الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول في الاختلاف في أمر القرآن
42-
قال أبو جعفر:
ثم كان الاختلاف الحادث بعد ذلك في أمر القرآن.
(أ) فقال بعضهم: هو مخلوقٌ.
(ب) وقال آخرون: ليس بمخلوقٍ ولا خالقٍ.
(ج) وقال آخرون: لا يجوز أن يقال: هو مخلوقٌ ولا غير مخلوق.
قال أبو جعفر:
والصواب في ذلك من القول عندنا قول من قال: ليس بخالقٍ ولا مخلوقٍ؛ لأن الكلام لا يجوز أن يكون كلاماً إلا لمتكلم؟
لأنه ليس بجسمٍ فيقوم بذاته قيام الأجسام بأنفسها.
فمعلومٌ إذ كان ذلك كذالك أنه غير جائز أن يكون خالقاً؛ بل الواجب إذ كان ذلك كذلك أن يكون كلاماً للخالق، وإذ كان كلاماً للخالق، وبطل أن يكون خالقاً، لم يكن أن يكون مخلوقاً؛ لأنه لا يقوم بذاته وأنه صفةٌ والصفات لا تقوم بأنفسها، وإنما تقوم بالموصوف بها، كالألوان والطعوم والأراييح والشم، لا يقوم شيءٌ من ذلك بذاته ونفسه، وإنما يقوم بالموصوف به.
فكذلك الكلام صفةٌ من الصفات لا تقوم إلا بالموصوف بها.
وإذ كان ذلك كذلك صح أنه غير جائزٍ أن يكون صفةً
للمخلوق والموصوف بها الخالق؛ لأنه لو جاز أن يكون صفةً لمخلوقٍ والموصوف بها الخالق، جاز أن يكون كل صفةٍ لمخلوقٍ فالموصوف بها الخالق، فيكون إذ كان المخلوق موصوفاً بالألوان والطعوم والأراييح والشم والحركة والسكون أن يكون الموصوف بالألوان وسائر الصفات التي ذكرنا الخالق دون المخلوق، في اجتماع جميع الموحدين من أهل القبلة وغيرهم على فساد هذا القول ما يوضح فساد القول بأن يكون الكلام الذي هو موصوفٌ به رب العزة كلاماً لغيره.
فإذا فسد ذلك وصح أنه كلامٌ له، وكان قد تبين ما أوضحنا قبل أن الكلام صفةٌ لا تقوم إلا بالموصوف بما صح أنه صفةٌ للخالق. وإذ كان ذلك كذلك صح أنه غيره مخلوق.
43-
ومن أبى ما قلنا في ذلك قيل له: أخبرنا عن الكلام الذي وصفت أن القديم به متكلمٌ مخلوقٌ، أخلقه إذ كان عنده مخلوقاً في ذاته، أم في غيره، أم قائمٌ بنفسه؟
فإن زعم خلقه في ذاته، فقد أوجب أن تكون ذاته محلاً للخلق، وذلك عند الجميع كفرٌ.
وإن زعم أنه خلقه قائمٌ بنفسه.
قيل له: أفيجوز أن يخلق لوناً قائماً بنفسه وطعماً وذواقاً؟
فإن قال: لا، قيل له: فما الفرق بينك وبين من أجاز ما أبيت من قيام الألوان والطعوم بأنفسها، وأنكر ما أجزت من قيام الكلام بنفسه؟!
ثم يسأل الفرق بين ذلك، ولا فرق.
وإن قال: بل خلقه قائماً بغيره. قيل له: فخلقه قائمٌ بغيره وهو صفةٌ له؟! فإن قال: بلى.
قيل له: أفيجوز أن يخلق لوناً في غيره فيكون هو المتلون، كما خلق كلاماً في غيره، فكان هو المتكلم به. وكذلك يخلق حركةً في غيره فيكون هو المتحرك بها.
فإن أبى ذلك سئل الفرق.
وإن أجاز ذلك أوجب أن يكون –تعالى ذكره- إذا خلق حركةً في غيره فهو المتحرك. وإذا خلق لوناً في غيره فهو المتلون به. وذلك عندنا وعندهم كفرٌ وجهلٌ.
وفي فساد هذه المعاني التي وصفنا الدلالة الواضحة إذ كان لا وجه لخلق الأشياء إلا بعض هذه الوجوه، صح أن كلام الله صفةٌ له، غير خالق ولا مخلوقٍ. وأن معاني الخلق عنه منفيةٌ.