الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محبتهم في القلب ورغبة التحلي بصفاتهم لكفى لأنه كما جاء في الحديث: "المرء يحشر مع من أحب".
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "ومن كان بهم أشبه كان ذلك فيه أكمل" و"من تشبه بقوم فهو منهم".
وموضع التأمل والبحث في سير وأخبار هؤلاء الأخيار يكون في: كتب التاريخ والسير، والزهد، والرقائق، والورع وغيرها.
ثانياً: التأمل في آيات الله الكونية:
فالتأمل في آيات الله الكونية ومخلوقاته العظيمة من سماء وأرض، وليل ونهار، وجبال وأشجار وبحار وأنهار، وغير ذلك مما لا يحصى، مما خلق الباري عز وجل وأودع في هذا الكون الفسيح، فإن من تأملها وأمعن النظر وأجال الفكر فيها، يعود عليه ذلك بالنفع وتقوية الإيمان وتثبيته؛ لأن التفكر الذي حقيقته النظر
والاعتبار يكون به الإدراك الواعي لوحدانية الله وعظيم ملكه وكمال قدرته، يفجر فيقلب العبد ينابيع الإيمان وتعظيم الله وإجلاله، وينبهه إلى كثرة نعمه وآلائه.
وكذلك فإن من وراء التفكر الواعي بأحوال الناس والنفس والدنيا وسرعة زوالها وانقضائها، وفي الصفات المهلكة والصفات المنجية، يكون الاعتزاز بالله وحده والذل لوجهه سبحانه والترفع عن الهوان لغيره، وإحياء الجوانب الفاضلة والحسنة في القلب وإزهاق النوازع الخبيثة والرديئة، ويقوي الرغبة فيما عند الله والدار الآخرة. وكان سفيان بن عينيه يقول:"إذا المرء كانت له فكرة ففي كل شيء له عبرة" ..
ومما يُربى في النفس فضيلة التفكر، دعوة القرآن إلى النظر في آيات الله، ومفعولاته التي هي مخلوقاته وآثار صنعه، والتي هي أعظم دليل على وحدانيته وتفرده، فقال الله تعالى في سورة الحشر {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} .
وربط بين التفكر والعبرة وبين مواطنها المتعلقة بما خلق الله وأبدع في كونه من أشياء داعية إلى توحيده وخشيته فيقول في سورة النحل: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ} (66) سورة النحل.
ويقول في سورة النور: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ} .
وكما قال الشاعر:
وفي كل شيء له آية
…
تدل على أنه الواحد
وكأن التفكر لصاحبه رائد يهديه إلى طريق ربه ويحول بينه وبين الانصراف عنه. وإذا كان التفكر بهذه المنزلة، وثمرته بتلك المكانة، فالمصيبة كبيرة حين يحرم الإنسان ذلك الجانب من العبادة، فالذي يمر على الآية العظيمة والخلق الباهر والعبرة الموقظة دون أن يدركها أو يتأثر بها أو يعتبر عندها، دال على تجمد تفكيره وإدراكه وتبلد شعوره وإحساسه، ويكون بمنزلة من
فقد العقل أو البصر أو كما وصفهم الرب عز وجل {أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ}
وقد ذكر الحسن أن معنى الصرف هنا هو أن الله جل جلاله يمنع هؤلاء الأشقياء من التفكر في أمر الله عز وجل.
وقد يسأل سائل عن طريق التفكر وكيف الوسيلة إلى تحقيقه، وجواب ذلك أن التفكر هو عمل قلبي تأتي الجوارح تبعاً له، وعبادة تحتاج إلى نية وبذل وجهد وقصد، ثم إنه يأتي بحمل النفس على ذلك والمحاولة وتكرار ذلك، لأن التكرار يورث التعود، ويعاون على التفكر الصمت والسكون والخلوة بالنفس
حتى يسبح الفكر في آفاق التذكر والتدبر بلا شواغل ولا قواطع، كانتهاز فرصة الذهاب إلى رحلات البر أو البحر أو الصعود إلى سطح المنزل، والتفكر في بديع صنع السماء، وكذا يفتش في عجيب صنع نفسه وتغير مراحله وأحواله، وقد سئل أعرابي: بما عرفت ربك؟ فرد بجواب المتفكر: بنقض العزائم وصرف الهمم.
وهذا هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوجه الانتباه إلى التفكر والاعتبار بأحوال الخلق وضعفهم ونهايتهم وحقارة الدنيا وسرعة انقضائها فيقول: "أولستم ترون أهل الدنيا يمسون ويصبحون على أحوال شتى، فميت يبكى، وآخر يعزى، وصريع مبتلى، وعائد يعود، وآخر بنفسه يجود، وطالب الدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وعلى أثر الماضي يمضي الباقي".