الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهنا يعطينا ابن القيم قاعدة جليلة في كيفية الاستفادة والانتفاع من قراءة القرآن فيقول: "إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه وألق سمعك واحضر حضور من يخاطبه من تكلم به سبحانه منه إليه فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله".
وإذا ظفر العبد بالعلم والعمل معا زاد إيمانه وثبت ثبوت الجبال الراسيات- نسأل الله من فضله.
2 - العلم بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى:
فإن معرفة أسماء الله وصفاته الواردة في الكتاب والسنة والتي تدل على كمال الله المطلق من كافة الوجوه، من أعظم الأسباب التي تحصل بها قوة الإيمان وكمال اليقين.
وتعلم أسماء الله وصفاته والاشتغال بمعرفتها من أعظم أبواب العلم التي تحصل بها زيادة الإيمان، فشرف العلم بحسب شرف معلومه وشدة الحاجة إليه. إذ لا سبيل إلى معرفة الرب سبحانه إلا بمعرفة أسمائه ونعوته التي تعرف بها سبحانه إلى عباده من الكتاب والسنة الصحيحة، أما ما سوى هذين المصدرين
فلا يجوز الأخذ منه، لأن أسماءه سبحانه وصفاته كلها توقيفية لا تثبت لله إلا بدليل من القرآن أو السنة الصحيحة.
وبحسب معرفة العبد بربه تكون محبته له وخضوعه وطاعته، وبالتالي إيمانه ويقينه.
فأسماء الرب عز وجل ونعوته تثمر في القلب العبودية والخضوع، إذ لكل صفة عبودية خاصة يشهدها القلب ثم يظهر مقتضاها على الجوارح.
وبيان ذلك أن العبد إذا علم بتفرد الرب تعالى بالضر والنفع والعطاء والمنع والخلق والرزق والإحياء والإماتة؛ فإن ذلك يثمر له عبودية التوكل عليه باطنا، ولوازم التوكل وثمراته ظاهراً.
وإذا علم بأن الله سميع بصير عليم لا يخفى عليه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، وأنه يعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فإن هذا يثمر له حفظ اللسان
والجوارح وخطرات القلب عن كل ما لا يرضي الله، وأن يجعل تعلقات هذه الأعضاء بما يحبه الله ويرضاه.
وإذا علم بأن الله غني كريم بر رحيم واسع الإحسان، فإن هذا يوجب له قوة الرجاء، وهذا يثمر أنواع العبودية الظاهرة والباطنة بحسب معرفته وعلمه.
وإذا علم بكمال الله وجماله أوجب له هذا محبة خاصة وشوقا عظيما إلى لقاء الله، وهذا يثمر أنواعاً كثيرة من العبادة.
فلا بد للعبد أن يعرف أن له ربا قد اجتمعت له صفات الكمال ونعوت الجلال، منزه عن المثال، بريء من النقائص والعيوب، له كل اسم حسن وكل وصف كمال، فعَّال لما يريد، فوق كل شيء، ومع كل شيء، وقادر على كل شيء، ومقيم لكل شيء، آمر ناه، متكلم بكلماته الدينية والكونية، أكبر من كل شيء، وأجمل من كل شيء، أرحم الراحمين، وأقدر القادرين، وأحكم الحاكمين، فالقرآن أنزل لتعريف عباده به، وبصراطه الموصل إليه، وبحال السالكين بعد الوصول إليه.
وكما قال ابن القيم رحمه الله تعالى: من أعز أنواع المعرفة: معرفة الرب سبحانه بالجمال، وأتمهم معرفة من عرفه بكماله وجلاله وجماله سبحانه، ليس كمثله شيء في سائر صفاته، ويكفي في جماله أنه لو كشف الحجاب عن وجهه لأحرقت سبحاته ما انتهى إليه بصره من خلقه، ويكفي في جماله أن كل جمال ظاهر وباطن في الدنيا والآخرة من آثار صنعه فما الظن بمن صدر عنه هذا الجمال، ويكفي في جماله أن لنور وجهه أشرقت الظلمات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الطائف "أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة".
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "ليس عند ربكم ليل ولا نهار نور السموات والأرض من نور وجهه فهو سبحانه نور السموات والأرض، ويوم القيامة إذا جاء لفصل القضاء تشرق الأرض بنوره".
ثم قال رحمه الله "وجماله سبحانه على أربع مراتب: جمال الذات، وجمال الصفات، وجمال الأفعال، وجمال الأسماء، فأسماؤه كلها حسنى وصفاته كلها صفات كمال، وأفعاله كلها حكمة ومصلحة وعدل ورحمة، وأما جمال الذات، وما هو عليه محجوب بستر الرداء والإزار، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري".
قال ابن عباس: "حجب الذات بالصفات وحجب الصفات بالأفعال فما ظنك حجب بأوصاف الكمال وستر بنعوت العظمة والجلال.
فإن العبد يترقى من معرفة الأفعال إلى معرفة الصفات، ومن معرفة الصفات إلى معرفة الذات، فإذا شاهد شيئا من حسن
جمال الأفعال استدل به على جمال الصفات، ثم استدل بجمال الصفات على جمال الذات" انتهى كلامه بتصرف.
فلا شك بعد ذلك في أن العبد كلما تعرف إلى ربه زاد حبه وإيثاره لمرضاته، وبالتالي زاد إيمانه ويقينه، كما أن معرفة الله تقوي في العبد جانب الخوف والمراقبة كما قال تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "أي إنما يخشى الله حق خشيته العلماء العارفون به، لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم العليم الموصوف بصفات الكمال المنعوت بالأسماء الحسنى، كلما كانت المعرفة به أتم والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر".
فمن كانت معرفته بالله كذلك، كان من أقوى الناس إيمانا وأحسنهم إجلالاً ومراقبة لله عز وجل، وأكثرهم طاعة وتقربا إليه وبعداً عن معاصيه ومساخطه.
قال بشر رحمه الله تعالى: "لو تفكر الناس في عظمة الله تعالى ما عصوه عز وجل".