المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 - نقد كتاب محاسن المجالس لابن العريف في علل المقامات - طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عطاءات العلم - المقدمة

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌توثيق نسبة الكتاب

- ‌عنوان الكتاب

- ‌تاريخ تأليف الكتاب

- ‌مقصد الكتاب

- ‌ترتيب الكتاب وبعض مباحثه المهمّة

- ‌1 - مبحث في القضاء والقدر:

- ‌2 - نقد كتاب محاسن المجالس لابن العريف في علل المقامات

- ‌أهمية الكتاب

- ‌موارد الكتاب

- ‌ أولًا: الكتب

- ‌ ثانيًا: المؤلفون

- ‌ ثالثًا: النقول عن شيخ الإسلام

- ‌طبع الكتاب وتحقيقه واختصاره وترجمته

- ‌أوّلًا: طبعه وتحقيقه:

- ‌ثانيًا: اختصاره

- ‌ثالثًا: ترجمته

- ‌مخطوطات الكتاب

- ‌1 - نسخة الظاهرية (الأصل)

- ‌2 - نسخة الفاتح (ف):

- ‌3 - نسخة برلين الأولى (ب)

- ‌4 - نسخة برنستون (ن)

- ‌5 - نسخة الكويت (ك)

- ‌6 - نسخة برلين الثانية

- ‌7).7 -نسخة الأميرة نورة بنت الإمام فيصل بن تركي

- ‌8 - نسخة ابن سحمان

- ‌9 - نسخة مكتبة المعهد العلمي بحائل

- ‌10 - نسخة الضويان

- ‌11 - نسخة محفوظة في مكتبة جامعة بولونيا (إيطاليا) برقم 236

- ‌ 127).12 -نسخة في مكتبة جامعة ليدن

- ‌ 127).13 -نسخة في جامعة الإمام برقم 891/ خ

- ‌14 - نسخة في مكتبة الشيخ علي بن يعقوب في حائل

- ‌منهج التحقيق

- ‌نماذج مصوّرة من النسخ الخطّيّة المعتمدة

الفصل: ‌2 - نقد كتاب محاسن المجالس لابن العريف في علل المقامات

وهنا واجه مسألة كبيرة أخرى من المعضلات، قد أشكلت على الفلاسفة وغيرهم من أصحاب الديانات والمقالات قديمًا وحديثًا، فخبطوا فيها خبط عشواء. هي مصدر الشرّ الموجود في العالم وحكمة خلق الأضداد. فناقش المؤلف هذه المسألة من وجوه مختلفة، وأعاد فيها وأبدأ ذاكرًا مذاهب الناس في دخول الشر في القضاء الإلهي، والأصول التي تفرّعت عنها تلك المذاهب، وفي أثنائها تعرض لمسألة إيلام الأطفال والبهائم. وفي الأخير نقل فصلًا لفخر الدين الرازي في هذه المسألة من كتابه المباحث المشرقية، وعقّب عليه.

وقد اتضح من هذا العرض المقتضب لمسألة القضاء والقدر وما يتصل بها كيف تطرق الكلام إليها، ثم اقتضى خطرها وكثرة التنازع فيها أن يتوسع في مناقشتها. ولعلك تذكر قول المؤلف في بداية الفصل أن اللَّه سبحانه لا يحبس فضله عن الانسان إلا لأمرين، وأنه ذكر الأمر الأول الذي قاده إلى هذه المسألة العظيمة الواسعة الأطراف، فذهب عليه مع استطالة الكلام أن يذكر الأمر الثاني. وهذا الموضع ومواضع أخرى تدلّ على أن المؤلف رحمه الله لم يتمكن من إعادة النظر في الكتاب بعد تسويده.

‌2 - نقد كتاب محاسن المجالس لابن العريف في علل المقامات

أبو العباس أحمد بن محمد بن موسى الصنهاجي الأندلسي المعروف بابن العريف من أكابر صوفية الأندلس. ولد في المرية، ومات في مرّاكش. كانت له عناية بالقراءات ومشاركة في عدة علوم. وكان أديبًا شاعرًا، وكانت بينه وبين القاضي عياض مكاتبات حسنة

(1)

. وله كتاب

(1)

وفيات الأعيان (1/ 168 - 169).

ص: 29

في علل المقامات سمّاه "محاسن المجالس". وقد نشره المستشرق الإسباني آسين بلاسيوس في باريس 1933 م. وعن هذه النشرة أعاد نشره نهاد خياطة في مجلة المورد العراقية (المجلد 19 العدد 4 سنة 1980) وجاء النص فيها في 25 صفحة. فهو كتاب لطيف. وقد ذكر شيخ الإسلام أنه اعتمد فيه على كتاب "علل المقامات" للشيخ الهروي، فقال في كلام له على التوكل:"فقد تبيّن أنّ من ظنّ التوكل من مقامات عامّة أهل الطريق فقد غلط غلطًا شديدًا، وإن كان من أعيان المشايخ كصاحب "علل المقامات"، وهو من أجل المشايخ. وأخذ ذلك عنه صاحب "محاسن المجالس""

(1)

.

ويؤكد ذلك المقارنة بين محاسن المجالس ومنازل السائرين. ونذكر هنا مثالًا واحدًا من فصل الرجاء. قال صاحب المنازل: "الرجاء أضعف منازل المريدين، لأنه معارضة من وجه، واعتراض من وجه. وهو وقوع في الرعونة في مذهب هذه الطائفة إلا ما فيه من فائدة واحدة نطق بها التنزيل والسنة، ودخل في مسالك المحققين. وتلك الفائدة هي كونه يبرّد حرارة الخوف حتى لا يفضي بصاحبه إلى الإياس". ثم ذكر درجاته حسب طريقته

(2)

.

وقال صاحب المجالس: "وأما الرجاء فهو من منازل العوام. وهو انتظار غائب وطلب مفقود، وهو من أضعف منازل القوم في هذا الشأن؟ لأنه معارضة من وجه، واعتراض من وجه آخر. وهو وقوع في الرعونة. ولفائدة واحدة نطق بها التنزيل فقال تعالى:{أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ}

(1)

مجموع الفتاوى (10/ 35).

(2)

مدارج السالكين (2/ 56).

ص: 30

يريد على العوض من أجر المجاهدة. وقال: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5)} ، ووردت به السنة لفائدة واحدة، وهي تبريد حرارة الخوف لئلا يفضي بصاحبه إلى اليأس والقنوط. فهو دواء لمرض الخوف، ولا يعرض ذلك المرض إلّا لعوام هذه الطائفة. . . ".

فالنصان متفقان في الفكر وكثير من الألفاظ والتعبيرات، مع أنه ليس بين أيدينا كتاب علل المقامات للهروي، وإنما نقلنا كلامه من منازل السائرين.

وقد ذكر ابن عبد الهادي أنّ لشيخ الإسلام "قاعدة على كلام ابن العريف في التصوف"

(1)

ولا نعرف خبرًا عن هذه القاعدة، ولا ندري أتكلم فيها على كتابه محاسن المجالس هذا أم على غيره.

يشتمل كتاب المحاسن على فاتحة، و 13 فصلًا، وخاتمة في أربعين كرامة يكرم اللَّه بها أولياءه في الدنيا والآخرة. والفصل الأول في المعرفة والعلم، ثم عشرة فصول في الإرادة، والزهد، والتوكل، والصبر، والحزن، والخوف، والرجاء، والشكر، والمحبة، والشوق. وجعلها جميعًا من منازل عوام السالكين، وقرّر أنها علل أنِف الخواص منها. ثم عقد الفصل الثاني عشر في منازل الخاصة، وذكر فيه حقيقة زهدهم وتوكلهم وصبرهم. . . " إلى آخر المقامات. والفصل الثالث عشر في النظر إلى اللَّه تعالى.

لم يتعرض ابن القيم للفصلين الأول والثالث عشر ولا للخاتمة.

(1)

العقود الدرية (1/ 57).

ص: 31

وإنما تكلم على الفصول التي بين الفصلين المذكورين. لأن غرضه -وهو الكلام على علل المقامات- كان متعلقًا بها. وقد استغرق الكلام عليها نحو 280 صفحة من نشرتنا هذه، أي نحو ثلث الكتاب. فهو بمنزلة رسالة مستقلة في نقد كتاب ابن العريف. وإذا كان المبحث السابق وهو القضاء والقدر وما إليه قد يشعر القارئ باستطالته مع خطره وجلالته، وبأن ابن القيم رحمه الله لو كان ألّف كتابه الكبير من قبل لأحال عليه وأوجز القول هنا، كما فعل في حاشيته على السنن = فإن هذا المبحث -وهو علل المقامات- قد وقع في حاقّ موضعه، وهو من صميم موضوع الكتاب. وذلك لأن هذه المقامات هي مقامات السلوك ومنازله، فيجب على السالك أن يعرف عللها وقوادحها، فيتجنبها ويتحاشاها، لينجح مسعاه ويحمد مسراه.

ومن المصائب أن جميع المقامات التي ذكرت في الكتاب والسنة، ووصف بها الأنبياء وغيرهم من عباد اللَّه الصالحين قد جعلها أرباب الطرق معلولة ومن مقامات العوامّ من السالكين. ومراتب الخاصة فوقها، ثم مراتب خاصّة الخاصّة. فلم يكن محيص من التعرض لهذه العلل في هذا الكتاب الذي قصد به بيان قواعد السلوك الشرعي.

وكان من السهل أن يعقد ابن القيم رحمه الله بابًا كاملًا في علل المقامات، ولكنه لم يفعل، بل جاء كلامه عليها عرضًا في الظاهر، كأنه لم يصمد إليها صمدًا، ولم يكن ذلك من همّه ووكده. ولعل هذا رفق منه بقارئ كتابه، وتلطف وإيناس له، لكيلا يستوحش من البداية، فينفر نفورًا. فلننظر كيف دلف ابن القيم إلى هذا البحث النفيس الخطير.

عقد ابن القيم فصلًا (403) بعنوان "قاعدة نافعة"، وذكر أن الإنسان

ص: 32

من حين استقرت قدمه في الدنيا فهو مسافر فيها إلى ربه، ومدة سفره هو عمره الذي كتب له. والناس في سفرهم هذا إما مسافرون إلى دار الشقاء وإما إلى دار السلام. والسائرون إلى دار السلام ثلاثة أقسام: ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق بالخيرات. والسابقون بالخيرات نوعان: أبرار ومقربون.

ثم عقد فصلًا في مسألة أن أصحاب اليمين هل هم الأصناف الثلاثة (المقتصدون والأبرار والمقربون) أو يدخل فيهم الظالمون لأنفسهم أيضًا. وفصّل القول فيها على طريقته من ذكر خلاف العلماء وأدلتهم وردودهم في نحو 32 صفحة، ثم رجع فقال:"والمقصود الكلام على مراحل العالمين وكيفية قطعهم إياها، فلنرجع إليه فنقول. . . "(441).

ثم وصف حال الأصناف المذكورة، وأفضلها وأعلاها: السابقون المقربون. وقد تواضع ابن القيم فاعتذر واستغفر قبل وصف حالهم قائلًا: "وأما السابقون المقربون، فنستغفر اللَّه الذي لا إله إلا هو أولًا من وصف حالهم وعدم الاتصاف به، بل ما شممنا له رائحة، ولكن محبة القوم تحمل على تعرف منزلتهم والعلم بها. وإن كانت النفوس متخلفة منقطعة عن اللحاق بهم، ففي معرفة حال القوم فوائد عديدة"(446). وبعد ذكر هذه الفوائد شرع في وصف حالهم من الجهتين: جهة الإرادة والعمل، وجهة العلم والمعرفة. فلما وصف حالهم مع الأقدار التي تصيبهم بغير اختيارهم بأنهم يقابلونها بمقتضاها من العبودية ذكر أنهم فيها على ثلاث مراتب: إحداها الرضا عنه فيها والمزيد من حبه والشوق إليه. والمرتبة الثانية شكره عليها كشكره على النعم. وهذا فوق الرضا عنه بها، ومنه ينتقل إلى هذه المرتبة، والمرتبتان لأهل هذا الشأن.

ص: 33

والثالثة للمقتصدين، وهي مرتبة الصبر التي إذا نزل منها نزل إلى نقصان الإيمان وفواته. ثم قال:"فالصبر أول منازل الإيمان ودرجاته، وأوسطها، وآخرها. فإن صاحب الرضا والشكر لا يعدم الصبر في مرتبته، بل الصبر معه، وبه يتحقق الرضا والشكر، لا تصور ولا تحقق لهما دونه. وهكذا كل مقام مع الذي فوقه، كالتوكل مع الرضا، وكالخوف والرجاء مع الحب. فإن المقام الأول لا ينعدم بالترقي إلى الآخر. . . وإنما يندرج حكمه في المقام الذي هو أعلى منه"(477).

ولما وصل هنا قال: "فتأمل هذا الموضع وأعطه حقه يزُل عنك ما يعرض من الغلط في علل المقامات، وتعلم أن دعوى المدعي أنها من منازل العوام ودعوى أنها معلولة غلط من وجهين". وبعد ذكرهما قال: "ولنذكر لذلك أمثلة". وهذا هو المدخل لنقد كتاب ابن العريف، فذكر المثال الأول في الإرادة وقال: إن اللَّه جعلها من منازل صفوة عباده، وقالت طائفة:"الإرادة حلية العوام. . . "(479). ونقل كلامًا طويلًا لابن العريف من كتابه محاسن المجالس ولكن لم يسمّه هنا، بل جعله قول "طائفة" لأن المقصود نقد مذهب، لا نقد شخص بعينه. ثم تكلم عليه من اثني عشر وجهًا.

وفي الفصل الثاني ذكر المثال الثاني وهو في الزهد وهنا فجأة قال: "قال أبو العباس رحمه الله"(492). ولكن من أبو العباس هذا؟ لا يعرف القارئ شيئًا عنه إلى أن يصل بعد استطرادات مهمة إلى ص (545). فيجده يقول: "ولنرجع الآن إلى المقصود، وهو الكلام على ما ذكره أبو العباس ابن العريف في علل المقامات، فقد ذكرنا كلامه في علة مقام الإرادة والكلام عليه، وذكرنا كلامه في مقام الزهد وقوله إنه من مقامات

ص: 34

العامة، وذكرنا أن الكلام على ذلك من وجوه، هذا آخر الوجه الثاني منها. والوجه الثالث:

".

وهكذا تكلم ابن القيم على فصل فصل من كتاب محاسن المجالس حتى إذا وصل إلى فصل المحبة قال: "والمقصود: الكلام على علل المقامات وبيان ما فيها من خطأ وصواب. ولما كان أبو العباس ابن العريف رحمه الله قد تعرض لذلك في كتابه "محاسن المجالس" ذكرنا كلامه فيه وما له وما عليه. ثم ذكر بعدها فصلًا في المحبة وفصلًا في الشوق، فنذكر كلامه في ذلك وما يفتح اللَّه به تتميمًا للفائدة، ورجاء للمنفعة وأن يمنّ اللَّه العزيز الوهاب بفضله ورحمته، فيرقي عبده من العلم إلى الحال، ومن الوصف إلى الاتصاف، إنه قريب مجيب"(639).

فانظر كيف تدرّج ابن القيم رحمه الله بقارئه، فقال له أولًا: إنه سيذكر أمثلة من علل المقامات، وذكر مثال الإرادة، ونقل (479) كلام "طائفة" (وهو فصل من كلام ابن العريف). وفي المثال الثاني قال (492):"قال أبو العباس". وفي المثال الثالث زاد في تعريفه، فقال (545):"أبو العباس بن العريف". وبعد المثال السادس ذكر (639) مع اسمه اسم كتابه أيضًا، فجاءت الإحالة إحالة كاملة. فهل هذا اتفاق أو أسلوب من أساليب التأليف عند ابن القيم رحمه الله؟ أراني أميل إلى الأمر الثاني. ولعلّ تطرّقه في كتاب "مدارج السالكين" إلى شرح "منازل السائرين" للهروي ونقده أيضًا من هذا.

وبقي سؤال، وهو أنّ ابن العريف قد اعتمد في كتابه على كتاب علل المقامات للشيخ الهروي كما ذكر شيخ الإسلام. وقد أشار إليه ابن القيم أيضًا في مدارج السالكين حينما نقل كلام ابن العريف -دون تسميته- في

ص: 35

التوكل نموذجًا لكلام هذه الطائفة في علل المقامات، وردّ عليه، ثم قال (3/ 471)"وهكذا الكلام في سائر علل المقامات، وإنما ذكرنا هذا مثالا لما يذكر من عللها، وقد أفرد لها صاحب المنازل مصنّفا لطيفا وجعل غالبها معلولًا". فلماذا اختار ابن القيم للنقد والنقض كتاب ابن العريف، وترك كتاب الهروي الذي هو الأصل؟ يبدو أن ابن القيم لم يقف على كتاب الهروي لا سيما عند تأليفه طريق الهجرتين ومدارج السالكين.

ص: 36