوضح، ودليلٍ أدل دلالةً من قول القائل: الله عالمٌ، على إثبات عالمٍ له علمٌ.
13-
ولئن كان لا دلالة في قول القائل:
هو عالمٌ، على إثبات عالمٍ له علمٌ أنه لا دلالة من قول قائل: ((إنه على إثباته؛ إذ كان المعلوم في النشوء والعادة أن كل شيءٍ مسمى بعالمٍ فإنما هو مسمى به من أجل أن له علماً، فإن يك واجباً أن يكون المعلوم في النشوء والعادة في المنطق الجاري بينهم، والمتعارف فيه في بارئ الأشياء: خلافاً لما جرت به العادة والتعارف بينهم.
إنه لواجبٌ أن يكون قول القائل: ((إنه)) دليلٌ على النفي لا على الإثبات، فيكون المقر بوجود الصانع مقراً بأنه غير عدمٍ، لا مقراً بوجوده؛ كما كان المقر بأنه عالمٌ مقراً –عند قائل هذه المقالة- بأنه ليس بجاهلٍ، لا مقراً بأن له علماً.
فإن كان المقر عندهم بأنه مقرٌ بإثباته ووجوده، لا نافياً عدمه؛ فكذلك المقر بأنه عالمٌ مقرٌ بإثبات علمٍ له لا ينفي الجهل عنه.
وكذلك القول في القدرة، والكلام، والإرادة، والعزة،
والعظمة، والكبرياء، والجمال، وسائر صفاته التي هي صفات ذاته.
14-
فإن قال لنا قائلٌ:
فهل من معاني المعرفة شيءٌ سوى ما ذكرت؟
قيل: لا.
فإن قال: فهل يكون عارفاً به من زعم أنه يفعل العبد ما لا يريده ربه ولا يشاء؟ قيل: لا.
وقد دللنا فيما وصفناه بالعزة التي لا تشبهها عزةٌ على ذلك.
وذلك أنه من لم يعلم أنه لا يكون في سلطان الله –عز ذكره- شيءٌ إلا بمشيئته، ولا يوجد موجودٌ إلا بإرادته، لم يعلمه عزيزاً.
وذلك أن من أراد شيئاً فلم يكن وكان مالم يرد، فإنما هو مقهورٌ ذليلٌ، ومن كان مقهوراً ذليلاً فغير جائزٍ أن يكون موصوفاً بالربوبية.
فإن قال: فإن من يقول هذا القول يزعم أن إرادة الله ومشيئته: أمره ونهيه، وليس في خلاف العبد الأمر والنهي قهرٌ له؟
قيل له: لو كان الأمر كما زعمت، لكان الله تعالى ذكره لم يعم عباده بأمره ونهيه، لأنه يقول:{ولو شاء الله لجمعهم على الهدى} .
فإن تك المشيئة منه أمراً، فقد يجب أن يكون من لم يهتد لدين الإسلام لم يدخله الله عز وجل في أمره ونهيه الذي عم به خلقه، وفي عمومه بأمره ونهيه جميعهم، مع ترك أكثرهم قبوله: الدليل الواضح على أن قوله: {ولو شاء الله لجمعهم على الهدى} إنما معناه: لو شاء الله لجمعهم على دين الإسلام، وإذ كان ذلك كذلك كان بيناً فساد قول من قال: مشيئة الله –تعالى ذكره- أمره ونهيه!