المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌تمهيد:

- ‌ما هو الإيمان وما حقيقته

- ‌ سؤال مهم جداً:

- ‌القلوب ثلاثة:

- ‌مظاهر ضعف الإيمان

- ‌1 - اقتراف الذنوب مع استصغارها والإصرار عليها:

- ‌2 - التقاعس عن الطاعات والتثبيط دونها:

- ‌3 - التنافس على الدنيا:

- ‌4 - الغفلة عن ذكر الله عز وجل:

- ‌5 - إهمال محاسبة النفس:

- ‌6 - عدم أو ضعف التأثر بالآيات والمواعظ:

- ‌7 - ظهور الأخلاق السيئة:

- ‌8 - الاستئناس بمجالس المعصية ومعاشرة أهلها:

- ‌مظاهر قوة الإيمان:

- ‌1 - سرعة الانقياد للشرع:

- ‌2 - اجتناب لوثات الشرك:

- ‌3 - مدافعة الوساوس الشيطانية:

- ‌4 - الحب في الله واستشعار الأخوة للمؤمنين:

- ‌5 - بغض أعداء الله ومجانبتهم:

- ‌6 - الخلق الحسن:

- ‌7 - الصمود في مواجهة الفتن:

- ‌أسباب زيادة الإيمان وتقويته

- ‌أولا: تعلم العلم النافع:

- ‌1 - قراءة القرآن الكريم وتدبره:

- ‌2 - العلم بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى:

- ‌3 - دراسة سنة النبي صلى الله عليه وسلم والتأمل في سيرته:

- ‌4 - قراءة سيرة سلف هذه الأمة:

- ‌ثانياً: التأمل في آيات الله الكونية:

- ‌ثالثاً: الاجتهاد في الأعمال الصالحة:

- ‌2 - أعمال اللسان:

- ‌الخاتمة:

الفصل: ‌2 - أعمال اللسان:

لذلك كان أكمل المؤمنين إيماناً هم أهل المحبة الذين انعقدت قلوبهم على محبة الله عز وجل ومحبة ما يحبه وبغض ما يبغضه، وكذلك أهل التوكل الذين بلغوا أعلى قمة الإيمان لذلك العمل القلبي فأدخلهم بعد رحمة الله الجنة بغير حساب، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم في صفتهم "وعلى ربهم يتوكلون".

‌2 - أعمال اللسان:

كذكر الله عز وجل وحمده والثناء عليه وقراءة كتابه والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم والاستغفار والدعاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله .. وغير ذلك من الأعمال التي تكون باللسان .. فلا شك أن القيام بها والمداومة عليها والإكثار منها من أعظم أسباب زيادة الإيمان.

قال الشيخ السعدي رحمه الله: ومن أسباب دواعي الإيمان الإكثار من ذكر الله كل وقت، فإن ذكر الله يغرس شجرة الإيمان في القلب، ويغذيها وينميها، وكلما ازداد العبد ذكراً لله قوي

ص: 63

إيمانه، كما أن الإيمان يدعو إلى كثرة الذكر، فمن أحب الله أكثر من ذكره، ومحبة الله هي الإيمان بل هي روحه.

وقد ورد في الكتاب والسنة نصوص كثيرة في الأمر بالذكر والحث على الإكثار في الأمر بالذكر والحث على الإكثار منه بما يبين أهميته قال تعالى {وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} . وقال تعالى {أَلَا بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} .

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأرضاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: وما ذلك يا رسول الله؟ قال: ذكر الله".

ص: 64

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تبارك وتعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه

" وغيرها من النصوص الدالة على فضل الذكر وأهميته، وفضل الاشتغال به.

فإن أعرض الإنسان عن ذلك ولم يشغل لسانه بذكر الله عز وجل، اشتغل لسانه بغير ذلك من اللغو والخوض الباطل والغيبة والفحش؛ لأن العبد لابد له أن يتكلم، فإن لم يتكلم بذكر الله تعالى وذكر أوامره تكلم بهذه الأمور.

قال ابن القيم: "فإن اللسان لا يسكت ألبتة، فإما لسان ذاكر وإما لسان لاغ، ولابد من أحدهما، فها هي النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وكذلك القلب، إن لم تسكنه محبة الله عز وجل، سكنته محبة المخلوقين ولابد، وهذا اللسان، إن لم تشغله بالذكر، شغلك باللغو، وهي عليك ولابد، فاختر لنفسك إحدى الخطتين، وأنزلها في إحدى المنزلتين".

ص: 65

فالإيمان يزيد من حيث القول؛ فإن من ذكر الله عشر مرات ليس كمن ذكر الله مئة مرة، فالثاني أزيد بكثير.

ثم إن من أعظم العبادات القولية التي تزيد في الإيمان الدعاء والدعوة إلى الله، ولأهمية هذين الأمرين ولعظم نفعهما في زيادة الإيمان لزم الحديث عنهما:

- أما الدعاء فهو من أقوى الأسباب لتقوية الإيمان؛ لأنه في حقيقته هو العبادة كما قال صلى الله عليه وسلم: "الدعاء هو العبادة".

فالعبد عندما يتوجه إلى ربه بالدعاء فإن ذلك يدل على ما في القلب من الثقة بالله وحسن الظن به، وفيه أيضاَ تظهر عبودية الافتقار إلى الله والذل والخضوع له، وكلما حقق ذلك أكثر كان إلى الله أقرب. قال صلى الله عليه وسلم "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء".

ص: 66

وكذلك بالدعاء يتوجه العبد إلى ربه بطلب التوفيق إلى أسباب زيادة الإيمان وتقوية اليقين لأن الله سبحانه هو مسبب الأسباب وميسر الأمور، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم".

وتقدم معنا أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان يقول في دعائه "اللهم زدني إيماناً ويقيناً وفقهاً".

- أما الدعوة إلى الله تعالى وإلى دينه ففيها يكمّل العبد نفسه وإيمانه ويكمَل غيره.

كما أقسم الله تعالى بالعصر أن جنس الإنسان لفي خسر إلا من أتصف بصفات أربع: الإيمان والعمل الصالح اللذين بهما تكمل النفس، والتواصي بالحق الذي هو العمل النافع، والصبر على ذلك كله، وبهما تكمل الهداية للنفس وللغير.

والدعوة إلى الله من أكبر مقويات الإيمان؛ لأن صاحبها يسعى إلى نصرة هذه الدعوة ويقيم الأدلة والبراهين لتحقيقها،

ص: 67

فالجزاء من جنس العمل، فكما سعى إلى تكميل العباد ونصحهم وتوصيتهم فإن الله يجازيه بتأييده بنور منه وقوة إيمان.

وكما تصدى لنصره الحق فإن الله يفتح عليه الفتوحات العملية والإيمانية بمقدار صدقه وإخلاصه.

قال تعالى: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} . وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} .

كما ينبغي للآمر الناهي الداعي إلى الله أن يلتزم الصدق والإخلاص، وأن يلتزم في دعوته بالحكمة والرفق، والصبر على المدعوين والعلم بما يدعوهم إليه، فإن تحققت فيه هذه الأوصاف أثمرت دعوته ونفعت بإذن الله، وكانت سبباً لقوة إيمانه، وقوة إيمان المدعوين.

ص: 68

3 -

وأما أعمال الجوارح:

من صلاة وصيام وحج وصدقة وجهاد وغير ذلك من الطاعات، فهي كذلك من أسباب زيادة الإيمان، فالاجتهاد في القيام بالطاعات التي افترضها الله على عباده، وبالقربات التي ندب عباده إليها، والإتيان بها على أحسن الوجوه وأكملها، من أعظم أسباب قوة الإيمان وزيادته.

قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ* أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (1 - 11) سورة المؤمنون.

ص: 69

فهذه الصفات الثماني، كل واحدة منها تثمر الإيمان وتنميه، كما أنها من صفات الإيمان وداخلة في تفسيره.

فحضور القلب في الصلاة، وكون المصلي يجاهد نفسه على استحضار ما يقوله ويفعله من القراءة والذكر والدعاء فيها، ومن القيام والقعود، والركوع والسجود، من أسباب زيادة الإيمان ونموه.

وقد سمى الله الصلاة إيماناً بقوله: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} سورة البقرة (143). وقوله: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} (45) سورة العنكبوت. فهي أكبر ناه عن كل فحشاء ومنكر ينافي الإيمان، كما أنها تحتوي على ذكر الله الذي يغذي الإيمان وينميه لقوله:{ولذكر الله أكبر} .

ص: 70

والزكاة كذلك تنمي الإيمان وتزيده، فرضها ونفلها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"والصدقة برهان" أي: على إيمان صاحبها، فهي دليل الإيمان، تغذيه وتنميه.

والإعراض عن اللغو الذي هو كل كلام لا خير فيه، وكل فعل لا خير فيه، بل يقولون الخير ويفعلونه، ويتركون الشر قولاً وفعلاً، ولا شك أنه من الإيمان ويزداد به الإيمان.

ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم إذا وجدوا غفلة أو تشعث في إيمانهم، يقول بعضهم لبعض "اجلس بنا نؤمن ساعة" فيذكرون الله، ويذكرون نعمه الدينية والدنيوية، فيتجدد بذلك إيمانهم.

وكذلك العفة عن الفواحش خصوصاً فاحشة الزنا ولا ريب أن هذا من أكبر علامات الإيمان ومنمياته، فالمؤمن لخوفه مقامه بين يدي ربه {ونهى النفس عن الهوى} إجابة لداعي الإيمان.

ص: 71

ورعاية الأمانات والعهود وحفظها من علامات الإيمان، وفي الحديث "لا إيمان لمن لا أمانة له"، وإذا أردت أن تعرف إيمان العبد ودينه، فانظر حاله هل يرعى الأمانات؟ وهل يرعى الحقوق والعهود والعقود التي بينه وبين الله والتي بينه وبين العباد؟ فإن كان كذلك فهو صاحب دين وإيمان .. وإن لم يكن نقص من دينه وإيمانه بمقدار ما انتقص من ذلك.

وختمها بالمحافظة على الصلوات على حدودها وحقوقها، وأوقاتها، لأن المحافظة على ذلك بمنزلة الماء الذي يجري على بستان الإيمان فيسقيه وينميه، ويؤتي أكله كل حين.

وشجرة الإيمان محتاجة إلى تعاهد كل وقت بالسقي وهو المحافظة على أعمال اليوم والليلة من الطاعات والعبادات، وإلى إزالة ما يضرها من الصخور والنوابت الغريبة الضارة، وهو

ص: 72

العفة عن المحرمات قولاً وفعلاً فمتى تمت هذه الأمور حيا هذا البستان وزها، وأخرج الثمار المتنوعة.

وبهذا البيان يتضح لنا شدة أثر الأعمال الصالحة في زيادة الإيمان، وأن القيام بها والإكثار منها سبب عظيم من أسباب زيادته.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ولزيادة الإيمان أسباب منها: فعل الطاعة فإن الإيمان يزداد به بحسب حسن العمل، وجنسه، وكثرته، فكلما كان العمل أحسن كانت زيادة الإيمان به أعظم، وحسن العمل يكون بحسب الإخلاص والمتابعة، وأما جنس العمل فإن الواجب أفضل من المسنون وبعض الطاعات أوكد وأفضل من البعض الآخر، وكلما كانت الطاعة أفضل كانت زيادة الإيمان بها أعظم، وأما كثرة العمل فإن الإيمان يزداد بها لأن العمل من الإيمان فلا جرم أن يزيد بزيادته.

ص: 73

فالصلاة إيمان، والحج إيمان، والصدقة إيمان والجهاد إيمان بشرط الإخلاص والمتابعة، ومجالسة أهل الخير ومرافقتهم إيمان، بل هو سبب عظيم من أسباب زيادة الإيمان لما يكون في مجالستهم من التذكير بالله تعالى والترغيب في رحمته وعفوه، والترهيب من سخطه وعذابه، وما في مجالستهم من تحريك بواعث التنافس في الخير ودفع العزائم والهمم إلى فعل الطاعات وترك المعاصي.

وقد قال صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".

وكما بين الله تعالى أن القلوب تستفيد من مجالس الذكر ويحدث لها نشاطاً وهمه ويوجب لها الانتفاع والارتفاع، بخلاف مجالس اللهو والغفلة فإنها من أعظم أسباب نقص الإيمان.

ص: 74

ولهذا كان سلفنا الصالح أشد الناس عناية بمجالس الذكر والحرص عليها وأشدهم بعداً عن مجالس اللهو والغفلة.

وسبب أخير نختم به هذه الأساليب، ينبغي العناية به وعدم إغفاله: وهو أن الأمور السابقة جميعها تتطلب مجاهدة للنفس وتوطينها على الإتيان بها وتحقيقها فالإيمان لا يأتي دفعة واحدة كما أنه لا يقف عن حد، بالإضافة إلى أن ذلك أيضاَ يستلزم محاسبة النفس على جميع ما من شأنه إنقاص الإيمان أو إضعافه والتوبة مما يقع منها وبالله التوفيق ..

ص: 75