الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توثيق نسبة الكتاب
لم يكن هذا الكتاب بحاجة إلى توثيق نسبته إلى الإمام ابن القيم رحمه الله، فإننا لا نعرف أحدًا شكّ في ذلك، لولا ما وجد على ظهر نسخة منه، وهي محفوظة في مكتبة الدولة في برلين برقم 8795، وناقصة من أولها بقدر ستين ورقة تقريبًا، فكتب بعضهم في أعلى الورقة الأولى:"كتاب نهج العمل لابن حجر"، وفي ورقة أخرى قبلها كتب:"نهج العمل لابن حجر في السلوك". ولعل من كتب هذه العبارة قصد المغالاة في ثمن النسخة وإغراء من يعرضها عليه بالشراء. وذلك لأن النسخة كتبت سنة 816 هـ كما جاء في خاتمتها، فإذا كان مؤلفها الحافظ ابن حجر المتوفى سنة 852 هـ، فهي على هذا قد نسخت في حياة المؤلف قبل وفاته بستة وثلاثين عامًا، فلا شكّ إذن في كونها نسخة ثمينة جدَّا! ولكن لا أدري من أين جاء هذا الكاتب بعنوان "نهج العمل"، إذ لم أره عنوانًا لكتاب مطلقًا في كشف الظنون وذيله، فضلًا عن أن يكون عنوانًا لكتاب من كتب الحافظ ابن حجر رحمه الله. والجدير بالذكر أن في بداية بعض الكراريس تصريحًا بكونه "حادي عشر من طريق الهجرتين" مثلًا.
وبعد، فإن الشواهد على نسبة الكتاب إلى ابن القيم كثيرة جدًّا ومتنوعة. ومن أبرزها:
(1)
أن المخطوطة التي اعتمدنا عليها في هذه الطبعة مسودة الكتاب بخط المؤلف. وفي صفحة العنوان كتب اسمه واسم الكتاب مصرّحًا بأنه من تأليفه، كما سيأتي في وصف المخطوطة.
(2)
أن المؤلف نفسه ذكره أربع مرّات في كتابه مدارج السالكين، والمباحث التي أحال فيها على كتابنا كلها موجودة فيه. فذكر في الموضع الأول (1/ 155) مذهب نفاة الحكمة والتعليل الذين لا فرق عندهم بين المأمور والمحظور في نفس الأمر، والمشيئة هي التي اقتضت أمره ونهيه عن هذا. ثم أشار إلى أنه بيّن فساد هذا الأصل من نحو ستين وجهًا في كتابه مفتاح دار السعادة، وأنه ذكره أيضًا في كتابه المسمى بسفر الهجرتين وطريق السعادتين. وهذا المبحث موجود في كتابنا في ص (246).
وفي الموضع الثاني (1/ 480) أورد فصلًا في مشاهد الخلق في المعصية وقال: "ولعلك لا تظفر به في كتاب سواه إلّا ما ذكرناه في كتابنا المسمى سفر الهجرتين في طريق السعادتين". وهذا الفصل يوجد في كتابنا في ص (350).
وفي الموضع الثالث (1/ 567) عندما فسّر ابن القيم كلام صاحب منازل السائرين في رياضة خاصة الخاصة، وأن منها "قطع المعاوضات" نبّه على أن سؤال المحبّ الصادق أن يثيبه اللَّه سبحانه الجنة والقرب منه والتنعم بحبه ليس قادحًا في عبوديته، ثم قال:"وقد استوفينا ذكر هذا الموضع في كتاب سفر الهجرتين عند الكلام على علل المقامات". ولعل المؤلف يشير إلى المسألة الخامسة من المسائل الخمس في المحبة والشوق، التي تكلم عليها في كتابنا في ص (729).
وأشار في الموضع الرابع (2/ 74) إلى مسألة في الشوق، هل يبقى عند لقاء المحبوب أو يزول، فقال:"ولقد ذكرنا هذه المسألة مستقصاة وتوابعها في كتابنا الكبير في المحبة، وفي كتاب سفر الهجرتين". وهذه
المسألة هي المسألة الثالثة من المسائل الخمس المذكورة. انظر ص (724).
(3)
ومنها أن ابن القيم أحال في هذا الكتاب على مؤلفات أخرى له نحو قوله في ص (86): "وقد ذكرنا في كتاب الكلم الطيب والعمل الصالح من فوائد الذكر استجلاب ذكر اللَّه لعبده، وذكرنا قريبًا من مائة فائدة تتعلق بالذكر، وكل فائدة منها لا خطر لها، وهو كتاب عظيم النفع جدًّا". والكتاب المذكور معروف مطبوع، وقد صدرت منه نشرة جديدة ضمن هذا المشروع أيضًا بعنوان "الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب".
وكذلك أحال فيه على كتابه "التحفة المكية" مرتين (425، 454)، وهو من الكتب التي ذكرها الحافظ ابن رجب وغيره من مؤلفات ابن القيم. وقد أشار ابن القيم أيضَا إليه في عدة مواضع من كتابه بدائع الفوائد.
وأحال أيضًا على كتاب كبير له في المحبة قائلًا: "وقد ذكرنا مجموع هذه الطرق في كتابنا الكبير في المحبة الذي سميناه "المورد الصافي والظل الضافي" في المحبة وأقسامها وأنواعها وأحكامها، وبيان تعلقها بالإله الحق دون ما سواه، وذكرنا من ذلك ما يزيد على مائة وجه"(124). وهذا الكتاب هو الذي أشار إليه في مدارج السالكين (2/ 598) -وإن لم يسمّه- فقال: "وجميع طرق الأدلة عقلًا ونقلًا وفطرةً وقياسًا واعتبارًا وذوقًا ووجدًا تدلّ على إثبات محبة العبد لربه والرب لعبده، وقد كرنا من ذلك قريبًا من مائة طريق في كتابنا الكبير في المحبة". وهو غير كتاب "روضة المحبين" المطبوع.
وقد أشار أيضًا إلى تابين آخرين لم يسمّهما، فقال في موضع:
"وقد ذكرنا مائتي دليل على فضل العلم وأهله في كتاب مفرد"(770). ولا يخفى أن المقصود كتاب فضل العلماء الذي ذكره ابن رجب في ترجمة ابن القيم
(1)
.
وفي موضع آخر تطرق الكلام إلى الأنفع والأفضل من النخيل والعنب وأنّ طائفة رجحت النخل وأخرى رجحت العنب، فقال:"وذكرت كل طائفة حججًا لقولها قد ذكرناها في غير هذا الموضع"(808). والظاهر أن المؤلف رحمه الله يشير إلى كتابه مفتاح دار السعادة الذي تضمن هذا المبحث (2/ 117).
(4)
ومنها المباحث المشتركة بين هذا الكتاب والكتب الأخرى للمؤلف، ولا خلاف بينها إلا في الاختصار والتفصيل أو التقديم والتأخير. أما نفسه وبيانه ومنهجه في ذكر الأقوال والمذاهب والموازنة بينها، فهو هو، بل تجد اللفظ بعينه بعض الأحيان.
ومن أمثلتها مبحث طويل في مذاهب الناس في أطفال المشركين (842 - 877). وقد ورد المبحث نفسه في كتاب أحكام أهل الذمة (1086 - 1130)، وفي حاشية المؤلف على سنن أبي داود (12/ 320).
ومن ذلك أيضًا تفسير المؤلف لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين وغلبة الرجال"(605). وقد فسره أيضًا في بدائع الفوائد (714) ومفتاح
(1)
الذيل على طبقات الحنابلة (5/ 175). وانظر: ابن قيم الجوزية للشيخ بكر بن عبد اللَّه أبو زيد (282).
دار السعادة (1/ 375) والداء والدواء (118).
ومن ذلك تفسيره لكلام صاحب منازل السائرين على الفقر والغنى والتجريد والشوق. وقد فسره في كتابنا هذا (19، 63، 67، 729) ثم فسره في مدارج السالكين (2/ 497، 503)، (3/ 21، 408). والمقارنة بينهما تكشف عن وجوه المشابهة والمفارقة، ولكن تؤكد في الوقت نفسه أن الكلامين لمؤلف واحد.
(5)
ومنها نقول المؤلف عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. وبعضها من كتبه وبعضها رواية شفوية عنه. وسيأتي الحديث عنها عند الكلام على موارد المؤلف في هذا الكتاب.
(6)
وأخيرًا اتفاق كتب التراجم على نسبته إلى ابن القيم، وبعضها لتلامذته ومعاصريه، كما سيتبين من الفقرة الآتية.