المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌مقدمة الطبعة الثامنة

‌مقدمة الطبعة الثامنة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

فها هي ذا الأيام تمضي، يزداد حال الأمة الإسلامية سوءًا ويشتد ظلام ليلها، وتتعالى الأصوات من هنا وهناك: هل لهذا الليل من آخر؟!

هل تأخر الفجر فما ينبغي لأحد أن ينتظره؟!

هل من نهاية لهذا الذل والهوان؟!

هل

هل

هل

أسئلة كثيرة تختلج في صدور الكثير من أبناء هذه الأمة، وهم يرون مدى ما وصل إليه حال أمتهم من ذل وضياع وهوان.

فبعد أن كان أعداؤها يُسرُّون بعدائهم إليها، أصبحوا الآن يجاهرون به، بعد أن نجحت خططهم في إضعافها وتقنيتها وتمزيقها.

والآن حان الوقت -كما يقولون- للقضاء عليها والتخلص منها.

وما يحدث للمسلمين في هذه الأيام خير شاهد على ذلك.

فلقد أصبحت أخبار المذابح التي يتعرض لها المسلمون مادة أساسية في غالبية وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة.

وما توقف يوماً سيل دماء المسلمين.

واشتد صراخ اليتامى، وبكاء الثكالى، وأنين المعذبين.

وازدادت المرارة في الحلق، وما صار للحياة طعم.

فهل من نهاية لما نحن فيه؟!

ص: 5

هل كُتب علينا أن نتجرع كؤوس الذل والهوان؟!

لقد دعونا الله كثيراً في قيامنا وسجودنا، وفي ليلنا ونهارنا، أن يرفع سبحانه وتعالى عنا ما نحن فيه، فما تغير حالنا.

هل لأننا لا نستحق تلقي نصر الله؟!

فكما نعتقد ونعلم أن الله عز وجل أغير على دينه منا، ويستطيع جل شأنه أن يغيرنا نحن، ويخسف بأعدائه، ويمكن لدينه في أقل من لمح البصر.

ولكن لمن سيكون هذا التمكين؟

لقد وعد الله طائفة من عباده المسلمين بنصرهم على أعدائهم، وتمكينهم في الأرض.

هذه الطائفة هم عباده الذين نصروه على نفوسهم، ومكنوا لدينه في قلوبهم، أخضعوا مشاعرهم وعواطفهم لربهم، فأحبوا لله وأبغضوا في الله، ووالوا من يوالي الله، وعادوا من يعادي الله، وخافوا من الله، وفرحوا بفضل الله، وتوكلوا على الله، ورضوا بما أعطاهم الله و

باعوا نفوسهم لربهم، فما أصبح لها في أقوالهم وأفعالهم حظ ولا نصيب. فقبل الله منهم البيع، ونصرهم على عدوه وعدوهم في الدنيا، ووعدهم بالجنة ثمناً لهذا البيع في الآخرة.

مصدقاًَ لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ

} (1).

لقد وضع الله عز وجل شرطاً أساسياً لنُصرة عباده كما قال تعالى: {إِنْ

(1) التوبة: 111.

ص: 6

تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (1) وقال: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} (2).

وهذا الشرط هو نُصرة الله على أنفسنا {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (3).

فإن نصْرنا الله على أنفسنا، نصَرَنا على أعداءنا، وإن نصرناها عليه خذلنا أمامهم، وتركهم يتمكنون من ديارنا وأعراضنا وأموالنا.

وما حالنا وما وصلنا إليه إلا ترجمة عملية لخذلان الله لنا، فقد نسيناه ونصرنا أنفسنا عليه، فنسينا وخذلنا أمام أعدائنا.

فإن كنا نبغي حقاً النجاة لأنفسنا والعزة لديننا، فلنرفع راية الجهاد ولنعلن الحرب على نفوسنا، ولنجاهدها في جنب الله حتى ننصره عليها، فنصبح مؤهلين لتلقي نصره كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ

(1) محمد: 7.

(2)

الحج: 40.

(3)

الرعد: 11.

ص: 7

آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (1).

وفي هذا الكتاب حاولت -بفضل الله ومنته- إلقاء الضوء ما أجملته في هذه المقدمة.

فتحدثت عن النفس وأنها أعدى أعدائنا، وتحدثت عن ضرورة إصلاحها وكيف يكون.

وتحدثت أيضاً عن الدعوة إلى الله وأهمية القيام بها، وفرضيتها في هذا الوقت.

وفي النهاية تحدثت عن كيفية الجمع بين إصلاح النفس ودعوة الغير، ولا أستطيع أن أدعي أنى بهذه الصفحات قد بينت معالم الطريق كاملة بل هي بعضها والتي يمكن للمسلم من خلالها أن يخطو خطواته الأولى في طريقه إلى الله، ولقد وفقني الله -بفضله وتأييده- لجمعها فالخير فيها من الله والشر فيها من نفسي وما أبرئها، والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء الصراط،،

القاهرة 1413هـ - أغسطس 1992م

(1) المائدة: 54 - 57.

ص: 8